توضیح فیه تکمیل
فإن کان فی خواطرک ـ مع ما تلوناه علیک ـ ریب وشبهة ینبغی الإشارة الإجمالیة إلیٰ کیفیة التشریع والتقنین ، وأنّ أیّ أمر یقصد به الشارع الأقدس قبل الجعل وحینه ؛ حتّیٰ ینکشف لک حقیقة الأمر وترتفع کلّ شبهة وإبهام .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 171
ولیعلم أوّلاً : أنّ تقسیم الإرادة إلی التکوینیة والتشریعیة لا یخلو عن تسامح ؛ لأنّ کلّ تقسیم لابدّ وأن یکون للاختلاف فی ذات الشیء وحقیقته ، وإلاّ یتمکّن تقسیم الشیء إلی أقسام غیر متناهیة ؛ لأنّ الإرادتین لم تختلفا هویةً ؛ فإنّ الإرادة التشریعیة عبارة عن إرادة جعل القانون ، والجعل فعل تکوینی للمقنّن ، نظیر سائر أفعاله الاختیاریة ؛ من الأکل والشرب وغیرهما ، من دون تفاوت أصلاً .
فلم تفترق ذات الإرادة التشریعیة عن ذات الإرادة التکوینیة ، ولا یکون اختلاف فی حقیقتی الإرادتین ، کما یوهمه ظاهر التقسیم .
وإنّما الاختلاف بینهما فی المتعلّق ؛ لأنّه إذا کان متعلّق الإرادة حکماً شرعیاً قانونیاً ، فیسمّونها إرادة تشریعیة ، وإن کان غیره من الاُمور التکوینیة فیسمّونها إرادة تکوینیة .
فبعدما ظهر لک عدم الاختلاف فی حقیقتی الإرادتین فالأولیٰ أن یقال : إرادة التشریع وإرادة التکوین ، لا الإرادة التشریعیة والإرادة التکوینیة ، کما لا یخفیٰ .
فإذا تبیّن لک ما ذکرنا فواضح : أنّ کلّ فعل اختیاری ـ کالأکل والشرب وغیرهما ـ إنّما یصدر عنّا بعد تصوّره والتصدیق بفائدته والاشتیاق نحوه أحیاناً ، ثمّ الإرادة المحرّکة نحوه .
وواضح : أنّ المتصوّر أوّلاً قد یکون فیه من حیث هو هو مصلحة ، وقد لا یکون فیه صلاح إلاّ إذا قیّد بقید وشرط خاصّ .
مثلاً : قد یکون لإکرام العالم نفسه مصلحة ، وقد لا یکون فیه صلاح إلاّ إذا قارن علمه بالعدالة مثلاً ، فکما أنّ إرادة إکرام العالم نفسه مسبوقة بتصوّرها ـ مثلاً ـ فکذلک إرادة إکرام العالم مقیّداً بالعدالة مسبوقة بتصوّرها .
وواضح : أنّه لا یتوقّف إرادة إکرام العالم أو مقیّداً بالعدالة ولا سائر مبادئها إلیٰ وجود العالم أو العالم العادل فی الخارج ، بل قد تتعلّق بهما الإرادة ، وإن لم تکن لهما فی
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 172
الخارج عین ولا أثر . وتعلّق الإرادة وتحرّک العضلات نحوهما توجد مطلقة أو مقیّدة ، هذا حال التکوین . والاُمور التی یصدر منّا فی الخارج ، ویجری جمیع ما ذکرناه فیه فی التشریع أیضاً ؛ وذلک لأنّه إذا رأی الشارع الأقدس کون ذات شیء فیه صلاح مثلاً فیریده بلا قید وشرط ، وینحدر البعث والحکم نحوه .
ولکن إن رأی أنّ المصلحة قائمة بالمتقیّد بالقید فیریده مقیّداً ، وینحدر البعث والحکم کذلک . مثلاً لو رأی الشارع الأقدس أنّ الصلاة لم تکن لها مصلحة إلاّ إذا کانت مقرونة بالطهارة والاستقبال ـ مثلاً ـ فلابدّ من تصوّرهما قیداً للصلاة ، والتصدیق بأنّ المصلحة قائمة بالصلاة المتقیّدة بهما لا مطلقاً ، فیریدها کذلک ، فیأمر بالصلاة متقیّدة بالطهور والاستقبال .
ولا فرق فی القیود بین کونها تحت اختیار المکلّف وبین کونها خارجة عن اختیاره ـ کإتیان الصلاة فی الوقت مثلاً ـ کما لا فرق بین کون القیود موجودة فی الخارج عند الأمر بها ـ کالقبلة ـ أو غیر موجودة فیه .
والسرّ فی ذلک : هو أنّ القیود المعتبرة إنّما هی بلحاظ ظرف الامتثال ، لا ظرف الأمر ؛ فمجرّد تصوّر کون القید دخیلاً فی المصلحة کافٍ فی تعلّق الإرادة ، وإن کان غیر موجود فی الخارج عند الأمر . نعم لابدّ وأن یکون ممّا یمکن إیجاده فی ظرف الامتثال .
فإذا تبیّن لک : أنّ المعتبر فی مقام تعلّق الأمر هو لحاظ الشیء ووجوده الذهنی ، لا وجوده الخارجی ، فکما تصحّ ملاحظة الطهارة من دون وجود لها فی الخارج ، ونلاحظ أنّ الصلاة بلا طهور لا مصلحة لها ؛ فیریدها متقیّدة ، وینحدر الحکم والبعث نحوها کذلک ، فیوجدها المکلّف کذلک خارجاً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 173
فکذلک حیث یریٰ : أنّ الصلاة بدون قصد الأمر والإطاعة لا تکون وافیة بالصلاح ؛ فیتصوّرها متقیّدة بقصد أمرها غیر المتحقّق بعد فی الخارج ؛ فیبعث نحوها کذلک فیوجدها المکلّف کذلک خارجاً .
وبالجملة : لا شبهة فی إمکان تصویر ما لم یکن موجوداً فی الخارج المتحقّق فی الآجل ؛ فإذا تصوّر أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ من حیث هی ـ من دون قصد أمرها ـ غیر واجدة للمصلحة ولا محصّلة لمطلوبه ، فلا یصدّق بفائدتها مطلقة ، فضلاً عن إرادتها کذلک . فما ظنّک بانحدار البعث نحوها ! بل یصدق بأنّ المصلحة إنّما هی فی المقیّدة بقصد الأمر ، فضلاً عن استحالة تعقّلها بها مقیّدة .
وتوهّم من توهّم استحالة تعلّق الإرادة بها ؛ للزوم مفسدة الدور إنّما هو لبعده عن مسیر البحث ، وتوهّمه لزوم تقیید الصلاة ـ مثلاً ـ بأمر خارجی .
فللإرادة مبادئ مضبوطة تجب عندها وتمتنع دونها ، فإذا لاحظ المقنّن أنّ المصلحة قائمة بالصلاة المتقیّدة بقصد الأمر فیصدّق بها ، فیتحقّق الإرادة نحـوها أیضاً .
ولا یکاد یعقل تعلّق الإرادة بالمجـرّدة بعد التصدیق بأنّ المصلحـة غیر قائمة بها وحـدها . وعـدم وجـود الأمر خارجاً غیر مضـرّ فی ذلک بعد وجوده قطعاً فی ظـرف الامتثال .
فظهر لک ممّا ذکرنا : استحالة عـدم أخذ قصد الأمـر فی متعلّق الإرادة لو کانت المصلحـة قائمة بالطبیعة المتقیّدة بقصـد الأمر ، فضلاً عـن إمکانه ، فما ظنّک باستحالة أخـذه ؟ !
ومنشأ الإشکال ـ کما أشرنا ـ هو الخلط بین الحمل الشائع والحمل الأوّلی ، وخلط الموجود الخارجی بالموجود الذهنی .
هذا کلّه فی مقام التصوّر والثبوت ، فقد ظهر وجوب تعلّق الإرادة أحیاناً بالطبیعة المتقیّدة بقصد الأمر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 174
وأمّا مقام الإثبات وإظهار أنّ المطلوب نفس الطبیعة أو المتقیّدة بقصد الأمر فلابدّ من دالٍّ یدلّ علیه .
وحیث إنّ القیود علیٰ قسمین :
فقسم منها قیود ماهویة ومن مقوّمات ذات الطبیعة ؛ وهی الأجزاء ، کالحیوان والناطق بالنسبة إلی الإنسان ، وکالتکبیر والقراءة والقیام والرکوع والسجود والتشهّد ، إلیٰ غیر ذلک من الأجزاء بالنسبة إلی الصلاة .
وقسم آخر قیود خارجة عن قوام الماهیة ، ولکن تکون دخیلة فی المصلحة ، وهی الأکثر .
أمّا القسم الأوّل : فحیث إنّ القیود دخیلة فی ماهیة الشیء فکما أنّ تصوّرها بتصوّر الماهیة ، بل هی عین تصوّرها ، فکذلک الدالّ علیٰ نفس الطبیعة دالّ علیها أیضاً ، ولا یحتاج إلی لفظ آخر غیر ما یدلّ علی أصل الطبیعة للدلالة علیها .
وأمّا القسم الثانـی : فحیث إنّها خارجـة عن قوام الماهیة فلابدّ مـن لفظ یتکفّل لإفادتها .
فحینئذٍ : حیث إنّ التکبیر والقراءة ونحوهما من أجزاء ماهیة الصلاة ـ مثلاً ـ فالبعث إلیها بعث إلیها أیضاً .
وأمّا الطهارة وسائر الشرائط : فحیث إنّها خارجة عن ماهیتها وإن کانت دخیلة فی قوام المصلحة فلا تکاد تدعو وتبعث الأمر بالصلاة إلیها من مجرّد اللفظ الدالّ علیها ، بل لابدّ من لفظ آخر یدلّ علیها . وحیث إنّ قصد الأمر والإطاعة ونحوهما کالطهارة خارجة عن قوام الصلاة ودخیلة فی المصلحة فلابدّ فی مقام الدلالة من لفظ یدلّ علیها ؛ بأن یقول : صلّ مع قصد الأمر ، ولا یلزم من ذلک محذور أصلاً .
فإذا أحطت خبراً بما ذکـرنا ینقدح لک : أنّ إشکال مفسدة الـدور مـن تقدّم الشیء علیٰ نفسه مندفع مـن رأس ؛ لعـدم الفرق بین أخـذ العناوین العرضیـة ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 175
کالطهارة والاستقبال ونحوهما ، وبین العناوین الطولیة علیٰ مصطلحهم ، کقصد الأمـر ونحوه فی المتعلّق .
بل قد یجب أخذ ما لم تستوف المصلحة من نفس الطبیعة المجرّدة بدونه إذا کان المولیٰ بصدد بیان ما تعلّقت إرادته الجدّیة بها .
الوجه الخامس : أنّه لو اُخذ قصد الأمر فی متعلّقه یلزم اجتماع اللحاظین المتنافیین : اللحاظ الآلی واللحاظ الاستقلالی فی زمان واحد ، وهو محال .
وذلک لأنّ التکلیف إنّما یتعلّق بشیء بعد تصوّر ذلک الشیء ولحاظه بجمیع قیوده ، وإلاّ یلزم الحکم علیٰ ما لم یلحظ ، ومن القیود قصد الأمر ، وحیث إنّ قصد الأمر متوقّف علی الأمر فلابدّ من لحاظه وقصده بالاستقلال .
ولکن حیث إنّ الأمر آلة لإیقاع البعث الخارجی وإیجاده فلابدّ من لحاظه آلة وقنطرة لغیره ، کما هو الشأن فی المعانی الآلیة .
فیلزم من أخذ قصد الأمر فی متعلّق التکلیف أن یلحظ آلیاً واستقلالیاً ، وهو محال ، وما یلزم من وجوده المحال فهو أیضاً محال ؛ فقصد الأمر فی المتعلّق محال .
وفیه : أنّه یظهر وجه ضعف هذا الإشکال ممّا ذکرناه سابقاً ؛ وذلک لأنّ الجمع بین اللحاظین إنّما یلزم ویستحیل إذا کانا فی زمان واحد ، ولا یلزم الجمع بینهما کذلک فیما نحن فیه ؛ لا قبل جعل الحکم وإنشائه علی الموضوع ، ولا عند الإنشاء .
وبالجملة : هناک لحاظات متعدّدة فی آنات متعدّدة ؛ وذلک لأنّ قبل الجعل والإنشاء یتصوّر الموضوع بما له من القیود مستقلاًّ ـ ومنها قصد الأمر ـ من دون أن یکون هناک لحاظ آلی .
ثمّ بعد ذلک إذا تمّت مبادئ الإنشاء ینحدر البعث نحو الطبیعة المقیّدة بقصد الأمر ، وینشأه فی محیط التشریع . وفی هذا اللحاظ حیث یکون الأمر آلة التشریع والبعث یکون ملحوظاً آلیاً ؛ فلم یلزم الجمع بین اللحاظین فی زمان واحد .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 176
وبالجملة : کلّ فعل من الأفعال الاختیاریة ـ حتّی التکلّم ـ لابدّ له من مبادئ تجب عندها وتمتنع دونها .
نعم ، فی بعض الموارد لکثرة الاُنس وکثرة ورودها علی المشاعر یغفل الإنسان عن المبادئ ، کالتکلّم .
ولا فرق فی الأفعال الاختیاریة بین کونها آلیاً فی مقام العمل کالألفاظ ، أو فعلاً استقلالیاً کالأکل والشرب من حیث احتیاجها إلی المبادئ ؛ من التصوّر والتصدیق بالفائدة والشوق أحیاناً والإرادة .
فکما یحتاج الأکل ـ مثلاً ـ إلی المبادئ فکذلک التکلّم یحتاج إلیها أیضاً ، ولکن حیث إنّ الآمر یریٰ أنّ الألفاظ حاکیات فیلاحظها ثانیاً لاستعمالها آلیاً .
مثلاً : قبل إنشاء الزوجیة یلاحظ کلّ من ألفاظ «أنکحت هذه من هذا» مستقلاًّ ، ثمّ یلاحظها بما أنّها آلة لإیقاع علقة الزوجیة .
فظهر : أنّه لم یلزم اجتماع اللحاظین فی آنٍ واحد قبل الإنشاء .
وأمّا عند الإنشاء : فکذلک أیضاً ؛ لما عرفت أنّ إبراز ما لا یکـون مـن مقـوّمات الموضـوع ـ سواء کان قیداً عـرضیاً أو طـولیاً ـ لا یمکن بإلقاء نفس الموضـوع ، بخلاف ما یکون مـن مقوّماتـه ؛ فإنّه بمکان مـن الإمکان ، فلابدّ مـن دالٍّ آخـر یدلّ علیه .
مثلاً : إذا قال : «صلّ بقصد هذا الأمر» فعند قوله : «صلّ» یکون الأمر آلة للبعث وملحوظاً آلیاً . وحینما یقول بقصد هذا الأمر یکون ملحوظاً استقلالیاً .
وکـم له مـن نظیر مـن انقلاب المعنی الآلی الأدوی إلی الاسمـی الاستقلالی بلحاظ مستأنف !
بل کما أشرنا إلیه سابقاً فی المعانی الحرفیة : أنّ غالب القیود الواقعة فی الکلام إنّما هی فی المعانی الحرفیة . مثلاً قولک : «ضربت زیداً أمام الأمیر یوم الجمعة ؛ ضرباً
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 177
شدیداً» لم تقیّد مادّة الضرب وزید بکونهما فی الجمعة ، بل المقیّد هو الضرب علیه ، وهو معنیً حرفی .
وبالجملة : الطریق فی تقیید المعانی الحرفیة هو بأن یلحظ المعنی الحرفی فی وقت التقیید مستقلاًّ وفی صورة المعنی الاسمی .
مثلاً : القید فی قولک : «کنت علی السطح یوم الجمعة» لم یکن قیداً للکون التامّ ، ولا للسطح ، بل للکون الناقص الذی هو الکون علیه ولکن بلحاظه مستقلاًّ بعد أن کان ملحوظاً بالتبع ، فتدبّر جیّداً .
الوجه السادس : ما قرّبه المحقّق العراقی قدس سره ؛ فإنّه بعد أن أجاب عن الوجوه التی استدلّت لامتناع أخذ قصد الامتثال فی متعلّق الأمر قال : إنّ فی المقام وجهاً صحیحاً ینبغی أن یستدلّ به علی الدعوی المذکورة .
وحاصل ما أفاده : هو أنّ لحاظ الموضوع مقدّم علی لحاظ الأمر ، کما أنّ ذات الموضوع مقدّم علی الأمر ولحاظ الأمر مقدّم علی لحاظ قصد الأمر ؛ فلحاظ قصد الأمر متأخّر عن لحاظ الموضوع برتبتین ، ولحاظ الموضوع متقدّم علی لحاظ قصد الأمر کذلک برتبتین .
فإذا اُخذ قصد الأمر فی الموضوع جزءاً أو قیداً یلزم أن یکون الشیء الواحد فی اللحاظ الواحد متقدّماً ومتأخّراً فی اللحاظ ، وهذا سنخ معنیً فی نفسه غیر معقول وجداناً ؛ إمّا للخلف أو لغیره ، کالتهافت والتناقض فی نفس اللحاظ . لا فی الملحوظ حتّیٰ یقال بإمکان لحاظ الاُمور المتناقضة ، انتهی .
وفیه : أنّه کما قرّر فی محلّه أنّ للتقدّم والتأخّر ملاکاً وضابطاً معیّناً ، ولیس فی المقام شیء من ذلک :
أمّا عدم التقدّم والتأخّر الزمانی فواضح . والظاهر : أنّه قدس سره لا یقول بهذا التقدّم
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 178
هنا أیضاً ؛ لأنّ ذات العلّة وإن کانت متقدّمة علی المعلول ، ولکن ـ مع ذلک ـ لا یتقدّم لحاظ العلّة علی لحاظ المعلول زماناً ، هذا .
وأمّا عدم التقدّم العلّی والرتبی : فلوضوح أنّ التقدّم الکذائی إنّما یتصوّر فیما إذا کان هناک ترتّب عقلی أو غیره ، ولا یکون شیء منهما فیما نحن فیه . ولو کان بین اللحاظین ترتّباً یلزم أن یکون لحاظ ما یکون علّة لأمر علّة للحاظ المعلول ، مع أنّه لیس کذلک .
ألا تری أنّ ذات الواجب تعالی علّة للموجودات ، ومع ذلک لا یکون لحاظه تمام العلّة للحاظ الموجودات ، ولا جزء العلّة للحاظها ؟ ! کما هو أوضح من أن یخفیٰ .
فإذن : الترتّب والعلّیة فی ذاتی العلّة والمعلول لا فی لحاظهما ، وإلاّ لو تمّ ما ذکره وثبت الترتّب بین اللحاظین یلزم أن لا یمکن لحاظ الأثر والمعلول قبل المؤثّر والعلّة ؛ فیلزم إنکار البرهان الإنّی وإبطاله ـ لأنّه عبارة عن العلم بالعلّة من ناحیة العلم بالمعلول ـ فتدبّر .
وبالجملة : الوجـدان بل البرهان قائمان علی أنّ تقـدّم الرتبی إذا کان فـی ذاتـی الشیئین لا یوجب ذلک أن یکـون بین لحاظیهما أیضاً ترتّباً . ولـم یأت هـذا المحقّق قدس سرهبما یـدلّ علی الترتّب بین اللحاظین إلاّ مـن ناحیة الترتّب فـی الملحوظین ، وقـد عرفت فساده .
فإذن : لیس الإشکال فی البین إلاّ محذور تقدّم أحد الملحوظین علی الآخر .
وجوابه : هو الذی أفاده قدس سره وأجبنا .
ولعمر الحقّ : إنّ هذا الوجه أوهن وجوه الباب ، ولا ینبغی التوجّه إلیه . والعجب منه قدس سره حیث حصر الإشکال الصحیح فیه .
هذا کلّه فیما یتعلّق بالمورد الأوّل ؛ وهو امتناع أخذ قصد الأمر فی المتعلّق ذاتاً ، وأنّه تکلیف محال . وقد عرفت ـ لعلّه بما لا مزید علیه ـ إمکان أخذه ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 179