الأمر الرابع عشر فـی المشتـق

الجهة الثالثة عشر فی الفرق بین المشتقّ ومبدئه

الجهة الثالثة عشر فی الفرق بین المشتقّ ومبدئه

‏ ‏

‏قد اشتهر بینهم : أنّ الفرق بین المشتقّ ومبدئه هو أنّ المشتقّ قابل للحمل ،‏‎ ‎‏بخلاف مبدئه فإنّه غیر قابل له .‏

‏ولا یخفیٰ : أنّ هذا أمر واضح لا یحتاج إلی الذکر . وما یحتاج إلی الذکر ویکون‏‎ ‎‏عمدة ما فی الباب هو بیان سرّ ذلک .‏

‏وممّن أشار إلـی ذلک الأمر البدیهی المحقّق الخـراسانی ‏‏قدس سره‏‏ ؛ حیث قال : إنّ‏‎ ‎‏الفـرق بین المشتقّ ومبـدئه مفهوماً هـو أنّه بمفهومه لا یأبـی عن الحمل علـی ما‏‎ ‎‏تلبّس بالمبـدأ ، بخـلاف المبـدأ ؛ فإنّه یأبـی عـن ذلک ، بل إذا قیس إلیـه کان غیـره‏‎ ‎‏لا هو هو‏‎[1]‎‏ ،انتهیٰ ملخّصاً .‏

‏ولو اکتفیٰ بهذا المقدار کان کلامه مجملاً قابلاً للحمل علی الصحّة ، وإن لم یکن‏‎ ‎‏مفیداً ؛ لما أشرنا أنّ قابلیة حمل المشتقّ لیست مجهولة ، وکذا عدم قابلیة حمل المبدأ ؛‏‎ ‎‏فکان علیه بیان لِمّیة قابلیة حمل ذلک وعدم قابلیة هذا .‏

‏ولکـن قال بعـد ذلک : وإلی هـذا یرجـع ما ذکـره أهل المعقول‏‎[2]‎‏ فـی الفـرق‏‎ ‎‏بینهما : مـن أنّ المشتقّ یکـون لا بشـرط ، والمبـدأ یکون بشـرط لا . . . إلی آخـره‏‎[3]‎‏ .‏

‏وهو ـ مضافاً إلی عدم انحلال العُقدة به ـ غیر صحیح فی نفسه ؛ لأنّ المبدأ‏‎ ‎‏والمادّة لابدّ وأن تکون موجودة فی جمیع المشتقّات بتمامه وکماله ، وإلاّ لم یکن ما‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 97
‏فرضت مادّةٌ مادّةً . فإذا وجد فیها یلزم الجمع بین المتباینین ؛ لأنّ المبدأ ـ حسب‏‎ ‎‏الفرض ـ کان بشرط لا ، فکیف یطرأ علیه اللا بشرطیة . ومقتضی کون المشتقّ‏‎ ‎‏لابشرط هی أنّه لا یکون بحسب ذاته بشرط لا .‏

وبالجملة :‏ إذا کانت المادّة بشرط لا ، وهی مأخوذة فی المشتقّ اللابشرط‏‎ ‎‏یجتمع فیه المتنافیان ؛ لاقتضاء أحدهما الحمل والآخر عدمه .‏

‏والقـول بأنّ الهیئـة تقلب المادّة التی تکـون بشرط لا إلی اللابشـرط ،‏‎ ‎‏لامحصّل له .‏

‏نعم ، إن أراد بذلک استعمال المادّة فی ضمن هیئة المشتقّ فی الماهیة اللابشرط‏‎ ‎‏مجازاً وإن کان له معنیً محصّلاً إلاّ أنّه کرٌّ علیٰ ما فرّ ، وهدم لدعوی الفرق بین المبدأ‏‎ ‎‏والمشتقّ ، کما لا یخفیٰ .‏

وبالجملة :‏ مبدأ المشتقّات إن کان بشرط لا فلازمه أحد أمرین : إمّا کون‏‎ ‎‏المشتقّات بشرط لا وغیر قابل للحمل إذا کان المبدأ موجوداً فیها ، أو عدم کون المبدأ‏‎ ‎‏مبدأ للمشتقّات إذا لم یوجد المبدأ بتمامه فیها ، وتجرید المبدأ عن بشرط اللائیة .‏‎ ‎‏وکلاهما خلاف الوجدان .‏

والتحقیق فی الفرق بینهما هو أن یقال :‏ إنّ مادّة المشتقّات ومبدأها موضوعة‏‎ ‎‏لمعنیً وعنوان مبهم من جمیع الجهات ، ولا تحصّل لها أصلاً ، وتحصّلها إنّما تکون بمعانی‏‎ ‎‏الهیئات . کما أنّ نفس المادّة ولفظها أیضاً مبهم کذلک ، وتحصّلها بالهیئة الطارئة علیها .‏

‏وما هذا شأنه من حیث المعنیٰ واللفظ ویکون ساریاً فی جمیع المشتقّات لابدّ‏‎ ‎‏وأن یکون عاریاً من جمیع الصور والهیئات ، فلا تکاد تتّصف مع هذا الانغمار فی‏‎ ‎‏الإبهام وعدم التحصّل بقابلیة الحمل أو عدمها ، إلاّ علیٰ نحو السلب التحصیلی ، لا‏‎ ‎‏الإیجاب العدولی أو السالبة المحمول ؛ لعدم شیئیة لها بنحو التحصّل والاستقلال . فهی‏‎ ‎‏مع کلّ مشتقّ متحصّلة بنحو من التحصّل .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 98
‏وأمّا هیئات المشتقّات الاسمیة : فقد عرفت أنّها موضوعة للمعنون بما هو‏‎ ‎‏معنون ، وقد عرفت أنّ المادّة موضوعة للعنوان المبهم بالحمل الشائع . فإذا اتّحدت مع‏‎ ‎‏الهیئة الموضوعة لإفادة معنونیة شیءٍ ما بالمبدأ فتتحصّل بها ، فیصلح بذلک للحمل .‏

فحاصل الفرق بین المشتقّ ومبدئه : ‏هو أنّ المبدأ هو العنوان المبهم من جمیع‏‎ ‎‏الجهات ولا تحصّل له أصلاً ، والمشتقّ عنوان متحصّل .‏

‏ثمّ إنّ الفرق بین المصدر ـ لو کان مفاده الحدث اللابشرط ـ وبین مبدأ‏‎ ‎‏الاشتقاق لا یکون معنویاً ، وإنّما هو لفظیاً . وذلک لأنّه قد عرفت آنفاً أنّ مبدأ‏‎ ‎‏الاشتقاق هو العنوان المبهم من جمیع الجهات ، ولا تحصّل له أصلاً . وأمّا المصدر‏‎ ‎‏فقدعرفت سابقاً ـ عند التکلّم فی مبدأ المشتقّات ـ أنّ هیئته کهیئة اسمه وضعت‏‎ ‎‏لإمکان التنطّق بالمادّة ، فالمصدر هو الحدث المتحصّل .‏

فظهر :‏ أنّ الفرق بینهما ـ بعد اشتراکهما فی المعنیٰ ؛ وهـو الحـدث اللابشرط ـ أنّ‏‎ ‎‏مبـدأ الاشتقاق هـو المعنی المبهم غیر المتحصّل ، بخـلاف المصـدر فإنّه الحدث‏‎ ‎‏المتحصّل ، فتدبّر .‏

‏ولعلّه بما ذکرنا یظهر الفرق بین المصدر وسائر المشتقّات الاسمیة ؛ فإنّ المصدر‏‎ ‎‏لا تحصّل له إلاّ من جهة اللفظ والتنطّق بالمادّة ، بخلاف سائر المشتقّات فإنّها تحکی‏‎ ‎‏عن معنونیة الشیء بالعنوان .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 99

  • )) کفایة الاُصول : 74 ـ 75 .
  • )) الحکمة المتعالیة 2 : 16 ـ 46 ، شرح المنظومة (قسم الحکمة) : 99 .
  • )) کفایة الاُصول : 74 ـ 75 .