المورد الأوّل : فی أنّ محلّ النزاع بینهم هل فی مادّة الأمر أو هیئته أو فیهما ؟
یظهر من صاحب «الفصول» قدس سره : أنّ النزاع بینهم فی هیئة الأمر ؛ لأ نّه قال : إنّ جماعة ـ منهم السکّاکی ـ حکوا إجماعاً عن أهل الأدب علی أنّ المصدر المجرّد عن اللام والتنوین یدلّ علیٰ نفس الطبیعة ؛ فیکون ذلک الإجماع دلیلاً علی أنّ النزاع فی دلالة الأمر علی المرّة والتکرار فی هیئته ، لا فی مادّته .
ولکن أشکل علیه المحقّق الخراسانی قدس سره : بأنّ ذلک إنّما یتمّ إذا کان المصدر مادّة
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 249
لسائر المشتقّات . وأمّا إذا لم یکن المصدر مادّة وأصلاً لسائر المشتقّات ، بل هو منها ـ کما هو مقتضی التحقیق ـ فالاتّفاق الکذائی لا یوجب الاتّفاق علیٰ أنّ مادّة الأمر لاتدلّ إلاّ علی نفس الطبیعة ؛ فعلیه یمکن دعوی اعتبار المرّة أو التکرار فی مادّتها ، کما لایخفیٰ .
ولکن هذا الإشکال غیر وارد علی صاحب «الفصول» قدس سره ؛ لأنّ مادّة المشتقّات عندهم ـ کما هو مقتضی التحقیق ـ مادّة بسیطة خالیة عن کافّة الهیئات موضوعة لمعنیً . وکلّ واحد من هیئات المشتقّات موضوع بالوضع النوعی للدلالة علیٰ معنیً .
ففی کلّ مشتقّ یکون وضعین : أحدهما وضع مادّته ، والثانی وضع هیئته . والمصدر لم یشذّ عن ذلک ؛ فله وضعان : أحدهما وضع مادّته للدلالة علیٰ طبیعة الحدث ، والثانی وضع هیئته للدلالة علیٰ معنیً .
فلو ثبت إجماعهم علی أنّ المصدر ـ الذی هو أحد المشتقّات ـ لا یدلّ إلاّ علیٰ نفس الطبیعة فیستفاد منه : أنّ مادّة المصدر دالّة علی الطبیعة اللابشرط ؛ لأنّ المصدر ـ کما أشرنا ـ ینحلّ إلیٰ مادّة وصورة ؛ فإن دلّت المادّة علی الطبیعة المتقیّدة وهیئته علیٰ معنیً آخر فلا وجه لأن یقال : إنّ الإجماع منعقد علی أنّ المصدر دالّ علیٰ نفس الطبیعة ، وهو ظاهر .
بل الإجماع إنّما یصـحّ إذا لم تـدلّ المادّة إلاّ علـیٰ نفس الطبیعـة ، والهیئـة لم تدلّ علی أزیـد من ذلک ؛ بأن تکـون هیئته آلة لإمکان التنطّق بالمادّة ـ مثلاً ـ کما سبق ، فتدبّر ، هذا .
ولکنّ الذی یسهّل الأمر : عدم تمامیة مقال صاحب «الفصول» قدس سره ؛ لأنّ مجرّد
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 250
انعقاد الإجماع علی أنّ المصدر المجرّد عن اللام والتنوین یدلّ علیٰ نفس الطبیعة لا یکون بنفسه دلیلاً علیٰ کون نزاعهم فی هیئة الأمر ، إلاّ أن ینضمّ إلیه إجماع آخر علیٰ کون مادّة المصدر مادّة لسائر المشتقّات ، وإلاّ لو کانت مادّة المصدر غیر مادّة سائر المشتقّات یصحّ نزاعهم فی المادّة ، کما لا یخفیٰ .
وقـد اختلف قـدماء أهل الأدب فـی ذلک ؛ فقال بعض بالغیریـة ، وقال آخـر بالعینیة .
بل لا یتمّ ذلک إلاّ بأن یُعزّز الإجماعان بإجماع ثالث ؛ وهو الإجماع علیٰ عدم کون المادّة والهیئة موضوعتین بوضع واحد شخصی ، وهو أیضاً محلّ الخلاف بینهم .
وبالجملة : مجرّد تمامیة إجماع السکّاکی لا یوجب أن لا یکون النزاع فی المادّة ، بل لابدّ من انضمام إجماعین آخرین ؛ وهما الإجماع علیٰ وحدة مادّة المصدر مع سائر المشتقّات ، وعدم کون کلّ منهما موضوعاً بوضع واحد شخصی .
فإذا عرفت ما ذکرنا : ینبغی عطف عنان البحث إلیٰ ما یصحّ النزاع فیه ویکون معقولاً ، وإن لم ینازعوا فیه :
فنقول : لا یخفیٰ أ نّه بحسب التصوّر یمکن أن یکون کلّ واحد من الهیئة والمادّة محلاًّ للبحث ، کما یمکن أن یکون مجموعهما محلاًّ له .
ولیعلم أوّلاً : أ نّه علیٰ تقدیر کون الهیئة محلاًّ للنزاع لابدّ وأن یقال عند ذاک : إنّ المادّة موضوعة للطبیعة اللابشرط ، کما لا یخفیٰ .
ولکن لا یعقل أن تکون الهیئة محلاًّ للنزاع ؛ وذلک لأنّ مفاد الهیئة ـ کما ذکرنا ـ للإغراء والبعث ، نظیر إشارة الأخرس ؛ فکما أنّ الإشارة لیست إلاّ إغراءً نحو المشار إلیه فکذلک الهیئة .
نعم ، لازم الإغراء بالحمل الشائع عرفاً أو عقلاً إیجاد الطبیعة خارجاً ، ولا معنیٰ لإغراءین تأسیسیین نحو طبیعة واحدة ، کما لا یمکن تعلّق إرادتین مستقلّتین من
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 251
شخص واحد بشیء واحد فی آنٍ واحد ؛ لأ نّه قد سبق : أنّ تشخّص الإرادة وتعدّدها ؛ وکذا الحبّ والبغض ونظائرهما تابعة لوحدة متعلّقها وتعدّدها .
فإذا کان المتعلّق واحداً لا یعقل تعلّق إرادتین مستقلّتین تأسیسیتین بشیء واحد فی آنٍ واحد ، وهکذا الأمر فی الإغراءین المستقلّین .
نعم ، یمکن أن یکون أحد الإغراءین تأسیسیاً والآخر تأکیدیاً ، ولکنّه خارج عن محطّ البحث من کون الأمر دالاًّ علی المرّة أو التکرار ، کما لا یخفیٰ ، هذا .
مضافاً إلی أنّ تکرار الإغراء مع وحدة الطبیعة خارج عن محطّ البحث ؛ لأنّ الوحدة أو الکثرة المبحوث عنه هنا هی وحدة المادّة وتکرّرها ، لا وحدة الإغراء والإغراءین ، فتدبّر .
فظهر : أ نّه لو کان مفاد الهیئة الإغراء فلا یعقل أن تکون الهیئة محلاًّ للبحث ، فالنزاع لابدّ وأن یکون فی المادّة ، والنزاع فیها إنّما یکون إذا لم یثبت کون المصدر المجرّد عن اللام والتنوین دالاًّ علی الماهیة اللابشرط ، أو لا تکون مادّة المصدر مادّة لسائر المشتقّات ، أو لا تکون المادّة والهیئة موضوعتین بوضع شخصی ؛ فإذا ثبتت تلک الاُمور ـ کما هو الظاهر ـ فلا وجه للنزاع فی المادّة أیضاً .
هذا کلّه علیٰ تقدیر کون مفاد الهیئة الإغراء والبعث الخارجیین .
وأمّا لو کانت موضوعة لمفهوم طلب الإیجاد فللنزاع فیه مجال .
ولکن اتّفقت کلمتهم علی أنّ مفاد الهیئة معنیً حرفی ، ومفهوم طلب الإیجاد معنیً اسمی .
وصاحب «الفصول» قدس سره ـ القائل بأنّ مفاد الهیئة طلب الإیجاد ـ لا یقول : إنّها وضعت لمفهومه ، بل لمصداقه .
ولا یمکن أن یکون مفاد الهیئة البعث المتقیّد ؛ لأنّ تقیید شیء بشیء لابدّ وأن
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 252
یکون بعد لحاظه مستقلاًّ ، والمعانی الحرفیة حیث إنّها غیر ملحوظة مستقلّة فلایمکن تقییدها .
إن قلت : یمکن تقییدها بلحاظ ونظرةٍ اُخریٰ . قلت : نعم ، ولکنّه لا یکون بدلالة لفظ الهیئة .
ویمکن أن یقال : إنّ الهیئة موضوعة لإیجادات بالمعنی الحرفی ؛ فکما یجوز استعمال الحرف فی أکثر من معنیً واحد یجوز وضع الهیئة لکثرات واستعمالها فیها .
ولکنّه خلاف الوجدان والمرتکز فی الأذهان فی الأوضاع .
فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّ النزاع فی الهیئة لا معنیٰ له ، بل لا یعقل . وأمّا فی المادّة ـ بعد کون مادّة المصدر المجرّدة دالّة علی الهیئة اللابشرط ، ولم تکن مادّته مادّة لسائر المشتقّات ، ولم تکن المادّة والهیئة موضوعتین بوضع شخصی ـ فللنزاع فیه مجال .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 253