المقصد الأوّل فی الأوامر

توضیح للمقام ببیان مستوفی

توضیح للمقام ببیان مستوفی

‏ ‏

‏ولزیادة توضیح أنّ المقام لیس من باب الوجوب التخییری ، ولا الوجوب‏‎ ‎‏المشروط ، ولا المجعول فی ظرف دون ظرف ، نأتی ببیان مستوفیٰ مترامی الأطراف ،‏‎ ‎‏وإن أمکن الاکتفاء بما تقدّم إجمالاً .‏

فنقول :‏ إنّ الواجب التخییری هو الذی یسقط قطعاً بفعل أحد شقّی التردید أو‏‎ ‎‏أحد شقوق التردید ، وإلاّ یکون کلّ واحد منهما أو منها واجباً تعیینیاً .‏

‏فعلیٰ هذا : لو کان الأمر بالحجّ والاستنابة واجباً تخییریاً لزم سقوط التکلیف‏‎ ‎‏بالحجّ بمجرّد الاستنابة ، وإن لم یفعله النائب ؛ إذ أحد شقّی التخییر ـ حسب الفرض ـ‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 233
‏هو الفعل القائم بالمخاطب بالحجّ ـ وهو الاستنابة ـ وأمّا الفعل القائم بالنائب فخارج‏‎ ‎‏عن حریم التکلیف بالحجّ أصلاً ، ولا یصحّ الالتزام به ، هذا إجمال المقال .‏

وإلیک تفصیل المقال :‏ وهو أنّ أحد شقّی التخییر بحسب التصوّر لا یخلو عن‏‎ ‎‏أحد اُمور :‏

‏1 ـ إمّا أن یکون هو مجرّد الاستنابة ؛ سواء تعقّبها فعل النائب أم لا .‏

‏2 ـ أو یکـون الاستنابـة المتعقّبة بفعل النائب نظیـر الإجازة فـی الفضـولی‏‎ ‎‏علـی احتمال .‏

‏3 ـ أو یکـون فعل النائب .‏

‏4 ـ أو یکـون الاستنابة المتقیّدة بفعل النائب .‏

‏5 ـ أو یکون الاستنابة المشروطة به .‏

‏وعلیٰ أیّ صورة منها یرد علیها ما لا یمکن الالتزام به :‏

أمّا علی الصورة الاُولی :‏ فیلزم سقوط وجوب الحجّ بمجرّد الاستنابة ، وإن‏‎ ‎‏لم یأت النائب بالحجّ ، مع أنّ الاستنابة لتلک الغایة ؛ وذلک لحصول أحد شقّی التردید‏‎ ‎‏حسب الفرض .‏

کما أنّه علی الصورة الثانیة :‏ یلزم السقوط بمجرّد الاستنابة إذا کان المعلوم‏‎ ‎‏عند الله أنّ النائب یعقّبها به ؛ وذلک لحصول وصف التعقّب فعلاً ، وإن کان المتعقّب فی‏‎ ‎‏المستقبل ، والالتزام به مشکل .‏

‏مع أنّه یلزم من بعد وجوده العدم ؛ إذ لو سقط بالاستنابة المطلقة أو المتعقّبة‏‎ ‎‏لم یبق فی عهدة الحجّ حتّیٰ یأتی به النائب عنه ؛ لأنّه بمجرّد الاستنابة والإیجاب علی‏‎ ‎‏النائب سقط الوجوب عن النائب ؛ لسقوط الحجّ الواجب عن المنوب عنه .‏

‏ولا یعقل أن یوجب الشیء شیئاً ، ویسقط شیئاً آخر یکون وجوده متوقّفاً علیٰ‏‎ ‎‏وجود هذا الساقط ، فتدبّر .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 234
وأمّا علی الصورة الثالثة :‏ فلا یصحّ أیضاً ، لخروج فعل الغیر عن القدرة‏‎ ‎‏والاختیار ؛ إذ لا یعقل أن یجب علیٰ زید فعل عمرو .‏

وهکذا علی الصورة الرابعة والخامسة ؛‏ إذ کما أنّ فعل الغیر لیس داخلاً فی‏‎ ‎‏حریم القدرة فلا یعقل إیجابه مستقلاًّ ، کذلک لا یصلح قیداً ولا شرطاً للتکلیف‏‎ ‎‏المتوجّه إلی الشخص .‏

فتحصّل :‏ أنّه لا یمکن جعل الاستنابة أحد شقّی التخییر ـ بأیّ معنیً کان‏‎ ‎‏التخییر ـ إذ لسنا الآن بصدد تحقیق معنی التخییر من کون الوجوب فیه مشروطاً‏‎ ‎‏بعدم فعل ذلک الآخر أو غیره .‏

‏هذا مجمل الکلام فی التخییر .‏

وأمّا الاشتراط ؛‏ بأن یکون الوجوب مشروطاً بعدم فعل الغیر ـ کما زعمه‏‎ ‎‏المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ فی التبرّع ـ فلایعقل أیضاً ؛ إذ التبرّع فرع ثبوت الوجوب علی‏‎ ‎‏المتبرّع منه ، فلو کان ثبوته علیه مشروطاً بعدم التبرّع للزم الدور .‏

‏وهکذا الکلام فی مقال المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ؛ إذ لا تفاوت بین کون الوجوب فی‏‎ ‎‏ظرف عدم فعل الغیر ، أو مشروطاً بعدمه فیما هو المهمّ فی المقام ؛ لأنّ فعل الغیر ـ علی‏‎ ‎‏أیّ تقدیر ـ لإسقاط ما علی المخاطب بالحجّ مثلاً ، لا أنّه فعل مستقلّ بنفسه . فاتّضح :‏‎ ‎‏أنّه ‏‏قدس سره‏‏ لم یأت بما یفید ویجدی .‏

فتحصّل :‏ أنّ العقل فی مثل جواز الاستنابة إن کان لها مورد إذا لاحظ کیفیة‏‎ ‎‏تشریع الشارع الحجّ ـ مثلاً ـ وعمله فی مقام الجعل لا یریٰ إلاّ حکماً واحداً ؛ وهو‏‎ ‎‏وجوب الحجّ متعلّقاً علی شخص خاصّ ـ وهو المستطیع ـ من دون أن یکون فیه‏‎ ‎‏تردّد بینه وبین غیره ـ کالاستنابة ـ أو اشتراط وتعلیق علیٰ عدم فعل الغیر ، أو فی‏‎ ‎‏ظرف عدم فعل الغیر .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 235
‏فعلیٰ هذا : لا یکون الوجوب إلاّ تعیینیاً لا تخییریاً ، ومطلقاً لا مشروطاً ، ولا‏‎ ‎‏مظروفاً فی ظرف عدم فعل الغیر .‏

‏فأمّا حدیث جواز الاستنابة فإنّما هو ترخیص من الشارع فی کیفیة الامتثال‏‎ ‎‏وسقوط التکلیف .‏

‏وإنّما قلنا : إن کان لجواز الاستنابة مورد ؛ فلأنّا لم نجد مورداً فی الفقه یکون‏‎ ‎‏الأمر فی مقام الامتثال دائراً بین المباشرة والاستنابة بجعل الغیر ـ الذی هو النائب ـ‏‎ ‎‏بمنزلة نفسه فی عالم الاعتبار .‏

‏نعم ، فی الحـجّ وإن جُوّز الاستنابـة فیه إلاّ أنّه فـی حال العـذر ـ کالمـرض ـ‏‎ ‎‏لا مطلقاً .‏

‏وربّما یمثّل لذلک بسقوط قضاء المیّت عن الولی بفعل النائب ، کما یوجد فی‏‎ ‎‏کلمات بعض الأعاظم ‏‏قدس سره‏‎[1]‎‏ .‏

‏ولکنّه غیر مطابق للممثّل المبحوث عنه ؛ إذ المبحوث عنه هو أنّه هل الواجب‏‎ ‎‏علی المخاطب بالأصالة وجوب مباشرته أو کفایة الاستنابة ؟ وأمّا قضاء المیّت فإنّما‏‎ ‎‏یجب علی الولی نیابةً عن المیّت .‏

‏فالأمر هناک دائر بین لزوم الاقتصار فی امتثال الأمر بالنیابة علی المباشرة ،‏‎ ‎‏وبین جواز الاستنابة أیضاً .‏

‏هذا تمام الکلام فیما هو مقتضی التشریع والجعل .‏

‏فظهر : أنّ المجعول فیما یجوز فیه الاستنابة أو التبرّع لیس إلاّ أمراً معیّناً لامخیّراً ،‏‎ ‎‏ووجوباً مطلقاً لا اشتراط فیه ؛ لعدم معقولیة شیء منهما .‏

‏هذا کلّه فی الجهة الاُولیٰ ؛ وهو مقتضی الأصل اللفظی فی توجّه الخطاب ؛ وهو‏‎ ‎‏لزوم مباشرة المخاطب فی امتثال الأمر .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 236

  • )) فوائد الاُصول 1 : 139 ـ 140 .