تذنیب : فی جواز أخذ غیر قصد الأمر والامتثال فی متعلّق الأمر
ما سبق إشکالاً وحلاًّ وتحقیقاً إنّما هو بالنسبة إلیٰ قصد الأمر والامتثال فی متعلّق الأمر ، وقد عرفت لعلّه بما لا مزید علیه إمکان أخذهما فی المتعلّق .
وأمّا أخذ قیود اُخر ـ کقصد حسن الفعل ، أو قصد المصلحة ، أو المحبوبیة ، أو له تعالیٰ ، ونحو ذلک ـ فقد صرّح المحقّق الخراسانی قدس سره : بأنّ التقرّب المعتبر فی العبادة إذا کان بمعنی الإتیان بالفعل بداعی حسنه أو کونه ذا مصلحة أو له تعالی ، فاعتباره فی متعلّق الأمر وإن کان بمکان من الإمکان إلاّ أنّه غیر معتبر فیه قطعاً ؛ لکفایة الاقتصار علیٰ قصد الامتثال الذی عرفت عدم إمکان أخذه فیه بداهة .
وفیه : أنّ بعض الإشکالات المتقدّمة فی أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر ـ کإشکال الامتناع الذاتی ببعض التقاریب ـ وإن لم یجر هنا إلاّ أنّ لجریان کثیر منها مجالاً واسعاً ، لا بأس بالإشارة إلیٰ بعضها :
منها : أنّه لو اُخذ داعی المصلحة فی متعلّق الأمر یلزم أن یکون الشیء داعیاً لداعویة نفسه ، أو محرّکاً إلیٰ محرّکیة نفسه .
وذلک لأنّه لو اُخذت داعویة المصلحة فی المأمور به فلازمه : أنّ ذات الصلاة لم تکن لها داعویة ومحرّکیة ؛ لعدم وجود المصلحة فیها نفسها ، بل الداعی أو المحرّک هو الذی فیه المصلحة ؛ وهی لیست إلاّ الصلاة المقیّدة بقصد المصلحة ، فتکون الصلاة
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 200
بداعی مصلحتها داعیة إلیٰ نفسها ومحرّکة إلیٰ محرّکیة نفسها .
ومنها : لزوم الدور الذی ذکره بعض الأعاظم قدس سره ؛ وهو أنّ قصد المصلحة یتوقّف علیٰ کون الشیء ذا مصلحة خارجاً ، وإلاّ یکون القصد جزافیاً ، ولو توقّف المصلحة علیٰ قصدها ـ کما فیما نحن فیه ـ یلزم الدور .
فإن شئت قلت : إنّ الشیء حسب الفرض لا یکون فیه المصلحة إلاّ إذا قصده ؛ فیتوقّف قصد المصلحة علیٰ ما یتوقّف علیه .
ومنها : تجافی العلّة عن رتبتها إلیٰ رتبة المعلول ؛ وذلک لأنّ الأفعال بجمیع قیودها معلولة للإرادة التی هی متأخّرة عن الدواعی والمصالح والمفاسد ؛ فالدواعی واقعة فی سلسلة علل وجود الأفعال ، فلو اُخذت فی المتعلّق والمأمور به یلزم تنزّل العلّة عن رتبتها ، وتنزّلها إلیٰ مرتبة معلولها أو معلول معلولها .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّ ما ذکره المحقّق الخراسانی قدس سره : أنّ أخذ هذه القیود فی المتعلّق بمکان من الإمکان ، لیس علی إطلاقه تمام ؛ لتطرّق الإشکالات علیٰ لحاظ بعضها ، فتدبّر .
ولکن الذی یسهّل الخطب : إمکان التفصّی عن الإشکالات علیٰ أخذ هذه القیود فی المتعلّق ، کما عرفت إمکان التفصّی عنها علیٰ فرض أخذ قصد الأمر وقصد الامتثال فی المتعلّق .
وذلک لأنّ الوجدان کما یکون حاکماً بأنّ المعجون المرکّب من عدّة أجزاء مختلفة یکون لکلّ جزء منها دخل وتأثیر فی استرداد الصحّة وتحصیلها ؛ بحیث لو لم یکن جزء منها ربّما لا تحصل النتیجة المطلوبة من المعجون . نعم لیس مستقلاًّ فی استرداد الصحّة ، بل لابدّ له من انضمام سائر الأجزاء .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 201
فکذلک فی أجزاء متعلّقات التکالیف علیٰ مذهب العدلیة أیضاً ؛ فإنّ لها حظّ من المصلحة ، کما یکون لأصل التعلّق مصلحة .
نعم ، فی مقام استیفاء تمام المصلحة لابدّ وأن یؤتیٰ بها بقصد المصلحة .
فهل تریٰ من نفسک أن تقول : إنّ الإمساک من طلوع الشمس إلیٰ غسق اللیل ، أو أجزاء الصلاة مثلاً لم تکن لها مصلحة ، والمصلحة إنّما تکون بقصد المصلحة ؟ ! حاشاک ! ! وإلاّ فلابدّ وأن یستوفی المصلحة إذا قصد المصلحة مع إتیان فعل من الأفعال .
وبالجملة : العقل والوجدان أصدق شاهدین علی أنّ لکلّ جزء من أجزاء الماهیة المرکّبة المأمور بها ـ کأجزاء المعجون المرکّب ـ مصلحة . ولا یعقل أن لایکون له مصلحة ؛ لأنّ تعلّق الحکم علیٰ موضوع مرکّب مرهون بتصوّره والتصدیق بفائدته ، ثمّ إرادته . فإذا لم تکن لجزء الموضوع مصلحة کیف یصدّق بفائدته ؟ ! فضلاً عن إرادته !
فالجزء لابدّ وأن یکون له مصلحة حتمیة . فإذن فی مقام استیفاء المصلحة لابدّ وأن یؤتیٰ به فی ضمن الأجزاء الاُخر بقصد المصلحة .
فماهیة الصلاة ـ مثلاً ـ واجدة للمصلحة ، لا کلّها بل بعضها ، وبقصد المصلحة یستوفیٰ تمام المصلحة .
إذا تمهّد لک هذا : فیظهر لک الجواب عن إشکال الأوّل ؛ لأنّه لیس المراد باعتبار قصد المصلحة فی المتعلّق أنّ الماهیة المجرّدة لا داعویة لها إلی إتیانها ، بل المراد لزوم إتیان الماهیة بداعویة المصلحة .
فلم یلزم کون الشیء داعیاً لداعویة نفسه ، بل الداعی إلیٰ قصد الداعویة هو أصل الماهیة .
وبهذا یمکن الجواب عن الإشکال الثانی أیضاً ؛ لأنّ قصد المصلحة الکذائیة
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 202
متوقّف علی المصلحة التی تکون جزءاً للماهیة المأمور بها ، وهی لا تتوقّف علیٰ قصدها .
وبالجملة : ما یتوقّف علیٰ قصد المصلحة إنّما هی المصلحة التامّة ، وما یتوقّف علیه قصد المصلحة هی المصلحة الناقصة القائمة بنفس الطبیعة ، فأین الدور ؟ !
وأمّا الإشکال الثالث : فمنشأه الخلط بین الاُمور الذهنیة والخارجیة ؛ وذلک لأنّ الآمر إذا رأیٰ أنّ نفس الماهیة غیر وافیة بتمام المصلحة ، ولابدّ فیها من قصد المصلحة ؛ فیتصوّر الماهیة المتقیّدة ویُنشئ الحکم علیها مقیدة ، ولا یلزم فی هذه المرحلة محذور .
وأمّا المأمور فیتصوّر الماهیة المتقیّدة بقصد المصلحة ، ویتمّ المطلوب ولا یلزم محذور فی إتیان الماهیة بقید قصد المصلحة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 203