المقصد الأوّل فی الأوامر

المورد الثالث‏: فی إتیان الأفراد العرضیة دفعةً مع وحدة الأمر

المورد الثالث : فی إتیان الأفراد العرضیة دفعةً مع وحدة الأمر

‏ ‏

‏لو قلنا بأنّ الأمر متعلّقٌ بالطبیعة ، فأتی المکلّف بفرد منها فحیث إنّ الطبیعة‏‎ ‎‏موجودة بوجود الفرد یکون ممتثلاً . وکذا لو قلنا بتعلّق الأمر بالفرد . وهذا لا إشکال‏‎ ‎‏فیه ولا خلاف .‏

‏وأمّا إذا أوجد المکلّف عدّة أفراد دفعة واحدة ، فهل یکون الآتی بها کذلک‏‎ ‎‏ممتثلاً أم لا ؟ وعلی الأوّل هل هو امتثال واحد بإتیان الجمیع ، أو بامتثال واحد منها أو‏‎ ‎‏امتثالات متعدّدة ؟ وجوه .‏

‏لا یخفیٰ : صحّة جریان هذا البحث ولا سترة فیه علی تقدیر کون متعلّق الأمر‏‎ ‎‏الطبیعة ، وکذا یصحّ البحث علیٰ تقدیر کون متعلّق الأمر المرّة أو التکرار ؛ بمعنی الفرد‏‎ ‎‏أو الأفراد إذا اُرید بالفرد المعنی اللابشرط ، فیبحث فی أنّه إذا أوجد عدّة أفراد دفعة‏‎ ‎‏واحدة هل هو امتثال واحد ، أو امتثالات متعدّدة .‏

‏ولکن إذا کان المراد بالفرد المعنی بشرط لا فلا إشکال فی أنّه لا یعدّ ذلک‏‎ ‎‏امتثالاً ، کما هو واضح .‏

‏ولا یخفیٰ : جریان هذا البحث فی الواجبین التخییریین أیضاً إذا لم یکن وجوب‏‎ ‎‏أحدهما بشرط لا عن الآخر ؛ بأنّه لو أتی المکلّف بطرفی التخییر دفعة واحدة هل یعدّ‏‎ ‎‏ذلک امتثالاً واحداً أو متعدّداً .‏

‏وکیف کان قد یقال‏‎[1]‎‏ فیما نحن فیه : إنّ الأمر حیث یتعلّق بالطبیعة ، والطبیعة‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 259
‏علی القول الحقّ تتکثّر بتکثّر الأفراد ـ خلافاً للرجل الهمدانی ، الذی لاقی شیخ‏‎ ‎‏الرئیس ـ فالطبیعة موجودة بتمام ذاته فی کلّ فردٍ فردٍ ، فإذا تعلّق الأمر بنفس الطبیعة‏‎ ‎‏فإن أوجد المکلّف فرداً منها فقد أوجد تمام المأمور به ؛ فیسقط الأمر .‏

‏وأمّا لو أوجد أفراداً منها دفعة واحدة فحیث إنّ الطبیعة متکثّرة بتکثّر أفرادها‏‎ ‎‏ـ لکونها ماهیة لا تأبی الوحدة ولا الکثرة ، وکلّ فرد محقّق للطبیعة برأسه ـ فإذا أتی‏‎ ‎‏المکلّف بأفراد متعدّدة فقد أوجد المطلوب فی ضمن کلّ فرد مستقلاًّ ؛ فیکون امتثالات‏‎ ‎‏مستقلّة بعدد ما أتیٰ به .‏

‏وهذا نظیر الواجب الکفائی ؛ حیث إنّ المطلوب فیه نفس إیجاد الطبیعة . غایته :‏‎ ‎‏یکون المکلّف جمیع المکلّفین ؛ فکما أنّه مع إتیان واحد منهم یسقط الوجوب ، ومع‏‎ ‎‏إتیان الجمیع یکونون أجمع ممتثلین ، ویحسب لکلٍّ امتثالاً مستقلاًّ .‏

وفیه أوّلاً :‏ لعلّ منشأ ما أفاده الغفلة عن دقیقة ؛ وهی أنّ الطبیعة وإن کانت‏‎ ‎‏متکثّرة فی الخارج بتکثّر الأفراد ، ولا إشکال فیه علیٰ مذهب الحقّ ـ کما اُشیر إلیه ـ‏‎ ‎‏ولکن الطبیعة المأمور بها بما أنّها مأمور بها لا تکثّر فیها ؛ لأنّ تکثّر الطبیعة إنّما هی‏‎ ‎‏بلحاظ الخارج . وأمّا نفس الطبیعة من حیث هی هی لا تکثّر فیها .‏

‏وواضح : أنّ متعلّق الأمر نفس الطبیعة لا وجودها ؛ لأنّ الخارج ـ کما ذکرنا‏‎ ‎‏غیر مرّة ـ ظرف سقوط التکلیف وامتثاله ، لا ظرف ثبوت التکلیف وتعلّقه .‏

‏فإذا کان مصبّ تعلّق الأمر ومورده لیس إلاّ نفس الطبیعة من حیث هی هی ،‏‎ ‎‏وبهذا اللحاظ ـ کما أشرنا ـ لا تکثّر فیها فهنا أمر واحد تعلّق بطبیعة واحدة ؛ فلا معنی‏‎ ‎‏لامتثالات متعدّدة .‏

‏وبعبارة اُخریٰ : تحقّق الامتثالات فرع وجود الأوامر ـ ولو انحلالاً ـ فلو تعلّق‏‎ ‎‏أوامر متعدّدة ـ ولو انحلالاً ـ ففی إطاعتها امتثالات ، کما أنّ فی ترکها عقوبات .‏‎ ‎‏والمفروض : أنّ فیما نحن فیه لیس إلاّ أمراً واحداً غیر منحلّ ، تعلّق بطبیعة واحدة ؛‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 260
‏فلامعنیٰ للامتثالات عند ذلک ، وإلاّ یلزم أن یکون هناک عقوبات بالنسبة إلیٰ ترکها ،‏‎ ‎‏وهو کما تریٰ .‏

‏فإذن : کما أنّه بإتیان فرد من الطبیعة یمتثل الأمر بالطبیعة ، فکذلک بإتیان أفراد‏‎ ‎‏متعدّدة فی حرکة واحدة یکون ممتثلاً .‏

‏نعم ، یقع البحث علی الأخیر فی تحقّق الامتثال ؛ وأنّه بالمجموع ، أو بأحدها غیر‏‎ ‎‏المعیّن ، أو بأحدها المعیّن عند الله ، أو غیرها . وهذا کلام آخر لا یضرّ من جهله ،‏‎ ‎‏ولایجب أن یمتاز ما به یتحقّق الامتثال ، والمقدار اللازم العلم بتحقّق الامتثال ، وهو‏‎ ‎‏حاصل فی الفرض فتدبّر .‏

‏وما نحـن فیه نظیر الجعالـة ، کأن یقول الـرجل : «مـن جاءنـی بماء فله‏‎ ‎‏درهـم» فکما أنّه إذا جاءه بإناء واحـد یکـون ممتثلاً ویستحقّ الجُعل ـ وهـو‏‎ ‎‏الدرهـم ـ فکذلک إذا جاءه بإناءین یکون کذلک ، ولا یستحـقّ أکثر مـن درهم‏‎ ‎‏واحـد ، کما لا یخفیٰ .‏

وثانیاً :‏ أنّ تنظیر ما نحن فیه بالواجب الکفائی غیر وجیه ؛ لأنّ الواجب‏‎ ‎‏الکفائی علیٰ مذاق القوم عبارة عن البعث المتوجّه إلیٰ عامّة المکلّفین فی إتیان صرف‏‎ ‎‏الطبیعة ، کغسل المیّت أو الصلاة علیه أو دفنه ـ مثلاً ـ حیث یکون کلّ مکلّف مخاطباً‏‎ ‎‏بالحکم علیٰ حدة .‏

‏ولکن حیث إنّ الغرض فی الواجب الکذائی قد یحصل بفعل واحد منهم ،‏‎ ‎‏ویذهب موضوعه بفعله فإذا أتیٰ به واحد منهم یسقط التکلیف عن الجمیع . وأمّا‏‎ ‎‏لوأتیٰ جمیع آحاد المکلّفین بالواجب معاً یکونوا جمیعاً ممتثلین ، کما أنّه لو ترکوه أجمع‏‎ ‎‏یکونوا معاقبین جمیعاً .‏

‏فکم فرق بین ما نحـن فیه والواجب الکفائـی ! وقیاس أحـدهما بالآخـر‏‎ ‎‏قیاس مع الفارق .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 261
‏وبالجملة : کلّ مورد یکون فی إتیانه امتثالات لابدّ وأن یکون عقوبات فی‏‎ ‎‏ترکه ، والواجب الکفائی کذلک دون ما نحن فیه ، فتدبّر .‏

‏إذا أحطت خبراً بما ذکرنا دریت : أنّ الأمر ینحلّ إلی مادّة وهیئة . والمادّة‏‎ ‎‏لاتدلّ إلاّ علیٰ نفس الطبیعة ، والهیئة لا تدلّ إلاّ علی البعث والإغراء . ولم یکن لمجموع‏‎ ‎‏المادّة والهیئة وضعاً علیٰ حدة .‏

‏فعلیٰ هذا : لم یکن فی الأمر ما یدلّ علی المرّة أو التکرار .‏

‏فالتحقیق ـ کما علیه أهلـه ـ أنّ الأمـر لایـدلّ علـی الوحـدة أو التکرار ، إلاّ‏‎ ‎‏بقرینـة خارجیـة .‏

‏ ‏

إیقاظ

‏ ‏

‏ثمّ إنّ المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ عنون هنا مسألة الامتثال‏‎[2]‎‏ بعد الامتثال ، ولکن‏‎ ‎‏نحن نذکرها فی مسألة الإجزاء‏‎[3]‎‏ إن شاء الله تعالی .‏

‏وکذا المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ذکر هنا الفرق بین تحقّق الامتثال بصرف وجود متعلّق‏‎ ‎‏الأمر ، بخلاف النهی ؛ حیث إنّه لابدّ فیه من ترک جمیع وجودات متعلّقه فی مقام‏‎ ‎‏امتثال ، مع أنّ متعلّق الأمر بنفسه هو متعلّق النهی‏‎[4]‎‏ . ونحن نذکرها ـ إن شاء الله تعالیٰ‏‎ ‎‏ـ فی مبحث النواهی ، فارتقب حتّی حین .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 262

  • )) قلت : أظنّ أنّ القائل به هو سماحة اُستاذنا الأعظم البروجردی ـ دام ظلّه ـ کما یستفاد ذلک من تقریره(أ) . [المقرّر حفظه الله ] .ــــــــــــــــــــــــــأ ـ نهایة الاُصول : 124 و 230 .
  • )) کفایة الاُصول : 102 .
  • )) یأتی فی الصفحة 296 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 255 .