المقصد الأوّل فی الأوامر

الجهة الثانیة‏: فی مقتضی الأصل العملی فی المسألة

الجهة الثانیة : فی مقتضی الأصل العملی فی المسألة

‏ ‏

‏فعنـد فقد الأصل اللفظی فی المسألة یقع الکلام فی مقتضی الأصل العملی فیها ،‏‎ ‎‏فنقول :‏

الحقّ فی المسألة :‏ ـ وهی أنّه إذا شکّ فی لزوم المباشرة فقط أو جواز‏‎ ‎‏الاستنابة أو التبرّع ـ هو الاشتغال وإتیان المخاطب نفسه ، وعدم جواز الاستنابة أو‏‎ ‎‏التبرّع ، وإن قلنا فی دوران الأمر بین التعیین والتخییر بالبراءة ؛ للفرق بینهما . وذلک‏‎ ‎‏لأنّ التکلیف فی نحو المقام ـ أی فی موارد جواز الاستنابة أو التبرّع ـ حیث لم یکن‏‎ ‎‏بالتخییر ولا بالاشتراط ، بل بالتعیین البحت والإطلاق الصرف .‏

‏وإنّما جواز الاستنابة أو التبرّع فی مرحلة سقوط التکلیف من باب الترخیص‏‎ ‎‏والتوسعة فی مقام الامتثال ؛ فلو شکّ فیهما کان مرجعه إلی الشکّ فی الترخیص‏‎ ‎‏والتوسعة فی مقام الامتثال ، من دون أن یصعد إلیٰ حریم التکلیف أو إلیٰ قید من قیود‏‎ ‎‏المأمور به ، ومن المعلوم : أنّ الشکّ فی ناحیة الامتثال وسقوط التکلیف مجریً‏‎ ‎‏للاشتغال فحسب .‏

إن قلت :‏ إنّ أصل التکلیف معلوم ، والشکّ إنّما هو فی قید المأمور به وفی أنّه هل‏‎ ‎‏هو مطلق أو مقیّد بقید المباشرة ، فتجری البراءة .‏

قلت :‏ إنّ المعلوم هو إطلاق المأمور به وعدم تقیّده بنحو یرجع إلی التخییر أو‏‎ ‎‏الاشتراط ؛ لعدم معقولیة شیء منهما ، کما تقدّم . ولکن لا یتعدّی الشکّ عن طور‏‎ ‎‏الامتثال وسقوط التکلیف إلی أصل التکلیف أو قید من قیود المکلّف به ، ومعه لامجال‏‎ ‎‏لتوهّم البراءة ، بخلاف مسألة الدوران بین التعیین والتخییر ، کما تقدّم .‏

ولا یخفیٰ :‏ أنّا وإن لم نکن عجالة بصدد بیان ما هو الحقّ فی المسألة ، إلاّ أنّه‏‎ ‎‏لقائل أن یقول بالبراءة هناک ، بلحاظ أنّه لا یعلم مقدار سعة التکلیف وضیقه ، ولیس‏‎ ‎‏التکلیف معلوماً بجمیع حدوده حتّیٰ یکون الشکّ فی امتثاله ، کما فی المقام .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 237
‏وحیث إنّ الأمر غیر خالٍ عن الغموض والإبهام نأتی بما یشیّد أرکانه ؛ لئلاّ‏‎ ‎‏یتزلزل بالأوهام .‏

فنقول :‏ کما أنّ المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ مع اختیاره استحالة أخذ قصد الأمر ونحوه‏‎ ‎‏فی المتعلّق ولو بالخطاب الثانی قائل بأنّه لو قامت حجّة علیٰ لزوم الإتیان بقصد الأمر‏‎ ‎‏لکان یحکم بأنّ العقل یکشف منه تعلّق الغرض بما هو الأخصّ ممّا تعلّق به الأمر ؛‏‎ ‎‏وهو ما قیّد بقصد الأمر‏‎[1]‎‏ .‏

‏کذلک نقول بعکس ذلک فی المقام ـ أی موارد جواز الاستنابة والتبرّع ـ وذلک‏‎ ‎‏لأنّ المکلّف به هو نفس الطبیعة تعییناً وإطلاقاً ، واحتمال الاکتفاء بإتیان الغیر یلغیٰ‏‎ ‎‏حیث لا تخییر ولا اشتراط . ومعه لو قامت الحجّة علیٰ جوازهما یکشف العقل تعلّق‏‎ ‎‏الغرض بما هو الأعمّ من المتعلّق ، لا بتغیّر سنخ التکلیف عن التعیین والإطلاق أصلاً .‏

‏ولکن إذا لم تقم حجّة علیٰ ذلک وشکّ فی ذلک فالمرجع الاشتغال فقط ؛‏‎ ‎‏لرجوعه إلیٰ مقام الامتثال .‏

‏والمظنون : أنّ اختلاج احتمال البراءة فی الذهن إنّما هو لعدم وصوله إلیٰ ما‏‎ ‎‏حقّقناه من عدم تمشّی التخییر والاشتراط فیموارد جواز الاستنابة والتبرّع ،فتدبّرجیّداً.‏

فاتّضح من جمیع ما ذکرناه :‏ ما فی کلام المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ؛ حیث ذهب إلی‏‎ ‎‏البراءة ، واستدلّ لذلک : بأنّ الشکّ فی المقام یکون فی طور التکلیف هل هو تامّ أو‏‎ ‎‏ناقص . . . إلی آخر ما ذکره‏‎[2]‎‏ .‏

‏إذ لا شکّ فی حدود التکلیف ، ولا المکلّف به أصلاً ؛ لأنّ التکلیف تعیّنی مطلق ،‏‎ ‎‏والمکلّف به أیضاً نفس الطبیعة ، والشکّ إنّما هو فی مرحلة الامتثال فقط ، ومعه لا مجال‏‎ ‎‏لتوهّم البراءة ، فتدبّر وکن من الشاکرین .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 238

  • )) کفایة الاُصول : 95 ـ 97 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 248 .