تکملة : فی إمکان أخذ قصد الأمر فی المأمور به بأمرین مستقلّین
ما تقدّم کلّه بالنسبة إلی إمکان أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر بأمر واحد ، وقد عرفت لعلّه بما لا مزید علیه : أنّه بمکان من الإمکان .
ولکن حیث یمکن أن یری امتناع ذلک بأمر واحد ـ مع ما ذکرنا ـ فینبغی أن یبحث فی ذلک علی سبیل الفرض : بأنّه لو فرض امتناع أخذ قصد الأمر فی المتعلّق بأمر واحد فهل یمکن تصحیح ذلک بأمرین مستقلّین ؛ بأن یتعلّق أحدهما بنفس الطبیعة والآخر بإتیانها بقصد الأمر ، أم لا ؟
وبالجملة : هل یمکن أن یتوسّل الآمر إلیٰ غرضه من إتیان المتعلّق بقصد أمره بهذه الوسیلة ، أم لا ؟ وجهان ، بل قولان :
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 189
فعن الشیخ الأعظم الأنصاری قدس سره تصحیحه بأمرین ؛ حیث یری أنّ الأوامر المتعلّقة بالعبادات متعلّقة بنفس الأجزاء والشرائط ، واستفاد قصد القربة وقصد الأمر بالإجماع وغیره .
ولکن ناقش فی ذلک المحقّق الخراسانی قدس سره ، وحاصل مناقشته یرجع إلی أمرین : الأوّل إلی منع الصغری ، والثانی إلیٰ منع الکبریٰ .
فحاصل ما أفاده فی منع الصغریٰ : هو القطع بأنّه لیس فی العبادات إلاّ أمر واحد ، کغیرها من الواجبات والمستحبّات .
غایة الأمر : یدور المثوبات والعقوبات فیها مدار الامتثال وجوداً وعدماً ، بخلاف ما عداها فیدور فیه خصوص المثوبات ، وأمّا العقوبة فمترتّبة علیٰ ترک الطاعة ومطلق الموافقة .
وحاصل ما أفاده فی منع الکبریٰ : هو أنّ الأمر الأوّل إن کان یسقط بمجرّد موافقته ، وإن لم یقصد به الامتثال ـ کما هو قضیة الأمر الثانی ـ فلا یبقیٰ مجال لموافقة الأمر الثانی مع موافقة الأمر الأوّل بدون قصد امتثاله ؛ فلا یتوسّل الآمر إلیٰ غرضه بهذه الحیلة والوسیلة .
وإن لم یکد یسقط بذلک ، فلا یکاد یکون له وجه إلاّ عدم حصول غرضه بذلک من أمره ؛ لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله ، وإلاّ لما کان موجباً لحدوثه . وعلیه فلا حاجة فی الوصول إلیٰ غرضه إلیٰ تعدّد الأمر ؛ لاستقلال العقل ـ مع عدم حصول غرض الآمر بمجرّد موافقة الأمر ـ بوجوب الموافقة علیٰ نحوٍ یحصل به غرضه ؛ فیسقط أمره .
وفیه أوّلاً : أنّ الکلام فی إمکان أخذ الأمرین واستحالته فی مقام الثبوت ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 190
فدعوی القطع بعدم الأمرین فی مقام الإثبات غیر وجیه .
وثانیاً : أنّ دعوی القطع بالعدم أیضاً غیر وجیه ؛ لأنّه إذا فرض أنّه فی مقام الثبوت لا یحصل غرض المولیٰ بإتیان الطبیعة کیف اتّفقت بل لابدّ فیها من قصد أمرها ، فلابدّ له فی مقام الإثبات من إبراز مقصوده وإلاّ لأخلّ بغرضه .
ضرورة : أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ علیٰ کلّ من مذهب الصحیحی والأعمّی لم توضع للقیود الجائیة من قبل الأمر ، فإذا فرض استحالة أخذه فی المتعلّق بأمر واحد فلابدّ وأن یلتزم بأمر آخر یدلّ علی اعتباره فیها .
وثالثاً : أنّ الإجماع ثابت فی بعض الأعمال علیٰ أنّه لو اُتی به بدون قصد القربة یقع باطلاً ، وهو قدس سره أیضاً قائل باعتبار قصد الأمر فی العبادات ؛ فیکشف ذلک عن أنّ الأمر المتعلّق بنفس الطبیعة فی ظاهر الدلیل لم یکن مراداً بالإرادة الجدّیة ، فلابدّ من وجود دلیل آخر أوجب ذلک .
ولیت شعری کیف یدّعی القطع بعدم أمر آخر متکفّل لذلک ، مع عدم إمکان اعتبار القید بأمر واحد ، مع دخالة القید فی تحصیل غرضه ؟ !
ولا یلزم أن یکون طریق إثباته لفظاً ، کالسماع من المعصوم علیه السلام أو النقل عنه . بل یمکن إثباته من طریق اللبّ ، کالإجماع أو الضرورة أو بناء المتشرّعة ؛ بحیث یوجب القطع بإرادة ذلک .
وتوهّم : اعتبار قصد الأمر فی العبادة من باب الاشتغال ، کما أشار إلیه قدس سره فی آخر کلامه .
مدفوع : بأنّه لو وصلت النوبة إلی الأصل وحکم العقل فلنا أن نقول بالبراءة دون الاشتغال . ولو سلّم أنّ مقتضی القاعدة الاشتغال ولکن لا یکون واضحاً لایحتاج إلی البیان ؛ ولذا وقع الخلاف فی ذلک ؛ فإذن لا یکفی مجرّد ذلک مصحّحاً لادّعاء القطع بعدم أمر آخر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 191
وبالجملة : لو لم تکن نفس إتیان الطبیعة محصّلة للغرض ، بل لابدّ لحصوله من قصد أمره فإذا لم یمکن أخذه فی متعلّق الأمر بأمر واحد فیکشف ذلک عن اعتباره بأمر آخر ، فتدبّر .
ورابعاً : أنّه یمکن لنا اختیار کلّ واحد من شقّی التردید وإنکار الملازمة .
وذلک لأنّه لو اخترنا الشقّ الأوّل ـ وقلنا بأنّ إتیان الطبیعة مجرّدةً عن قصد الأمر یوجب سقوط الأمر ؛ لانتفاء موضوعه ـ لکنّه لا یثبت الامتثال ؛ لأنّ سقوط التکلیف کما یکون بامتثاله یکون بفقدان الموضوع أو عصیانه .
مثلاً : لو احترق المیّت المسلم أو أدرکه الغرق قبل الغسل والصلاة علیه سقط الأمر بالغسل والصلاة علیه . وواضح : أنّ ذلک لیس لأجل الامتثال ، بل لفقدان الموضوع الموجب لسقوط الأمر قهراً .
ففیما نحن فیه نقول : إنّ إتیان الطبیعة مجرّدة عن قصد الأمر وإن کان یوجب عدم إمکان إتیانها بقصد الأمر لتفویت الموضوع ، ولکن للمولی التوسّل إلیٰ غرضه بالتوعید والعقوبة علیٰ ترک المأمور به عصیاناً .
مثلاً : لو قلنا بأنّ قاعدة لا تعاد تشمل الترک العمدی بالنسبة إلیٰ غیر الخمسة المستثناة فغایة ما تدلّ علیه قاعدة لا تعاد : هی أنّه لو ترک غیر الخمسة ـ کالسورة مثلاً ـ عمداً لا یمکن إعادتها ثانیاً ، ویعاقب علیه ؛ فلا ینافی ذلک الأدلّة المثبتة لجزئیتها .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 192
بل یمکن أن یقال : إنّ ذلک یوجب تشدید جزئیتها ؛ لأنّ المکلّف إذا توجّه إلی أنّه لو ترک السورة عمداً لا یمکنه تدارکها لا ینقدح فی نفسه ترکها أصلاً ، بخلاف ما لو ترک ما یصلح لذلک ؛ فإنّ له ترکها عمداً ثمّ الإتیان بها ثانیاً مع المتروک .
ولـذا قلنا بعدم استقامـة کـلام شیخنا العلاّمـة الحائری قدس سره ؛ حیث قال : بأنّ حـدیث لا تعاد لو عـمّ وشمل ترک الجـزء عمـداً یوجب العُطلة والتکاسل عـن الصلاة ، فتدبّر .
ومثل ذلک : الجهر بالقراءة فی مورد الإخفات ؛ جهلاً تقصیریاً بالحکم مثلاً ، أو الإخفات بها فی مورد یجب الجهر کذلک ؛ فإنّ من لم یُخفت فی الصورة الاُولی ، أو لم یجهر فی الصورة الثانیة یعاقب علیه ، ولکن مع ذلک لا یمکن إعادتها جهراً أو إخفاتاً .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّه یمکن للمولی أن یتوسّل إلیٰ غرضه بأمر مستأنف . ومجرّد إتیان الطبیعة مجرّدة وإذهاب موضوع أمر الثانی لا تکاد توجب أن لا یتوسّل إلیٰ غرضه بالتوعید والعقوبة علیٰ ترکه .
ولنا اختیار الشقّ الثانی ، ونقول بعدم السقوط لأجل عدم حصول الغرض . ولکن لا یخفیٰ : أنّه لا یکون ذلک من ضروریات العقل ؛ بحیث لا یحتاج إثبات الاشتغال إلیٰ تجشّم البیان . کیف ، وقد ذهب جمع من المحقّقین إلی البراءة فی ذلک ؟ !
فعلی هذا : یکون الأمر نظریاً ، فللشارع أن یرشد عباده إلیٰ ما له دخل فی تحصیل غرضه ؛ وهو إتیان الطبیعة بقصد الأمر ، فیقیّد ذلک بالأمر المستأنف ؛ دفعاً لتوهّم البراءة .
فظهر : أنّه لا تلازم بین عدم سقوط الأمر ، وبین عدم لزوم الأمر بتوهّم حکم العقل بالاشتغال ، فتدبّر واغتنم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 193
إشکال ودفع
ربّما توهّم فی المسألة إشکال عقلی ، وهو مشترک الورود علی کلّ من القول بتعدّد الأمر ؛ بحیث یکون تعلّق أحدهما بنفس الطبیعة ، والثانی بالطبیعة المتقیّدة بداعی أمرها . والقول بأمر واحد منحلّ إلی أمرین ، کما یراه المحقّق العراقی قدس سره .
وحاصله : أنّ المصلحة إذا کانت قائمة بالطبیعة المتقیّدة بقصد الأمر فبحسب اللبّ یستحیل تعلّق الإرادة بإیجاد الطبیعة المجرّدة ؛ لأنّ للإرادة مبادئ مضبوطة تجب عندها وتمتنع دونها .
فإذا لم تکن للطبیعة المجرّدة مصلحة فلا تکون مورداً ومرکباً للإرادة ، ولو فرض تعلّق الإرادة بها فإنّما هی إرادة صوریة غیر جدّیة لا یمکن التقرّب بها .
فإذن : الأمر بالطبیعة المجرّدة لا یکون فیه مصلحة ومقرّبیة أصلاً ؛ سواء قلنا بأمرین مستقلّین ، أو قلنا بالانحلال .
بل المحذور فی الانحلال أشدّ ؛ لأنّه لو قلنا بأمرین مستقلّین یمکن تعلّق کلّ أمر بموضوع . وأمّا لو قلنا بالانحلال العقلی فمعناه أنّه لا یکون فی البین إلاّ أمر واحد متعلّق بالطبیعة المتقیّدة ، ولکن العقل یُحلّله إلی أمرین ؛ فلا یصحّ أن یقال : إنّ الحصّة المجرّدة فیها مصلحة وداعویة .
وکیف کان : لا تکون الطبیعة المجرّدة ذات مصلحة ، فلا تکون مرادة بالإرادة الجدّیة ، فلا یصحّ البعث نحوها . فإذا لم یصحّ البعث نحوها فلا یصحّ الانبعاث .
فلا یمکن أن تکون موضوعة للأمر الثانی ؛ ضرورة أنّ موضوعیته فرع إمکان باعثیته ؛ فإذا فرض عدم الباعثیة لا یمکن الأمر بقصدها . ولو فرض تعلّق الأمر بها جدّاً ، ولکن لم یتعلّق بتمام المأمور به ، بل تعلّق بجزءٍ منه ؛ فیکون الأمر غیریاً لا یکون مقرّباً ، ومعه لا یحصل القرب الذی هو غرض المولیٰ .
وقد دفع الإشکال : من جهة کون المأمور به الحصّة المقارنة لقصد الأمر ، کما
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 194
سبق تصویره من المحقّق العراقی قدس سره عند کلامه فی الانحلال .
ولکن قلنا : بأنّ المقارنات غیر مُحصِّصة للحصّة ، وإلاّ یلزم وجود حِصَص غیر متناهیة ؛ضرورة أنّ مجرّد لحاظ مقارنة الطبیعة بمقارنات مالم یتقیّد بهالا یصیر حصّة .
وهل یعقل أن لا تصدق طبیعة الإنسان الموجودة فی الذهن المقارنة لاُمور علیٰ طائفة من الأناسی ، دون طائفة اُخریٰ ؟ !
مضافاً إلی : أنّ الحصّة المقارنة إنّما تحصّل بعد تعلّق الأمر ، وأمّا قبل تعلّق الأمر فلا مقارنة فی البین ، فتدبّر .
والتحقیق فی الجواب عن الإشکال هو أن یقال : إنّ ملاحظة الأوامر القربیة بین الموالی والعبید یسهّل الخطب ویرفع غائلة الإشکال . ومنشأ الإشکال هو خلط صورة إرادة الآمر وقصده الطبیعة المجرّدة ؛ مکتفیاً به ومقتصراً به لصورة ما لو کان بصدد إفهام التقیّد به بدلیل آخر .
والممتنع هو تعلّق الإرادة والبعث بالطبیعة ؛ مکتفیاً بها . وأمّا لو کان بصدد إفهام التقیّد به بدالٍّ آخر فلا امتناع فیه ، بل ینقدح فی ذهنه مبادئ إرادتها .
فإشکال عدم تعلّق الإرادة بالطبیعة المجرّدة لا وجه له .
نعم ، یتوجّه إشکال أنّ الأمر بها حیث یکون غیریاً لاقربیاً فکیف یتقرّب به ؟
ولکن یمکن أن یقال : إنّ قصد الأمر حیث یکون متمّماً للغرض حیث لا یمکن أن یکون للطبیعة بدون قصد الأمر مصلحة فیکون قصد الأمر المتعلّق بالطبیعة محصّلاً للغرض ومقرّباً للمولی .
فیکون فرق بین هذا القید وسائر القیود ؛ لأنّ الطبیعة المجرّدة عن قصد الأمر لایکون فیها مصلحة ، وأمّا سائر القیود فلا تکون بهذه المثابة ، کالطهارة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 195
نقل وتعقیب
قال المحقّق العراقی قدس سره : یمکن أن ننفرد عن القوم بتحریر وتقریر نفید بهما إمکان أخذ قصد الأمر والامتثال أو دعوة الأمر فی متعلّق شخصه شطراً أو شرطاً .
وذلک یتوقّف علیٰ تمهید مقدّمة ، حاصلها : أنّه کما یمکن إظهار الإرادات التشریعیة ـ عرضیة کانت أو طولیة ـ بإنشاءات متعدّدة ، کأن یقول : «أکرم زیداً» و«أکرم عمراً» و«ادخل السوق واشتر اللحم» ، فکذلک یمکن إظهارها بإنشاء واحد ، کأن یقول فی الأحکام العرضیة : «أکرم العلماء» ، وفی الطولیة : «صلّ مع الطهارة» . وطولیة الإرادة تارة تکون باعتبار کون متعلّقاتها طولیة ـ کالطهارة والصلاة ـ واُخریٰ باعتبار کون نفسها طولیة ـ کما فی «صدّق العادل» ـ لأنّ هذا الخطاب لایتوجّه إلی المکلّف إلاّ عند الخبر الذی له أثر شرعی . وبانتفاء کلّ منهما ـ فضلاً عن کلیهما ـ ینتفی الأثر .
ولذا اُشکل الأمر فی شمول خطاب «صدّق العادل» للإخبار مع الواسطة أو الوسائط ، کخبر الشیخ عن الصفّار عن زرارة عن أبی عبدالله علیه السلام ؛ لأنّ خبر الشیخ ـ مثلاًـ خبر عادل محرز بالوجدان ، لکن لم یکن له أثر شرعی ، وخبر زرارة وإن کان له أثر شرعی لکنّه غیر محرز بالوجدان ، وخبر صفّار لا یکون محرزاً بالوجدان ولایکون ذا أثر شرعی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 196
ولکن إذا عمّمنا الأثر الشرعی إلیٰ کلّ حکم شرعی ـ ولو کان حکماً طریقیاً ـ یمکن حلّ الإشکال ؛ لأنّ خطاب «صدّق العادل» وإن کانت قضیة واحدة مشتملة علی إنشاء واحد ، إلاّ أنّه بها تنشئ طبیعی وجوب تصدیق العادل الجامع بین الأفراد الطولیة ؛ بحیث یکون أحد الأفراد محقّقاً لموضوع الفرد الآخر ؛ فموضوعها خبر العادل المتحقّق وجداناً أو تعبّداً .
وحینئذٍ : یتحقّق بانطباق هذه القضیة علیٰ خبر الشیخ ـ مثلاً ـ الذی هو خبر عادل وجداناً خبر الصفّار تعبّداً ، وخبر زرارة کذلک باعتبار ما لهما من الأثر الشرعی ؛ فإنّ أثر الشرعی فی خبر صفّار وجوب تصدیقه إذا تحقّق ، وفی خبر زرارة وجوب غسل الجمعة ـ مثلاً ـ إذا تحقّق .
فانطباق قضیة «صدّق العادل» علیٰ خبر الشیخ ـ الذی هو خبر عادل ـ صار سبباً لحدوث أخبار عدول بالتعدّد والحکومة فی آنٍ واحد ، بلا تقدّم ولا تأخّر فی الزمان ، وإن کان صدقها علیٰ بعض فی طول صدقها علی الآخر .
وبهذا یندفع : إشکال الدور فی شمول الخطاب للإخبار مع الواسطة .
أمّا الإشکال ؛ فلأنّ وجوب تصدیق العادل لا یثبت بخبر الشیخ ـ مثلاً ـ إلاّ إذا کان له أثر شرعی ، ولیس له أثر شرعی غیر وجوب التصدیق ؛ فیتوقّف ثبوته لموضوعه علیٰ ثبوته له .
وأمّا الجواب ؛ فلأنّه إنّما یلزم الإشکال لو کان الحکم المنشأ فی قضیة «صدّق العادل» حکماً واحداً شخصیاً ، وأمّا لو کان المنشأ فیها أحکاماً متعدّدة حقیقة ، وواحداً عنواناً وإنشاءً فلا یلزم الإشکال .
إذا عرفت هذه المقدّمة فاعلم : أنّه یمکن أن ینشأ المولیٰ وجوبین طولیین أحدهما محقّق موضوع الآخر بإنشاء واحد ، کما لو قال مثلاً : «صلّ مع قصد امتثال وجوب الصلاة» ، أو «صلّ علیٰ أن یکون الداعی هو وجوبها» . فتکون هذه العبارة
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 197
ونحوها إنشاءً واحداً لوجوبین : أحدهما متعلّق بالحصّة المقارنة لدعوة الأمر ، أو لقصد امتثال الأمر من طبیعة الصلاة . وثانیهما وجوب إتیان تلک الحصّة بدعوة أمرها ووجوبها . وبذلک یرتفع المحاذیر المزبورة برمّتها ، انتهی ملخّصاً .
وفیه أوّلاً : أنّ ما ذکره هنا لیس إلاّ تکراراً لما اختاره قدس سره فی الجواب عمّا أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره ؛ من انحلال الأمر إلی الأمر بحصّة من الصلاة ، وهی الأمر بإتیانها بدعوة الأمر بها .
نعم ، أضاف هنا إلیٰ ما ذکره هناک مثالاً ، ولکن مع الأسف لا ارتباط له بالممثَّل ؛ وذلک لأنّه لو قلنا : إنّ خطاب «صدّق العادل» جارٍ مجری القضیة الحقیقیة فتنحلّ إلیٰ وجوب تصدیقات بعدد أخبار العدول ، ویکون هناک أحکام مستقلّة متعدّدة بتعدّد الموضوعات المستقلّة ؛ عرضیة کانت أو طولیة .
فإذا شمل «صدّق العادل» خبر الشیخ ـ الذی هو رأس السلسلة فبشموله یتحقّق موضوع خبر الصفّار ، وهکذا إلی آخر السلسلة .
ولکن ما نحن فیه لیس کذلک ؛ لأنّه لا یمکن تصحیح الأمر بأمر واحد ینحلّ أوامر متعدّدة ، بل لابدّ لتتمیمه بالأمر بها مقیّدة بقصد الأمر ، فلابدّ من دالّ آخر .
وبالجملة : حیث إنّ المفروض أنّ نفس الطبیعة غیر واجدة للمصلحة ، بل هی قائمة بإتیانها بقصد الأمر فکلّ من الصلاة ـ مثلاً ـ والصلاة بقصد الأمر جزء من الموضوع .
وإن شئت قلت : إنّ الحکم هنا متعلّق بالماهیة المتقیّدة ، ولم یکن لکلّ من الماهیة وتقیّدها حکماً علیٰ حدة ، بل کلّ منهما جزء الموضوع لحکم واحد ، لا حکمان مستقلاّن بإنشاء واحد ، کما هو الشأن فی «صدّق العادل» .
فإذن : فرق بین ما نحن فیه ـ وهو إثبات حکم واحد لموضوع واحد ـ وبین
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 198
الحکم فی باب قضیة «صدّق العادل» ؛ فإنّه إنشاء أحکامات مستقلّة علیٰ موضوعات کذلک بإنشاء واحد . فغایة الانحلال الذی یمکن دعواه هنا هو انحلال حکم واحد إلیٰ حکمین ضمنیین بحسب حکم العقل ، وهو غیر الانحلال فی القضیة الحقیقیة ، کما لایخفیٰ ، فتدبّر .
وثانیاً : کما أشرنا إلیه آنفاً أنّ المقارنة التی یعتبرها فی الحصّة ، هل المراد منها المقارنة الخارجیة بعد تعلّق الحکم ، أو المقارنة الذهنیة قبل تعلّق الحکم ؟
فإن أراد المقارنة الخارجیة ففیه : أنّ المقارنة کذلک إنّما تحصل بعد تعلّق الأمر . ولا یعقل أن یؤخذ ما یکون متأخّراً عن الحکم فی موضوع حکمه .
وإن أراد بها المقارنة الذهنیة فنقول : مجرّد التقارن فی اللحاظ لا یصحّح الحصّة ، إلاّ إذا قیّد الموضوع به ؛ ضرورة أنّه لو کان مجرّد المقارنة الاتّفاقیة مُحصّصة فلابدّ وأن یتحصّص بحصص غیر متناهیة ؛ لأنّه کما یکون الموضوع مقارناً لدعوة الأمر ، کذلک یکون مقارناً للحاظ إشراق الشمس وهبوب الریاح ، إلی غیر ذلک .
وبالجملة : إذا لم یکن لما به تحصّص الماهیة دخل ـ قیداً وتقیّداً ـ لکان المتعلّق هو نفس الماهیة ، وإن کان له دخل بنحومّا فی معنی الحصّة فیعود المحاذیر المذکورة .
فإذن : المقارنة الاتّفاقیة بین ماهیة الصلاة ودعوة الأمر لا توجب تحصّصها بحصّة خاصّة ، وإلاّ لکان لغیر تلک الخصوصیات من المتخیّلات ـ حتّی لحاظ الماهیة ـ دخالة فیه .
والحصّة معناها هی الماهیة المضافة إلیٰ خصوصیةٍ ما ؛ بحیث تکون تلک الإضافة بما هی إضافة دخیلة فیها ، وإن کان المضاف إلیه وکذا الإضافة ـ بما هی قید ـ خارجاً ، ولیکن هذا علی ذکر منک لعلّه ینفعک فی مقامات ، إن شاء الله .
وثالثاً : کما قرّره بعض الأعلام من الأصدقاء ـ دامت برکاته ـ مقال سماحة الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ أنّ تحقّق الحصّة المقارنة لدعوة الأمر یتوقّف علیٰ تحقّق دعوة
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 199
الأمر خارجاً ؛ إذ الحصّة ـ علی الفرض ـ خارجة ، وهی متوقّفة علیٰ تحقّق الحصّة العینیة ؛ لتوقّف الحکم علی الموضوع ، مع استحالة الامتثال أیضاً ؛ لعدم إمکانه إتیان الحصّة المقارنة بدعوة الأمر ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 200