المقصد الأوّل فی الأوامر

تذنیب‏: فی جواز أخذ غیر قصد الأمر والامتثال فی متعلّق الأمر

تذنیب : فی جواز أخذ غیر قصد الأمر والامتثال فی متعلّق الأمر

‏ ‏

‏ما سبق إشکالاً وحلاًّ وتحقیقاً إنّما هو بالنسبة إلیٰ قصد الأمر والامتثال فی‏‎ ‎‏متعلّق الأمر ، وقد عرفت لعلّه بما لا مزید علیه إمکان أخذهما فی المتعلّق .‏

‏وأمّا أخذ قیود اُخر ـ کقصد حسن الفعل ، أو قصد المصلحة ، أو المحبوبیة ، أو له‏‎ ‎‏تعالیٰ ، ونحو ذلک ـ فقد صرّح المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ : بأنّ التقرّب المعتبر فی العبادة إذا‏‎ ‎‏کان بمعنی الإتیان بالفعل بداعی حسنه أو کونه ذا مصلحة أو له تعالی ، فاعتباره فی‏‎ ‎‏متعلّق الأمر وإن کان بمکان من الإمکان إلاّ أنّه غیر معتبر فیه قطعاً ؛ لکفایة الاقتصار‏‎ ‎‏علیٰ قصد الامتثال الذی عرفت عدم إمکان أخذه فیه بداهة‏‎[1]‎‏ .‏

‏وفیه : أنّ بعض الإشکالات المتقدّمة فی أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر ـ‏‎ ‎‏کإشکال الامتناع الذاتی ببعض التقاریب ـ وإن لم یجر هنا إلاّ أنّ لجریان کثیر منها‏‎ ‎‏مجالاً واسعاً ، لا بأس بالإشارة إلیٰ بعضها :‏

منها :‏ أنّه لو اُخذ داعی المصلحة فی متعلّق الأمر یلزم أن یکون الشیء داعیاً‏‎ ‎‏لداعویة نفسه ، أو محرّکاً إلیٰ محرّکیة نفسه .‏

‏وذلک لأنّه لو اُخذت داعویة المصلحة فی المأمور به فلازمه : أنّ ذات الصلاة لم‏‎ ‎‏تکن لها داعویة ومحرّکیة ؛ لعدم وجود المصلحة فیها نفسها ، بل الداعی أو المحرّک هو‏‎ ‎‏الذی فیه المصلحة ؛ وهی لیست إلاّ الصلاة المقیّدة بقصد المصلحة ، فتکون الصلاة‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 200
‏بداعی مصلحتها داعیة إلیٰ نفسها ومحرّکة إلیٰ محرّکیة نفسها .‏

ومنها :‏ لزوم الدور الذی ذکره بعض الأعاظم ‏‏قدس سره‏‏ ؛ وهو أنّ قصد المصلحة‏‎ ‎‏یتوقّف علیٰ کون الشیء ذا مصلحة خارجاً ، وإلاّ یکون القصد جزافیاً ، ولو توقّف‏‎ ‎‏المصلحة علیٰ قصدها ـ کما فیما نحن فیه ـ یلزم الدور .‏

‏فإن شئت قلت : إنّ الشیء حسب الفرض لا یکون فیه المصلحة إلاّ إذا قصده ؛‏‎ ‎‏فیتوقّف قصد المصلحة علیٰ ما یتوقّف علیه‏‎[2]‎‏ .‏

ومنها :‏ تجافی العلّة عن رتبتها إلیٰ رتبة المعلول ؛ وذلک لأنّ الأفعال بجمیع‏‎ ‎‏قیودها معلولة للإرادة التی هی متأخّرة عن الدواعی والمصالح والمفاسد ؛ فالدواعی‏‎ ‎‏واقعة فی سلسلة علل وجود الأفعال ، فلو اُخذت فی المتعلّق والمأمور به یلزم تنزّل‏‎ ‎‏العلّة عن رتبتها ، وتنزّلها إلیٰ مرتبة معلولها أو معلول معلولها‏‎[3]‎‏ .‏

فظهر ممّا ذکرنا :‏ أنّ ما ذکره المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ : أنّ أخذ هذه القیود فی‏‎ ‎‏المتعلّق بمکان من الإمکان ، لیس علی إطلاقه تمام ؛ لتطرّق الإشکالات علیٰ لحاظ‏‎ ‎‏بعضها ، فتدبّر .‏

‏ولکن الذی یسهّل الخطب : إمکان التفصّی عن الإشکالات علیٰ أخذ هذه‏‎ ‎‏القیود فی المتعلّق ، کما عرفت إمکان التفصّی عنها علیٰ فرض أخذ قصد الأمر وقصد‏‎ ‎‏الامتثال فی المتعلّق .‏

‏وذلک لأنّ الوجدان کما یکون حاکماً بأنّ المعجون المرکّب من عدّة أجزاء‏‎ ‎‏مختلفة یکون لکلّ جزء منها دخل وتأثیر فی استرداد الصحّة وتحصیلها ؛ بحیث لو لم‏‎ ‎‏یکن جزء منها ربّما لا تحصل النتیجة المطلوبة من المعجون . نعم لیس مستقلاًّ فی‏‎ ‎‏استرداد الصحّة ، بل لابدّ له من انضمام سائر الأجزاء .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 201
‏فکذلک فی أجزاء متعلّقات التکالیف علیٰ مذهب العدلیة أیضاً ؛ فإنّ لها حظّ‏‎ ‎‏من المصلحة ، کما یکون لأصل التعلّق مصلحة .‏

‏نعم ، فی مقام استیفاء تمام المصلحة لابدّ وأن یؤتیٰ بها بقصد المصلحة .‏

‏فهل تریٰ من نفسک أن تقول : إنّ الإمساک من طلوع الشمس إلیٰ غسق اللیل ،‏‎ ‎‏أو أجزاء الصلاة مثلاً لم تکن لها مصلحة ، والمصلحة إنّما تکون بقصد المصلحة ؟ !‏‎ ‎‏حاشاک ! ! وإلاّ فلابدّ وأن یستوفی المصلحة إذا قصد المصلحة مع إتیان فعل من‏‎ ‎‏الأفعال .‏

‏وبالجملة : العقل والوجدان أصدق شاهدین علی أنّ لکلّ جزء من أجزاء‏‎ ‎‏الماهیة المرکّبة المأمور بها ـ کأجزاء المعجون المرکّب ـ مصلحة . ولا یعقل أن لایکون‏‎ ‎‏له مصلحة ؛ لأنّ تعلّق الحکم علیٰ موضوع مرکّب مرهون بتصوّره والتصدیق‏‎ ‎‏بفائدته ، ثمّ إرادته . فإذا لم تکن لجزء الموضوع مصلحة کیف یصدّق بفائدته ؟ ! فضلاً‏‎ ‎‏عن إرادته !‏

‏فالجزء لابدّ وأن یکون له مصلحة حتمیة . فإذن فی مقام استیفاء المصلحة لابدّ‏‎ ‎‏وأن یؤتیٰ به فی ضمن الأجزاء الاُخر بقصد المصلحة .‏

‏فماهیة الصلاة ـ مثلاً ـ واجدة للمصلحة ، لا کلّها بل بعضها ، وبقصد المصلحة‏‎ ‎‏یستوفیٰ تمام المصلحة .‏

إذا تمهّد لک هذا :‏ فیظهر لک الجواب عن إشکال الأوّل ؛ لأنّه لیس المراد‏‎ ‎‏باعتبار قصد المصلحة فی المتعلّق أنّ الماهیة المجرّدة لا داعویة لها إلی إتیانها ، بل المراد‏‎ ‎‏لزوم إتیان الماهیة بداعویة المصلحة .‏

‏فلم یلزم کون الشیء داعیاً لداعویة نفسه ، بل الداعی إلیٰ قصد الداعویة هو‏‎ ‎‏أصل الماهیة .‏

‏وبهذا یمکن الجواب عن الإشکال الثانی أیضاً ؛ لأنّ قصد المصلحة الکذائیة‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 202
‏متوقّف علی المصلحة التی تکون جزءاً للماهیة المأمور بها ، وهی لا تتوقّف علیٰ‏‎ ‎‏قصدها .‏

وبالجملة :‏ ما یتوقّف علیٰ قصد المصلحة إنّما هی المصلحة التامّة ، وما یتوقّف‏‎ ‎‏علیه قصد المصلحة هی المصلحة الناقصة القائمة بنفس الطبیعة ، فأین الدور ؟ !‏

‏وأمّا الإشکال الثالث : فمنشأه الخلط بین الاُمور الذهنیة والخارجیة ؛ وذلک‏‎ ‎‏لأنّ الآمر إذا رأیٰ أنّ نفس الماهیة غیر وافیة بتمام المصلحة ، ولابدّ فیها من قصد‏‎ ‎‏المصلحة ؛ فیتصوّر الماهیة المتقیّدة ویُنشئ الحکم علیها مقیدة ، ولا یلزم فی هذه‏‎ ‎‏المرحلة محذور .‏

‏وأمّا المأمور فیتصوّر الماهیة المتقیّدة بقصد المصلحة ، ویتمّ المطلوب ولا یلزم‏‎ ‎‏محذور فی إتیان الماهیة بقید قصد المصلحة‏‎[4]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 203

  • )) کفایة الاُصول : 97 .
  • )) فوائد الاُصول 1 : 151 .
  • )) نفس المصدر : 152 .
  • )) قلت : ویمکن أن یجاب عنه بنحو آخر أشار إلیه سماحة الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ فی الدورة السابقة ، فلاحظ التهذیب(أ) ، [المقرّر حفظه الله ] .ــــــــــــــــــــــــــأ ـ تهذیب الاُصول 1 : 159 .