الأمر الرابع عشر فـی المشتـق

تقریب المحقّق الشریف لبساطة المشتقّ وتزییفه

تقریب المحقّق الشریف لبساطة المشتقّ وتزییفه

‏ ‏

‏ثمّ إنّه یحکیٰ عن المحقّق الشریف : أنّه أقام برهاناً علی بساطة المشتقّ : بأنّه‏‎ ‎‏یمتنع أخذ الشیء والذات فی المشتقّ ؛ وذلک لأنّ المأخوذة فیه :‏

‏إمّا مفهوم الشیء ، وهو عرض عامّ ولازمه أخذ العرض العامّ فی الفصل فی‏‎ ‎‏قولک : «الإنسان ناطق» ، فیدخل مفهوم الشیء فی الناطق ، الذی هو فصل مقوّم‏‎ ‎‏للإنسان . ولا یعقل دخول العرضی فی الذاتی .‏

‏أو ما صدق علیه الشیء ؛ فیلزم انقلاب القضیة الممکنة إلی القضیة الضروریة‏‎ ‎‏فی قولک : «الإنسان ضاحک» ؛ فإنّ الشیء الذی به الضحک هو الإنسان ، وثبوت‏‎ ‎‏الشیء لنفسه ضروری ؛ وذلک لأنّ المصداق الذی ثبت له الضحک فی المثال لیس هو‏‎ ‎‏إلاّ الإنسان . فیرجع الأمر فی القضیة الحملیة إلی ثبوت الإنسان للإنسان ، ومن المعلوم‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 91
‏أنّ ثبوت الشیء لنفسه ضروری ، فینقلب القضیة من الإمکان إلی الضرورة‏‎[1]‎‏ .‏

وفیه أوّلاً :‏ أنّه لو تمّ ما أفاده فإنّما یکون دلیلاً علیٰ عدم أخذ الذات فی المشتقّ ،‏‎ ‎‏لا علیٰ بساطته ؛ لأنّه من الممکن أن یقال : إنّ مفاد المشتقّ الحدث المنتسب إلی‏‎ ‎‏الذات ، کما ذهب إلیه المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ، کما تقدّم آنفاً .‏

وثانیاً :‏ أنّه إن أراد بقوله : «ذلک» أنّه یلزم من ذلک دخول العرض العامّ فی‏‎ ‎‏الذاتی ، والانقلاب فی الواقع ونفس الأمر ، فواضح أنّ مجرّد أخذ الشیء فی معرّفیة‏‎ ‎‏شیء لا یلزم أن یکون المعرّف ـ بالفتح ـ کذلک ، ولا یکون ذلک ممتنعاً .‏

‏وبعبارة اُخـریٰ : لا یلزم مـن کـون المشتقّ موضـوعاً لـذات ثبت لـه المبدأ‏‎ ‎‏امتناع ذاتی ، والممتنع هو انقلاب الإمکان الواقعی إلی الضرورة ، ودخالة العرضی فی‏‎ ‎‏الذاتی کذلک .‏

‏وغایة ما یتوجّه علی القائل بأخذ الشیء فی مفهوم المشتقّ : هی عدم صحّة‏‎ ‎‏الحمل فی «زید ضاحک» مثلاً ، إلاّ بالتجرید ، فیکون مرجع ما ذکره إلی أنّ ما قاله‏‎ ‎‏المنطقیون والمتبادر عندهم هو عدم أخذ الذات فی المشتقّ .‏

‏فالأولیٰ فی تقریب استدلاله أن یقال : إنّه لو اُخذ مفهوم الشیء والذات فی‏‎ ‎‏المشتقّ یلزم عدم صحّة معرّفیة الناطق ، الذی یکون فصلاً ممیّزاً . وإن اُخذ ما صدق‏‎ ‎‏علیه الذات یلزم أن لا تکون القضیة موجّهة بالإمکان أصلاً ، بل بالضرورة دائماً .‏

‏فیرجـع حاصل الکـلام إلی التبادر ، وهـو : أنّه لـو کان مفهوم الشیء معتبراً‏‎ ‎‏فی المشتقّ یلزم أن لا یجعل المنطقی الناطق معرّفاً للإنسان . ولـو اعتبر فیه ما صـدق‏‎ ‎‏علیه الشیء یلزم أن لا یوجّه القضیة بالإمکان . والتبادر قاضٍ بصحّة کلیهما ، فلم‏‎ ‎‏تکن المسألة مبنیة علی الدلیل العقلی ، فتدبّر .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 92
وثالثاً :‏ أنّ غایة ما تقتضیه مقالته هی عدم أخذ الذات فی المشتقّ ، لا امتناع‏‎ ‎‏جعل المشتقّ معرّفاً ، مع أنّ المحذور الذی یلزم علیه یکون أشدّ من ترکّب المشتقّ .‏‎ ‎‏وذلک لأنّ الناطق ـ مثلاً ـ مشتقّ ، وله مبدأ ـ وهو الحدث أو ما بحکمه ـ فلو جعل‏‎ ‎‏معرّفاً لماهیة جوهریة بما لها من المعنیٰ یلزم أن یکون المعنی الحدثی من الجواهر ،‏‎ ‎‏وذلک لا یعقل .‏

‏وبالجملة : لو کان المشتقّ عبارة عن الحدث اللابشرط ـ وقد یظهر منه دخول‏‎ ‎‏الانتساب فیه ـ فالمحذور العقلی الذی توهّمه علیٰ تقدیر أخذ الذات فی المشتقّ یلزمه‏‎ ‎‏بنحو أشدّ ؛ لأنّ المبدأ اللابشرط من الأحداث ، فلازم جعله معرّفاً لماهیة جوهریة هو‏‎ ‎‏کون الجوهر حدثاً ، وکون المعنی الحدثی من مقولة الجوهر ، وکلاهما غیر معقولین .‏

‏والذی یسهّل الخطب : عدم لزوم محذور عقلی وانقلاب واقعی لو اُخذت‏‎ ‎‏الذات فی المشتقّ ، بل غایة ما هناک هی کونها خلاف التبادر .‏

‏بل یمکن أن یقال ـ مـع الغضّ عمّا ذکرنا ـ إنّ ما ذهبنا إلیه ـ مـن کـون المتبادر‏‎ ‎‏مـن المشتقّ المعنی المبهم القابل للانحلال ـ أولـیٰ مـن کونه الحـدث اللابشرط ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الحـدّ ینبغی أن یکون تامّاً ، وذلک إنّما یکـون إذا عرفت الهیئة علـیٰ ما هی علیه فی‏‎ ‎‏نفس الأمـر . فإن تخلّف المعـرّف ـ بالکسر ـ عـن إراءة الواقـع فـی حیثیة مـن‏‎ ‎‏الحیثیات ، وعـدم معرّفیة الماهیة ـ بالفتح ـ علی ما هـی علیها فـی الواقـع ، یکون‏‎ ‎‏حدّاً ناقصاً ، هذا .‏

‏وقد ثبت فی محلّه : أنّ ترکّب الجنس والفصل اتّحادی لا انضمامی ؛ لأنّ الهیولی‏‎ ‎‏الاُولی ـ کما أشرنا آنفاً ـ إذا انسلکت وتوجّهت إلیٰ کمالاتها تتوارد علیها صور طولیة‏‎ ‎‏ـ من الصور العنصریة والجمادیة والنباتیة والإنسانیة ـ تکون فی کلّ مرتبة عین‏‎ ‎‏صورتها ، لا أنّها شیءٌ انضمّ إلیها الصورة .‏

‏وبعبارة أوضح : تتبدّل القوّة إلی الفعلیة ، لا أنّها قوّة انضمّت إلیها الفعلیة .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 93
وبالجملة :‏ المادّة الاُولی هی الحصّة المتبدّلة إلی فعلیة وصورة ، ومنها إلیٰ فعلیة‏‎ ‎‏وصورة اُخریٰ ، إلی أن تصل إلی صورة وفعلیة لا تکون فوقها صورة ، وهی جامعة‏‎ ‎‏لجمیع فعلیات المراتب الأوّلیة علیٰ نعت الجمعیة والبساطة . فالإنسان هو الموجود‏‎ ‎‏الفعلی الذی تبدّل إلیه الهیولی الاُولیٰ . فحکایة الإنسان علیٰ ما هو علیه إنّما یکون‏‎ ‎‏بحکایة الهیولی المتبدّلة إلی الصورة الإنسانیة . والحاکیة عن هذه هو الفصل التامّ‏‎ ‎‏ـ الذی عبارة عن الناطق ـ فإنّه الذی یحکی عن اتّحاد المادّة المبهمة مع الصورة‏‎ ‎‏والهیولی المتحصّلة بصورة الناطقیة . فالذات المبهمة اُخذت علیٰ نحو الوحدة مع‏‎ ‎‏العنوان فی المشتقّ ، وواضح أنّ هذا إنّما یکون إذا کان المشتقّ هو المعنی المبهم القابل‏‎ ‎‏للانحلال ، لا الماهیة اللابشرط ؛ فإنّها لا تحکی الواقع علیٰ ما هو علیه ؛ بداهة عدم‏‎ ‎‏حکایتها عن اتّحاد الهیولیٰ مع الصورة ، تدبّر جیّداً .‏

‏ثمّ إنّه أضف إلیٰ ما ذکرنا کلّه : أنّ الحقّ ـ کما علیه المحقّقون وثبت فی محلّه ـ أنّ‏‎ ‎‏الناطق ـ سواء اُرید منه المتکلّم أو المدرک للکلّیات ـ لا یصحّ أن یکون حدّاً وفصلاً‏‎ ‎‏ممیّزاً للإنسان‏‎[2]‎‏ .‏

هذا کلّه‏ بالنسبة إلی الشقّ الأوّل من کلامه ؛ وهو لزوم أخذ العرض العامّ فی‏‎ ‎‏الفصل علیٰ تقدیر أخذ مفهوم الشیء فی المشتقّ .‏

وأمّا بالنسبة إلی الشقّ الثانی من کلامه ؛‏ من انقلاب القضیة الممکنة إلی‏‎ ‎‏الضروریة علیٰ تقدیر أخذ ما صدق علیه الشیء فی المشتقّ .‏

ففیه أوّلاً :‏ کما أشرنا أنّه لا یلزم من ذلک انقلاب مادّة الإمکان إلی الضرورة فی‏‎ ‎‏الواقع ونفس الأمر ، بل غایته کونه خلاف المتبادر منه .‏

وثانیاً :‏ أنّه لا یکون ذلک علی تقدیره إشکالاً عقلیاً فی المسألة کما هو المدّعی‏‎ ‎‏بل خلاف التبادر .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 94
وثالثاً :‏ ـ وهو العمدة ـ أنّ الانقلاب إنّما یلزم لو کانت الذات مأخوذة فی‏‎ ‎‏المشتقّ تفصیلاً ؛ بحیث یکون قولنا : «زید ضارب» مثلاً إخبارین : أحدهما الإخبار‏‎ ‎‏عن کون زید زیداً ، وثانیهما الإخبار عن کونه ضارباً . وقد أشرنا أنّ الترکیب فی‏‎ ‎‏المشتقّ انحلالی ؛ فلا یلزم ذلک ؛ لأنّ الضارب ـ مثلاً ـ اسم فاعل حاکٍ عن الفاعل‏‎ ‎‏بما أنّه فاعل ، ولا یشکّ أنّ حیثیة الفاعلیة لا تکون ضروریة للإنسان .‏

ورابعاً :‏ لو سلّم أخذ الذات فی المشتقّ تفصیلاً فإنّما یلزم ذلک لو کان ذلک‏‎ ‎‏إخبارین وقضیتین :‏

‏أحداهما ممکنة ، والاُخری ضروریة . وأمّا إذا کان إخباراً عن الذات التی له‏‎ ‎‏المبدأ ـ کما هو الظاهر ـ فلا تنحلّ إلی قضیتین خبریتین ، بل قضیة واحدة ؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏القائل بأنّ زیداً شیء له القیام ما أخبر إلاّ عن ثبوت القیام له ، لا عن شیئیته .‏

وخامساً :‏ لو فرض أنّ ذلک إخباران وقضیتان : إحداهما ضروریة والاُخریٰ‏‎ ‎‏ممکنة فأین الانقلاب ، فتدبّر جیّداً .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 95

  • )) شرح المطالع : 11 / السطر الأوّل من الهامش ، کفایة الاُصول : 70 ـ 71 ، بدائع الأفکار ، المحقّق الرشتی : 174 / السطر 8 .
  • )) الحکمة المتعالیة 2 : 25 ـ 37 ، شرح المنظومة (قسم الحکمة) : 100 .