المقصد الأوّل فی الأوامر

ذکر وتنبیه‏: فی الصلاة المعادة

ذکر وتنبیه : فی الصلاة المعادة

‏ ‏

‏ربّما یستدلّ لجواز تبدیل الامتثال بامتثال آخر بما ورد من جواز إعادة من‏‎ ‎‏صلّیٰ فرادیٰ جماعةً وإنّ الله یختار أحبّهما إلیه‏‎[1]‎‏ ، وعلیه فتوی الأصحاب .‏

‏وممّن استدلّ بذلک المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ ؛ فإنّه بعد أن ذهب إلیٰ جواز تبدیل‏‎ ‎‏الامتثال بامتثال آخر فیما لم یکن الامتثال علّة تامّة لحصول الغرض .‏

‏قال : «یؤیّد‏‎[2]‎‏ ذلک ـ بل یدلّ علیه ـ ما ورد من الروایات فی باب إعادة من‏‎ ‎‏صلّیٰ فرادیٰ جماعةً ، وإنّ الله یختار أحبّهما إلیه‏‎[3]‎‏»‏‎[4]‎‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 303
وفیه :‏ أنّ ما استشهد ‏‏قدس سره‏‏ علیٰ جواز تبدیل الامتثال لو لم یدلّ علیٰ عدم الجواز‏‎ ‎‏لم یکن دلیلاً علی الجواز ؛ وذلک لأنّه لو لم یکن الأمر بالصلاة ساقطاً بما صلاّه فرادیٰ‏‎ ‎‏لابدّ وأن لا یدعو الأمر الثانی إلاّ إلیٰ ما دعیٰ إلیه الأمر الأوّل ؛ وهو نفس طبیعة‏‎ ‎‏الصلاة . ولکن من الواضح أنّ مفاد أدلّة الصلاة المعادة جماعة لیس نفس طبیعة‏‎ ‎‏الصلاة ، بل الطبیعة المتقیّدة بکونها جماعة ، فإذا کانت دعوة الأمر الثانی إلیٰ غیر ما‏‎ ‎‏دعیٰ إلیه الأمر الأوّل فیستکشف من ذلک إنّاً عدم بقاء الأمر الأوّل ، ولا یکون ذلک‏‎ ‎‏دلیلاً علیٰ جواز تبدیل الامتثال .‏

وبالجملة :‏ أنّ الأمر بالصلاة قد سقط بالإتیان بها أوّلاً فرادیٰ ، ولکن دلّت‏‎ ‎‏الأخبار علی استحباب فعلها جماعة لو اتّفقت ؛ لأنّها أفضل ، وإنّ الله یختار أحبّهما‏‎[5]‎‏ .‏

‏هذا کلّه فی الجهة الاُولیٰ ، وقد عرفت عدم إمکان تبدیل الامتثال .‏

أمّا الجهة الثانیة :

‏وهـی أنّه بعـد امتناع تبدیل الامتثال هل یجـوز تبدیل مصداق مـن الطبیعة‏‎ ‎‏التی أتـیٰ به المکلّف بعنوان المصداق ، بمصداق آخـر مـن تلک الطبیعة التی کانت‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 304
‏مأمـورة بها وسقطت مطلقاً ، أو لا کـذلک ، أو یفصّل ؟‏

فنقول :‏ الحقّ فیها التفصیل بین ما لو کان الإتیان علّة تامّة لحصول الغرض‏‎ ‎‏فلایجوز ، وبین ما لم یکن کذلک فیجوز .‏

‏ووجهه واضح ؛ لأنّه إذا کان الإتیان علّة تامّة لحصول الغرض فبعد حصوله‏‎ ‎‏لا معنیٰ لتحصیله ثانیاً ، ولا یکون ذلک امتثالاً وإطاعة ، بل ربّما یُعدّ إتیان الثانی‏‎ ‎‏مبغوضاً للمولیٰ ، مثل ما إذا کان العبد مأموراً بإعطاء ألف دینار برجلٍ ، فلو لم یکتف‏‎ ‎‏بذلک وأعطاه ألفاً آخر لتضرّر المولیٰ بذلک ولا یرضیٰ به‏‎[6]‎‏ ، وهذا واضح .‏

‏وأمّا إذا لم یکن الإتیان علّة تامّة لحصول الغرض ـ وإن کان علّة لسقوط‏‎ ‎‏الأمر ـ فیجوز له ذلک ؛ وذلک لأنّه إذا أتی العبد بمصداق من الطبیعة ؛ بأن أتیٰ مولاه‏‎ ‎‏بقدح من الماء ، فقبل أن یشربه المولیٰ له تبدیل ذلک القدح بقدح زجاجی ، بل یُعدّ‏‎ ‎‏فعله ذلک حسناً ، من دون احتیاج فی ذلک إلیٰ وجود الأمر .‏

‏بل إذا علم العبد أنّ للمولیٰ غـرض لازم الاستیفاء ، کأن غـرق ولـد عزیز‏‎ ‎‏لمولاه ، فیجب علی العبد إنقاذه وإن لم یأمـره مـولاه ؛ بأن کان غافلاً أو نائماً أو غائباً .‏‎ ‎‏بل إذا نهاه المولیٰ عـن إنقاذ الغـریق بتوهّم أنّ الغـریق عدوّه ، یجب علـی العبد‏‎ ‎‏مخالفته وإنقاذ ولده .‏

‏وبالجملة : لم یکن للأمر موضوعیة ولم یکن ملحوظاً برأسه ، بل هو طریق‏‎ ‎‏یتوصّل به إلی الأغراض والمصالح ؛ ولذا لو أمکن للمولیٰ طریق آخر یتوصّل به إلیٰ‏‎ ‎‏غرضه لتشبّث به أیضاً ؛ حتّیٰ فی التعبّدیات . والحاصل : أنّه إذا لم یکن الإتیان بالمأمور‏‎ ‎‏به علّة تامّة لحصول الغرض فالعقل یحکم بجواز إتیان مصداق آخر أوفیٰ ، لا من باب‏‎ ‎‏تبدیل الامتثال ، بل من باب تحصیل الغرض ، فتدبّر .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 305

  • )) قلت : ففی صحیح هشام بن سالم عن أبی عبدالله علیه السلام أنّه قال فی الرجل یصلّی الصلاة وحده ثمّ یجد جماعة .     قال علیه السلام : «یصلّی معهم ویجعلها الفریضة إن شاء»(أ) .     وحسن حفص بن البختری عن أبیعبدالله علیه السلام فی الرجل یصلّی الصلاة ثمّ یجد جماعة ، قال : «یصلّی معهم ویجعلها الفریضة»(ب) إلیٰ غیر ذلک من الأخبار . [المقرّر حفظه الله ] .
  • )) قلت : لعلّ التعبیر بالتأیید ـ کما قیل ـ لاحتمال کون مورد الروایات المشار إلیها من صغریات تعدّد المطلوب ، فیکون الغرض القائم بالجماعة مطلوباً آخر غیر مطلوبیة نفس طبیعة الصلاة ، فیکون باب الصلاة المعادة أجنبی عن مورد تبدیل الامتثال الذی مورده وحدة المطلوب والأمر .     ولکن استظهر  قدس سره من الروایتین جواز التبدیل بلحاظ ظهورهما فی جواز التبدیل ؛ إذ لا وجه لجعل الصلاة المعادة جماعة هی الفریضة إلاّ ذلک . [المقرّر حفظه الله ] .
  • )) راجع وسائل الشیعة 5 : 456 ، کتاب الصلاة ، أبواب صلاة الجماعة ، الباب54 ، الحدیث10 .
  • )) کفایة الاُصول : 108 .ــــــــــــــــــــــــــأ ـ الفقیه 1 : 251 / 1132 ، وسائل الشیعة 5 : 455 ،أبواب صلاة الجماعة ، الباب54 ، الحدیث1.ب ـ الکافی 3 : 379 / 1 ، وسائل الشیعة 5 : 457 ، أبواب صلاة الجماعة ، الباب54 ، الحدیث11 .
  • )) قلت : وبعبارة اُخریٰ ـ کما أفاده سماحة الاُستاذ ، دام ظلّه فی الدورة السابقة ـ أنّ ذلک لیس من باب تبدیل الامتثال بامتثال آخر ، بل من باب تبدیل فرد ومصداق من المأمور به بفرد ومصداق آخر أفضل ؛ وذلک لأنّ تبدیل الامتثال یتوقّف علیٰ تحقّق امتثالین مترتّبین ؛ بمعنیٰ أنّه لابدّ وأن یکون للمولیٰ أمر متعلّق بطبیعة فیمتثله المکلّف دفعة مع بقاء الأمر ، ثمّ یمتثله ثانیاً ویجعل المصداق الثانی الذی تحقّق به الامتثال بدل الأوّل الذی تحقّق به الامتثال الأوّل . وأمّا تبدیل مصداق المأمور به الذی تحقّق به الامتثال بمصداق آخر غیر محقّق للامتثال ، لکن محصّل للغرض اقتضاءً مثل المصداق الأوّل أو بنحو أوفیٰ ، فهو لا یتوقّف علیٰ بقاء الأمر ، بل من قبیل تبدیل مصداق المأمور به بمصداق آخر لا بصفة کونه مأموراً به . فالمراد بقوله علیه السلام : «یجعلها فریضة» أنّه یأتی بالصلاة ناویاً الظهر أو العصر مثلاً ، لا إتیانه امتثالاً للأمر الواجب ؛ ضرورة سقوطه بإتیان الصلاة الجامعة للشرائط.[المقرّر حفظه الله ] .
  • )) قلت : وفـی کـون المثال مـن باب تبدیل الامتثال نحـو خفاء ، کما لا یخفیٰ . [المقرّر حفظه الله ] .