فائدة نفیسة : فی المراد من «اللا بشرطیة» و «البشرط اللائیة»
لو ثبتت الهیولی الاُولی : ـ کما هو مذهب المشّائین وأنّها هی التی تتصوّر بصور العنصریة والنباتیة والحیوانیة والإنسانیة ، وتتّحد مع کلّ صورة ؛ اتّحاداً حقیقیاً ـ فقد تقف عند صورة ولا تتعدیها .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 84
وقد لا تقف عندها ، بل تتدرّج فی طریق الاستکمال بالحرکة الجوهریة ، إلی أن یفاض علیها صورة اُخری ، فیقف عند الصورة النباتیة .
وقد تتجاوزها إلی صورة الحیوانیة ، فتقف عندها .
وقد لا تقف عندها أیضاً ، بل تفیض علیها صـورة الإنسانیة التـی ینتهی إلیها العالم الطبیعی ، وهـی أکمل الموجـودات الکونیة ؛ ولـذا کان الإنسان أشـرف المخلوقات الکونیة .
ولعلّ المراد بقوله تعالی : «خُلِقَ الإِنْسانُ ضَعِیفاً» هو أنّه کان الإنسان فی ابتداء أمره وخلقه هیولیٰ صرفة وقوّة محضة ، فقد رقّت فی طریق الاستکمال وقطع المنازل ، إلی أن اُفیضت علیه صورة الإنسانیة .
والحاصل : أنّ الهیولیٰ قد تقطع جمیع المراحل والمنازل الطبیعیة بالحرکة الجوهریة ، وتصل إلیٰ صورة لا تکون فوقها صورة طبیعیة ـ وهی الصورة الإنسانیة ـ وقد تقف دونها . فقطعها المراحل طویل وقصیر .
فلو اُرید : حکایة الواقع وإراءته علی ما هو علیه فالحاکی عمّا لا تقف بصورة ، بل لا بشرط عن تطوّرها وتصوّرها هو اللا بشرط . والحاکی عنها بلحاظ وقوفها بصورة ، یقال لها بشرط لا .
فظهر : أنّ العناوین والمفاهیم هی ترسیم الواقع وتبیین صورته ؛ فالعنوان الحاکی عمّا هو الساری اللابشرط عن تصوّرها بصورة یعبّر عنها بـ «اللا بشرط» ، والحاکی عنه بلحاظ وقوفها عند صورة «بشرط لا» .
فاللابشرطیة أو البشرط اللائیة تابعة للواقع وحاکیة عنه . فالأجناس والفصول مأخذهما المادّة والصورة المتّحدتان فی نفس الأمر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 85
إذا تمهّد لک ما ذکرنا : ففیما نحن فیه ـ أی فی العناوین الاشتقاقیة ـ لا تکون الماهیة مصحّحة للحمل بمجرّد اعتبار المعتبر اللا بشرط جزافاً ، بل إنّما هو لأجل أنّها حاکیة لحیثیة بها صار المشتقّ قابلاً للحمل ، بعدما کان نفس الحدث غیر قابل له وغیر متّحد مع الذات فی نفس الأمر . فصحّة الحمل وقابلیته فی المشتقّ تابعة لحیثیة زائدة علی نفس الحدث المدلول علیه بالمادّة .
فتحقّق : أنّه یکون لکلّ من المادّة والهیئة معنیً غیر ما للآخر : أمّا المادّة فدلالتها علیٰ نفس الحدث ، وأمّا الهیئة فتدلّ علیٰ معنیً آخر به صار مستحقّاً للحمل ، وهذا غیر الترکیب الانحلالی .
فظهر بما ذکرنا کلّه : أنّ القول بکون المشتقّ بسیطاً محضاً لا یقبل الانحلال ساقط ، کما أنّ القول بکونه مرکّباً ترکیباً نظیر ترکیب «غلام زید» باطل .
فالحقّ : أنّ فی المسألة فی الواقع ونفس الأمر قولاً واحداً ؛ فمن قال بالبساطة الحقیقیة أو قال بالترکیب الحقیقی فقد أخطأ ، فتدبّر .
فبعد أن ظهر لک أنّ مفهوم المشتقّ واحد انحلالی : یقع الکلام فی أنّه هل ینحلّ إلی الذات والحدث والنسبة ، أو الحدث والنسبة ، أو النسبة والذات ؟ فنقول :
اختار المحقّق العـراقی قدس سره ـ بعـد ذکـر أقوال فـی المسألـة ، وأنهاها إلـی أربـع ـ أنّ المشتقّ عبارة عـن الحـدث المنتسب إلـیٰ ذاتٍ ما ؛ بمعنـی أنّ الحـدث
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 86
ونسبتـه یکـونان مدلولین للفظ المشتـقّ . وأمّا دلالتـه علی الـذات المنتسب إلیها الحـدث فبالملازمة العقلیة . واحتجّ لمقاله بأمرین :
الأوّل : أنّ المتبادر من لفظ المشتقّ هو المبدأ المتّحد مع الذات .
والثانی : أنّ المشتقّ له مادّة وهیئة ، وکلّ منهما موضوع للدلالة علیٰ معنیً غیر ما للآخر . والمادّة تدلّ علی المبدأ ، والهیئة تدلّ علی انتساب مدلول المادّة إلی ذاتٍ ما .
ثمّ أورد علیٰ نفسه : بأنّه یمکن أن یقال : إنّ الهیئة دالّة علی الذات المنتسب إلیها المبدأ .
فأجاب : بأنّ ما ثبت بالاستقراء والفحص فی اللغة العربیة أنّ الهیئات التی تدلّ علیٰ معنیً ما دائماً یکون مدلولها شیئاً من النسب التی تلحق المعانی الاسمیة ، وهذا الاستقراء یوجب القطع بکون هیئة المشتقّ لم تشذّ عن طریقة أمثالها بالوضع للدلالة علی معنیً اسمی مستقلّ ، فلم یبق فی البین ما یدلّ علی الذات .
ونتیجة جمیع ذلک : هو أنّ المشتقّ یدلّ علی المبدأ المنتسب إلی ذاتٍ ما بالمطابقة ، وعلی الذات بالاستلزام العقلی ، انتهی .
أقول : لا یخفیٰ أنّ مراده قدس سره بقوله : «إنّ الهیئة دالّة علی انتساب مدلول المادّة إلی ذاتٍ ما» هو الحدث المنتسب ، ففی العبارة قصور ، فتدبّر .
وکیف کان : یرد علی ما أفاده :
أوّلاً : أنّ ما ذکره أوّلاً غیر مطابق لمدّعاه ؛ لأنّ مدّعاه : هو أنّ المشتقّ دالّ علی الحدث المنتسب ؛ بحیث تکون النسبة والحدث مدلولی اللفظ ، وأمّا الذات فمدلول علیها بالعقل . وما ادّعاه هو تبادر المبدأ المتّحد مع الذات من لفظ المشتقّ ، وواضح : أنّ اتّحاد المبدأ مع الذات غیر انتساب المبدأ الیها ، کما لا یخفیٰ .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 87
وثانیاً : أنّ الاستقراء علیٰ خلاف مراده أدلّ ؛ وذلک لأنّ الهیئات علیٰ قسمین : هیئة إفرادی ، وهیئة جُملی .
وواضح : أنّ هیئات المفردة علیٰ قسمین : إمّا فعل أو اسم ، وما یدلّ علی الانتساب هو هیئتا الماضی والمضارع فقط ، وهیئة الأسماء المشتقّة عبارة عن هیئتی اسمی الفاعل والمفعول ، واسمی الآلة والمکان ، وصیغ المبالغة والصفة المشبّهة ، إلی غیر ذلک .
فإذا کانت هیئات المشتقّات ـ التی هی محلّ النزاع ـ أکثر ممّا یدلّ علی الانتساب فکیف یصحّ إلحاق هیئات الأسماء المشتقّة بهیئات الأفعال ، ویقال : إنّ مقتضی الاستقراء والفحص فی اللغة تدلّ علی أنّ الهیئات التی تدلّ علیٰ معنیً ما دائماً یکون مدلولها شیئاً من النسب ؟ !
وأمّا فی هیئات الجمل : فقسم منها ـ وهو الکثیر منها ـ لا تدلّ علی النسبة أصلاً ، بل تدلّ علی الهوهویة والاتّحاد ، وهی غیر النسبة ، کما سبق .
والحاصل : أنّ ادّعاء الاستقراء علی أنّ الهیئات تدلّ علی النسبة فی غیر محلّه . والتبادر الذی ادّعاه ـ مضافاً إلی أنّه علی خلاف مدّعاه ـ غیر تامّ فی نفسه ، فتدبّر .
وثالثاً : أنّه إن أراد بقوله : «إنّ المشتقّ موضوع للحدث المنتسب» أنّه موضوع لمفهوم الحدث المنتسب فیلزم أن لا یکون فرق فی المشتقّات أصلاً ؛ لاشتراک الکلّ فی ذلک المفهوم ؛ بداهة أنّ هذا المفهوم کما یصدق علی اسم الفاعل ـ مثلاً ـ کذلک یصدق علی اسم المفعول ، من دون زیادة ونقیصة ؛ فیلزم أن لا یکون بین اسمی الفاعل والمفعول فرق ، وهو کما تریٰ .
ولو قال : إنّ الفرق بینهما هو أنّ اسم الفاعل موضوع للحدث المنتسب إلی الفاعل ، واسم المفعول موضوع للحدث المنتسب إلی المفعول .
فهو کَرّ علیٰ ما فَرّ ؛ لأنّه قدس سره ذهب إلی أنّ مفاد المشتقّ الحدث المنتسب إلی
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 88
الذات ؛ بحیث تکون الذات خارجة عن حریم الموضوع له ، وإنّما یدلّ علیه المشتقّ بالملازمة العقلیة .
وإن أراد بقوله ذلک : أنّه موضوع لحصّة من الوجود المشترک ـ کحیثیة الصدور من الفاعل ، وحیثیة الوقوع علی المفعول ، وهکذا ـ فنقول : إنّ الضرب الواقع علیٰ شخصٍ ـ مثلاً ـ شیء واحد فی متن الواقع ، ولم یکن هناک بین الفاعل والمفعول فرق ، نعم الفرق بینهما اعتباری .
وذلک لأنّه إن اعتبر تلبّس الفاعل بذلک الشیء تتحقّق النسبة الصدوریة ، وإن اعتبر تلبّس المفعول بذلک ، تتحقّق النسبة الوقوعیة . کما أنّه إذا لوحظ أصل النسبة وواقعها لا یکون بین الفاعل والمفعول فرق ، هذا .
ولکن یمکنه قدس سره أن یقول : إنّ الفاعل موضوع للنسبة الصدوریة ـ أی واقع تلک النسبة ـ لا مفهومها ، والمفعول موضوع للنسبة الوقوعیة کذلک ؛ فأخذ الانتساب إلی الصادر ـ أی واقع النسبة الصدوریة ـ فی مفهوم الفاعل ، وکذا أخذ واقع النسبة الوقوعیة فی مفهوم المفعول ؛ فحصل الفرق بینهما ذاتاً .
ولکن علی هذا : یدلّ المشتقّ علی الذات ؛ فلابدّ من أخذ الذات فی المشتقّ ، فتدبّر .
ورابعاً : لو أمکنه أن یقول بالحدث المنتسب فی مثل اسمی الفاعل والمفعول فهل یمکنه أن یقول ذلک فی اسم التفضیل والصیغ المبالغة ؟ ! وهل تریٰ من نفسک أن تقول : إنّ لفظتی «أعلم» و«علاّم» تدلاّن علی الحدث المنتسب ؟ !
حاشاک ! بل الذی یفهم من «أعلم» هو معنیً غیر ما یفهم من «علاّم» .
وبالجملة : الدلیل الوحید فی أمثال هذه المباحث هو التبادر ، لا الوجوه والبراهین العقلیة . ومقتضی وجود هذه الاختلافات فی المشتقّات ، وصحّة حمل بعضها علیٰ بعض ، وصیرورة بعضها مستنداً إلیه وبعضها مستنداً به ، إلیٰ غیر ذلک ، هو عدم کون مقتضاها الحدث المنتسب .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 89
فالتحقیق أن یقال : إنّ المشتقّات الاسمیة ـ کأسماء الفاعل والمفعول والزمان والمکان وغیرها ـ موضوعة لمعنیً واحد قابل للانحلال إلی معنون وعنوان .
ولتوضیح ذلک ینبغی تقدیم مقدّمة : وهی أنّه تارة یراد التعبیر عن ذات الشیء ، فاللفظ الحاکی عنه اسم الذات کالجوامد .
واُخـریٰ یراد التعبیر عـن نفس الوصف ، فاللفظ الحاکی عنه اسـم الوصف ، کـ «الضـرب» فإنّه اسـم لنفس الوصف مـن حیث هـو هـو .
وثالثة یراد الحکایة عـن الـذات بما أنّها موصـوفة بصفة . فاللفظ الحاکی عـن معنون هـذا العنوان ـ لا مفهوم المعنون ـ هو المشتقّ ؛ فإنّ الضارب ـ مثلاً ـ لفظ یحکی عن معنونیة زید ـ مثلاً ـ وفاعلیته بعنوان المادّة التی فیه ـ وهی الضرب ـ فالضارب ـ مثلاً ـ یحکی عن المعنون بعنوان الفاعلیة ، والمضروب یحکی عن المعنون بعنوان المفعولیة ، وهکذا . . .
فعلی هذا : لم تکن المشتقّات أسامی الذات ، ولا أسامی الفعل والوصف ، بل للمعنون بالعنوان .
فأحسن التعبیر الحاکی عن هویة حالها : ما هو المعروف بین أهل العربیة ؛ فإنّهم یعبّرون عن المعنون بعنوان الفاعلیة باسم الفاعل ، وعن المعنون بعنوان المفعولیة باسم المفعول ، وهکذا اسمی الزمان والمکان وغیرهما ؛ بداهة أنّ الضارب ـ مثلاً ـ اسم للمعنون بعنوان الفاعلیة ، لا الذات ولا العنوان ، وهکذا المضروب والمِضرَب .
إذا أحطت خُبراً بما ذکرنا : یظهر لک الفرق بین الجامد والمشتقّ ، کـ «الحجر» و«الضارب» مثلاً .
فإنّ لفظ «الحجر» بسیط ؛ دالاًّ ومدلولاً ودلالة ، غیر قابل للانحلال . وانحلال الحجر إلی المادّة والصورة إنّما هو بلحاظ ذات الحجر وماهیته ، لا للفظ الحجر .
وهذا بخلاف «الضارب» فإنّه یفید معنیً واحداً قابلاً للانحلال إلی المعنون
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 90
بعنوان الفاعلیة ـ مثلاً ـ ولذا یصحّ الحمل ؛ لأنّ الحمل یحکی عن الاتّحاد والهوهویة فی الواقع ، والشیء المتّحد مع الذات هو المعنون الذی إذا اُرید التعبیر عنه فی عالم التفصیل یقال : إنّه ذات ثبت له کذا . وإلاّ لو کانت الذات مأخوذة فی المشتقّ أو کان مفاده الحدث المنتسب إلی الذات لا یصحّ الحمل .
فتحصّل : أنّ الذی یقتضیه فهم العرف والعقلاء فی هیئات المشتقّات المفردة ، والمتبادر منها هو المعنون بعنوان ؛ بداهة أنّ المتبادر من لفظ التاجر أو الضارب ـ مثلاً ـ هو المعنون بعنوان التاجریة أو الضاربیة ، القابلة للانحلال إلی معنیین .
فکما أنّ المادّة والصورة فی المشتقّ کأنّهما موجودتان بوجود واحد فکذلک فی مقام الدلالة کأنّهما دلالتان فی دلالة واحدة .
فعلی ما ذکرنا : لا إشکال فی المسألة من حیث کون المشتقّ محکوماً علیه أو به ، فتدبّر جیّداً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 91