الموردالثانی : فیما یمکن أن یستدلّ به للقائلین بامتناع الأخذ امتناعاً بالغیر
ما یمکن أن یستدلّ به لامتناع أخذ قصد الأمر فی المتعلّق امتناعاً بالغیر ؛ أی یستلزم التکلیف بالمحال ، لا أنّه محال فی نفسه وجوه :
الوجه الأوّل : أنّ فعلیة کلّ تکلیف یتوقّف علیٰ فعلیة موضوعه ـ أعنی متعلّق متعلّق التکلیف ـ بتمام قیوده ؛ ضرورة أنّه لا یمکن الأمر والتکلیف الفعلی بالاستقبال إلی الکعبة ـ مثلاً ـ إلاّ مع تحقّق الکعبة .
وفعلیة الموضوع فیما نحن فیه تتوقّف علیٰ فعلیة التکلیف ؛ ضرورة أنّ قصد الأمر یتوقّف علی الأمر الذی عبارة عن التکلیف ، فما لم یکن أمر لا یمکن قصده ، فالآمر الملتفت إلی لزوم هذا المحذور فی مقام فعلیة التکلیف لا یمکنه التکلیف ؛ لأنّه تکلیف بالمحال .
وبالجملة : أنّ التکلیف إنّما هو بلحاظ صیرورته فعلیاً لیعمل به المکلّف ، فإذا کانت فعلیة الحکم ممتنعة یصیر التکلیف ممتنعاً بالغیر .
وقریب من هذا الوجه : ما أفاده المحقّق النائینی قدس سره فی وجه استحالة قصد الأمر بالصلاة ـ مثلاً ـ فی مقام الفعلیة .
الوجه الثانی : أنّ قدرة المکلّف شرط للتکلیف ، فقبل التکلیف لابدّ من تشخیص المولیٰ قدرة المکلّف حتّیٰ یبعثه نحو المأمور به .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 180
فالتکلیف یتوقّف علیٰ قدرة العبد لا محالة ، وقدرة العبد یتوقّف علی التکلیف حسب الفرض ؛ لأنّه لولا الأمر والتکلیف لما أمکن قصد الأمر الذی هو من قیود المأمور به ، وهذا دور .
وسرّ عدّ هذا الوجه للامتناع بالغیر : هو أنّه لولا ملاحظة قدرة المکلّف المتوقّفة علی التکلیف لا استحالة له فی نفسه .
وفیهما : أنّ الوجهین یرتضعان من ثَدی واحد ؛ وذلک لأنّ توقّف فعلیة الأمر والتکلیف علیٰ فعلیة موضوعه وبالعکس لیس من توقّف المعلول علیٰ علّته ، وکذلک الأمر فی القدرة ؛ لأنّ العقل إنّما یحکم بمحالیة التکلیف الفعلی بالعاجز فی ظرف الامتثال . ومحالیته لا تکون لأجل لزوم الدور ، بل لأجل عدم القدرة علی الامتثال فی التکلیف .
وبالجملة : مرجعه إلیٰ محالیة التکلیف الفعلی بغیر القادر .
وحاصل جواب الوجهین : هو أنّ فعلیة الأمر والتکلیف وإن کانت متوقّفة علیٰ فعلیة المتعلّق بتمام قیوده ، إلاّ أنّه إذا صار بعض القیود معلّقاً بنفس الأمر والتکلیف فلا محذور .
ولازمه فی المقام حصول الأمر حتّیٰ یتمکّن من قصده ، وإن کان حصوله بمجرّد الأمر والتکلیف . کما أنّ اللازم فی المثال المفروض حصول الکعبة حین إتیان الصلاة حتّی یمکن الاستقبال إلیها .
والأمر والتکلیف لا یتوقّف علیٰ قدرة العبد حین الأمر والتکلیف ، وإنّما یتوقّف علیٰ قدرته حین العمل والامتثال ، والمفروض أنّها ستوجد .
الوجه الثالث ـ وهو عمدة الإشکال فی هذه المرحلة ، وهو ما أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره ـ وحاصله : أنّ تصوّر قصد الأمر فی المتعلّق وإنشاء البعث ونحوه وإن کان بمکان من الإمکان إلاّ أنّه لا یکاد یمکن الامتثال ؛ لا بالنسبة إلی أصل الطبیعة
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 181
وهو واضح ؛ لعدم الأمر بها مجرّدة عن قصد إتیانها بداعی امتثال الأمر ؛ لأنّ المفروض : أنّ الأمر تعلّق بالطبیعة مقیّدة بداعی الامتثال ، والأمر لا یکاد یدعو إلاّ إلی متعلّقه .
ولا بالنسبة إلی الطبیعة المتقیّدة ؛ لأنّه یلزم أن یکون الأمر داعیاً إلی داعویة نفسه ومحرّکاً إلیٰ محرّکیة نفسه . ومحذوره أشدّ من محذور تقدّم الشیء علیٰ نفسه ؛ لأنّه یلزم أن یکون الشیء علّة لعلّیة نفسه .
وبالجملة : لا ریب فی أنّ الأمر یدعو إلی متعلّقه ، فلو جعلت دعوة الأمر إلی متعلّقه بعض متعلّقه ؛ لاستلزام ذلک کون الأمر داعیاً إلیٰ جعل نفسه ، وذلک أوضح فساداً من کون شیء علّة لنفسه .
ثمّ أورد قدس سره علیٰ نفسه أوّلاً : بأنّه یمکن تصویر الأمر الانحلالی بالنسبة إلیٰ نفس الطبیعة ؛ فإنّها صارت مأموراً بها بالأمر بها مقیّدة .
فأنکر ذلک ، وقال : کلاّ ! لا یمکن ذلک ؛ لأنّ ذات المقیّد لا تکون مأموراً بها ؛ فإنّ الجزء التحلیلی لا یتّصف بالوجوب أصلاً ، ولیس لنا إلاّ أمر واحد متعلّق بالموضوع المقیّد ، وسیأتی توضیحه فی باب مقدّمة الواجب .
ثمّ أورد علیٰ نفسه ثانیاً : بأنّ ما أجبتم إنّما یتمّ لو کان أخذ قصد الامتثال شرطاً ، وأمّا إذا اُخذ جزءاً فلا محالة نفس الفعل الذی تعلّق الوجوب به مع هذا القصد یکون متعلّقاً للوجوب ؛ إذ المرکّب لیس إلاّ نفس الأجزاء بالأسر ، ویکون تعلّقه بکلٍّ بعین تعلّقه بالکلّ ، ویصحّ أن یؤتیٰ به بداعی ذلک الوجوب ؛ ضرورة صحّة الإتیان بأجزاء الواجب بداعی وجوبه .
فأجاب : بأنّه مع امتناع اعتباره کذلک فإنّه یوجب تعلّق الوجوب بأمر غیر اختیاری ؛ فإنّ الفعل وإن کان بالإرادة اختیاریاً إلاّ أنّ إرادته حیث لا تکون بإرادة اُخریٰ ـ وإلاّ لتسلسلت ـ لیست باختیاریة ، کما لا یخفیٰ إنّما یصحّ الإتیان بجزء
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 182
الواجب بداعی وجوبه فی ضمن إتیانه بهذا الداعی ، ولا یکاد یمکن الإتیان بالمرکّب من قصد الامتثال بداعی امتثال أمره ، انتهی .
أنکر المحقّق العراقی قدس سره علی اُستاذه : بأنّ الأمـر المتعلّق بالمـرکّب یتحصّص بعدد أجزاء المرکّب ، فکلّ جزء منه تتعلّق به حصّة من الأمر المتعلّق بالکلّ .
إلی أن قال : فإذا قلنا بانحلال الأمر المتعلّق بالمرکب إلیٰ حصص بعدد أجزاء المرکّب لزم أن یکون الأمر المتعلّق بالصلاة بقصد امتثال أمرها منحلاًّ إلی الأمر بالصلاة نفسها ، وإلی الأمر بقصد امتثال أمرها ؛ فیکون بعض حصص الأمر المتعلّق بالمرکّب موضوعاً للحصّة الاُخریٰ منه ؛ فیکون الأمر الانحلالی الأوّل موضوع الأمر الانحلالی الثانی .
نظیر الأمر فی قوله : «صلّ متطهّراً» فإنّ الأمر المتعلّق بالصلاة المقیّدة بالطهارة ینحلّ إلی الأمر بنفس الصلاة ، وإلی الأمر بإتیانها فی حال الطهارة ، لا إلی الأمر بالصلاة نفسها .
وعلیٰ هذا : لا فرق بین کون قصد الامتثال مأخوذاً فی متعلّق الأمر بجعله جزءاً منه ، وبین کونه مأخوذاً شرطاً فیه ، انتهی .
وأفاد قریباً ممّا ذکره هذا المحقّق تلمیذه الآخر ؛ وهو شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره ؛ حیث قال : إنّ الأمر المتعلّق بالمقیّد ینسب إلی الطبیعة المهملة حقیقة ؛ لأنّها تتّحد مع المقیّد فهذا الأمر المتعلّق بالمقیّد بملاحظة تعلّقه بالطبیعة المهملة یوجب قدرة المکلّف علی إتیانها بداعیه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 183
وفیه : أنّه یمکن دفع الإشکال ولو لم نقل بالانحلال ، کما سیظهر لک . ولکن لا بأس بدفع الإشکال بحذافیره من جمیع النواحی :
فنقول من رأس :
إمّا نقول بانحلال الأمر المتقیّد إلی أمرین : أمر بالطبیعة وأمر آخر بالطبیعة المتقیّدة ، کما یراه المحقّق العراقی قدس سره .
أو لم نقل بالانحلال کذلک ، کما یراه المحقّق الخراسانی قدس سره .
فإن لم نقل بالانحلال فالإشکال :
إمّا من ناحیة عدم إمکان أخذ القید الکذائی فی المأمور به . أو من ناحیة أنّ الأمر حیث یکون له داعویة ومحرّکیة تکوینیة یمتنع أن یکون له داعویة کذلک . أو من ناحیة الامتثال .
والإشکال بحذافیره غیر وجیه :
أمّا إشکال عدم إمکان أخذه فی المأمور به : فقد عرفت لعلّه بما لا مزید علیه : أنّ أخذها بمکان من الإمکان ، والمحقّق الخراسانی قدس سره أیضاً یریٰ إمکانه .
وأمّا حدیث داعویة الأمر ومحرّکیته التکوینیة فواضح أنّ الأمر لا داعویة له ولا محرّک تکوینی ، وإنّما هو أمر اعتباری ، ومعناه لیس إلاّ الإنشاء والبعث الاعتباری علیٰ طبیعة متقیّدة . نظیر البعث بالإشارة ؛ فکما یمکن الإشارة إلی طبیعة متقیّدة فکذلک یمکن البعث إلی طبیعة کذلک .
وبالجملة : لم یکن للأمر داعویة وتأثیر تکوینی . ولو کان فلم یکن له محرّکیة بنحو العلل الخارجیة ، نظیر الحرکات والعلل التکوینیة ، وإلاّ یلزم أن لا یتحقّق العاصی فی الخارج .
فمراد من قال به : هو أنّه لو تصوّر المکلّف فائدة الأمر وصدّق بفائدتها واشتاق إلیها أحیاناً وأرادها یأتی بها .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 184
فغایة ما یقتضیه الأمر والبعث هی إیجاد الداعی لإتیان المکلّف ، ولإتیان العمل مبادئ مضبوطة ، کالخوف من النار ، والرغبة فی الجنّة ، إلیٰ غیر ذلک .
وبالجملة : لیس للأمر داعویة تکوینیة ، وغایته أنّها اعتباریة ، ومعناها لیس إلاّ إنشاء البعث .
فداعویة الأمر إنّما هی من دواعی المکلّف إلی إتیان العمل ، ولإتیان العمل دواعی مقرّرة ؛ من الخوف عن النار ، والفوز بالجنّة ، وحبّه تعالیٰ ووجدانه أهلاً للعبادة ، إلیٰ غیر ذلک من المبادئ .
فظهـر : عـدم تمامیة الإشکال مـن هاتین الناحیتین ، بقی الإشکال مـن ناحیـة الامتثال .
فنقول : إنّ الأمر المتعلّق بعنوان ، بسیطٌ ؛ سواء کان المتعلّق بسیطاً أو مرکّباً ، ولایکاد یسری ترکّب المتعلّق إلی الأمر حتّیٰ ینحلّ الأمر بعدد أجزاء المتعلّق وشرائطه ، بل إنّما له دعوة واحدة إلی متعلّقه ، ویکون البعث متوجّهاً إلیه فقط .
مثلاً : لو أمر المولیٰ عبیده ببناء مسجد یکون له أمر واحد بسیط متعلّق بعنوان واحد کذلک ، من دون أن یکون له انحلال بعدد اللبنات والخشبات والرواشن والأحجار وغیرها .
نعـم ، کیفیة امتثال ذلک الأمـر البسیط بجمـع تلک الاُمـور ووضعها علـیٰ کیفیة مناسبة .
فالأجزاء غیر ملحوظة عند الأمر ببناء المسجد ، بل وکذا عند الإخبار عنه ، کقولک : إنّ هذا المسجد أعظم من ذاک أو أحسن ، بل قد لا یعلم أجزاؤه .
وبالجملة : لو تعلّق أمر بطبیعة ـ سواء کانت بسیطة أو مرکّبة ـ فلا یکاد یدعو إلاّ إلیٰ نفس ما تعلّق به ، من دون أن ینحلّ إلی أجزائها أو إلیها ، وإلیٰ شرائطها .
نعم ، کیفیة امتثال المتعلّقات مختلفة ؛ فإن کانت بسیطة فواضحة ، وأمّا إن کانت
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 185
مرکّبة فلابدّ من إتیانها حسب ما هو المعهود منها ، ولم یکن لکلّ جزء أو شرط منها أمر یخصّه ؛ لا نفساً ولا ضمناً ، بل المکلّف حین اشتغاله بالأجزاء مشغول بإتیان الماهیة المرکّبة .
ففیما نحن فیه : حیث یری المولی الخبیر أنّ مجرّد إتیان أجزاء الصلاة ـ مثلاًـ کیف اتّفق من دون قصد الأمر لها ، لم یکن لها مصلحة ولم تکن مقرّبة ، فإذا أمکن تصوّر المولی الصلاة المتقیّدة بقصد أمرها ـ وقد عرفت أنّ تصوّره بمکان من الإمکان ـ فیصدّق بفائدتها ، ثمّ یریدها کذلک .
ویستحیل ـ حسب الفرض ـ تعلّق الإرادة علی الصلاة المجرّدة عن قصد الأمر ؛ لعدم معقولیة الجزاف فی الإرادة ؛ فیبعث نحو الصلاة المتقیّدة بقصد الأمر ، ویوقع العبد نحو العمل إیقاعاً تعبّدیاً ، فتصل النوبة إلی امتثال الأمر .
وللعبد دواعی إلی امتثال أمر مولاه ؛ من حبّه للجنّة ، أو خوفه من النار ، إلیٰ غیر ذلک من الدواعی ، فإن أتی العبد بالصلاة بقصد أمرها یصدق امتثال الأمر ، بل لایعقل عدم الصدق ؛ فیسقط الأمر المتعلّق بها بقصد أمرها .
وبالجملة : إذا رأی المولی أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ بقصد أمرها فیها الصلاح ، فیتصوّرها ویصدّق بفائدتها فیریدها ، ثمّ ینحدر الأمر نحوها کذلک ، والعبد بعد تحقّق موضوع الإطاعة یأتی بالصلاة بقصد أمرها حسب ما له من مبادئ إیقاعها ـ من خوفه من النار ، أو طمعه فی الجنّة ، إلیٰ غیر ذلک ـ فیحصل غرض المولیٰ .
فظهر ممّا ذکرنا : أنّه لا إشکال فی أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر لو کان الأمر محرّکاً اعتباریاً . وأمّا لو کان له محرّکیة واقعیة فظاهر أنّه لم یکن له محرّکیة بنحو العلل الخارجیة ، نظیر الحرکات والعلل التکوینیة ، وإلاّ یلزم أن لا تتحقّق العصات فی الخارج ، وهو کما تریٰ ولم یدّعه أیضاً أحد .
فمراد من یقول بأنّ الأمر محرّک واقعی : هو أنّ تصوّر فائدة الأمر والتصدیق بها
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 186
وغیر ذلک من مبادئ الاختیار من دون شیء آخر یوجب إتیان العمل خارجاً ، وهو لیس إلاّ إتیان الصلاة بقصد الأمر .
هذا کلّه علیٰ تقدیر عدم انحلال الأمر المتعلّق بالمرکّب ذی أجزاء وشرائط بعددها ، کما هو الحقّ ، وأشرنا إلیٰ وجهه . وقد عرفت : أنّه لا محذور فی أخذ قصد الأمـر فی المتعلّق ؛ لا فی ناحیـة الأمر ، ولا فی ناحیة المأمور به ، ولا فی ناحیة الامتثال ، فتدبّر .
وأمّا لو قلنا بانحلال الأمر بالمرکّب إلی الأمر بنفس الطبیعة والطبیعة المتقیّدة .
کما یراه المحقّق العراقی قدس سره ، فنقول :
إنّه بعد أن تصدّی لتصحیح الإشکال بالحصّة فأورد علیٰ نفسه إشکالات ، وأجاب عنها ، إلاّ عن إشکال واحد ؛ وهو أنّ تحصّص الأمر وجعل بعض حصّته موضوعاً لبعضه الآخر لا یجدی فی رفع الإشکال المزبور ؛ لأنّه لنا أن نعید الکلام فی نفس الحصّة المتعلّقة بنفس الصلاة فی مرحلة الثبوت ؛ فنقول : إنّ تلک الحصّة إمّا تکون متعلّقة بنفس الصلاة المطلقة ؛ فحینئذٍ لا یبقیٰ مجال لتعلّق الحصّة الاُخریٰ من الأمر بإتیان الصلاة بداعی أمرها ، وإمّا أن تکون متعلّقة بالصلاة المأتی بها ؛ فقد عاد المحذور المزبور .
فنقل جواباً عنه ، ولکن لم یرتضِ بها .
فقال : التحقیق فی الجواب هو أن یقال : إنّ الصلاة المتعلّقة لحصّة من الأمر
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 187
لم یکن مطلق الصلاة ، ولا المقیّدة ؛ لیستلزم شیئاً من تلک المحاذیر ، بل متعلّق تلک الحصّة من الأمر هی الحصّة من طبیعة الصلاة أعنی الصلاة المقترنة بدعوة الأمر إلیها ؛ بحیث لو فعل المکلّف الصلاة لا بداعی أمرها لما کان ممتثلاً لأمرها ، وإن قلنا بخروج قصد الامتثال عن حیّز الأمر .
وما ذاک إلاّ لأنّ المطلوب أمـر خاصّ مُعرِّفـه ، أو المـوجب لصیرورتـه شیئاً خاصّاً هـو اقترانه بدعـوة الأمر إلیـه ، بلا أن یکـون التقیّد نفسـه دخیلاً فـی متعلّق المصلحـة .
بل یکون شأنه شأن القید فی المطلوب المقیّد ؛ فکما أنّ القید فی المقیّد غیر دخیل فی الواجب النفسی ، بل الدخیل فیه هو نفس التقیّد ویکون القید واجباً غیریاً ، کذلک التقیید فی المقام لا یکون دخیلاً فی الواجب النفسی ، بل یکون ملحوظاً آلیاً ، فالشیء الخاص بذاته لا مع خصوصیة تکون متعلّق المصلحة والإرادة والأمر ، انتهی .
وفیه : أنّه قـد تکرّر ویأتـی منه قدس سره التمسّک بالحصّة ، وقـد سبق ویأتـی منّا القدح فیها .
ومجمله : أنّ الحصّة لا توجد بمجرّد المقارنة ، بل لابدّ من تقیید الطبیعة ؛ لأنّ بالتقیید تحصل فی الطبیعة ضیقاً ؛ ضرورة أنّ مجرّد المقارنة لو أوجب ضیقاً للزم انحصار الطبیعة بالفرد ؛ لمقارنة الطبیعة باُمور کثیرة لا تعدّ ولا تحصیٰ ؛ من إشراق الشمس وهبوب الریاح وکونه فی مکان معیّن بکیفیة خاصّة ، إلیٰ غیر ذلک . وواضح : أنّه لا خصوصیة لشیء منها .
وبالجملة : إذا لم یکن بین شیئین علاقة لزومیة ـ من العلّیة أو السببیة أو الشرطیة ونحوها ـ لا یؤثّر مقارنة أحدهما للآخر شیئاً ، ویکون مقارنته له مثل وضع الحجر جنب الإنسان .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 188
فإذا لم یکن لدعوة الآمر المقترنة بالصلاة ـ مثلاً ـ تأثیر فیها وتأثّر منها فلا معنیٰ لقوله قدس سره : إنّ المکلّف لو فعل الصلاة لا بداعی أمرها لما کان ممتثلاً لأمرها .
وذلک لأنّه علی ما أفاده لا یعقل عدم الامتثال ؛ لما أشرنا أنّ المقارنات غیر مؤثّرة ؛ ضرورة أنّ من مقارنات تعلّق الأمر إشراق الشمس وهبوب الریاح وکونه بکیفیة خاصّة ومکان مخصوص ووضع ومحاذاة کذائیة ، إلیٰ غیر ذلک . وواضح : أنّه لا خصوصیة لشیء منها ، کما لا یخفیٰ .
وسنتعرّض فی تصحیح إمکان أخذ قصد الأمر فی المأمور به بأمرین عند التعرّض لمقال المحقّق الخراسانی قدس سره بعض ما ینفع لهذا الجواب ، فارتقب حتّیٰ حین .
فتلخّص من جمیع ما ذکرنا بطوله : أنّ أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر بمکان من الإمکان لیس محالاً وممتنعاً ذاتاً ، ولم یکن تکلیف محال ، ولا محالاً وممتنعاً بالغیر وتکلیف بالمحال ، من دون احتیاج إلی تکلّف انحلال أمر واحد إلی أمرین أو أوامر ، فافهم واغتنم وکن من الشاکرین .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 189