الجهة الثالثة عشر فی الفرق بین المشتقّ ومبدئه
قد اشتهر بینهم : أنّ الفرق بین المشتقّ ومبدئه هو أنّ المشتقّ قابل للحمل ، بخلاف مبدئه فإنّه غیر قابل له .
ولا یخفیٰ : أنّ هذا أمر واضح لا یحتاج إلی الذکر . وما یحتاج إلی الذکر ویکون عمدة ما فی الباب هو بیان سرّ ذلک .
وممّن أشار إلـی ذلک الأمر البدیهی المحقّق الخـراسانی قدس سره ؛ حیث قال : إنّ الفـرق بین المشتقّ ومبـدئه مفهوماً هـو أنّه بمفهومه لا یأبـی عن الحمل علـی ما تلبّس بالمبـدأ ، بخـلاف المبـدأ ؛ فإنّه یأبـی عـن ذلک ، بل إذا قیس إلیـه کان غیـره لا هو هو ،انتهیٰ ملخّصاً .
ولو اکتفیٰ بهذا المقدار کان کلامه مجملاً قابلاً للحمل علی الصحّة ، وإن لم یکن مفیداً ؛ لما أشرنا أنّ قابلیة حمل المشتقّ لیست مجهولة ، وکذا عدم قابلیة حمل المبدأ ؛ فکان علیه بیان لِمّیة قابلیة حمل ذلک وعدم قابلیة هذا .
ولکـن قال بعـد ذلک : وإلی هـذا یرجـع ما ذکـره أهل المعقول فـی الفـرق بینهما : مـن أنّ المشتقّ یکـون لا بشـرط ، والمبـدأ یکون بشـرط لا . . . إلی آخـره .
وهو ـ مضافاً إلی عدم انحلال العُقدة به ـ غیر صحیح فی نفسه ؛ لأنّ المبدأ والمادّة لابدّ وأن تکون موجودة فی جمیع المشتقّات بتمامه وکماله ، وإلاّ لم یکن ما
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 97
فرضت مادّةٌ مادّةً . فإذا وجد فیها یلزم الجمع بین المتباینین ؛ لأنّ المبدأ ـ حسب الفرض ـ کان بشرط لا ، فکیف یطرأ علیه اللا بشرطیة . ومقتضی کون المشتقّ لابشرط هی أنّه لا یکون بحسب ذاته بشرط لا .
وبالجملة : إذا کانت المادّة بشرط لا ، وهی مأخوذة فی المشتقّ اللابشرط یجتمع فیه المتنافیان ؛ لاقتضاء أحدهما الحمل والآخر عدمه .
والقـول بأنّ الهیئـة تقلب المادّة التی تکـون بشرط لا إلی اللابشـرط ، لامحصّل له .
نعم ، إن أراد بذلک استعمال المادّة فی ضمن هیئة المشتقّ فی الماهیة اللابشرط مجازاً وإن کان له معنیً محصّلاً إلاّ أنّه کرٌّ علیٰ ما فرّ ، وهدم لدعوی الفرق بین المبدأ والمشتقّ ، کما لا یخفیٰ .
وبالجملة : مبدأ المشتقّات إن کان بشرط لا فلازمه أحد أمرین : إمّا کون المشتقّات بشرط لا وغیر قابل للحمل إذا کان المبدأ موجوداً فیها ، أو عدم کون المبدأ مبدأ للمشتقّات إذا لم یوجد المبدأ بتمامه فیها ، وتجرید المبدأ عن بشرط اللائیة . وکلاهما خلاف الوجدان .
والتحقیق فی الفرق بینهما هو أن یقال : إنّ مادّة المشتقّات ومبدأها موضوعة لمعنیً وعنوان مبهم من جمیع الجهات ، ولا تحصّل لها أصلاً ، وتحصّلها إنّما تکون بمعانی الهیئات . کما أنّ نفس المادّة ولفظها أیضاً مبهم کذلک ، وتحصّلها بالهیئة الطارئة علیها .
وما هذا شأنه من حیث المعنیٰ واللفظ ویکون ساریاً فی جمیع المشتقّات لابدّ وأن یکون عاریاً من جمیع الصور والهیئات ، فلا تکاد تتّصف مع هذا الانغمار فی الإبهام وعدم التحصّل بقابلیة الحمل أو عدمها ، إلاّ علیٰ نحو السلب التحصیلی ، لا الإیجاب العدولی أو السالبة المحمول ؛ لعدم شیئیة لها بنحو التحصّل والاستقلال . فهی مع کلّ مشتقّ متحصّلة بنحو من التحصّل .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 98
وأمّا هیئات المشتقّات الاسمیة : فقد عرفت أنّها موضوعة للمعنون بما هو معنون ، وقد عرفت أنّ المادّة موضوعة للعنوان المبهم بالحمل الشائع . فإذا اتّحدت مع الهیئة الموضوعة لإفادة معنونیة شیءٍ ما بالمبدأ فتتحصّل بها ، فیصلح بذلک للحمل .
فحاصل الفرق بین المشتقّ ومبدئه : هو أنّ المبدأ هو العنوان المبهم من جمیع الجهات ولا تحصّل له أصلاً ، والمشتقّ عنوان متحصّل .
ثمّ إنّ الفرق بین المصدر ـ لو کان مفاده الحدث اللابشرط ـ وبین مبدأ الاشتقاق لا یکون معنویاً ، وإنّما هو لفظیاً . وذلک لأنّه قد عرفت آنفاً أنّ مبدأ الاشتقاق هو العنوان المبهم من جمیع الجهات ، ولا تحصّل له أصلاً . وأمّا المصدر فقدعرفت سابقاً ـ عند التکلّم فی مبدأ المشتقّات ـ أنّ هیئته کهیئة اسمه وضعت لإمکان التنطّق بالمادّة ، فالمصدر هو الحدث المتحصّل .
فظهر : أنّ الفرق بینهما ـ بعد اشتراکهما فی المعنیٰ ؛ وهـو الحـدث اللابشرط ـ أنّ مبـدأ الاشتقاق هـو المعنی المبهم غیر المتحصّل ، بخـلاف المصـدر فإنّه الحدث المتحصّل ، فتدبّر .
ولعلّه بما ذکرنا یظهر الفرق بین المصدر وسائر المشتقّات الاسمیة ؛ فإنّ المصدر لا تحصّل له إلاّ من جهة اللفظ والتنطّق بالمادّة ، بخلاف سائر المشتقّات فإنّها تحکی عن معنونیة الشیء بالعنوان .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 99