الأمر الرابع عشر فـی المشتـق

تذییل‏: فیما یستدلّ به لکون المشتقّ موضوعاً للأعمّ ودفعه

تذییل : فیما یستدلّ به لکون المشتقّ موضوعاً للأعمّ ودفعه

‏ ‏

‏قد تمهّد لک ممّا تقدّم : أنّه لا وقع لدعویٰ وضع المشتقّ للأعمّ ؛ إمّا لعدم الالتزام‏‎ ‎‏بالاشتراک اللفظی بینهما ، أو لعدم کون الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً ، أو لعدم‏‎ ‎‏إمکان تصویر جامع ذاتی أو انتزاعی بین المتلبّس والمنقضی عنه .‏

‏ولکن ـ مع ذلک ـ لا بأس بذکر بعض ما استدلّ به لذلک علیٰ فرض إمکان‏‎ ‎‏تصویر الجامع بین المتلبّس والمنقضی عنه ، والإشارة إلی الخدشة فیه :‏

قد یستدلّ‎[1]‎‏ لکون المشتقّ حقیقة فی الأعمّ بقوله تعالی : ‏‏«‏والسَّارِقُ‎ ‎وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُمٰا . . .‏»‏‏ الآیة‏‎[2]‎‏ ، وقوله تعالی : ‏‏«‏اَلزَّانِیَةُ وَالزَّانِی‎ ‎فَاجْلِدُوا . . .‏»‏‏ الآیة‏‎[3]‎‏ .‏

بتقریب :‏ أنّ القطع والجلد إنّما هما ثابتان للسارق والزانی بعد ارتکابهما السرقة‏‎ ‎‏والزنا ؛ فلو کان المراد بهما السارق والزانی الفعلیین فلابدّ وأن لا یقطع ید من سرق‏‎ ‎‏شیئاً إلاّ حین ارتکابه للسرق ، ولا یجلد إلاّ من کان مباشراً للعمل الشنیع ، مع أنّ‏‎ ‎‏القطع والجلد ثابتان لهما بضرورة من الدین بعد ارتکابهما ؛ فینکشف هذا عن کون‏‎ ‎‏المشتقّ للأعمّ من المتلبّس الفعلی وما انقضیٰ عنه .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 80
وفیه :‏ أنّه من عجیب الاستدلال ؛ ضرورة أنّ القائل بوضع المشتقّ لخصوص‏‎ ‎‏المتلبّس یریٰ جواز استعماله فی الأعمّ إذا کانت هناک قرینة علیه ، والضرورة من‏‎ ‎‏الدین ـ کما أشار إلیه المستدلّ ـ علی ثبوت الحدّ علیٰ من ارتکب السرقة أو الزنا ، وإن‏‎ ‎‏لم یکن متلبّساً به .‏

‏وکذا مناسبة الحکم والموضوع تقضی بذلک أیضاً ؛ لأنّ المفهوم من هذه‏‎ ‎‏الأحکام السیاسیة فی الشریعة المقدّسة هو أنّ العمل الخارجی موجباً للسیاسة ، لا‏‎ ‎‏صدق العنوان الانتزاعی ؛ فالسارق یقطع یده لأجل سرقته ، والزانی یجلد لزناه ، وفی‏‎ ‎‏مثل ذلک یکون «السارق» و«الزانی» إشارة إلیٰ من هو موضوع للحکم مع التنبیه‏‎ ‎‏علی علّته ؛ وهو العمل الخارجی ، لا العنوان الخارجی .‏

وإن شئت قلت :‏ إنّ المراد بـ «السارق والسارقة» أو «الزانیة والزانی» بمعونة‏‎ ‎‏القرینة من صدر عنه السرقة أو الزنا ، وهو عنوان باقٍ لا تصرم فیه ، نظیر ما یقال‏‎ ‎‏ـ کما تقدّم ـ إنّ المراد باسم المفعول من وقع علیه الفعل ، فتدبّر .‏

وممّا ذکرنا یظهر :‏ ضعف استدلال الأعمّی لمدّعاه باستدلال الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ بقوله‏‎ ‎‏تعالی : ‏‏«‏لاٰ یَنٰالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ‏»‏‎[4]‎‏ علیٰ عدم لیاقة من عبد صنماً لمنصب الإمامة ؛‏‎ ‎‏ردّاً علیٰ من تصدّیٰ لها وتقمّصها ، مع کونه عابداً للصنم مدّة ، بزعم أنّهم غیر عابدین‏‎ ‎‏للصنم حین التصدّی‏‎[5]‎‏ .‏

‏توضیح الضعف : هو أنّ المراد بالظالم فی الآیة الشریفة ـ بمعونة القرینة ـ من‏‎ ‎‏صدر عنه الظلم ، وهو عنوان باقٍ لا تصرّم فیه .‏

‏مضافاً إلیٰ وجـود القـرینة علیٰ إرادة الأعـمّ ؛ وذلک لأنّ الإمامـة والزعامـة‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 81
‏والسلطنـة علـی النفـوس والأعـراض والأمـوال منصب جلیل ، لا یکاد تنالها‏‎ ‎‏ولایصـحّ إشغالها إلاّ مـن امتحنه الله بشدائـد وکان معصـوماً مـن الزلل والخطأ .‏

‏بل لم یُعط ذلک المنصب الرفیع لکلّ معصوم ، بل للأوحدی منهم ؛ ولذا لم یعط‏‎ ‎‏إبراهیم ‏‏علیه السلام‏‏ ـ مع عصمته ورسالته وخُلّته ـ إلاّ بعد ابتلائه بالامتحانات والابتلاءات‏‎ ‎‏العظیمة فی اُخریات عمره المبارک .‏

‏فمناسبة الحکم والموضوع وسوق الآیة الشریفة تشهدان بأنّ الظالم ـ ولو‏‎ ‎‏آناًما ـ والعابد للصنم ـ ولو آناً ما من الزمان ـ غیر لائقین لمنصب الإمامة ، فما ظنّک‏‎ ‎‏فی من عبد الصنم مُدّة‏‎[6]‎‏ .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّ الاستدلال بالآیة الشریفة لا تزید عن دائرة الاستعمال ،‏‎ ‎‏وقد قرّر فی محلّه : أنّه أعمّ من الحقیقة ، فتدبّر .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 82

  • )) اُنظر هدایة المسترشدین : 84 / السطر 21 .
  • )) المائدة (5) : 38 .
  • )) النور (24) : 2 .
  • )) البقرة (2) : 124 .
  • )) اُنظر مفاتیح الاُصول : 18 / السطر 11 ، کفایة الاُصول : 68 .
  • )) یعجبنی ذکر تقریب لطیف موجز لدلالة الآیة المبارکة علی عصمة الإمام ، أفاده بعض أساتذة اُستاذنا العلاّمة الطباطبائی قدس سره وهو الحکیم المتأله السید حسین البادکوبئی ، وهو أنّ الناس بحسب القسمة العقلیة علی أربعة أقسام : 1 ـ من کان ظالماً فی جمیع عمره . 2 ـ ومن لم یکن ظالماً فی جمیع عمره . 3 ـ ومن هو ظالم فی أوّل عمره دون آخره . 4 ـ ومن هو بالعکس ، وإبراهیم علیه السلام أجلّ شأناً أن یسئل الإمامة للقسم الأوّل والرابع من ذرّیته ، فیبقی قسمان وقد نفی الله تعالی أحدهما ، وهو الذی یکون ظالماً فی أوّل عمره دون آخره ، فبقی الآخر وهو الذی یکون غیر ظالم فی جمیع عمره(أ) ، انتهی . [المقرّر حفظه الله ].ــــــــــــــــــــــــــأ ـ راجع  المیزان 1 : 274 .