الجهة الرابعة : فی معنی الحقیقی لمادّة الأمر
بعدما عرفت : أنّ مادّة الأمر موضوعة لمفهوم جامع منتزع من الهیئات الصادرة من العالی المستعلی ، فیقع الکلام فی أنّ الموضوع له هل هو الجامع المنتزع من الهیئات الصادرة منه علیٰ نعت الوجوب والإلزام ، أو مطلق ذلک ، وإن لم یصدر علی نعت الوجوب ؟ وجهان ؛ ولیعلم : أنّ عمدة الدلیل فی المسألة هی التبادر ـ بل هو الدلیل الوحید فی أمثال ذلک ، کما تقدّم منّا مکرّراً ـ والظاهر تبادر الجامع المنتزع من الهیئات الصادرة من العالی المستعلی علیٰ نعت الوجوب من مادّة الأمر .
وربّما یستدلّ لهذا القول بقوله تعالی : «فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أوْ یُصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ» ، وبقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لولا أن أشقّ علی اُمّتی لأمرتهم بالسواک» ؛ حیث یکون ظاهراً فی أنّ الأمر یوجب المشقّة والکلفة ، وهذا مساوق للوجوب ، دون الاستحباب .
مضافاً إلی أنّ الطلب الاستحبابی وارد فی السواک ، فلو کان ذلک کافیاً فی صدق الأمر لما صدر منه صلی الله علیه و آله وسلم ذلک الکلام .
إلیٰ غیر ذلک من الآیات والروایات ، إلاّ أنّها مؤیّدات فی المسألة ، کما نبّه علیه المحقّق الخراسانی قدس سره ؛ لأنّها لا تزید عن الاستعمال ، والاستعمال أعمّ من الحقیقة . والاستعمال إنّما یکون علامة الحقیقة فیما إذا علم المعنی الموضوع له ولم یعلم إرادته من اللفظ ، لا فیما إذا علم المراد وشکّ فی أنّ المعنی المراد معنیً حقیقی أو مجازی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 119
والسـرّ فی ذلک : هـو أنّ أصالـة الحقیقـة من الاُصـول المرادیـة ، وهی جاریـة فی مـورد الشکّ فی المراد ، لا فی إحـراز المعنی الحقیقی بعد العلم بالمـراد ، کما فیما نحن فیه ، فتدبّر .
ذکر وإرشاد
ولا یخفیٰ : أنّ ما ذکرناه کأنّه لا سترة فیه ، إلاّ أنّ للمحقّق العراقی قدس سره مقالاً لا ینبغی صدوره منه ؛ فإنّه ـ بعد أن اختار : أنّ لفظ الأمر حقیقة فی مطلق الطلب ؛ لصدق الأمر علیٰ طلب العالی بلا عنایة ، ولو کان بنحو الندب ، وأیّده بتقسیمه إلی الوجوب والندب ـ قال : لا شبهة فی ظهوره حین إطلاقه فی خصوص الطلب الوجوبی ؛ بحیث لو اُرید به الاستحباب لافتقر إلی قرینة ، وهذا فی الجملة ممّا لا إشکال فیه . وإنّما الإشکال فی منشأ الظهور ، بعد کون الوضع لمطلق الطلب .
ثمّ تفحّص عن منشأ الظهور : بأنّه هل لغلبة الاستعمال فی الوجوب ، أو هو قضیة الإطلاق ومقدّمات الحکمة ؟
وردّ الوجه الأوّل مستشهداً بکثرة استعماله فی الاستحباب ، کما صرّح بذلک صاحب «المعالم» قدس سره ، واختار الوجه الثانی .
ثمّ حاول تقریبه بوجهین .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 120
وفیه : أنّه غیر خفی أنّ محلّ البحث عجالة فی مفهوم مادّة الأمر الموجودة فی ضمن «أمَر ، یأمر ، وآمر» وهکذا ، لا فی مفهوم الأمر بالصیغة ، وما قاله صاحب «المعالم» قدس سره إنّما هو فی الأمر بالصیغة ، لا فی مادّة الأمر ، کما هو واضح . فلاحظه .
فقد خلط قدس سره بین مفاد مادّة الأمر وبین مفاد صیغ الأمر ، وهذا منه عجیب .
کما أنّ مـورد التمسّک بالإطلاق ومقـدّمات الحکمـة إنّما هـو فی الأمـر بالصیغـة ، لا فی مادّة الأمـر .
وبعبارة اُخری : مقدّمات الحکمة إنّما هی فی مقام إنشاء الطلب بالصیغة فی مثل
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 121
قوله : «أکرم زیداً» ، ولا معنیٰ لجریانها فیما لو قیل : «آمرک بکذا» أو «یأمرک بکذا» ، ولعلّه أوضح من أن یخفیٰ .
أضف إلی ذلک : أنّ الوجهین اللذین ذکراهما غیر تمام فی نفسه ، بل ضعیف . وسنشیر إلیه فی مستقبل الأمر ، فارتقب .
وبالجملة : ما ذکره هذا المحقّق ـ علیٰ فرض تمامیّته ـ إنّما هو فی الأمر بالصیغة لا فی مادّة الأمر ، ومحلّ النزاع عجالةً فی الثانی لا الأوّل ، فما ذکره من باب اشتباه المفهوم بالمصداق ، والکلام فی المفهوم دون المصداق .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 122