المقصد الأوّل فی الأوامر

الموردالثانی‏: فیما یمکن‏أن یستدلّ به للقائلین بامتناع الأخذ امتناعاً بالغیر

الموردالثانی : فیما یمکن أن یستدلّ به للقائلین بامتناع الأخذ امتناعاً بالغیر

‏ ‏

‏ما یمکن أن یستدلّ به لامتناع أخذ قصد الأمر فی المتعلّق امتناعاً بالغیر ؛ أی‏‎ ‎‏یستلزم التکلیف بالمحال ، لا أنّه محال فی نفسه وجوه :‏

الوجه الأوّل :‏ أنّ فعلیة کلّ تکلیف یتوقّف علیٰ فعلیة موضوعه ـ أعنی متعلّق‏‎ ‎‏متعلّق التکلیف ـ بتمام قیوده ؛ ضرورة أنّه لا یمکن الأمر والتکلیف الفعلی بالاستقبال‏‎ ‎‏إلی الکعبة ـ مثلاً ـ إلاّ مع تحقّق الکعبة .‏

‏وفعلیة الموضوع فیما نحن فیه تتوقّف علیٰ فعلیة التکلیف ؛ ضرورة أنّ قصد‏‎ ‎‏الأمر یتوقّف علی الأمر الذی عبارة عن التکلیف ، فما لم یکن أمر لا یمکن قصده ،‏‎ ‎‏فالآمر الملتفت إلی لزوم هذا المحذور فی مقام فعلیة التکلیف لا یمکنه التکلیف ؛ لأنّه‏‎ ‎‏تکلیف بالمحال .‏

‏وبالجملة : أنّ التکلیف إنّما هو بلحاظ صیرورته فعلیاً لیعمل به المکلّف ، فإذا‏‎ ‎‏کانت فعلیة الحکم ممتنعة یصیر التکلیف ممتنعاً بالغیر .‏

‏وقریب من هذا الوجه : ما أفاده المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ فی وجه استحالة قصد الأمر‏‎ ‎‏بالصلاة ـ مثلاً ـ فی مقام الفعلیة‏‎[1]‎‏ .‏

الوجه الثانی :‏ أنّ قدرة المکلّف شرط للتکلیف ، فقبل التکلیف لابدّ من‏‎ ‎‏تشخیص المولیٰ قدرة المکلّف حتّیٰ یبعثه نحو المأمور به .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 180
‏فالتکلیف یتوقّف علیٰ قدرة العبد لا محالة ، وقدرة العبد یتوقّف علی التکلیف‏‎ ‎‏حسب الفرض ؛ لأنّه لولا الأمر والتکلیف لما أمکن قصد الأمر الذی هو من قیود‏‎ ‎‏المأمور به ، وهذا دور .‏

‏وسرّ عدّ هذا الوجه للامتناع بالغیر : هو أنّه لولا ملاحظة قدرة المکلّف‏‎ ‎‏المتوقّفة علی التکلیف لا استحالة له فی نفسه .‏

وفیهما :‏ أنّ الوجهین یرتضعان من ثَدی واحد ؛ وذلک لأنّ توقّف فعلیة الأمر‏‎ ‎‏والتکلیف علیٰ فعلیة موضوعه وبالعکس لیس من توقّف المعلول علیٰ علّته ، وکذلک‏‎ ‎‏الأمر فی القدرة ؛ لأنّ العقل إنّما یحکم بمحالیة التکلیف الفعلی بالعاجز فی ظرف‏‎ ‎‏الامتثال . ومحالیته لا تکون لأجل لزوم الدور ، بل لأجل عدم القدرة علی الامتثال فی‏‎ ‎‏التکلیف .‏

‏وبالجملة : مرجعه إلیٰ محالیة التکلیف الفعلی بغیر القادر .‏

‏وحاصل جواب الوجهین : هو أنّ فعلیة الأمر والتکلیف وإن کانت متوقّفة علیٰ‏‎ ‎‏فعلیة المتعلّق بتمام قیوده ، إلاّ أنّه إذا صار بعض القیود معلّقاً بنفس الأمر والتکلیف‏‎ ‎‏فلا محذور .‏

‏ولازمه فی المقام حصول الأمر حتّیٰ یتمکّن من قصده ، وإن کان حصوله بمجرّد‏‎ ‎‏الأمر والتکلیف . کما أنّ اللازم فی المثال المفروض حصول الکعبة حین إتیان الصلاة‏‎ ‎‏حتّی یمکن الاستقبال إلیها .‏

‏والأمر والتکلیف لا یتوقّف علیٰ قدرة العبد حین الأمر والتکلیف ، وإنّما یتوقّف‏‎ ‎‏علیٰ قدرته حین العمل والامتثال ، والمفروض أنّها ستوجد .‏

الوجه الثالث‏ ـ وهو عمدة الإشکال فی هذه المرحلة ، وهو ما أفاده المحقّق‏‎ ‎‏الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ ـ وحاصله : أنّ تصوّر قصد الأمر فی المتعلّق وإنشاء البعث ونحوه وإن‏‎ ‎‏کان بمکان من الإمکان إلاّ أنّه لا یکاد یمکن الامتثال ؛ لا بالنسبة إلی أصل الطبیعة‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 181
‏وهو واضح ؛ لعدم الأمر بها مجرّدة عن قصد إتیانها بداعی امتثال الأمر ؛ لأنّ‏‎ ‎‏المفروض : أنّ الأمر تعلّق بالطبیعة مقیّدة بداعی الامتثال ، والأمر لا یکاد یدعو إلاّ‏‎ ‎‏إلی متعلّقه .‏

‏ولا بالنسبة إلی الطبیعة المتقیّدة ؛ لأنّه یلزم أن یکون الأمر داعیاً إلی داعویة‏‎ ‎‏نفسه ومحرّکاً إلیٰ محرّکیة نفسه . ومحذوره أشدّ من محذور تقدّم الشیء علیٰ نفسه ؛ لأنّه‏‎ ‎‏یلزم أن یکون الشیء علّة لعلّیة نفسه .‏

وبالجملة :‏ لا ریب فی أنّ الأمر یدعو إلی متعلّقه ، فلو جعلت دعوة الأمر إلی‏‎ ‎‏متعلّقه بعض متعلّقه ؛ لاستلزام ذلک کون الأمر داعیاً إلیٰ جعل نفسه ، وذلک أوضح‏‎ ‎‏فساداً من کون شیء علّة لنفسه .‏

ثمّ أورد ‏قدس سره‏‏ علیٰ نفسه أوّلاً :‏‏ بأنّه یمکن تصویر الأمر الانحلالی بالنسبة إلیٰ‏‎ ‎‏نفس الطبیعة ؛ فإنّها صارت مأموراً بها بالأمر بها مقیّدة .‏

‏فأنکر ذلک ، وقال : کلاّ ! لا یمکن ذلک ؛ لأنّ ذات المقیّد لا تکون مأموراً بها ؛‏‎ ‎‏فإنّ الجزء التحلیلی لا یتّصف بالوجوب أصلاً ، ولیس لنا إلاّ أمر واحد متعلّق‏‎ ‎‏بالموضوع المقیّد ، وسیأتی توضیحه فی باب مقدّمة الواجب .‏

ثمّ أورد علیٰ نفسه ثانیاً :‏ بأنّ ما أجبتم إنّما یتمّ لو کان أخذ قصد الامتثال‏‎ ‎‏شرطاً ، وأمّا إذا اُخذ جزءاً فلا محالة نفس الفعل الذی تعلّق الوجوب به مع هذا‏‎ ‎‏القصد یکون متعلّقاً للوجوب ؛ إذ المرکّب لیس إلاّ نفس الأجزاء بالأسر ، ویکون‏‎ ‎‏تعلّقه بکلٍّ بعین تعلّقه بالکلّ ، ویصحّ أن یؤتیٰ به بداعی ذلک الوجوب ؛ ضرورة‏‎ ‎‏صحّة الإتیان بأجزاء الواجب بداعی وجوبه .‏

فأجاب :‏ بأنّه مع امتناع اعتباره کذلک فإنّه یوجب تعلّق الوجوب بأمر غیر‏‎ ‎‏اختیاری ؛ فإنّ الفعل وإن کان بالإرادة اختیاریاً إلاّ أنّ إرادته حیث لا تکون بإرادة‏‎ ‎‏اُخریٰ ـ وإلاّ لتسلسلت ـ لیست باختیاریة ، کما لا یخفیٰ إنّما یصحّ الإتیان بجزء‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 182
‏الواجب بداعی وجوبه فی ضمن إتیانه بهذا الداعی ، ولا یکاد یمکن الإتیان بالمرکّب‏‎ ‎‏من قصد الامتثال بداعی امتثال أمره ، انتهی‏‎[2]‎‏ .‏

أنکر المحقّق العراقی ‏قدس سره‏‏ علی اُستاذه :‏‏ بأنّ الأمـر المتعلّق بالمـرکّب یتحصّص‏‎ ‎‏بعدد أجزاء المرکّب ، فکلّ جزء منه تتعلّق به حصّة من الأمر المتعلّق بالکلّ .‏

‏إلی أن قال : فإذا قلنا بانحلال الأمر المتعلّق بالمرکب إلیٰ حصص بعدد أجزاء‏‎ ‎‏المرکّب لزم أن یکون الأمر المتعلّق بالصلاة بقصد امتثال أمرها منحلاًّ إلی الأمر‏‎ ‎‏بالصلاة نفسها ، وإلی الأمر بقصد امتثال أمرها ؛ فیکون بعض حصص الأمر المتعلّق‏‎ ‎‏بالمرکّب موضوعاً للحصّة الاُخریٰ منه ؛ فیکون الأمر الانحلالی الأوّل موضوع الأمر‏‎ ‎‏الانحلالی الثانی .‏

‏نظیر الأمر فی قوله : «صلّ متطهّراً» فإنّ الأمر المتعلّق بالصلاة المقیّدة بالطهارة‏‎ ‎‏ینحلّ إلی الأمر بنفس الصلاة ، وإلی الأمر بإتیانها فی حال الطهارة ، لا إلی الأمر‏‎ ‎‏بالصلاة نفسها .‏

‏وعلیٰ هذا : لا فرق بین کون قصد الامتثال مأخوذاً فی متعلّق الأمر بجعله جزءاً‏‎ ‎‏منه ، وبین کونه مأخوذاً شرطاً فیه‏‎[3]‎‏ ، انتهی .‏

وأفاد‏ قریباً ممّا ذکره هذا المحقّق تلمیذه الآخر ؛ وهو شیخنا العلاّمة‏‎ ‎‏الحائری ‏‏قدس سره‏‏ ؛ حیث قال : إنّ الأمر المتعلّق بالمقیّد ینسب إلی الطبیعة المهملة حقیقة ؛‏‎ ‎‏لأنّها تتّحد مع المقیّد فهذا الأمر المتعلّق بالمقیّد بملاحظة تعلّقه بالطبیعة المهملة یوجب‏‎ ‎‏قدرة المکلّف علی إتیانها بداعیه‏‎[4]‎‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 183
وفیه :‏ أنّه یمکن دفع الإشکال ولو لم نقل بالانحلال ، کما سیظهر لک . ولکن لا‏‎ ‎‏بأس بدفع الإشکال بحذافیره من جمیع النواحی :‏

‏فنقول من رأس :‏

‏إمّا نقول بانحلال الأمر المتقیّد إلی أمرین : أمر بالطبیعة وأمر آخر بالطبیعة‏‎ ‎‏المتقیّدة ، کما یراه المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ .‏

‏أو لم نقل بالانحلال کذلک ، کما یراه المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ .‏

‏فإن لم نقل بالانحلال فالإشکال :‏

‏إمّا من ناحیة عدم إمکان أخذ القید الکذائی فی المأمور به . أو من ناحیة أنّ‏‎ ‎‏الأمر حیث یکون له داعویة ومحرّکیة تکوینیة یمتنع أن یکون له داعویة کذلک . أو من‏‎ ‎‏ناحیة الامتثال .‏

‏والإشکال بحذافیره غیر وجیه :‏

‏أمّا إشکال عدم إمکان أخذه فی المأمور به : فقد عرفت لعلّه بما لا مزید علیه :‏‎ ‎‏أنّ أخذها بمکان من الإمکان ، والمحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ أیضاً یریٰ إمکانه .‏

‏وأمّا حدیث داعویة الأمر ومحرّکیته التکوینیة فواضح أنّ الأمر لا داعویة له‏‎ ‎‏ولا محرّک تکوینی ، وإنّما هو أمر اعتباری ، ومعناه لیس إلاّ الإنشاء والبعث الاعتباری‏‎ ‎‏علیٰ طبیعة متقیّدة . نظیر البعث بالإشارة ؛ فکما یمکن الإشارة إلی طبیعة متقیّدة‏‎ ‎‏فکذلک یمکن البعث إلی طبیعة کذلک .‏

‏وبالجملة : لم یکن للأمر داعویة وتأثیر تکوینی . ولو کان فلم یکن له محرّکیة‏‎ ‎‏بنحو العلل الخارجیة ، نظیر الحرکات والعلل التکوینیة ، وإلاّ یلزم أن لا یتحقّق‏‎ ‎‏العاصی فی الخارج .‏

‏فمراد من قال به : هو أنّه لو تصوّر المکلّف فائدة الأمر وصدّق بفائدتها واشتاق‏‎ ‎‏إلیها أحیاناً وأرادها یأتی بها .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 184
‏فغایة ما یقتضیه الأمر والبعث هی إیجاد الداعی لإتیان المکلّف ، ولإتیان العمل‏‎ ‎‏مبادئ مضبوطة ، کالخوف من النار ، والرغبة فی الجنّة ، إلیٰ غیر ذلک .‏

‏وبالجملة : لیس للأمر داعویة تکوینیة ، وغایته أنّها اعتباریة ، ومعناها لیس‏‎ ‎‏إلاّ إنشاء البعث .‏

‏فداعویة الأمر إنّما هی من دواعی المکلّف إلی إتیان العمل ، ولإتیان العمل‏‎ ‎‏دواعی مقرّرة ؛ من الخوف عن النار ، والفوز بالجنّة ، وحبّه تعالیٰ ووجدانه أهلاً‏‎ ‎‏للعبادة ، إلیٰ غیر ذلک من المبادئ .‏

‏فظهـر : عـدم تمامیة الإشکال مـن هاتین الناحیتین ، بقی الإشکال مـن ناحیـة‏‎ ‎‏الامتثال .‏

فنقول :‏ إنّ الأمر المتعلّق بعنوان ، بسیطٌ ؛ سواء کان المتعلّق بسیطاً أو مرکّباً ،‏‎ ‎‏ولایکاد یسری ترکّب المتعلّق إلی الأمر حتّیٰ ینحلّ الأمر بعدد أجزاء المتعلّق‏‎ ‎‏وشرائطه ، بل إنّما له دعوة واحدة إلی متعلّقه ، ویکون البعث متوجّهاً إلیه فقط .‏

‏مثلاً : لو أمر المولیٰ عبیده ببناء مسجد یکون له أمر واحد بسیط متعلّق بعنوان‏‎ ‎‏واحد کذلک ، من دون أن یکون له انحلال بعدد اللبنات والخشبات والرواشن‏‎ ‎‏والأحجار وغیرها .‏

‏نعـم ، کیفیة امتثال ذلک الأمـر البسیط بجمـع تلک الاُمـور ووضعها علـیٰ‏‎ ‎‏کیفیة مناسبة .‏

‏فالأجزاء غیر ملحوظة عند الأمر ببناء المسجد ، بل وکذا عند الإخبار عنه ،‏‎ ‎‏کقولک : إنّ هذا المسجد أعظم من ذاک أو أحسن ، بل قد لا یعلم أجزاؤه .‏

وبالجملة :‏ لو تعلّق أمر بطبیعة ـ سواء کانت بسیطة أو مرکّبة ـ فلا یکاد یدعو‏‎ ‎‏إلاّ إلیٰ نفس ما تعلّق به ، من دون أن ینحلّ إلی أجزائها أو إلیها ، وإلیٰ شرائطها .‏

‏نعم ، کیفیة امتثال المتعلّقات مختلفة ؛ فإن کانت بسیطة فواضحة ، وأمّا إن کانت‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 185
‏مرکّبة فلابدّ من إتیانها حسب ما هو المعهود منها ، ولم یکن لکلّ جزء أو شرط منها‏‎ ‎‏أمر یخصّه ؛ لا نفساً ولا ضمناً ، بل المکلّف حین اشتغاله بالأجزاء مشغول بإتیان‏‎ ‎‏الماهیة المرکّبة .‏

‏ففیما نحن فیه : حیث یری المولی الخبیر أنّ مجرّد إتیان أجزاء الصلاة ـ مثلاًـ‏‎ ‎‏کیف اتّفق من دون قصد الأمر لها ، لم یکن لها مصلحة ولم تکن مقرّبة ، فإذا أمکن‏‎ ‎‏تصوّر المولی الصلاة المتقیّدة بقصد أمرها ـ وقد عرفت أنّ تصوّره بمکان من الإمکان ـ‏‎ ‎‏فیصدّق بفائدتها ، ثمّ یریدها کذلک .‏

‏ویستحیل ـ حسب الفرض ـ تعلّق الإرادة علی الصلاة المجرّدة عن قصد الأمر ؛‏‎ ‎‏لعدم معقولیة الجزاف فی الإرادة ؛ فیبعث نحو الصلاة المتقیّدة بقصد الأمر ، ویوقع العبد‏‎ ‎‏نحو العمل إیقاعاً تعبّدیاً ، فتصل النوبة إلی امتثال الأمر .‏

‏وللعبد دواعی إلی امتثال أمر مولاه ؛ من حبّه للجنّة ، أو خوفه من النار ، إلیٰ‏‎ ‎‏غیر ذلک من الدواعی ، فإن أتی العبد بالصلاة بقصد أمرها یصدق امتثال الأمر ، بل‏‎ ‎‏لایعقل عدم الصدق ؛ فیسقط الأمر المتعلّق بها بقصد أمرها .‏

‏وبالجملة : إذا رأی المولی أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ بقصد أمرها فیها الصلاح ،‏‎ ‎‏فیتصوّرها ویصدّق بفائدتها فیریدها ، ثمّ ینحدر الأمر نحوها کذلک ، والعبد بعد تحقّق‏‎ ‎‏موضوع الإطاعة یأتی بالصلاة بقصد أمرها حسب ما له من مبادئ إیقاعها ـ من‏‎ ‎‏خوفه من النار ، أو طمعه فی الجنّة ، إلیٰ غیر ذلک ـ فیحصل غرض المولیٰ .‏

فظهر ممّا ذکرنا :‏ أنّه لا إشکال فی أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر لو کان الأمر‏‎ ‎‏محرّکاً اعتباریاً . وأمّا لو کان له محرّکیة واقعیة فظاهر أنّه لم یکن له محرّکیة بنحو العلل‏‎ ‎‏الخارجیة ، نظیر الحرکات والعلل التکوینیة ، وإلاّ یلزم أن لا تتحقّق العصات فی‏‎ ‎‏الخارج ، وهو کما تریٰ ولم یدّعه أیضاً أحد .‏

‏فمراد من یقول بأنّ الأمر محرّک واقعی : هو أنّ تصوّر فائدة الأمر والتصدیق بها‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 186
‏وغیر ذلک من مبادئ الاختیار من دون شیء آخر یوجب إتیان العمل خارجاً ، وهو‏‎ ‎‏لیس إلاّ إتیان الصلاة بقصد الأمر .‏

‏هذا کلّه علیٰ تقدیر عدم انحلال الأمر المتعلّق بالمرکّب ذی أجزاء وشرائط‏‎ ‎‏بعددها ، کما هو الحقّ ، وأشرنا إلیٰ وجهه . وقد عرفت : أنّه لا محذور فی أخذ قصد‏‎ ‎‏الأمـر فی المتعلّق ؛ لا فی ناحیـة الأمر ، ولا فی ناحیة المأمور به ، ولا فی ناحیة‏‎ ‎‏الامتثال ، فتدبّر .‏

‏وأمّا لو قلنا بانحلال الأمر بالمرکّب إلی الأمر بنفس الطبیعة والطبیعة المتقیّدة .‏

‏کما یراه المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ، فنقول :‏

‏إنّه بعد أن تصدّی لتصحیح الإشکال بالحصّة فأورد علیٰ نفسه إشکالات ،‏‎ ‎‏وأجاب عنها ، إلاّ عن إشکال واحد ؛ وهو أنّ تحصّص الأمر وجعل بعض حصّته‏‎ ‎‏موضوعاً لبعضه الآخر لا یجدی فی رفع الإشکال المزبور ؛ لأنّه لنا أن نعید الکلام فی‏‎ ‎‏نفس الحصّة المتعلّقة بنفس الصلاة فی مرحلة الثبوت ؛ فنقول : إنّ تلک الحصّة إمّا‏‎ ‎‏تکون متعلّقة بنفس الصلاة المطلقة ؛ فحینئذٍ لا یبقیٰ مجال لتعلّق الحصّة الاُخریٰ من‏‎ ‎‏الأمر بإتیان الصلاة بداعی أمرها ، وإمّا أن تکون متعلّقة بالصلاة المأتی بها ؛ فقد عاد‏‎ ‎‏المحذور المزبور .‏

‏فنقل جواباً عنه ، ولکن لم یرتضِ بها‏‎[5]‎‏ .‏

‏فقال : التحقیق فی الجواب هو أن یقال : إنّ الصلاة المتعلّقة لحصّة من الأمر‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 187
‏لم یکن مطلق الصلاة ، ولا المقیّدة ؛ لیستلزم شیئاً من تلک المحاذیر ، بل متعلّق تلک‏‎ ‎‏الحصّة من الأمر هی الحصّة من طبیعة الصلاة أعنی الصلاة المقترنة بدعوة الأمر إلیها ؛‏‎ ‎‏بحیث لو فعل المکلّف الصلاة لا بداعی أمرها لما کان ممتثلاً لأمرها ، وإن قلنا بخروج‏‎ ‎‏قصد الامتثال عن حیّز الأمر .‏

‏وما ذاک إلاّ لأنّ المطلوب أمـر خاصّ مُعرِّفـه ، أو المـوجب لصیرورتـه شیئاً‏‎ ‎‏خاصّاً هـو اقترانه بدعـوة الأمر إلیـه ، بلا أن یکـون التقیّد نفسـه دخیلاً فـی متعلّق‏‎ ‎‏المصلحـة .‏

‏بل یکون شأنه شأن القید فی المطلوب المقیّد ؛ فکما أنّ القید فی المقیّد غیر دخیل‏‎ ‎‏فی الواجب النفسی ، بل الدخیل فیه هو نفس التقیّد ویکون القید واجباً غیریاً ، کذلک‏‎ ‎‏التقیید فی المقام لا یکون دخیلاً فی الواجب النفسی ، بل یکون ملحوظاً آلیاً ، فالشیء‏‎ ‎‏الخاص بذاته لا مع خصوصیة تکون متعلّق المصلحة والإرادة والأمر‏‎[6]‎‏ ، انتهی .‏

‏وفیه : أنّه قـد تکرّر ویأتـی منه ‏‏قدس سره‏‏ التمسّک بالحصّة ، وقـد سبق ویأتـی منّا‏‎ ‎‏القدح فیها .‏

‏ومجمله : أنّ الحصّة لا توجد بمجرّد المقارنة ، بل لابدّ من تقیید الطبیعة ؛ لأنّ‏‎ ‎‏بالتقیید تحصل فی الطبیعة ضیقاً ؛ ضرورة أنّ مجرّد المقارنة لو أوجب ضیقاً للزم‏‎ ‎‏انحصار الطبیعة بالفرد ؛ لمقارنة الطبیعة باُمور کثیرة لا تعدّ ولا تحصیٰ ؛ من إشراق‏‎ ‎‏الشمس وهبوب الریاح وکونه فی مکان معیّن بکیفیة خاصّة ، إلیٰ غیر ذلک . وواضح :‏‎ ‎‏أنّه لا خصوصیة لشیء منها .‏

‏وبالجملة : إذا لم یکن بین شیئین علاقة لزومیة ـ من العلّیة أو السببیة أو‏‎ ‎‏الشرطیة ونحوها ـ لا یؤثّر مقارنة أحدهما للآخر شیئاً ، ویکون مقارنته له مثل وضع‏‎ ‎‏الحجر جنب الإنسان .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 188
‏فإذا لم یکن لدعوة الآمر المقترنة بالصلاة ـ مثلاً ـ تأثیر فیها وتأثّر منها فلا‏‎ ‎‏معنیٰ لقوله ‏‏قدس سره‏‏ : إنّ المکلّف لو فعل الصلاة لا بداعی أمرها لما کان ممتثلاً لأمرها .‏

‏وذلک لأنّه علی ما أفاده لا یعقل عدم الامتثال ؛ لما أشرنا أنّ المقارنات غیر‏‎ ‎‏مؤثّرة ؛ ضرورة أنّ من مقارنات تعلّق الأمر إشراق الشمس وهبوب الریاح وکونه‏‎ ‎‏بکیفیة خاصّة ومکان مخصوص ووضع ومحاذاة کذائیة ، إلیٰ غیر ذلک . وواضح : أنّه‏‎ ‎‏لا خصوصیة لشیء منها ، کما لا یخفیٰ .‏

‏وسنتعرّض فی تصحیح إمکان أخذ قصد الأمر فی المأمور به بأمرین عند‏‎ ‎‏التعرّض لمقال المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ بعض ما ینفع لهذا الجواب ، فارتقب حتّیٰ حین .‏

فتلخّص من جمیع ما ذکرنا بطوله :‏ أنّ أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر بمکان‏‎ ‎‏من الإمکان لیس محالاً وممتنعاً ذاتاً ، ولم یکن تکلیف محال ، ولا محالاً وممتنعاً بالغیر‏‎ ‎‏وتکلیف بالمحال ، من دون احتیاج إلی تکلّف انحلال أمر واحد إلی أمرین أو أوامر ،‏‎ ‎‏فافهم واغتنم وکن من الشاکرین .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 189

  • )) قلت : حاصل ما أفاده قدس سره : هو أنّه لو اُخذ قصد امتثال الأمر فی المتعلّق فی مرحلة فعلیة الأمر ـ کالصلاة مثلاً ـ فلابدّ من وجود الأمر لیتعلّق الأمر بقصد امتثاله ، مع أنّه لیس هناک إلاّ أمر واحد ؛ فیلزم وجود الأمر قبل نفسه(أ) [المقرّر حفظه الله ] .ــــــــــــــــــــــــــأ ـ  فوائد الاُصول 1 : 149 ـ 150 .
  • )) کفایة الاُصول : 95 ـ 96 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 226 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 95 .
  • )) قلت : وقال فی وجهه : إنّ المحذور المزبور ثبوتی ، لا إثباتی لیرتفع بالجواب المذکور ؛ لأنّ المحذور کما یتحقّق فی صورة تعلّق الأمر بالصلاة بداعی أمرها ، کذلک یتحقّق فی صورة تعلّق الإرادة ، بل فی مرحلة تعلّق المصلحة التی تشتمل علیها المراد ؛ لأنّ المصلحة متعلّقة بالصلاة المأتی بها بداعی أمرها . فالصلاة لا تکون ذات مصلحة . . . إلی آخر ما أفاده. [المقرّر حفظه الله ] .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 228 .