المقصد الأوّل فی الأوامر

الجهة الرابعة‏: فی معنی الحقیقی لمادّة الأمر

الجهة الرابعة : فی معنی الحقیقی لمادّة الأمر

‏ ‏

‏بعدما عرفت : أنّ مادّة الأمر موضوعة لمفهوم جامع منتزع من الهیئات‏‎ ‎‏الصادرة من العالی المستعلی ، فیقع الکلام فی أنّ الموضوع له هل هو الجامع المنتزع من‏‎ ‎‏الهیئات الصادرة منه علیٰ نعت الوجوب والإلزام ، أو مطلق ذلک ، وإن لم یصدر علی‏‎ ‎‏نعت الوجوب ؟ وجهان ؛ ولیعلم : أنّ عمدة الدلیل فی المسألة هی التبادر ـ بل هو‏‎ ‎‏الدلیل الوحید فی أمثال ذلک ، کما تقدّم منّا مکرّراً ـ والظاهر تبادر الجامع المنتزع من‏‎ ‎‏الهیئات الصادرة من العالی المستعلی علیٰ نعت الوجوب من مادّة الأمر .‏

‏وربّما یستدلّ لهذا القول بقوله تعالی : ‏‏«‏فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ‎ ‎تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أوْ یُصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ‏»‏‎[1]‎‏ ، وبقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«لولا أن أشقّ علی اُمّتی‎ ‎لأمرتهم بالسواک»‎[2]‎‏ ؛ حیث یکون ظاهراً فی أنّ الأمر یوجب المشقّة والکلفة ، وهذا‏‎ ‎‏مساوق للوجوب ، دون الاستحباب .‏

‏مضافاً إلی أنّ الطلب الاستحبابی وارد فی السواک ، فلو کان ذلک کافیاً فی‏‎ ‎‏صدق الأمر لما صدر منه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ ذلک الکلام .‏

‏إلیٰ غیر ذلک من الآیات والروایات ، إلاّ أنّها مؤیّدات فی المسألة ، کما نبّه علیه‏‎ ‎‏المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‎[3]‎‏ ؛ لأنّها لا تزید عن الاستعمال ، والاستعمال أعمّ من الحقیقة .‏‎ ‎‏والاستعمال إنّما یکون علامة الحقیقة فیما إذا علم المعنی الموضوع له ولم یعلم إرادته من‏‎ ‎‏اللفظ ، لا فیما إذا علم المراد وشکّ فی أنّ المعنی المراد معنیً حقیقی أو مجازی .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 119
‏والسـرّ فی ذلک : هـو أنّ أصالـة الحقیقـة من الاُصـول المرادیـة ، وهی‏‎ ‎‏جاریـة فی مـورد الشکّ فی المراد ، لا فی إحـراز المعنی الحقیقی بعد العلم بالمـراد ، کما‏‎ ‎‏فیما نحن فیه ، فتدبّر .‏

‏ ‏

ذکر وإرشاد

‏ ‏

‏ولا یخفیٰ : أنّ ما ذکرناه کأنّه لا سترة فیه ، إلاّ أنّ للمحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ مقالاً لا‏‎ ‎‏ینبغی صدوره منه ؛ فإنّه ـ بعد أن اختار : أنّ لفظ الأمر حقیقة فی مطلق الطلب ؛‏‎ ‎‏لصدق الأمر علیٰ طلب العالی بلا عنایة ، ولو کان بنحو الندب ، وأیّده بتقسیمه إلی‏‎ ‎‏الوجوب والندب ـ قال : لا شبهة فی ظهوره حین إطلاقه فی خصوص الطلب‏‎ ‎‏الوجوبی ؛ بحیث لو اُرید به الاستحباب لافتقر إلی قرینة ، وهذا فی الجملة ممّا لا‏‎ ‎‏إشکال فیه . وإنّما الإشکال فی منشأ الظهور ، بعد کون الوضع لمطلق الطلب .‏

‏ثمّ تفحّص عن منشأ الظهور : بأنّه هل لغلبة الاستعمال فی الوجوب ، أو هو‏‎ ‎‏قضیة الإطلاق ومقدّمات الحکمة ؟‏

‏وردّ الوجه الأوّل مستشهداً بکثرة استعماله فی الاستحباب ، کما صرّح بذلک‏‎ ‎‏صاحب «المعالم» ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏ ، واختار الوجه الثانی .‏

‏ثمّ حاول تقریبه بوجهین‏‎[5]‎‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 120
‏وفیه : أنّه غیر خفی أنّ محلّ البحث عجالة فی مفهوم مادّة الأمر الموجودة فی‏‎ ‎‏ضمن «أمَر ، یأمر ، وآمر» وهکذا ، لا فی مفهوم الأمر بالصیغة ، وما قاله صاحب‏‎ ‎‏«المعالم» ‏‏قدس سره‏‏ إنّما هو فی الأمر بالصیغة ، لا فی مادّة الأمر ، کما هو واضح . فلاحظه .‏

‏فقد خلط ‏‏قدس سره‏‏ بین مفاد مادّة الأمر وبین مفاد صیغ الأمر ، وهذا منه عجیب .‏

‏کما أنّ مـورد التمسّک بالإطلاق ومقـدّمات الحکمـة إنّما هـو فی الأمـر‏‎ ‎‏بالصیغـة ، لا فی مادّة الأمـر .‏

‏وبعبارة اُخری : مقدّمات الحکمة إنّما هی فی مقام إنشاء الطلب بالصیغة فی مثل‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 121
‏قوله : «أکرم زیداً» ، ولا معنیٰ لجریانها فیما لو قیل : «آمرک بکذا» أو «یأمرک بکذا» ،‏‎ ‎‏ولعلّه أوضح من أن یخفیٰ .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّ الوجهین اللذین ذکراهما غیر تمام فی نفسه ، بل ضعیف .‏‎ ‎‏وسنشیر إلیه فی مستقبل الأمر‏‎[6]‎‏ ، فارتقب .‏

‏وبالجملة : ما ذکره هذا المحقّق ـ علیٰ فرض تمامیّته ـ إنّما هو فی الأمر بالصیغة‏‎ ‎‏لا فی مادّة الأمر ، ومحلّ النزاع عجالةً فی الثانی لا الأوّل ، فما ذکره من باب اشتباه‏‎ ‎‏المفهوم بالمصداق ، والکلام فی المفهوم دون المصداق .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 122

  • )) النور (24) : 63 .
  • )) الفقیه 1 : 34 / 123 ، وسائل الشیعة 1 : 354 ، کتاب الطهارة ، أبواب السواک ، الباب3 ، الحدیث4 .
  • )) کفایة الاُصول : 83 .
  • )) معالم الدین : 48 .
  • )) قلت : وحاصل الوجه الأوّل : هو أنّ الطلب الوجوبی هو الطلب التامّ الذی لا حدّ له من جهة النقص والضعف ، بخلاف الطلب الاستحبابی فإنّه مرتبة من الطلب المحدود بحدّ النقص والضعف .     ولا ریب فی أنّ الوجود غیر المحدود لا یفتقر إلی البیان والإشارة إلیه أکثر ممّا یدلّ علیه ، بخلاف الوجود المحدود فإنّه مفتقر إلیٰ بیان حدّه ، کما هو مفتقر إلی أصله . وعلیٰ هذا یلزم حمل الکلام الذی یدلّ علی الطلب علیٰ ما لا حدّ له ـ وهو الوجوب ـ کما هو الشأن فی کلّ مطلق .     وحاصل الوجه الثانی : هو أنّه لا ریب فی أنّ کلّ من یطلب أمراً من غیره فإنّما یأمره به لأجل إیجاده فی الخارج ؛ فلابدّ وأن یکون طلبه إیّاه فی حدّ ذاته لا قصور فیه فی مقام التوسّل إلی إیجاده .     ولیس ذلک إلاّ الطلب الإلزامی الذی یستلزم امتثاله الثواب وعصیانه العقاب . ولو کان هناک ما یقتضی قصوره عن التأثیر التامّ فی وجود المطلوب ـ ولو لقصور المصلحة الموجبة لطلبه ، أو المانع عنها ـ لوجب أن یطلبه بتلک المرتبة ؛ فإن أشار إلیها فی مقام البیان فهو ، وإلاّ فقد أخلّ فی بیان ما یحصل به غرضه .     فعلیه : یکون إطلاق الأمر دلیلاً علیٰ طلبه الذی یتوسّل به الطالب إلی إیجاد مطلوبه بلا تسامح فیه ، ولیس هو إلاّ الطلب الوجوبی .     ثمّ قال قدس سره : فاتّضح ممّا ذکرنا : أنّ مادّة الأمر وإن لم تکن حقیقة فی الوجوب ولکن بمقتضی الوجهین تکون ظاهرة فیه(أ) ، انتهی ملخّصاً [المقرّر حفظه الله ] .ــــــــــــــــــــــــــأ ـ بدائع الأفکار 1 : 196 ـ 197 .
  • )) یأتی فی الصفحة 146 و 152 .