المقصد الأوّل فی الأوامر

تذییل‏: فیما یترتب علی القول بالفور

تذییل : فیما یترتب علی القول بالفور

‏ ‏

‏ثمّ إنّه لو قلنا باستفادة الفوریة من الأمر فهل یستفاد منه أنّه إذا لم یأت بالمأمور‏‎ ‎‏به فوراً فهل یجب إتیانه فوراً ففوراً ، أم لا ؟ وجهان .‏

‏قد یمثّل للواجب الذی إذا لم یأت به فوراً یجب إتیانه فی ثانی الزمان وثالثها‏‎ ‎‏وهکذا بصلاة الآیات فی مورد الزلزلة .‏

‏لا وجه لإثبات الفوریة من ناحیة هیئة الأمر أو مادّته ؛ بأن یکون لفظ الأمر‏‎ ‎‏بمادّته أو هیئته أو مجموعهما دالّة بالدلالة اللفظیة علیٰ لزوم إتیان المأمور به فوراً ، ولو‏‎ ‎‏ترکه فی أوّل الوقت فیجب إتیانه فی ثانی الزمان ، وهکذا .‏

‏ولا أظنّ قائلاً بذلک ، فلو وجب کذلک فإنّما هـو مـن الخارج ومـن غیر ناحیة‏‎ ‎‏لفظ الأمـر ؛ إمّا مـن ناحیـة مقایسـة العلل الشرعیـة بالعلل التکوینیـة ـ کما ذهب‏‎ ‎‏إلیه شیخنا العلاّمـة الحائری ‏‏قدس سره‏‏ کما أشـرنا‏‎[1]‎‏ ـ أو مـن ناحیـة آیتی الاستباق‏‎ ‎‏والمسارعـة ونحوهما .‏

‏أمّا حدیث المقایسة : فلو تمتّ فغایة ما تقتضیها هی أنّه کما یمتنع الانفکاک بین‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 272
‏العلل التکوینیة ومعالیلها ، فکذلک فی العلل التشریعیة ، فیجب إتیان المأمور به فوراً .‏‎ ‎‏وأمّا إذا لم یأت به فوراً وتخلّف المعلول عن علّته فلا یمکن أن یستفاد وجوب إتیانه فی‏‎ ‎‏ثانی الزمان وهکذا ، کما لا یخفیٰ .‏

‏وأمّا لو استفیدت الفوریة من الآیتین ونحوهما ـ علی تقدیر تمامیة الدلالة علیٰ‏‎ ‎‏لزوم إتیان المأمور به فوراً ـ فنقول : إمّا أن یحرز تقیید هذه الأدلّة ، الأدلّةَ الأوّلیة من‏‎ ‎‏وجوب الصلاة والحجّ ونحوهما ، أو یحرز عدم تقییدها للأدلّة الأوّلیة ، وغایة ما فی‏‎ ‎‏الباب هی أنّها بصدد بیان المطلوب الأعلیٰ والآکد . أو لم یحرز شیء منهما .‏

‏وعلیٰ أیّ تقدیر : إمّا أن یکون للأدلّة الأوّلیة إطلاق ، أم لا .‏

‏فإن اُحرز کون الفوریة قیداً للأدلّة الأوّلیة ـ سواء کان لها إطلاق أم لا ـ فلا‏‎ ‎‏یمکن استفادة لزوم إتیانها فوراً بعد أن ترکها فی أوّل الأوقات ، بل لا یکون مطلوباً فی‏‎ ‎‏ثانی الأوقات وثالثها وهکذا .‏

‏وإن اُحرز عـدم کـون الفوریة قیداً لها ، أو شککنا فـی التقیید فإن کان للأدلّة‏‎ ‎‏الأوّلیة إطـلاق فیؤخذ به ویرفع الشکّ بسببه . ومقتضاه لـزوم الإتیان بالمأمـور به‏‎ ‎‏فـوراً ففوراً .‏

‏وذلک لأنّه بمقتضی أصالة الإطلاق تکون ذات الصلاة ـ مثلاً ـ موضوعة‏‎ ‎‏للحکم وخیراً فی عمود الزمان ، ولم تکن خیریتها مخصوصة بأوّل الوقت . وهذه‏‎ ‎‏الأدلّة دلّت علیٰ لزوم إتیان الخیر وسبب المغفرة فوراً ؛ فیلزم الإتیان بالمأمور به فی‏‎ ‎‏ثانی الوقت ، ولو ترک ففی ثالث الوقت ، وهکذا .‏

‏وأمّا إن لم تکن للأدلّة الأوّلیة إطلاق ، وشکّ فی التقیید فلم یکن هناک محلاًّ‏‎ ‎‏لأصالة الإطلاق . ولکن الاستصحاب جارٍ ومنقّح لموضوع الدلیل الاجتهادی .‏

‏مثلاً : إذا قال الآمر : «أکرم العالم» ولم یکن له إطلاق یؤخذ به فی صورة الشکّ‏‎ ‎‏فی بقاء علمه ، فیستصحب بقاء علمه . ومقتضاه تنقیح موضوع قوله : «أکرم العالم» .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 273
‏وفیما نحـن فیه أیضاً کـذلک ؛ لأنّ قوله : «صـلّ» تعلّق بإیجاد طبیعـة الصـلاة ،‏‎ ‎‏والمفـروض : أنّه لم یکـن لـه إطـلاق . وآیتا الاستباق والمسارعـة وغیرهما دلّت‏‎ ‎‏علیٰ لـزوم إتیانها فـی أوّل الوقت ، وشکّ فـی کونه قیداً لـذلک ؛ فیقال : الصـلاة‏‎ ‎‏کانت خیراً فـی أوّل وقتها ، وبعـد التخلّف عـن إتیانها فـوراً لـو شکّ فی خیریتـه‏‎ ‎‏فیستصحب الخیریـة . وبجـریان هـذا الاستصحاب ینقّح موضـوع الـدلیل‏‎ ‎‏الاجتهادی ؛ وهـو قولـه تعالیٰ : ‏‏«‏فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرَاتِ‏»‏‎[2]‎‏ مثلاً ؛ فیجب إتیانها فوراً‏‎ ‎‏ففوراً ، فتدبّر واغتنم .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 274

  • )) تقدّم فی الصفحة 263 .
  • )) البقرة (2) : 148 .