المقصد الأوّل فی الأوامر

المورد الثانی‏: فی المراد بالمرّة والتکرار فی المقام

المورد الثانی : فی المراد بالمرّة والتکرار فی المقام

‏ ‏

‏وهو أنّ المراد بالمرّة والتکرار هل الفرد أو الأفراد ، أو الدفعة والدفعات ،‏‎ ‎‏والفرق بینهما واضح ؛ فإنّ الفرد هو المتشخّص الخارجی ، والدفعة تصدق علیه وعلیٰ‏‎ ‎‏ما وجدت أفراداً متعدّدة فی آنٍ واحد .‏

‏وبالجملة : الدفعة هی تحقّق الشیء أو الأشیاء بحرکة واحدة ، فهی أعمّ من‏‎ ‎‏وجود فرد متشخّص خارجی‏‎[1]‎‏ . فإکرام زید وعمرو بإکرام واحد دفعة واحدة ،‏‎ ‎‏ولکنّه إیجاد فردین من الإکرام .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 253
الظاهر بملاحظة بعض أدلّة الطرفین :‏ أنّ النزاع فی الفرد والأفراد ، لا الدفعة‏‎ ‎‏والدفعات ؛ لأنّ القائل بالتکرار یستدلّ لمرامه بأنّه لو لم یدلّ علی التکرار لما کان معنیً‏‎ ‎‏لتکرار الصوم والصلاة والزکاة ونحوها . وناقض استدلاله القائل بدلالته علی المرّة‏‎ ‎‏بالحجّ ؛ حیث لم یجب فی العمر إلاّ مرّة واحدة .‏

‏وواضح : أنّ المراد بالتکرار فی الصلاة ونحوها والمرّة فی الحجّ هی الفرد‏‎ ‎‏والأفراد ، لا الدفعة والدفعات . ومجرّد انطباق مفهوم الدفعة علی الفرد أحیاناً لا‏‎ ‎‏یوجب کون ذلک بدلالة اللفظ . ویؤیّد ذلک بأنّه لیس فی الأحکام ما یکون للدفعة‏‎ ‎‏والدفعات ، فتدبّر .‏

ولکن ذهب صاحب «الفصول» ‏قدس سره‏‏ إلی أنّ المراد بالمرّة والتکرار الدفعة أو‏‎ ‎‏الدفعات لوجهین :‏

الوجه الأوّل :‏ مساعدة ظاهر اللفظین ؛ فإنّه لا یقال لمن ضرب شخصاً‏‎ ‎‏بسوطین ـ مثلاً ـ دفعة : إنّه ضربه مرّتین ، بل مرّة واحدة .‏

الوجه الثانی :‏ أنّه لو اُرید بالمرّة الفرد لکان الأنسب ـ بل اللازم ـ أن یجعل‏‎ ‎‏هذا البحث تتمّة للبحث الآتی ؛ من أنّ الأمر هل یتعلّق بالطبیعة أو بالفرد ؛ فیقال عند‏‎ ‎‏ذلک وعلیٰ تقدیر تعلّقه بالفرد : هل یقتضی التعلّق بالفرد الواحد أو المتعدّد ، أو لا‏‎ ‎‏یقتضی شیئاً منها ، ولم یحتج إلی إفراد کلّ منهما بالبحث ، کما فعلوه .‏

‏وأمّا علیٰ ما اخترناه فلا عُلقة بین المسألتین ؛ فإنّ للقائل بتعلّق الأمر بالطبیعة‏‎ ‎‏أن یقول بأنّه للمرّة أو التکرار ؛ بمعنیٰ أنّه یقتضی وجوب إیجادها مرّة واحدة أو مراراً‏‎ ‎‏بالمعنی الذی سبق ، وإن لا یقول بذلک .‏

‏وکذا القائل بتعلّقه بالفرد دون الطبیعة ؛ إذ لیس المراد به الفرد الواحد ، بل‏‎ ‎‏مطلق الفرد‏‎[2]‎‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 254
وفیه :‏ أنّه لا یخفی أنّ البحث فی هذا الباب بحث لغوی وفی المعنی التصوّری ،‏‎ ‎‏وفی دلالة اللفظ علی المعنیٰ ، وفی أنّ أمر المولیٰ هل یدلّ علی المرّة أو التکرار ؛ ولذا‏‎ ‎‏یستدلّون لذلک بالتبادر وما یرجع إلی إثبات المعانی اللغویة .‏

‏وأمّا البحث فی باب تعلّق الأمر بالطبیعة أو الفرد فهو بحث عقلی ، من غیر‏‎ ‎‏اختصاص لذلک بلفظ الأمر ؛ وذلک لأنّ المبحوث عنه هناک أنّ الأوامر الصادرة من‏‎ ‎‏الآمر ـ سواء صدرت منه بصیغة الأمر أو بصورة الجملة الخبریة ، بل بنحو من‏‎ ‎‏الإشارة ـ هل تتعلّق بالطبیعة أو الفرد ؟ وبعبارة اُخریٰ : هل یمکن أن تتعلّق إرادة‏‎ ‎‏الآمر بحسب الواقع بالطبیعة أو بالفرد ؟‏

‏ولذا تمسّک غیر صاحب الفصول ‏‏قدس سره‏‏ لإثبات مدّعاهم بأدلّة عقلیة ، مثل‏‎ ‎‏استدلالهم بأنّ الطبیعی لا وجود له فی الخارج ، واستدلالهم بأصالة الوجود ، أو أصالة‏‎ ‎‏الماهیة ، إلیٰ غیر ذلک ممّا یمرّ بک قریباً . وواضح أنّ الاستدلال بهذه الاُمور لم یکن من‏‎ ‎‏دلالة اللفظ من شیء .‏

‏فظهر لک : أنّ المسألة المبحوثة عنها مسألة لغویة ، ومسألة تعلّق الأمر بالطبیعة‏‎ ‎‏أو الفرد مسألة عقلیة ، فلا ارتباط بین المسألتین .‏

‏فعلیٰ هذا : لو قلنا هنا بأنّ لفظ الأمر موضوع للمرّة فیمکن أن یقال هناک : إنّه‏‎ ‎‏لا یعقل أن یکون الفرد مبعوثاً إلیه ، بل لابدّ وأن یکون المبعوث إلیها نفس الطبیعة ؛‏‎ ‎‏فیکون الحکم العقلی قرینة عقلیة علیٰ عدم إرادة الموضوع له ، فتدبّر .‏

‏ولـو قلنا ـ تبعاً لصاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ ؛ حیث استـدلّ فـی مسألـة تعلّق‏‎ ‎‏الأمر بالطبیعة أو الفرد بالتبادر ونحـوه‏‎[3]‎‏ ـ إنّ المسألـة المبحـوث عنها هناک أیضاً‏‎ ‎‏مسألة لغویة .‏

‏ولکن یرد علیه ـ مع ذلک ـ أمران :‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 255
الأمر الأوّل :‏ أنّه ـ مـع ذلک ـ لا یکون البحث فـی هـذه المسألـة تتمّة لـذلک‏‎ ‎‏البحث ؛ لأنّه ‏‏قدس سره‏‏ قال فـی هـذه المسألـة ـ أعنی مسألـة المـرّة والتکرار ـ مستنداً علی‏‎ ‎‏إجماع السکّاکی وغیره : إنّ النزاع إنّما هـو فـی الهیئة ، کما تقـدّم تفصیله .‏

‏ولکن قال فی تلک المسألة : إنّ لصیغة الأمر جزءین : جزءاً صوریاً ، وجزءاً‏‎ ‎‏مادّیاً . واختلف فی الجزء المادّی : أنّه یدلّ علی الطبیعة أو الفرد . وأمّا الجزء الصوری‏‎ ‎‏ـ وهی الهیئة ـ فتدلّ علی طلب الإیجاد‏‎[4]‎‏ .‏

‏فإذن : کان محلّ النزاع هنا فی الجزء الصوری ، وأمّا هناک ففی الجزء المادّی ،‏‎ ‎‏فکیف یکون البحث فی إحدی المسألتین تتمّة للبحث عن الاُخری ؟ !‏

‏ومجرّد اتّحاد المادّة مع الصورة لا یوجب کون البحث فی إحداهما تتمّة للاُخریٰ‏‎ ‎‏کما لا یخفیٰ ، فتدبّر واغتنم .‏

والأمر الثانی :‏ أنّ إجماع السکّاکی وغیره علی أنّ المصدر المجرّد من اللام‏‎ ‎‏والتنوین لو کان کاشفاً عن کون النزاع فی الهیئة فی هذه المسألة فکیف لم یکن کاشفاً‏‎ ‎‏فی مسألة تعلّق الأمر بالطبیعة أو الفرد ؟ ولم یعلم فرق بین المسألتین فی ذلک .‏

‏نعم ، یمکن أن یقال : إنّه لا معنیٰ للنزاع فی الهیئة فی أنّها تدلّ علیٰ نفس الطبیعة ،‏‎ ‎‏أو علی الفرد منها .‏

‏والذی یمکن أن ینازع فیه هو المادّة ؛ فلا یمکن تتمیم تلک المسألة بإجماع‏‎ ‎‏السکّاکی وغیره .‏

‏لکن إذا تمّ إجماع السکّاکی هنا فلابدّ وأن یقال هناک : إنّه لم تکن فی المسألة‏‎ ‎‏خلاف ؛ أمّا فی مادّته فلإجماع السکّاکی ، وأمّا فی هیئته فلأنّها لیست إلاّ لطلب‏‎ ‎‏الإیجاد ، فتدبّر .‏

‏ ‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 256

ذکر وتعقیب

‏ ‏

أشکل المحقّق الخراسانی ‏قدس سره‏‏ علیٰ صاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ القائل بأنّ النزاع فی‏‎ ‎‏الفرد أو الأفراد إنّما یجری لو قلنا فی مسألة تعلّق الأمر بالطبیعة أو الفرد یتعلّق الأمر‏‎ ‎‏بالفرد . وأمّا لو قلنا بتعلّقه بالطبیعة فلا معنیٰ للفرد أو الأفراد .‏

‏وقال : بأنّه لو قلنا بتعلّق الطلب بالطبیعة یصحّ النزاع فی الفرد أو الأفراد أیضاً ؛‏‎ ‎‏وذلک لأنّ الطلب علی القول بالطبیعة إنّما یتعلّق بها باعتبار وجودها فی الخارج ؛‏‎ ‎‏بداهة أنّ الطبیعة من حیث هی هی لیست إلاّ هی ؛ لا مطلوبة ولا مبغوضة .‏

‏وبهذا الاعتبار صحّ النزاع فی أن یقال : إنّ مدلول الطبیعة الفرد أو الأفراد ؛ أی‏‎ ‎‏وجود واحد أو وجودات .‏

‏وإنّما عبّر بالفرد لأنّ وجود الطبیعة فی الخارج هو الفرد ، غایة الأمر‏‎ ‎‏خصوصیته وتشخّصه ـ علی القول بتعلّق الأمر بالطبیعة ـ تلازم المطلوب وخارج‏‎ ‎‏عنه ، بخلاف القول بتعلّقه بالفرد ؛ فإنّه ممّا یقوّمه‏‎[5]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّه لا یخفیٰ أنّ لصیغة الأمر جزءین : جزءاً مادّیاً ، وجزءاً صوریاً .‏

‏والجزء المادّی عبارة عن نفس الطبیعة . وأمّا الجزء الصوری فلا یخلو :‏

‏إمّا أن نقول بمقالة صاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ القائل بأنّه لطلب الوجود بالمعنی‏‎ ‎‏الحرفی ـ أی إیجاد الطبیعة ـ الذی إذا اُرید التعبیر عنه بالمعنی الاسمی یقال : «أطلب‏‎ ‎‏منک إیجاد الطبیعة» .‏

‏أو نقول بأنّها تدلّ علیٰ طلب إیجاد الفعل بالمعنی الاسمی .‏

‏أو نقول بأنّه لیس مفادها إلاّ البعث والإغراء .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 257
وظاهر : أنّه علی القول الأوّل ،‏ یکون الإیجاد متعلّقاً بالطبیعة ، فلابدّ وأن تکون‏‎ ‎‏المادّة عبارة عن نفس الطبیعة ، فتکون الطبیعة منسلخة عن الوجود وعن کافّة‏‎ ‎‏اللواحق ، وإلاّ فلو لم تکن منسلخة عنها یلزم إیجاد الطبیعة الموجودة ، وهو محال .‏

‏وبالجملة : الأمر عبارة عن طلب الإیجاد ، ومتعلّقه نفس الطبیعة من حیث هی‏‎ ‎‏هی ؛ وهی لیست واحدة ولا کثیرة . فلا معنیٰ للنزاع فی دلالة الأمر علی الوحدة .‏

‏أمّا فی الهیئة : فلما عرفت من أنّه لا معنیٰ للوحدة والتکرار فی المعنی الحرفی ؛‏‎ ‎‏لأنّ مفادها لیس إلاّ إیجاد الطبیعة . ومتعلّقه عبارة عن نفس الطبیعة من حیث هی ،‏‎ ‎‏وهی بهذا الاعتبار لا واحدة ولا کثیرة .‏

وعلی القول الثانی‏ ـ وإن لم یقل به أحد ـ ولکنّه علیٰ ذلک لابدّ وأن یکون‏‎ ‎‏متعلّقه نفس الطبیعة ؛ فلا یکون البحث فی المرّة والتکرار علی القول بتعلّق الأمر‏‎ ‎‏بنفس الطبیعة من تتمّة ذلک .‏

‏وبالجملـة : أنّ الهیئة لـو دلّت علیٰ طلب الطبیعـة فلا یمکن أخذ الوجـود فـی‏‎ ‎‏المتعلّق ، وإلاّ یلزم أن یطلب إیجاد وجود الطبیعة ؛ وهو طلب الموجود الخارجی .‏

وهکذا علی القول الثالث ؛‏ فلأنّه لو کانت الهیئة دالّة علیٰ نفس الإغراء‏‎ ‎‏والبعث الخارجیین ، والإغـراء والبعث نحـو الطبیعـة لازمـه العقلـی إیجادها ،‏‎ ‎‏فیکـون البعث فی کونـه للمـرّة أو التکرار یخـرج البحث عن کـونه لغویـة ، ویدخله‏‎ ‎‏فـی زمـرة المسائل العقلیـة ، وهـو خلاف الظاهـر ؛ فإنّ ظاهـرهم کـون البحث‏‎ ‎‏فیما بینهم لغویة .‏

فتحصّل :‏ أنّ إشکال المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ غیر وارد علیٰ صاحب‏‎ ‎‏«الفصول» ‏‏قدس سره‏‏ .‏

‏والإشکال الصحیح المتوجّه علیه : هو أنّ المسألتین غیر مرتبطتین معاً ؛ فإنّ‏‎ ‎‏إحداهما فی الأمر اللغوی والاُخریٰ فی الأمر العقلی ، فتدبّر .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 258

  • )) قلت : ویمکن أن یقال : إنّ النسبة بینهما عمومٌ من وجه ؛ لصدق الدفعة علی الأفراد المتعدّدة الموجودة بحرکة واحدة ، ولم یصدق هناک الفرد ، وصدق الفرد علی الموجود الممتدّ کالکلام الممتدّ المتّصل ـ کساعة مثلاً ـ فیصدق علیه الفرد دون الدفعة ، ومورد تصادقهما واضح . [المقرّر حفظه الله ] .
  • )) الفصول الغرویة : 71 / السطر 25 .
  • )) الفصول الغرویّة : 107 / السطر 37 .
  • )) الفصول الغرویّة : 107 / السطر 35 .
  • )) کفایة الاُصول : 101 .