الجهة الاُولی : فی مقتضی الأصل اللفظی فی المسألة
لا إشکال عند التحقیق فی أنّه لا إطلاق لهیئة الأمر ؛ لأنّ معناها ـ کما أشرنا غیر مرّة ـ هو إیجاد البعث الخارجی فی عالم الاعتبار والإغراء الاعتباری ، نظیر إشارة الأخرس ؛ فالمعنی الموجَد بها غیر قابل لشیء من الإطلاق والتقیید :
أمّا الأوّل ؛ فلعدم انطباق المعنی بها إلاّ علیٰ نفسها المتشخّصة ، کما هو الشأن فی إشارة الأخرس .
وأمّا الثانی ؛ فلأنّه فرع الإطلاق ؛ فإذا لم یکن هناک إطلاق فلا معنیٰ للتقیید .
فإذن : لا وقع لتوهّم أنّ البعث فی قولنا : «أکرم زیداً» مثلاً هو البعث الأعمّ من أن یکون المبعوث إلیه صادراً من المخاطب بالاختیار .
کما لا وقع لتوهّم : أنّه مقیّد بخصوص ما هو الصادر منه بالاختیار .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 239
نعم ، یقع الکلام فی مصبّها ومحطّ ورودها ، وإن کان خارجاً عن حریم معناها :
فنقول : إنّ من الواضح الذی لا ینبغی الارتیاب فیه ، أنّ البعث لغایة انبعاث المخاطب نحو مدلول المادّة ، وواضح : أنّه لا یعقل الانبعاث إلاّ فی حال الاختیار ؛ ضرورة عدم إمکان انبعاث الغافل نحو المغفول عنه والناسی نحو المنسی عنه ، وهکذا بالنسبة إلی الأوامر الاضطراریة .
ولا فرق فی ذلک بین أن یکون ذلک من باب الخطاب أو جعل القانون . کما لا فرق فی ذلک بین أن یکون بعنوانه الأوّلی أو بالعنوان الملازم له .
والسرّ فی ذلک : هو استحالة انفکاک الانبعاث عن الاختیار .
فاتّضح بما ذکرنا : أنّ مصبّ الهیئة ومجراها هو اختیار المنبعث فقط ، ومعه لامجال للتمسّک بإطلاق المادّة ؛ إذ هی وإن کانت مطلقة فی نفسها ولکن بعد لحاظ خصوصیة مصبّ الهیئة ومجراها تسری تلک الخصوصیة إلیها ؛ فلایبقیٰ لإطلاقها مجال ، لا بأن یکون من باب تقیید الإطلاق ، بل لعدم انعقاد الإطلاق لها ؛ إذ هو مسبوق بعقد البیان . والقرینة الحافّة بها وإن کانت عقلیة ولکن حیث إنّ المقام محفوف بها ـ لقضاوة العقل السلیم باستحالة الانبعاث فی غیر حال الاختیار ـ فلا ینعقد الإطلاق أصلاً ، لا أنّه ینعقد الإطلاق فیقیّد ، فتدبّر . هذا إجمال الکلام حول الأصل اللفظی .
فظهر : أنّ غایة ما یستفاد من توجّه الخطاب إلی المخاطب أو جعل القانون هو إتیان المتعلّق حال الاختیار .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 240