المقام الأوّل فی إجزاء الإتیان بالمأمور به عن التعبّد به ثانیاً
لا یخفیٰ : أنّه کما أشرنا أنّ البحث فی هذا المقام تطفّلی ؛ لأنّه لا إشکال ، بل لا ینبغی الخلاف فیه ، کما أفاده المحقّق العراقی قدس سره فی أنّ الإتیان بمطابق المأمور به بأمر مجزٍ بالنسبة إلی أمره ؛ بمعنی أنّه إذا تعلّق أمر بالصلاة ـ مثلاً ـ فلو أتی المکلّف بجمیع القیود المأخوذة فی المأمور به وأتی المأمور به علیٰ وجهه ـ من دون نقص وزیادة ـ لا یلزم التعبّد به ثانیاً ، بل لأجل امتثاله أوّلاً لا یمکن امتثاله ثانیاً .
وبالجملة : وجه الإجزاء فیه واضح لا یحتاج إلیٰ تجشّم الاستدلال ؛ لأنّه من الاُمور البدیهیة التی قیاساتها معها لا یحتاج إلی إقامة البرهان علیه .
ولکن مع ذلک : لا بأس بالإشارة إلیٰ بیان وجهین یقرب أحدهما من الآخر إیضاحاً للمقال :
الوجه الأوّل : أنّ کلّ آمر من الموالی العرفیة لا یأمر عبده بشیء إلاّ لغرض وغایة یکون له فی ذلک ؛ لأنّ أمره إیّاه فعل اختیاری صادر من فاعل مختار ، فإن أتی العبد المأمور به علیٰ وجهه ـ من دون زیادة ونقیصة ـ فیحصل غرض المولیٰ ، وبحصول الغرض لا یبقیٰ مجال لبقاء الأمر .
ضرورة أنّ الأمر لم یکن مطلوباً ذاتاً ، وإنّما مطلوبیته لأجل الوُصلة إلیٰ غرضه ، والمفروض حصوله . ولو کان الأمر بعدُ باقیاً یلزم أن یکون بلا جهة وغرض موجوداً ، وهو کما تریٰ .
وبالجملة : أنّ المکلّف إذا أتی المأمور به علیٰ وجهه بدون نقص وزیادة یحصل
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 295
غرض البعث ، فلا معنی لبقاء البعث بعد حصول الغرض ـ الذی هو علّة للإرادة والبعث ـ فلو بقیا بعد حصول الغرض یلزم بقاء المعلول بلا علّة .
الوجه الثانی : أنّ الأمر أو البعث لا یکاد یدعو إلاّ إلی متعلّقه ، ومحال أن یتعلّق البعث بطبیعة من حیث هی هی ، ولکن مع ذلک یدعو إلیٰ خصوصیة زائدة علیها ، فلو أمر المولیٰ بطبیعة فالخصوصیات الفردیة خارجة عن دائرة المأمور به ، وکلّها فی عرض واحد فی مصداقیتها للطبیعة . فلو کان للأمر أیضاً داعویة بعد إتیان مصداق منها فلایکاد یقف إلیٰ حدّ ، ولو أتیٰ بمصادیق غیر متناهیة ، وهو کما تریٰ .
فظهر : أنّه لا ینبغی الإشکال والخلاف ، کما لا إشکال ولا خلاف فی أنّ الإتیان بمتعلّق کلّ أمر یجزی عن التعبّد به ثانیاً ویکون علّة لسقوط أمره .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 296