المقصد الأوّل فی الأوامر

الجهة الاُولی‏: فی مقتضی الأصل اللفظی فی المسألة

الجهة الاُولی : فی مقتضی الأصل اللفظی فی المسألة

‏ ‏

‏حیث إنّ بعض الأعلام تصدّیٰ لذلک بعد تمهید مقدّمة فلنمهِّدها أیضاً ، ونقول :‏‎ ‎‏إنّ لکیفیة سقوط التکلیف الخاصّ المتوجّه إلیٰ شخص مخصوص تصوّرات :‏

منها :‏ أن یکون مجرّد تحقّق المکلّف به خارجاً مسقطاً للأمر کیف اتّفق ، وإن لم‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 229
‏یکن موجده إنساناً ، فضلاً عمّا إذا کان ذلک .‏

‏وذلک فیما إذا کان المطلوب وجود الفعل فی الخارج کیف اتّفق ، من دون دخالة‏‎ ‎‏لصدوره عن المخاطب وانتسابه به فی تحصیل ذلک الغرض ، کالأمر بغسل الثوب .‏

‏ولا یرد : أنّه علیٰ هذا الغرض ینبغی أن ینحدر الحکم والأمر إلی الفعل نفسه ،‏‎ ‎‏ویحکم بأنّ ذلک الفعل ـ کالغَسل مثلاً ـ مطلوب من دون توجیهه إلی شخص معیّن ؛‏‎ ‎‏لأنّه یتصوّر لتوجیه الخطاب للشخص غرض آخر وراء الغرض الباعث علی‏‎ ‎‏التکلیف بأصل الفعل .‏

ومنها :‏ ما لا یکون کذلک بل لابدّ فی سقوط الأمر من صدور المکلّف به من‏‎ ‎‏المخاطب نفسه ؛ بحیث لا یکون تحقّقه من غیره بأیّ نحو مسقطاً له أصلاً . وذلک فیما‏‎ ‎‏یکون للانتساب والقیام به دخل فی حصول أصل الغرض ، کالصلاة والصوم .‏

ومنها :‏ ما یکون متوسّطاً بین الأوّلین ؛ بحیث لا یکون وجوده المطلق مسقطاً ،‏‎ ‎‏ولا وجوده من خصوص المخاطب فقط مسقطاً ، بل لابدّ فیه من الارتباط به بنحو ،‏‎ ‎‏وذلک من وجوه :‏

الأوّل :‏ أن یکون له التسبّب بالاستئجار ـ مثلاً ـ وحینئذٍ یکون فعل الأجیر‏‎ ‎‏مسقطاً للتکلیف ، مع کونه فعلاً بنفسه ، من دون لزوم قصد النیابة ونحوه . بل الأجیر‏‎ ‎‏یبنی ویهدم ویرفع ویضع لاُجرته المسمّاة فی العقد ـ مثلاً ـ لا بعنوان کونه نائباً عن‏‎ ‎‏المستأجر فی البناء .‏

‏وکیف کان : فالسقوط من المخاطب فی هذا القسم لابدّ له من عمل ؛ من فعل‏‎ ‎‏نفسه أو التسبیب له .‏

الثانی :‏ أن یکون له الاستنابة ؛ بأن یجعل شخصاً آخر بمنزلة وجود نفسه ؛‏‎ ‎‏فکما أنّه لو صدر الفعل من وجوده الحقیقی لکان مسقطاً للتکلیف ، فکذلک لو صدر‏‎ ‎‏من وجوده التنزیلی ، الذی هو النائب .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 230
‏فالسقوط فی هذا القسم أیضاً یتوقّف علیٰ صدور عملٍ ما من المخاطب ، وهو‏‎ ‎‏إمّا نفس الفعل أو الاستنابة علیه .‏

الثالث :‏ أن یجوز للغیر التبرّع عنه ، والمتبرّع وإن کان کالنائب ؛ من أنّ وجوده‏‎ ‎‏وجود تنزیلی للمخاطب ، إلاّ أنّ جعل التنزیل فی النائب بید المخاطب فقط دون‏‎ ‎‏المتبرّع ؛ فإنّ للمتبرّع جعل نفسه بمنزلة نفس المخاطب علیٰ ما له من الخصوصیات‏‎ ‎‏المبحوث عنها فی المحلّ المناسب له .‏

‏فالارتباط فی هذا القسم أضعف من الأوّلین من هذه الجهة ؛ وهی عدم لزوم‏‎ ‎‏صدور عمل من المخاطب ، ولکنّه مرتبط به أیضاً ؛ إذ التبرّع إنّما هو تبرّع عن الغیر ،‏‎ ‎‏وهذا معنی الارتباط به ، بخلاف الأوّلین .‏

‏ولعلّ فی الباب أیضاً وجوهاً اُخر فی کیفیة سقوط التکلیف ، ولکن المهمّ هو‏‎ ‎‏الذی أشرنا .‏

إذا تمهّد لک هذه المقدّمة فنقول :‏ إنّ المستفاد من المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ ـ بعد إطالة‏‎ ‎‏الکلام بما لا دخالة لبعضه فی المقام ـ هو أنّ التکلیف فی موارد جواز الاستنابة من‏‎ ‎‏باب الوجوب التخییری بین المباشرة وبین الاستنابة ؛ تخییراً شرعیاً ؛ لأنّه یکون‏‎ ‎‏نتیجة التکلیف ـ بعد قیام الدلیل علیٰ جواز الاستنابة ـ هو التخییر بین المباشرة‏‎ ‎‏والاستنابة ؛ لأنّ الاستنابة أیضاً فعل اختیاری للشخص قابلة لتعلّق التکلیف بها‏‎ ‎‏تخییراً أو تعییناً .‏

‏وفی موارد جواز التبرّع من باب الوجوب المشروط ؛ لاشتراط وجوب‏‎ ‎‏المباشرة علیٰ عدم إتیان المتبرّع ، ولا یصحّ جعله من الوجوب التخییری لوجهین :‏

‏أحدهما : أنّ الواجب فـی التخییری معادل للواجب الآخـر ، مـن دون ترتّب‏‎ ‎‏وطولیـة لأحـدهما علی الآخـر ، وحیث إنّ المقام لیس کذلک فلا یعقل کونـه مـن‏‎ ‎‏باب التخییر .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 231
‏ثانیهما : عدم اندراج فعل المتبرّع تحت قدرة المکلّف ، ولا یمکن تعلّق الإرادة‏‎ ‎‏به ؛ فلا معنی لأن یقال : «افعل أنت بنفسک أو غیرک» مع لزوم اندراج الواجبات‏‎ ‎‏التخییریة بشقوقها تحتها‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

ولکن ناقش المحقّق العراقی ‏قدس سره‏‏ فی ذلک ، وقال : إنّ خطاب المکلّف بالفعل‏‎ ‎‏الذی یسقط وجوبه عنه بفعل غیره لا یکون مشروطاً بعدم فعل الغیر کما توهّم ، بل‏‎ ‎‏هو خطاب توجّه إلیه فی حین عدم فعل الغیر ، کما هو شأن الواجب التخییری‏‎[2]‎‏ .‏

‏والـذی یقتضیـه التحقیق هـو أن یقال بعدم کـون الخطاب مشروطاً بعـدم‏‎ ‎‏فعل الغیر ، وأنّه لا یکـون الخطاب تخییریاً . ویعلم ذلک بعـد تصوّر حال الجعل‏‎ ‎‏وکیفیة التشریع .‏

‏وذلک لأنّ الذی ینکشف بالتأمّل فی مقام الثبوت وتشریع عمل معیّن ـ کالحجّ‏‎ ‎‏مثلاً ـ أنّ الملحوظ هناک هو نفس الحجّ ووجوبه علی المستطیع ، لا المردّد بینه وبین‏‎ ‎‏الاستنابة ـ کما هو الشأن فی دوران الأمر فی عالم الجعل بین الخصال الثلاث ـ حتّی‏‎ ‎‏یکون الاستنابة معادلاً للحجّ ؛ تعادل العتق للإطعام والصیام ؛ لیکون المسؤول یوم‏‎ ‎‏القیامة عند العصیان ترک الاستنابة والحجّ ، کما یکون المعاقب علیه فی الخصال هو‏‎ ‎‏ترکها بأجمعها ؛ للاکتفاء بواحد فی ‏‏[‏‏عدم‏‏]‏‏ الترک بالجمیع ؛ قضاءً لحقّ التخییر .‏

‏بل المجعول هـو وجـوب الحجّ علی المستطیـع فقط ، مـن دون عـدل أصلاً‏‎ ‎‏حتّی یکـون بینهما التخییر ، ومـن دون توقّف له علـیٰ عـدم فعل الغیر تبرّعاً حتّیٰ‏‎ ‎‏یکـون مشروطاً بعـدمه . بل هـو واجب عینی تعیینی مطلق ، لا مشروط ولا مخیّر‏‎ ‎‏عقلاً ولا شرعاً .‏

‏إذ فعل النائب وکذا المتبرّع لیس لأجل توجّه الخطاب إلی الاستنابة ؛ معادلاً‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 232
‏لخطاب الحجّ علی الأوّل ، کما هو مقتضی الخطاب التخییری . ولیس موجباً لعدم‏‎ ‎‏توجّه الخطاب علی الثانی ، کما هو مقتضی الواجب المشروط ، بل هما من کیفیة‏‎ ‎‏الامتثال ، من دون دخالة لشیء منهما فی عالم التشریع .‏

‏ومقتضی السقوط بهما هو سقوط التکلیف البتّی المتوجّه إلی المخاطب ، من دون‏‎ ‎‏توجّه ذلک الشخص من الخطاب إلی النائب أو المتبرّع فعلاً .‏

‏نعم ، بعد توسعة کیفیة الامتثال وسقوط الخطاب بفعلهما یعدّ کلّ منهما مخاطباً‏‎ ‎‏اعتباراً ، لا أنّهما مستقلاّن نفساً . وعلیٰ هذا لا یعقل التخییر ولا الاشتراط أصلاً .‏

‏ولعلّ التخییر فی مقام السقوط اختلط بالتخییر المصطلح علیه ؛ وهو ما یکون‏‎ ‎‏فی عالم الجعل بنحو یرجع إلی الاشتراط أو غیره علیٰ ما هو المقرّر فی محلّه .‏

فانقدح بما ذکرنا :‏ ما فی کلام المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ . وبهذا البیان أیضاً یظهر ما فی‏‎ ‎‏کلام المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ أیضاً ؛ إذ لیس التکلیف ملحوظاً فی حال عدم فعل الغیر أصلاً ؛‏‎ ‎‏حیث إنّ فعله لم یلحظ فی مقام الجعل عِدلاً ، ولا عدمه ظرفاً ، بل هو تکلیف بتّی‏‎ ‎‏مطلق علیٰ ما عرفت .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 233

  • )) فوائد الاُصول 1 : 139 ـ 141 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 247 .