الجهة الثانیة : فی مقتضی الأصل العملی فی المسألة
فعنـد فقد الأصل اللفظی فی المسألة یقع الکلام فی مقتضی الأصل العملی فیها ، فنقول :
الحقّ فی المسألة : ـ وهی أنّه إذا شکّ فی لزوم المباشرة فقط أو جواز الاستنابة أو التبرّع ـ هو الاشتغال وإتیان المخاطب نفسه ، وعدم جواز الاستنابة أو التبرّع ، وإن قلنا فی دوران الأمر بین التعیین والتخییر بالبراءة ؛ للفرق بینهما . وذلک لأنّ التکلیف فی نحو المقام ـ أی فی موارد جواز الاستنابة أو التبرّع ـ حیث لم یکن بالتخییر ولا بالاشتراط ، بل بالتعیین البحت والإطلاق الصرف .
وإنّما جواز الاستنابة أو التبرّع فی مرحلة سقوط التکلیف من باب الترخیص والتوسعة فی مقام الامتثال ؛ فلو شکّ فیهما کان مرجعه إلی الشکّ فی الترخیص والتوسعة فی مقام الامتثال ، من دون أن یصعد إلیٰ حریم التکلیف أو إلیٰ قید من قیود المأمور به ، ومن المعلوم : أنّ الشکّ فی ناحیة الامتثال وسقوط التکلیف مجریً للاشتغال فحسب .
إن قلت : إنّ أصل التکلیف معلوم ، والشکّ إنّما هو فی قید المأمور به وفی أنّه هل هو مطلق أو مقیّد بقید المباشرة ، فتجری البراءة .
قلت : إنّ المعلوم هو إطلاق المأمور به وعدم تقیّده بنحو یرجع إلی التخییر أو الاشتراط ؛ لعدم معقولیة شیء منهما ، کما تقدّم . ولکن لا یتعدّی الشکّ عن طور الامتثال وسقوط التکلیف إلی أصل التکلیف أو قید من قیود المکلّف به ، ومعه لامجال لتوهّم البراءة ، بخلاف مسألة الدوران بین التعیین والتخییر ، کما تقدّم .
ولا یخفیٰ : أنّا وإن لم نکن عجالة بصدد بیان ما هو الحقّ فی المسألة ، إلاّ أنّه لقائل أن یقول بالبراءة هناک ، بلحاظ أنّه لا یعلم مقدار سعة التکلیف وضیقه ، ولیس التکلیف معلوماً بجمیع حدوده حتّیٰ یکون الشکّ فی امتثاله ، کما فی المقام .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 237
وحیث إنّ الأمر غیر خالٍ عن الغموض والإبهام نأتی بما یشیّد أرکانه ؛ لئلاّ یتزلزل بالأوهام .
فنقول : کما أنّ المحقّق الخراسانی قدس سره مع اختیاره استحالة أخذ قصد الأمر ونحوه فی المتعلّق ولو بالخطاب الثانی قائل بأنّه لو قامت حجّة علیٰ لزوم الإتیان بقصد الأمر لکان یحکم بأنّ العقل یکشف منه تعلّق الغرض بما هو الأخصّ ممّا تعلّق به الأمر ؛ وهو ما قیّد بقصد الأمر .
کذلک نقول بعکس ذلک فی المقام ـ أی موارد جواز الاستنابة والتبرّع ـ وذلک لأنّ المکلّف به هو نفس الطبیعة تعییناً وإطلاقاً ، واحتمال الاکتفاء بإتیان الغیر یلغیٰ حیث لا تخییر ولا اشتراط . ومعه لو قامت الحجّة علیٰ جوازهما یکشف العقل تعلّق الغرض بما هو الأعمّ من المتعلّق ، لا بتغیّر سنخ التکلیف عن التعیین والإطلاق أصلاً .
ولکن إذا لم تقم حجّة علیٰ ذلک وشکّ فی ذلک فالمرجع الاشتغال فقط ؛ لرجوعه إلیٰ مقام الامتثال .
والمظنون : أنّ اختلاج احتمال البراءة فی الذهن إنّما هو لعدم وصوله إلیٰ ما حقّقناه من عدم تمشّی التخییر والاشتراط فیموارد جواز الاستنابة والتبرّع ،فتدبّرجیّداً.
فاتّضح من جمیع ما ذکرناه : ما فی کلام المحقّق العراقی قدس سره ؛ حیث ذهب إلی البراءة ، واستدلّ لذلک : بأنّ الشکّ فی المقام یکون فی طور التکلیف هل هو تامّ أو ناقص . . . إلی آخر ما ذکره .
إذ لا شکّ فی حدود التکلیف ، ولا المکلّف به أصلاً ؛ لأنّ التکلیف تعیّنی مطلق ، والمکلّف به أیضاً نفس الطبیعة ، والشکّ إنّما هو فی مرحلة الامتثال فقط ، ومعه لا مجال لتوهّم البراءة ، فتدبّر وکن من الشاکرین .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 238