المقصد الأوّل فی الأوامر

الأمر الثالث‏: فی مقتضی الأصل اللفظی فی المسألة

الأمر الثالث : فی مقتضی الأصل اللفظی فی المسألة

‏ ‏

‏ولیعلم أوّلاً : أنّ النسبة بین الإطلاق والتقیید العـدم والملکة ؛ لأنّ الإطلاق‏‎ ‎‏لیس هـو عـدم التقیید ولو مـع عـدم صلوح المورد له ، بل هـو عدمه فـی مـورد‏‎ ‎‏قابل لـه ؛ فإذا کان المـورد صالحاً للتقیید ولـم یتقیّد یصحّ التمسّک بالإطـلاق ، وقـد‏‎ ‎‏عرفت بما لا مزید علیه : أنّه یصحّ أخـذ قصد الأمـر أو قصد الامتثال وقصـد‏‎ ‎‏المصلحة ونحو ذلک فی متعلّق الأمر .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 203
‏فعلیٰ هذا : لو أطلق الأمر ولم یقیّده بشیء منها یصحّ التمسّک به والحکم بأنّ‏‎ ‎‏الواجب توصّلی .‏

وبالجملة :‏ بعد القول بإمکان أخذ قصد الأمر ونحوه فی متعلّق الأمر یکون‏‎ ‎‏وزان قصد الأمر وزان سائر القیود العرضیة ؛ فکما یؤخذ بالإطلاق لرفع قید أو شرط‏‎ ‎‏فکذلک یؤخذ بإطلاق الأمر ویرفع الید عن قید قصد الأمر مثلاً . فإذا کان الآمر فی‏‎ ‎‏مقام بیان تمام المراد ولم ینصب قرینة علی ذلک فیؤخذ بإطلاق الأمر .‏

‏فإذن : الأصل الأوّلی عند الشکّ فی واجب أنّه توصّلی أو تعبّدی کون الواجب‏‎ ‎‏توصّلیاً ، إلاّ ما خرج بالدلیل ، فتدبّر .‏

‏ ‏

ذکر وإرشاد

‏ ‏

‏إذا أحطت خبراً بما ذکرنا : فینبغی عطف النظر إلی إشکال فی إثبات التوصّلیة ،‏‎ ‎‏ومقال لشیخنا العلاّمة الحائری ‏‏قدس سره‏‏ مقتضاهما کون الأصل الأوّلی عند الشکّ کون‏‎ ‎‏الواجب تعبّدیاً .‏

أمّا الإشکال فحاصله :‏ أنّ التمسّک بالإطلاق إنّما یصحّ فیما إذا کان کلّ من‏‎ ‎‏الإطلاق والتقیید ممکناً ، وما نحن فیه لیس کذلک ؛ لأنّ للمتعلّق ضیقاً ذاتیاً .‏

‏وذلک لأنّ دعوة الأمر إلی متعلّقه هی من شؤون الأمر ولوازمه التی لا تنفکّ‏‎ ‎‏عنه ، کما هو واضح ؛ لأنّ الداعویة من اللوازم الذاتیة للأمر . کما لا تنفکّ عن متعلّقه ؛‏‎ ‎‏لأنّ الأمر لإیجاد الداعی إلی إتیان متعلّقه .‏

‏فمتعلّق الأمر هی طبیعة الفعل التی دعت المولی إلی بعث العبد إلی إیجاد ذلک‏‎ ‎‏الفعل ، لا مطلقه .‏

‏وبعبارة اُخریٰ : یکون المتعلّق مدعوّاً إلیه بالضرورة .‏

‏فإذا کانت داعویة الأمر من لوازم ذات الأمر ومتعلّقه فلا یعقل الانفکاک بین‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 204
‏المتعلّق ولازمه الذاتی ؛ وهو عنوان کونه مدعوّاً إلیه . فإذن کیف یمکن رفع ما لا یمکن‏‎ ‎‏الانفکاک عنه بإطلاق الدلیل .‏

‏فینتج : أنّ الأصل فی الأمر کون الواجب تعبّدیاً‏‎[1]‎‏ .‏

ولکنّه یندفع الإشکال :‏ بأنّ منشأ الإشکال هو الخلط بین القیود المأخوذة فی‏‎ ‎‏متعلّق الأمر والتکلیف قبل تعلّق التکلیف ، وبین بعض القیود والأوصاف الانتزاعیة‏‎ ‎‏التی تنتزع بعد تعلّق الأمر والتکلیف .‏

‏والکلام إنّما هو بالنسبة إلی القیود الراجعة لما قبل التکلیف ، وأمّا بالنسبة إلی‏‎ ‎‏القیود الراجعة لما بعده فلا ؛ ضرورة أنّه لا إشکال فی استحالة انفکاک عنوان الداعویة‏‎ ‎‏من الأمر ، وعنوان المدعو إلیه من المتعلّق بعد تعلّق الأمر به ، فتدبّر .‏

‏فإذا کان الکلام فی القیود الراجعة لما قبل تعلّق التکلیف فنقول : هل الآمر‏‎ ‎‏لاحظ المتعلّق ماهیة مرسلة ، أو مقیّدة بقصد الأمر مثلاً ؛ فإذا کان الآمر فی مقام بیان‏‎ ‎‏جمیع ما له دخل فی متعلّق الأمر ولم یقیّده بقصد الأمر أو قصد المصلحة أو نحوهما‏‎ ‎‏فالأصل فی مورد الشکّ یقتضی کون المتعلّق مرسلاً غیر مقیّد بقصد الأمر ونحوه .‏

وواضح :‏ أنّه لا ربط له إلی أنّ الأمر له داعویة إلیٰ متعلّقه ، وکون متعلّقه‏‎ ‎‏معنوناً بذلک العنوان بالذات ؛ لأنّه بعد تعلّق التکلیف والأمر ، کما أنّ اتّصاف الآمر‏‎ ‎‏بالآمریة أیضاً بعد تعلّق الأمر .‏

وبالجملة :‏ أنّ الکلام إنّما هو فیما یدعو إلیه الأمر والتکلیف ، وأنّه هل هو نفس‏‎ ‎‏الطبیعة ، أو هی مقیّدةً بقصد الأمر مثلاً ؟ ومقتضیٰ جریان مقدّمات الحکمة هو أنّه‏‎ ‎‏حیث کان الآمر فی مقام بیان جمیع ما له دخل فی متعلّق أمره ، ولم یقیّده بقصد الأمر‏‎ ‎‏ونحوه فمقتضی الأصل عدمه ؛ فینتج کون الواجب توصّلیاً .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 205
‏نعم ، بعد تعلّق الأمر والتکلیف بطبیعة ـ سواء فی التعبّدیات أو التوصّلیات ـ‏‎ ‎‏فینتزع اُمور ، ککـون الطبیعة مأمـوراً بها ومـدعواً إلیها ، وکـون المولی آمـراً ،‏‎ ‎‏وکون المکلّف مأمـوراً ، إلیٰ غیر ذلک مـن الاُمور المتأخّرة المنتزعة عـن تعلّق‏‎ ‎‏التکلیف والبعث .‏

‏ولا یکاد یعقل توجّه التکلیف إلیٰ هذه الاُمور المتأخّرة التی لا تکاد تنتزع إلاّ‏‎ ‎‏بعد تعلّق التکلیف .‏

فظهر‏ ـ بحمد الله ـ أنّ الإشکال نشأ من خلط القیود الجائیة من قبل الأمر‏‎ ‎‏والتکلیف بالقیود المأخوذة قبل تعلّق التکلیف ، والکلام إنّما هو فی الثانی دون الأوّل ،‏‎ ‎‏فتدبّر واغتنم .‏

وأمّا مقال شیخنا العلاّمة الحائری ‏قدس سره‏‏ : فهو أنّه ‏‏قدس سره‏‏ بعدما کان قائلاً بأصالة‏‎ ‎‏التوصّلیة عند الشکّ‏‎[2]‎‏ ـ وفاقاً لما علیه القوم ـ عدل عنها فی اُخریات عمره‏‎ ‎‏الشریف ؛ فقال بأصالة التعبّدیة ، ومهّد لذلک مقدّمات لم یکن بعضها صحیحة عنده‏‎ ‎‏من ذی بعد ، ولکن ساعده الاعتبار أخیراً :‏

الاُولیٰ :‏ أنّ مختاره سابقاً کان أنّ متعلّق الأوامر صرف الوجود من الطبیعة أو‏‎ ‎‏الوجود السعی غیر القابل للتکرار ، فعدل عنه واختار أخیراً : أنّ متعلّق الأوامر نفس‏‎ ‎‏الطبیعة ؛ أی الماهیة الکلّیة اللابشرط العاریة عن کلّ قید القابلة للتکرار .‏

‏ولا یخفیٰ : أنّ ما عدل إلیه حقّ لا سترة علیه ، کما علیه أبناء التحقیق .‏

الثانیة‏ ـ ویبتنی علیها أساس التعبّدیة ـ أنّ العلل التشریعیة یحذو حذو العلل‏‎ ‎‏التکوینیة ، وتطابقها مطابقة النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة .‏

‏فکما أنّ المعلول لعلّة تکوینیة تدور مدار علّته وجوداً وعدماً ، وحدةً وکثرةً ،‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 206
‏فکذلک المعلول لعلّة تشریعیة تدور مدار علّتها کذلک . فکما أنّ العلّة التکوینی إذا‏‎ ‎‏وجدت وجد المعلول بلا فصل بینهما ، فکذلک العلّة التشریعی بالنسبة إلی معلولها .‏‎ ‎‏ومن هنا استفاد ‏‏قدس سره‏‏ الفوریة من البعث والأمر .‏

‏وکما أنّ التداخل فی العلل التکوینیة المستقلّة مستحیلة ـ لاستحالة تأثیر علل‏‎ ‎‏متعدّدة تامّة فی معلول واحد ـ فکذلک فی العلل التشریعیة . ومن هنا بنیٰ علیٰ عدم‏‎ ‎‏التداخل فی الأوامر المستقلّة التی هی أسباب مستقلّة شرعیة .‏

الثالثة :‏ أنّ بعض القیود ممّا یمکن لحاظه فـی المتعلّق وتقیید المتعلّق به ،‏‎ ‎‏کالطهارة فـی الصلاة والإیمان والعدالـة فی الرقبـة ، وبعضها ممّا لا یمکن أخـذه فی‏‎ ‎‏المتعلّق وتقییده به ، إلاّ أنّه لا ینطبق إلاّ علی المتقیّد به ـ یعنی یکـون له ضیق ذاتی‏‎ ‎‏لایعمّ غیـره ـ کمقدّمـة الواجب ـ بناءً علیٰ وجوبها ـ فإنّ الإرادة مـن الآمـر‏‎ ‎‏المستتبعة للبعث لا تترشّح علی المقدّمـة مطلقاً ؛ موصلـة کانت أم لا ؛ لعدم الملاک .‏‎ ‎‏ولا علـی المقیّدة بالإیصال ، کما علیه صاحب «الفصول» ‏‏قدس سره‏‎[3]‎‏ ؛ للزوم الدور ، کما قرّر‏‎ ‎‏فی محلّه . ولکـن لها ضیق ذاتی لا تنطبق إلاّ علی المقدّمـة الموصلـة ، مـن دون أن‏‎ ‎‏یکـون لحاظ الإیصال قیداً .‏

‏وقصد الامتثال والتقرّب ونحوهما من هذا القبیل ؛ فإنّ الأوامر وإن کانت‏‎ ‎‏مطلقة فی اللفظ ولم تکن مقیّدة بها ، لکنّها متقیّدة بها فی نفس الأمر ؛ فلها ضیق ذاتی‏‎ ‎‏فی الواقع . فهی لا مطلقة ولا مقیّدة ، إلاّ أنّها لا تنطبق إلاّ علی المتقیّدة بها .‏

‏وبالجملة : المأمور به علیٰ مقتضی المقدّمة الاُولیٰ وإن کانت طبیعة قابلة‏‎ ‎‏للتکرار ، ولکن لا إطلاق لها حتّیٰ یتمسّک به فی المقام ، بل له ضیق ذاتی لا ینطبق إلاّ‏‎ ‎‏علی المتقیّدة بقصد الأمر ونحوه ، کما هو الشأن فی العلل التکوینیة ؛ ضرورة أنّ النار‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 207
‏ـ مثلاً ـ لا تکون علّة للإحراق الکلّی القابل للصدق علی المتولّد منها وغیرها ،‏‎ ‎‏ولاللإحراق المقیّد بکونه من قبلها ، ولکنّها تکون مؤثّرة فی الحرارة التی لا تنطبق إلاّ‏‎ ‎‏علی المتقیّدة بها لبّاً .‏

‏فعلیٰ هذا : إذا ورد أمر وشکّ فی أنّه تعبّدی أو توصّلی فلا موقع للتمسّک‏‎ ‎‏بالإطلاق والحکم بکونه توصّلیاً ، بل مقتضی الأصل هو الحکم بکونه تعبّدیاً ؛ لأنّ‏‎ ‎‏المبعوث إلیه والمنحدر علیه البعث لا یصلح للانطباق إلاّ علی المتقیّد بقصد الأمر .‏

‏هذا غایة التقریب فی مقاله ‏‏قدس سره‏‏ .‏

ولکن فیما أفاده نظر ؛‏ وذلک لأنّ اتّحاد علل التشریع مع علل التکوین وقیاسها‏‎ ‎‏بها لیس بیّناً فی نفسه ، وهو واضح ، ولا مبیّناً ؛ لعدم قیام برهان علیه .‏

‏بل یمکن إقامة البرهان علی التغایر ؛ ضرورة أنّ المعلول فی العلّة التکوینی‏‎ ‎‏لاوجود له قبل إیجاد العلّة إیّاه ؛ لا خارجاً کما هو واضح ، ولا نفساً .‏

‏وبالجملة : لا اسم ولا رسم ولا أثر للمعلول فی الوجود فی التکوینیات قبل‏‎ ‎‏إیجاد العلّة إیّاه ؛ بداهة أنّ إشراق الشمس أو إحراق النار قبل إیجاد العلّة إیّاه‏‎ ‎‏لاتشخّص له أصلاً ؛ لأنّ التشخّص ـ کما قرّر فی محلّه ـ مساوق للوجود المنفی ذهناً‏‎ ‎‏وخارجاً حسب الفرض ، وبإیجاد العلّة یتشخّص المعلول .‏

‏فعلیٰ هذا : لا تضیّق للمعلول أصلاً ، بل هو باقٍ علیٰ سعته الأوّلیة ؛ من کونه‏‎ ‎‏صالحاً للانطباق علیٰ غیر واحد .‏

‏هذا فی العلل التکوینیة .‏

‏وأمّا فی العلل التشریعیة : فبخلاف ذلک ؛ وذلک لأنّ من یرید جعل حکم‏‎ ‎‏وقانون علیٰ موضوع یلاحظ أوّلاً الموضوع والمتعلّق بجمیع ما یکون دخیلاً فیه ، ثمّ‏‎ ‎‏ینحدر البعث نحوه .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 208
‏فربّما یتصوّر نفس الموضوع والماهیة مطلقة ؛ لوجود الملاک والمصلحة فیها ،‏‎ ‎‏وقد یتصوّرها مقیّدة بقید أو قیود . فسعة المتعلّق وضیقه مسبوقة بکیفیة لحاظ‏‎ ‎‏اللاحظ والمقنّن ؛ فإن لاحظها مطلقة تکون وسیعة ، وإن لاحظها مقیّدة یکون مضیّقاً .‏

‏ولا یکاد یمکن ـ حینئذٍ ـ أن یدعو إلی نفس الطبیعة مجرّدة ، بل إلیها مقیّدة ،‏‎ ‎‏وهو واضح .‏

‏وبالجملة : قبل الأمر والإیجاد الاعتباری لابدّ وأن یتصوّر ویلاحظ الموضوع ،‏‎ ‎‏فإن کان الملحوظ نفس الطبیعة القابلة للتکثّر فالبعث لا یکاد یدعو إلاّ إلیها ،‏‎ ‎‏ولایکون المأمور به والمتعلّق مقیّداً ؛ لا لحاظاً ولا لُبّاً .‏

‏وإن کان الملحوظ الطبیعة المقیّدة فالبعث یدعو إلیها مقیّدة .‏

‏فإذا کان کلّ من الطبیعة المطلقة أو المقیّدة بقصد الأمر بلحاظ اللاحظ والمقنّن‏‎ ‎‏وکان فی مقام بیان جمیع ما له دخل فی متعلّقه ، ومع ذلک لم یقیّد الطبیعة بقید فیعلم من‏‎ ‎‏ذلک عدم دخل القید فی المتعلّق ، بل هو باقٍ علی اتّساعه الذاتی .‏

ومن هنا یظهر لک :‏ النظر فیما رتّب ‏‏قدس سره‏‏ علی اتّحاد حکمی التکوین والتشریع ؛‏‎ ‎‏من عدم جواز تخلّف المعلول الشرعی عن علّته الشرعیة ؛ ضرورة جواز تعلّق‏‎ ‎‏الإرادة التشریعی بأمر استقبالی ، کما یتعلّق بأمر حالی ، بخلاف العلّة التکوینی ؛ فإنّه‏‎ ‎‏لایجوز التخلّف .‏

‏فعلیٰ هذا : لا مجال لاستفادة الفوریة من البعث ، وکذا عدم جواز تکثّر المعلول‏‎ ‎‏مع وحدة علّته التشریعیة ، کما فی العلل التکوینیة ؛ إذ من الجائز تعلّق الإرادة الواحدة‏‎ ‎‏بأکثر من أمر واحد ، بل ربّما یتعلّق باُمور کثیرة ، کما لا یخفیٰ .‏

ولتوضیح المقال نقول :‏ لیس الأمـر کما زعمـه ‏‏قدس سره‏‏ فـی العلل التکوینیة ؛ لأنّ‏‎ ‎‏المعلول التکـوینی قبل الإفاضـة والتأثّر لا یکـون مضیّقاً کما لا یکـون مقیّداً ، بل‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 209
‏لایکـون متّصفاً بالمعلولیة . والتضیّق والتقیید والاتّصاف إنّما هـو بعـد التأثیر مـن‏‎ ‎‏ناحیة علّته .‏

‏وإن کان فی خواطرک ریب فاختبر نفسک ولاحظ النار ـ مثلاً ـ فتریٰ أنّها‏‎ ‎‏توجد الإحراق والإضاءة فی محلّ خاصّ . والإحراق والإضاءة یتضیّق بعد استضائة‏‎ ‎‏نور الوجود ، وأمّا قبله فلا .‏

‏وکـذا فی العلل التشریعیة ؛ فإنّ الماهیـة التی تعلّق بها الأمـر وإن کانت تتضیّق‏‎ ‎‏بعـد تعلّق الأمـر ، إلاّ أنّه غیر دخیل فی المأمـور به ؛ لأنّ ما هـو المأمـور به هـو‏‎ ‎‏نفس الماهیة ، فما تتضیّق غیر المأمور به والمدعو إلیه ، وما یکون مأموراً به ومدعواً‏‎ ‎‏إلیه غیر متضیّق .‏

فتحصّل ممّا ذکرنا بطوله :‏ أنّه لا مانع من التمسّک بالإطلاق عند الشکّ فی‏‎ ‎‏اعتبار قصد الأمر والامتثال فی المأمور به إذا کان الآمر فی مقام بیان جمیع ما هو‏‎ ‎‏دخیل فی المأمور به .‏

‏فإذن : الأصل اللفظی فی الشکّ فی کون الواجب توصّلیاً أو تعبّدیاً هو کون‏‎ ‎‏الواجب توصّلیاً ، إلاّ ما خرج .‏

‏ولو فرض عدم صحّة التمسّک فی المقام بالإطلاق اللفظی لإثبات التوصّلیة‏‎ ‎‏فالتمسّک بالإطلاق المقامی بمکان من الإمکان ، فتدبّر .‏

‏ولو فـرض عـدم صحّة التمسّک بالإطلاق المقامی أیضاً فتصل النوبة إلی‏‎ ‎‏الأصل العملی .‏

‏وبالجملة : بعد عـدم الإطلاق إمّا لاستحالة التقیید أو لفقدان شرائط الأخـذ‏‎ ‎‏بالإطلاق تصل النوبة إلی الأصل العملی ؛ فلابدّ مـن البحث فی أنّه هل هناک أصل‏‎ ‎‏عملی یقتضی وجوب الإتیان بقصد الأمـر والامتثال أم لا ؟ فلاحظ .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 210

  • )) لاحظ بدائع الأفکار 1 : 236 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 100 .
  • )) الفصول الغرویة : 86 / السطر 12 .