المورد الثانی : فیما ینبغی أن یبحث فیه
والکلام فیه یقع فی جهتین :
الاُولیٰ : فی إمکان تبدیل الامتثال بامتثال آخر بما هو امتثال .
والثانیة : فی أنّه لو امتنع تبدیل الامتثال مطلقاً ـ کما نقوله نحن ـ فهل یجوز تبدیل مصداق من الطبیعة التی أتیٰ به المکلّف بعنوان الامتثال بمصداق آخر من تلک الطبیعة التی کانت مأمورة بها سابقاً ، وسقطت بإتیان مصداقه الأوّل مطلقاً ، أو لا کذلک ، أو یفصّل بین ما کان الإتیان علّة تامّة لحصول الغرض فلا یجوز ، وبین ما لم یکن کذلک فیجوز ؟
أمّا الجهة الاُولیٰ : فتبدیل امتثال الأمر بما هو هو أمر غیر معقول ـ سواء حصل الغرض بامتثال الأوّل أم لا ـ وذلک لأنّ ما أتیٰ به أوّلاً إمّا یکون مصداقاً للطبیعة المأمور بها أم لا ، فعلی الأوّل حصل الامتثال وتمّ اقتضاء الأمر وباعثیته ، فلم یبق الأمر بعد لیحصل الامتثال به ثانیاً .
وإن لم یکن مصداقاً للطبیعة المأمور بها ؛ بأن کان فاقداً لجزء أو شرط ـ مثلاًـ
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 297
فلم یحصل الامتثال به بعد ، فلم تصل النوبة إلی امتثال آخر .
فما أفاده المحقّق الخراسانی وشیخنا العلاّمة الحائری من أنّه إذا لم یکن الامتثال علّة تامّة لحصول الغرض یجوز له تبدیل الامتثال ، فإن أرادا معنی یرجع إلی الجهة الثانیة فلا مضایقة فیه ، ولکن لا یکون ذلک تبدیل الامتثال بما هو امتثال ، ووجهه هو الذی ذکرناه .
وإن أرادا أنّ الأمر باقٍ لبقاء علّته ـ وهو عدم حصول غرض المولیٰ بعد ـ فمعناه وجوب إتیان الطبیعة ثانیاً وثالثاً ، إلی أن یحصل غرضه ، لا جوازه ، ولا یلتزم هما به ؛ لأنّ ما یقولان به هو جواز الإتیان ثانیاً ، ولا دلیل یدلّ علیٰ جواز الإتیان ثانیاً . ولو وجب إتیانه ثانیاً وثالثاً وهکذا فلم یرتبط بمسألة تبدیل الامتثال ، ویکون ذلک مثال من قال : إنّ الأمر یدلّ علی التکرار ، هذا أوّلاً .
وثانیاً : أنّ علّیة الغرض للأمر لیست علّیة تکوینیة نظیر علّیة الشمس للإشراق بحیث یکون هناک أوامر متعدّدة ببقاء الغرض . بل المراد بالعلّیة هنا هی أنّ الغرض یصیر سبباً لتصوّر المولی الأمر والتصدیق بفائدته حتّیٰ ینتهی إلی أن یأمر عبده بإتیان الماء .
وما صار سبباً لأمر المولیٰ عبده بإتیان الماء هو تمکّنه من شرب الماء وتخلیة العبد بینه وبین الماء . فإن جاءه العبد بقدح الماء ووضعه بین یدیه یکون ممتثلاً لأمره ، ولکن للعبد قبل أن یشرب المولیٰ تبدیل القدح بقدح آخر . نعم لو کان القدح الآخر مثل القدح السابق فربّما یُعدّ ذلک لعباً بالمولیٰ أو بأمره .
ثمّ لو اتّفق هراقته فإن أحـرز العبد بقاء الغـرض الملزم فعلاً یجب إتیانه ثانیاً ، لکـن لبقاء الغـرض لا لبقاء الأمـر ، کما یظهـر مـن العلمین الخراسانی وشیخنا العلاّمة الحائـری حیث یـرون أنّ مجـرّد بقاء الغـرض یکون علّة موجـدة
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 298
للأمـر ، فلو لـم یأت یعاقب علیه . نعم لو کان العبد غافلاً عن غرض المولیٰ أو لم یحرز بقاء الغرض فغیر معاقب .
وبالجملة : الغایة والغرض فی أمر المولیٰ عبده بإتیان الماء إنّما هو إحضاره لدیٰ مولاه بحیث یتمکّن من شربه ، وقد حصل حسب الفرض . وأمّا الغرض الأقصیٰ ـ وهو رفع عطش المولیٰ ـ فلا یعقل أن یکون غرضاً لفعل العبد ، نعم هو یترتّب علیٰ فعل العبد والمولیٰ کلیهما .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ معنیٰ علّیة الغرض للأمر والبعث لیس معناه وجود الأمر مهما کان الغرض موجوداً ـ کما یراه العلمان ـ بل یصیر سبباً لتصوّر المولیٰ والتصدیق بفائدته حتّیٰ ینتهی إلی أمر المولیٰ . فلو أتی العبد ولم یحصل غرض المولیٰ فله تبدیله بمصداق آخر ، لکن لا بما أنّه مأمور به ، بل لبقاء الغرض ، وکم فرق بینهما ! فتدبّر .
ذکر وتعقیب
ثمّ إنّ المحقّق العراقی قدس سره ذکر فی امتناع تبدیل الامتثال بامتثال آخر بیاناً حاصله : أنّ الفعل الذی یکون متعلّقاً لأمر المولیٰ إمّا یکون بنفسه مشتملاً علیٰ غرض الآمر ، فیکون تحقّقه فی الخارج علّة تامّة لحصول غرضه ، فیسقط أمره بانتفاء علّته الغائیة .
أو لا یکون مشتملاً علی الغرض الداعی ، بل یکون مقدّمة لتحصیل غرضه الأصلی الداعی إلی الأمر به .
وهو علیٰ نحوین : فتارة یکون فعل المکلّف مقدّمة لفعل نفسه المشتمل علی الغرض الأصلی النفسی ، کسائر مقدّمات الواجب کالوضوء بالنسبة إلی الصلاة .
واُخریٰ یکون مقدّمة لفعل المولی الذی أمره بذلک الفعل . وهذه أیضاً علیٰ قسمین : فتارة یکون مقدّمة لفعل المولی الجوارحی ، کأمر المولیٰ بإحضار الماء
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 299
لیشربه . واُخریٰ یکون مقدّمة لفعله الجوانحی ، کأمره إیّاه بإعادة صلاته جماعة لیختار أحبّ الصلاتین إلیه .
فإذا کان التکلیف بهذه الأفعال الخاصّة بلحاظ کونها مقدّمة إمّا لبعض أفعاله الاُخریٰ أو لفعل المولیٰ ، فلا یجوز تبدیل الامتثال بامتثال آخر مطلقاً ؛ سواء قلنا بوجوب مطلق المقدّمة ، أو بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة :
أمّا علی الأوّل ففی غایة الوضوح ؛ لأنّ الأمر یسقط بالامتثال الأوّل ، ومعه لا یتصوّر الامتثال الثانی لیکون بدلاً عن الأوّل ، فإنّ الامتثال موضوعه الأمر وقد سقط بالامتثال الأوّل .
وأمّا علی الثانی ـ کما هو الحقّ ـ فواضح أنّ ما یفعله المکلّف فی مقام الامتثال إنّما یتّصف بالوجوب المقدّمی إذا أوصل المولی إلیٰ غرضه الأصلی النفسی ، فالفعل الآخر الذی فعله العبد امتثالاً لأمر المولیٰ غیر متّصف بالوجوب لعدم الإیصال . فإذا أحضر العبد ماءین أحدهما بعد الآخر امتثالاً لأمر المولیٰ بإحضار الماء ، فشرب المولیٰ أحدهما ، کان هو المتّصف بالوجوب المقدّمی دون الآخر . والصلاة المعادة جماعةً هی التی تکون متّصفة بالوجوب ، دون ما صلاّه فرادیٰ ؛ لأنّها التی ترتّب علیها فعل جانحة المولیٰ ؛ وهو اختیارها فی مقام ترتّب الثواب علی إطاعته .
فاتّضح : عدم معقولیة تبدیل الامتثال بامتثال آخر ؛ لأنّ الفعل الموصل هو الذی یتحقّق به الامتثال ، دون غیره ، انتهیٰ ملخّصاً .
وفیه أوّلاً : أنّه لو تمّ ما أفاده یلزم أن یکون جمیع الواجبات النفسیة واجبات غیریة مقدّمیة ، بلحاظ أنّها مقدّمات لحصول الأغراض ـ ومنها القرب من المولیٰ ـ ولا یلتزم بذلک أحد ، حتّیٰ هو قدس سره .
بیان الملازمة : هو أنّه علیٰ مذهب العدلیة یکون تشریع جمیع الأحکام
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 300
لأغراض مترتّبة علیها ؛ ولذا یقال : «إنّ الواجبات الشرعیة ألطاف فی الواجبات العقلیة» فجمیعها مقدّمات لحصول الأغراض العقلیة ، فجمیع الواجبات النفسیة واجبات غیریة ، وهو کما تریٰ .
وثانیاً : أنّه لو التزم أحد بکون جمیع الواجبات واجبات مقدّمیة ، ولکن لا یتمّ ما أفاده قدس سره أیضاً ؛ وذلک لأنّ معنی الوجوب المقدّمی هو رشح الإرادة من ذی المقدّمة إلیٰ مطلق المقدّمة أو المقدّمة الموصلة ، من باب الملازمة بین وجوب المقدّمة ووجوب ذیها کما یقولون ، وذلک فیما یمکن توجّه وجوب ذی المقدّمة علی المکلّف ، وفیما إذا کان ذو المقدّمة تحت اختیار المکلّف لا فیما لم یکن کذلک .
وواضح : أنّ الغرض الأقصیٰ فیما نحن فیه ـ وهو رفع عطش المولیٰ ـ لم یکن تحت اختیار المکلّف وقدرته حتّیٰ تقع تحت دائرة الطلب ، بل فعل المولیٰ واختیاره متوسّط بین فعل العبد وحصول الغرض .
وبالجملة : غرض الأقصیٰ فی المقام ـ وهو رفع عطش المولیٰ ـ متوقّف علیٰ فعلین : فعل من العبد ؛ وهو تخلیة العبد الماء بینه وبین مولاه ، وفعل المولیٰ ؛ وهو إراقة الماء فی حلقه ، وواضح أنّ فعل المولیٰ لم یکن تحت اختیار العبد ، فلا یمکن أن یکون رفع عطش المولیٰ واجباً علی العبد ؛ فلابدّ وأن یتعلّق الأمر بنفس المقدّمة من غیر لحاظ الإیصال .
وبعبارة اُخریٰ : وجوب المقدّمة الموصلة ـ علی القول به ـ من باب الملازمة بین وجوب المقدّمة ووجوب ذیها ، وذلک إنّما یکون فی مورد یمکن توجّه التکلیف بذی المقدّمة علی المکلّف ، وفیما نحن فیه لم یکن مقدوراً علیه ، بل یکون لإرادة المولیٰ دخالة فی ذلک فأنّی لوجوب المقدّمة ، ولا یعقل أن تکون المقدّمة واجبة علیه مع عدم وجوب ذیها علیه .
ولا یخفیٰ : أنّ هذا لا ینافی وجوب الإتیان لتحصیل الغرض ؛ لأنّه کم فرق بین
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 301
کون شیء واجباً لتحصیل غرض ، وبین وجوبه لکونه مقدّمة لواجب ؛ لأنّ الثانی یوجب تعلّق الوجوب بذیها ، بخلاف الأوّل فتدبّر .
وبعبارة ثالثة : لو قلنا بأنّ جمیع الواجبات بلحاظ کونها مقدّمات لحصول أغراض ـ کالقرب من المولیٰ مثلاً ـ واجبات مقدّمیة ، ویکون ذلک فیما إذا أمکن العبد تحصیل الغرض حتّیٰ یصحّ تکلیف المولیٰ به ، وأمّا فیما إذا لم یمکن العبد تحصیل الغرض ، بل یتخلّل إرادة الغیر فیه فلا یمکن تعلّق التکلیف به ، کما فیما نحن فیه ؛ فإنّ رفع عطش المولیٰ أو اختیار أحبّهما إلیه لا یکون تحت اختیار العبد ، فلا یمکن أن یقال : إنّ المقدّمة بقید الإیصال إلیٰ حصول الغرض واجبة علیه مع تخلّل إرادة الغیر فی البین .
ولا فرق فی ذلک بین القول بکون المقدّمة الموصلة عبارة عن الحصّة الملازمة لحصول ذیها کما أفاده هذا المحقّق قدس سره ، أو غیرها کما یراه شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره .
نعم ، یمکن أن یقال بوجوبها بعنوان الشرط المتأخّر ؛ وهی التی یتعقّبها اختیار المولیٰ من دون تقیّد ، فلا یکون الواجب علیه المقدّمة الموصلة ـ ولو بنحو القضیة الحینیة ـ علیٰ نحو الإطلاق حتّیٰ یلزم علیه تحصیل القید ، بل الواجب علیه هو المشروط بالشرط المتأخّر .
فإذا أتیٰ بها وتعقّبها اختیار المولیٰ یکون واجباً ، وإن لم یتعقّبها اختیار المولیٰ یکشف ذلک عن عدم وجوبها علیه ، فحینئذٍ یخرج عن موضوع تبدیل الامتثال . وهـذا أشبه شیء باشتراط صحّـة صوم المرأة المستحاضة بأغسال اللیلة الآتیة ، فتدبّر جیّداً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 302