المقصد الأوّل فی الأوامر

توضیح فیه تکمیل

توضیح فیه تکمیل

‏ ‏

‏فإن کان فی خواطرک ـ مع ما تلوناه علیک ـ ریب وشبهة ینبغی الإشارة‏‎ ‎‏الإجمالیة إلیٰ کیفیة التشریع والتقنین ، وأنّ أیّ أمر یقصد به الشارع الأقدس قبل‏‎ ‎‏الجعل وحینه ؛ حتّیٰ ینکشف لک حقیقة الأمر وترتفع کلّ شبهة وإبهام .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 171
‏ولیعلم أوّلاً : أنّ تقسیم الإرادة إلی التکوینیة والتشریعیة لا یخلو عن تسامح ؛‏‎ ‎‏لأنّ کلّ تقسیم لابدّ وأن یکون للاختلاف فی ذات الشیء وحقیقته ، وإلاّ یتمکّن‏‎ ‎‏تقسیم الشیء إلی أقسام غیر متناهیة ؛ لأنّ الإرادتین لم تختلفا هویةً ؛ فإنّ الإرادة‏‎ ‎‏التشریعیة عبارة عن إرادة جعل القانون ، والجعل فعل تکوینی للمقنّن ، نظیر سائر‏‎ ‎‏أفعاله الاختیاریة ؛ من الأکل والشرب وغیرهما ، من دون تفاوت أصلاً .‏

‏فلم تفترق ذات الإرادة التشریعیة عن ذات الإرادة التکوینیة ، ولا یکون‏‎ ‎‏اختلاف فی حقیقتی الإرادتین ، کما یوهمه ظاهر التقسیم .‏

‏وإنّما الاختلاف بینهما فی المتعلّق ؛ لأنّه إذا کان متعلّق الإرادة حکماً شرعیاً‏‎ ‎‏قانونیاً ، فیسمّونها إرادة تشریعیة ، وإن کان غیره من الاُمور التکوینیة فیسمّونها‏‎ ‎‏إرادة تکوینیة .‏

‏فبعدما ظهر لک عدم الاختلاف فی حقیقتی الإرادتین فالأولیٰ أن یقال : إرادة‏‎ ‎‏التشریع وإرادة التکوین ، لا الإرادة التشریعیة والإرادة التکوینیة ، کما لا یخفیٰ .‏

فإذا تبیّن لک ما ذکرنا فواضح :‏ أنّ کلّ فعل اختیاری ـ کالأکل والشرب‏‎ ‎‏وغیرهما ـ إنّما یصدر عنّا بعد تصوّره والتصدیق بفائدته والاشتیاق نحوه أحیاناً ، ثمّ‏‎ ‎‏الإرادة المحرّکة نحوه .‏

وواضح :‏ أنّ المتصوّر أوّلاً قد یکون فیه من حیث هو هو مصلحة ، وقد لا‏‎ ‎‏یکون فیه صلاح إلاّ إذا قیّد بقید وشرط خاصّ .‏

‏مثلاً : قد یکون لإکرام العالم نفسه مصلحة ، وقد لا یکون فیه صلاح إلاّ إذا‏‎ ‎‏قارن علمه بالعدالة مثلاً ، فکما أنّ إرادة إکرام العالم نفسه مسبوقة بتصوّرها ـ مثلاً ـ‏‎ ‎‏فکذلک إرادة إکرام العالم مقیّداً بالعدالة مسبوقة بتصوّرها .‏

وواضح :‏ أنّه لا یتوقّف إرادة إکرام العالم أو مقیّداً بالعدالة ولا سائر مبادئها إلیٰ‏‎ ‎‏وجود العالم أو العالم العادل فی الخارج ، بل قد تتعلّق بهما الإرادة ، وإن لم تکن لهما فی‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 172
‏الخارج عین ولا أثر . وتعلّق الإرادة وتحرّک العضلات نحوهما توجد مطلقة أو مقیّدة ،‏‎ ‎‏هذا حال التکوین . والاُمور التی یصدر منّا فی الخارج ، ویجری جمیع ما ذکرناه فیه فی‏‎ ‎‏التشریع أیضاً‏‎[1]‎‏ ؛ وذلک لأنّه إذا رأی الشارع الأقدس کون ذات شیء فیه صلاح مثلاً‏‎ ‎‏فیریده بلا قید وشرط ، وینحدر البعث والحکم نحوه .‏

‏ولکن إن رأی أنّ المصلحة قائمة بالمتقیّد بالقید فیریده مقیّداً ، وینحدر البعث‏‎ ‎‏والحکم کذلک . مثلاً لو رأی الشارع الأقدس أنّ الصلاة لم تکن لها مصلحة إلاّ إذا‏‎ ‎‏کانت مقرونة بالطهارة والاستقبال ـ مثلاً ـ فلابدّ من تصوّرهما قیداً للصلاة ،‏‎ ‎‏والتصدیق بأنّ المصلحة قائمة بالصلاة المتقیّدة بهما لا مطلقاً ، فیریدها کذلک ، فیأمر‏‎ ‎‏بالصلاة متقیّدة بالطهور والاستقبال .‏

‏ولا فرق فی القیود بین کونها تحت اختیار المکلّف وبین کونها خارجة عن‏‎ ‎‏اختیاره ـ کإتیان الصلاة فی الوقت مثلاً ـ کما لا فرق بین کون القیود موجودة فی‏‎ ‎‏الخارج عند الأمر بها ـ کالقبلة ـ أو غیر موجودة فیه .‏

‏والسرّ فی ذلک : هو أنّ القیود المعتبرة إنّما هی بلحاظ ظرف الامتثال ، لا ظرف‏‎ ‎‏الأمر ؛ فمجرّد تصوّر کون القید دخیلاً فی المصلحة کافٍ فی تعلّق الإرادة ، وإن کان غیر‏‎ ‎‏موجود فی الخارج عند الأمر . نعم لابدّ وأن یکون ممّا یمکن إیجاده فی ظرف الامتثال .‏

فإذا تبیّن لک :‏ أنّ المعتبر فی مقام تعلّق الأمر هو لحاظ الشیء ووجوده‏‎ ‎‏الذهنی ، لا وجوده الخارجی ، فکما تصحّ ملاحظة الطهارة من دون وجود لها فی‏‎ ‎‏الخارج ، ونلاحظ أنّ الصلاة بلا طهور لا مصلحة لها ؛ فیریدها متقیّدة ، وینحدر‏‎ ‎‏الحکم والبعث نحوها کذلک ، فیوجدها المکلّف کذلک خارجاً .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 173
‏فکذلک حیث یریٰ : أنّ الصلاة بدون قصد الأمر والإطاعة لا تکون وافیة‏‎ ‎‏بالصلاح ؛ فیتصوّرها متقیّدة بقصد أمرها غیر المتحقّق بعد فی الخارج ؛ فیبعث نحوها‏‎ ‎‏کذلک فیوجدها المکلّف کذلک خارجاً .‏

وبالجملة :‏ لا شبهة فی إمکان تصویر ما لم یکن موجوداً فی الخارج المتحقّق فی‏‎ ‎‏الآجل ؛ فإذا تصوّر أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ من حیث هی ـ من دون قصد أمرها ـ غیر‏‎ ‎‏واجدة للمصلحة ولا محصّلة لمطلوبه ، فلا یصدّق بفائدتها مطلقة ، فضلاً عن إرادتها‏‎ ‎‏کذلک . فما ظنّک بانحدار البعث نحوها ! بل یصدق بأنّ المصلحة إنّما هی فی المقیّدة‏‎ ‎‏بقصد الأمر ، فضلاً عن استحالة تعقّلها بها مقیّدة .‏

‏وتوهّم من توهّم استحالة تعلّق الإرادة بها ؛ للزوم مفسدة الدور إنّما هو لبعده‏‎ ‎‏عن مسیر البحث ، وتوهّمه لزوم تقیید الصلاة ـ مثلاً ـ بأمر خارجی .‏

‏فللإرادة مبادئ مضبوطة تجب عندها وتمتنع دونها ، فإذا لاحظ المقنّن أنّ‏‎ ‎‏المصلحة قائمة بالصلاة المتقیّدة بقصد الأمر فیصدّق بها ، فیتحقّق الإرادة نحـوها أیضاً .‏

‏ولا یکاد یعقل تعلّق الإرادة بالمجـرّدة بعد التصدیق بأنّ المصلحـة غیر قائمة‏‎ ‎‏بها وحـدها . وعـدم وجـود الأمر خارجاً غیر مضـرّ فی ذلک بعد وجوده قطعاً فی‏‎ ‎‏ظـرف الامتثال .‏

فظهر لک ممّا ذکرنا :‏ استحالة عـدم أخذ قصد الأمـر فی متعلّق الإرادة لو‏‎ ‎‏کانت المصلحـة قائمة بالطبیعة المتقیّدة بقصـد الأمر ، فضلاً عـن إمکانه ، فما ظنّک‏‎ ‎‏باستحالة أخـذه ؟ !‏

‏ومنشأ الإشکال ـ کما أشرنا ـ هو الخلط بین الحمل الشائع والحمل الأوّلی ،‏‎ ‎‏وخلط الموجود الخارجی بالموجود الذهنی .‏

‏هذا کلّه فی مقام التصوّر والثبوت ، فقد ظهر وجوب تعلّق الإرادة أحیاناً‏‎ ‎‏بالطبیعة المتقیّدة بقصد الأمر .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 174
‏وأمّا مقام الإثبات وإظهار أنّ المطلوب نفس الطبیعة أو المتقیّدة بقصد الأمر‏‎ ‎‏فلابدّ من دالٍّ یدلّ علیه .‏

‏وحیث إنّ القیود علیٰ قسمین :‏

‏فقسم منها قیود ماهویة ومن مقوّمات ذات الطبیعة ؛ وهی الأجزاء ، کالحیوان‏‎ ‎‏والناطق بالنسبة إلی الإنسان ، وکالتکبیر والقراءة والقیام والرکوع والسجود‏‎ ‎‏والتشهّد ، إلیٰ غیر ذلک من الأجزاء بالنسبة إلی الصلاة .‏

‏وقسم آخر قیود خارجة عن قوام الماهیة ، ولکن تکون دخیلة فی المصلحة ،‏‎ ‎‏وهی الأکثر .‏

‏أمّا القسم الأوّل : فحیث إنّ القیود دخیلة فی ماهیة الشیء فکما أنّ تصوّرها‏‎ ‎‏بتصوّر الماهیة ، بل هی عین تصوّرها ، فکذلک الدالّ علیٰ نفس الطبیعة دالّ علیها‏‎ ‎‏أیضاً ، ولا یحتاج إلی لفظ آخر غیر ما یدلّ علی أصل الطبیعة للدلالة علیها .‏

‏وأمّا القسم الثانـی : فحیث إنّها خارجـة عن قوام الماهیة فلابدّ مـن لفظ‏‎ ‎‏یتکفّل لإفادتها .‏

‏فحینئذٍ : حیث إنّ التکبیر والقراءة ونحوهما من أجزاء ماهیة الصلاة ـ مثلاً ـ‏‎ ‎‏فالبعث إلیها بعث إلیها أیضاً .‏

‏وأمّا الطهارة وسائر الشرائط : فحیث إنّها خارجة عن ماهیتها وإن کانت‏‎ ‎‏دخیلة فی قوام المصلحة فلا تکاد تدعو وتبعث الأمر بالصلاة إلیها من مجرّد اللفظ‏‎ ‎‏الدالّ علیها ، بل لابدّ من لفظ آخر یدلّ علیها . وحیث إنّ قصد الأمر والإطاعة‏‎ ‎‏ونحوهما کالطهارة خارجة عن قوام الصلاة ودخیلة فی المصلحة فلابدّ فی مقام الدلالة‏‎ ‎‏من لفظ یدلّ علیها ؛ بأن یقول : صلّ مع قصد الأمر ، ولا یلزم من ذلک محذور أصلاً .‏

‏فإذا أحطت خبراً بما ذکـرنا ینقدح لک : أنّ إشکال مفسدة الـدور مـن تقدّم‏‎ ‎‏الشیء علیٰ نفسه مندفع مـن رأس ؛ لعـدم الفرق بین أخـذ العناوین العرضیـة ،‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 175
‏کالطهارة والاستقبال ونحوهما ، وبین العناوین الطولیة علیٰ مصطلحهم ، کقصد الأمـر‏‎ ‎‏ونحوه فی المتعلّق .‏

‏بل قد یجب أخذ ما لم تستوف المصلحة من نفس الطبیعة المجرّدة بدونه إذا کان‏‎ ‎‏المولیٰ بصدد بیان ما تعلّقت إرادته الجدّیة بها .‏

الوجه الخامس :‏ أنّه لو اُخذ قصد الأمر فی متعلّقه یلزم اجتماع اللحاظین‏‎ ‎‏المتنافیین : اللحاظ الآلی واللحاظ الاستقلالی فی زمان واحد ، وهو محال .‏

‏وذلک لأنّ التکلیف إنّما یتعلّق بشیء بعد تصوّر ذلک الشیء ولحاظه بجمیع‏‎ ‎‏قیوده ، وإلاّ یلزم الحکم علیٰ ما لم یلحظ ، ومن القیود قصد الأمر ، وحیث إنّ قصد‏‎ ‎‏الأمر متوقّف علی الأمر فلابدّ من لحاظه وقصده بالاستقلال .‏

‏ولکن حیث إنّ الأمر آلة لإیقاع البعث الخارجی وإیجاده فلابدّ من لحاظه آلة‏‎ ‎‏وقنطرة لغیره ، کما هو الشأن فی المعانی الآلیة .‏

‏فیلزم من أخذ قصد الأمر فی متعلّق التکلیف أن یلحظ آلیاً واستقلالیاً ، وهو‏‎ ‎‏محال ، وما یلزم من وجوده المحال فهو أیضاً محال ؛ فقصد الأمر فی المتعلّق محال .‏

وفیه :‏ أنّه یظهر وجه ضعف هذا الإشکال ممّا ذکرناه سابقاً ؛ وذلک لأنّ الجمع‏‎ ‎‏بین اللحاظین إنّما یلزم ویستحیل إذا کانا فی زمان واحد ، ولا یلزم الجمع بینهما کذلک‏‎ ‎‏فیما نحن فیه ؛ لا قبل جعل الحکم وإنشائه علی الموضوع ، ولا عند الإنشاء .‏

‏وبالجملة : هناک لحاظات متعدّدة فی آنات متعدّدة ؛ وذلک لأنّ قبل الجعل‏‎ ‎‏والإنشاء یتصوّر الموضوع بما له من القیود مستقلاًّ ـ ومنها قصد الأمر ـ من دون أن‏‎ ‎‏یکون هناک لحاظ آلی .‏

‏ثمّ بعد ذلک إذا تمّت مبادئ الإنشاء ینحدر البعث نحو الطبیعة المقیّدة بقصد‏‎ ‎‏الأمر ، وینشأه فی محیط التشریع . وفی هذا اللحاظ حیث یکون الأمر آلة التشریع‏‎ ‎‏والبعث یکون ملحوظاً آلیاً ؛ فلم یلزم الجمع بین اللحاظین فی زمان واحد .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 176
‏وبالجملة : کلّ فعل من الأفعال الاختیاریة ـ حتّی التکلّم ـ لابدّ له من مبادئ‏‎ ‎‏تجب عندها وتمتنع دونها .‏

‏نعم ، فی بعض الموارد لکثرة الاُنس وکثرة ورودها علی المشاعر یغفل الإنسان‏‎ ‎‏عن المبادئ ، کالتکلّم .‏

‏ولا فرق فی الأفعال الاختیاریة بین کونها آلیاً فی مقام العمل کالألفاظ ، أو فعلاً‏‎ ‎‏استقلالیاً کالأکل والشرب من حیث احتیاجها إلی المبادئ ؛ من التصوّر والتصدیق‏‎ ‎‏بالفائدة والشوق أحیاناً والإرادة .‏

‏فکما یحتاج الأکل ـ مثلاً ـ إلی المبادئ فکذلک التکلّم یحتاج إلیها أیضاً ، ولکن‏‎ ‎‏حیث إنّ الآمر یریٰ أنّ الألفاظ حاکیات فیلاحظها ثانیاً لاستعمالها آلیاً .‏

‏مثلاً : قبل إنشاء الزوجیة یلاحظ کلّ من ألفاظ «أنکحت هذه من هذا»‏‎ ‎‏مستقلاًّ ، ثمّ یلاحظها بما أنّها آلة لإیقاع علقة الزوجیة .‏

‏فظهر : أنّه لم یلزم اجتماع اللحاظین فی آنٍ واحد قبل الإنشاء .‏

‏وأمّا عند الإنشاء : فکذلک أیضاً ؛ لما عرفت أنّ إبراز ما لا یکـون مـن‏‎ ‎‏مقـوّمات الموضـوع ـ سواء کان قیداً عـرضیاً أو طـولیاً ـ لا یمکن بإلقاء نفس‏‎ ‎‏الموضـوع ، بخلاف ما یکون مـن مقوّماتـه ؛ فإنّه بمکان مـن الإمکان ، فلابدّ مـن دالٍّ‏‎ ‎‏آخـر یدلّ علیه .‏

‏مثلاً : إذا قال : «صلّ بقصد هذا الأمر» فعند قوله : «صلّ» یکون الأمر آلة‏‎ ‎‏للبعث وملحوظاً آلیاً . وحینما یقول بقصد هذا الأمر یکون ملحوظاً استقلالیاً .‏

‏وکـم له مـن نظیر مـن انقلاب المعنی الآلی الأدوی إلی الاسمـی الاستقلالی‏‎ ‎‏بلحاظ مستأنف !‏

‏بل کما أشرنا إلیه سابقاً فی المعانی الحرفیة : أنّ غالب القیود الواقعة فی الکلام‏‎ ‎‏إنّما هی فی المعانی الحرفیة . مثلاً قولک : «ضربت زیداً أمام الأمیر یوم الجمعة ؛ ضرباً‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 177
‏شدیداً» لم تقیّد مادّة الضرب وزید بکونهما فی الجمعة ، بل المقیّد هو الضرب علیه ،‏‎ ‎‏وهو معنیً حرفی .‏

‏وبالجملة : الطریق فی تقیید المعانی الحرفیة هو بأن یلحظ المعنی الحرفی فی وقت‏‎ ‎‏التقیید مستقلاًّ وفی صورة المعنی الاسمی .‏

‏مثلاً : القید فی قولک : «کنت علی السطح یوم الجمعة» لم یکن قیداً للکون التامّ ،‏‎ ‎‏ولا للسطح ، بل للکون الناقص الذی هو الکون علیه ولکن بلحاظه مستقلاًّ بعد أن‏‎ ‎‏کان ملحوظاً بالتبع ، فتدبّر جیّداً .‏

الوجه السادس :‏ ما قرّبه المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ؛ فإنّه بعد أن أجاب عن الوجوه التی‏‎ ‎‏استدلّت لامتناع أخذ قصد الامتثال فی متعلّق الأمر قال : إنّ فی المقام وجهاً صحیحاً‏‎ ‎‏ینبغی أن یستدلّ به علی الدعوی المذکورة .‏

‏وحاصل ما أفاده : هو أنّ لحاظ الموضوع مقدّم علی لحاظ الأمر ، کما أنّ ذات‏‎ ‎‏الموضوع مقدّم علی الأمر ولحاظ الأمر مقدّم علی لحاظ قصد الأمر ؛ فلحاظ قصد‏‎ ‎‏الأمر متأخّر عن لحاظ الموضوع برتبتین ، ولحاظ الموضوع متقدّم علی لحاظ قصد‏‎ ‎‏الأمر کذلک برتبتین .‏

‏فإذا اُخذ قصد الأمر فی الموضوع جزءاً أو قیداً یلزم أن یکون الشیء الواحد فی‏‎ ‎‏اللحاظ الواحد متقدّماً ومتأخّراً فی اللحاظ ، وهذا سنخ معنیً فی نفسه غیر معقول‏‎ ‎‏وجداناً ؛ إمّا للخلف أو لغیره ، کالتهافت والتناقض فی نفس اللحاظ . لا فی الملحوظ‏‎ ‎‏حتّیٰ یقال بإمکان لحاظ الاُمور المتناقضة ، انتهی‏‎[2]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّه کما قرّر فی محلّه أنّ للتقدّم والتأخّر ملاکاً وضابطاً معیّناً ، ولیس فی‏‎ ‎‏المقام شیء من ذلک :‏

‏أمّا عدم التقدّم والتأخّر الزمانی فواضح . والظاهر : أنّه ‏‏قدس سره‏‏ لا یقول بهذا التقدّم‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 178
‏هنا أیضاً ؛ لأنّ ذات العلّة وإن کانت متقدّمة علی المعلول ، ولکن ـ مع ذلک ـ لا یتقدّم‏‎ ‎‏لحاظ العلّة علی لحاظ المعلول زماناً ، هذا .‏

‏وأمّا عدم التقدّم العلّی والرتبی : فلوضوح أنّ التقدّم الکذائی إنّما یتصوّر فیما إذا‏‎ ‎‏کان هناک ترتّب عقلی أو غیره ، ولا یکون شیء منهما فیما نحن فیه . ولو کان بین‏‎ ‎‏اللحاظین ترتّباً یلزم أن یکون لحاظ ما یکون علّة لأمر علّة للحاظ المعلول ، مع أنّه‏‎ ‎‏لیس کذلک .‏

‏ألا تری أنّ ذات الواجب تعالی علّة للموجودات ، ومع ذلک لا یکون لحاظه‏‎ ‎‏تمام العلّة للحاظ الموجودات ، ولا جزء العلّة للحاظها ؟ ! کما هو أوضح من أن یخفیٰ .‏

‏فإذن : الترتّب والعلّیة فی ذاتی العلّة والمعلول لا فی لحاظهما ، وإلاّ لو تمّ ما ذکره‏‎ ‎‏وثبت الترتّب بین اللحاظین یلزم أن لا یمکن لحاظ الأثر والمعلول قبل المؤثّر والعلّة ؛‏‎ ‎‏فیلزم إنکار البرهان الإنّی وإبطاله ـ لأنّه عبارة عن العلم بالعلّة من ناحیة العلم‏‎ ‎‏بالمعلول ـ فتدبّر .‏

‏وبالجملة : الوجـدان بل البرهان قائمان علی أنّ تقـدّم الرتبی إذا کان فـی‏‎ ‎‏ذاتـی الشیئین لا یوجب ذلک أن یکـون بین لحاظیهما أیضاً ترتّباً . ولـم یأت هـذا‏‎ ‎‏المحقّق ‏‏قدس سره‏‏بما یـدلّ علی الترتّب بین اللحاظین إلاّ مـن ناحیة الترتّب فـی الملحوظین ،‏‎ ‎‏وقـد عرفت فساده .‏

‏فإذن : لیس الإشکال فی البین إلاّ محذور تقدّم أحد الملحوظین علی الآخر .‏

‏وجوابه : هو الذی أفاده ‏‏قدس سره‏‏ وأجبنا .‏

‏ولعمر الحقّ : إنّ هذا الوجه أوهن وجوه الباب ، ولا ینبغی التوجّه إلیه .‏‎ ‎‏والعجب منه ‏‏قدس سره‏‏ حیث حصر الإشکال الصحیح فیه .‏

‏هذا کلّه فیما یتعلّق بالمورد الأوّل ؛ وهو امتناع أخذ قصد الأمر فی المتعلّق ذاتاً ،‏‎ ‎‏وأنّه تکلیف محال . وقد عرفت ـ لعلّه بما لا مزید علیه ـ إمکان أخذه ، فتدبّر .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 179

  • )) قلت : ولیعلم أنّ ما نذکره فی إرادة التشریع إنّما هو حال الموالی العرفیة بالنسبة إلیٰ عبیدهم ، والمقنّنین البشریین ؛ لأنّه لم یکن لنا طریق إلیٰ کیفیة جعل القوانین الشرعیة بالنسبة إلی المبادئ العالیة . ولعلّه یظهر حالها من المقایسة ، والله العالم [المقرّر حفظه الله ] .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 229 ـ 230 .