الجهة الاُولی : فی معنی مادّة الأمر
قـد یقال ـ ولعلّه المعروف بینهم ـ إنّ لفـظ الأمر مشترک لفظـی بین معانـی متعـدّدة ؛ منها الطلب الـذی هـو أمر حـدثی قابل للتصـریف ، وبین غیـره الـذی لیس کذلک . وبلحاظ هذا المعنی الحدثی صحّ منه الاشتقاق .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 109
وقال بعـض آخـر : إنّ لفظ الأمـر مشترک معنـوی بین الطلب وغیـره مـن المعانی .
والذی یقتضیه التحقیق : عدم استقامة کلا القولین ، بل یتعجّب من قائلهما ؛ وذلک لأنّ الذی یشتقّ منه ویکون مادّة المشتقّات ـ کما علیه المحقّقون ـ هو مادّة الأمر غیر المتهیّئة بهیئة ؛ حتّیٰ هیئة المصدریة أو اسمها ؛ أعنی «أ م ر» .
فالموضوع لنفس الطلب هو مادّة «أمر» غیر المتهیّئة . وأمّا الموضوع لسائر المعانی فهو نفس لفظ «الأمر» بمادّته وهیئته . وبعبارة اُخریٰ : لفظ الأمر جامداً وضع لسائر المعانی ، فلم یکن الموضوع هنا شیئاً ولفظاً واحداً حتّیٰ یصحّ أن یقال بأنّه مشترک لفظی أو معنوی بین الطلب وسائر المعانی .
والحاصل : أنّه لا معنـیٰ محصّل لأن یقال : إنّ لفظ الأمر موضوع لمعانی ـ منها الطلب ـ بالاشتراک اللفظـی ، أو لمعنیً جامـع بین المعانـی بالاشتراک المعنوی . أو یقال إنّه بلحاظ هذا المعنیٰ الحدثی صحّ الاشتقاق منه . وذلک لأنّ لفظ الأمـر بما له مـن الهیئة لم یکـن مبدأ للاشتقاق ، بل مادّتـه ـ مـن دون تهیّؤها بهیئـة وصورة ـ مبدأ له ، هذا .
مضافاً إلی أنّ لازم القـول بالاشتراک المعنوی وجـود جامـع ذاتـی بین الحـدث وغیره ، وهـذا ـ مـع أنّه غیر معقـول ـ لا یصـحّ الاشتقاق منه إلاّ بلحاظ المعنی الحـدثی ، وهـو غیر المعنی الجامـع . نعـم یمکن الاشتقاق منـه مجازاً وبالتسامح ، فتدبّر .
فظهر بما ذکرنا : أنّ مادّة الأمر موضوع للحدث اللابشرط الساریة فی جمیع هیئات المشتقّ . ولفظة الأمر بمادّتها وهیئتها موضوعة لسائر المعانی . فالقول بالاشتراک بقسمیه ساقط من أصله .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 110
نعم ، لعلّه ربّما یتوهّم : أنّ غایة الوضع لابدّ وأن تکون بحیث یصحّ التلفّظ بالموضوع مستقلاًّ ، ولا یمکن التلفّظ بمادّة الأمر إلاّ فی ضمن الهیئة .
ولکنّه یندفع بما ذکرنا آنفاً : أنّ مقتضیٰ حکمة الوضع إنّما هی وقوعها فی طریق الإفادة والاستفادة ـ ولو فی ضمن أمر آخر ـ لا التلفّظ بها مستقلاًّ .
ومن الواضح : أنّ مجرّد عدم إمکان التنطّق بها مستقلاًّ لا یوجب الاشتراک اللفظی أو المعنوی ، بل یؤکّد العدم ؛ لکون الموضوع لنفس الحدث هو ما لا یمکن التلفّظ به مستقلاًّ ، وما یمکن التلفّظ به مستقلاًّ موضوع لسائر المعانی .
ولعلّ منشأ القول بالاشتراک بقسمیه هو قول القدماء القائلین بأنّ المصدر أصل المشتقّات ، فتبعهم من لم یوافقهم فی المبنیٰ ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 111