تذییل : فیما یستدلّ به لکون المشتقّ موضوعاً للأعمّ ودفعه
قد تمهّد لک ممّا تقدّم : أنّه لا وقع لدعویٰ وضع المشتقّ للأعمّ ؛ إمّا لعدم الالتزام بالاشتراک اللفظی بینهما ، أو لعدم کون الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً ، أو لعدم إمکان تصویر جامع ذاتی أو انتزاعی بین المتلبّس والمنقضی عنه .
ولکن ـ مع ذلک ـ لا بأس بذکر بعض ما استدلّ به لذلک علیٰ فرض إمکان تصویر الجامع بین المتلبّس والمنقضی عنه ، والإشارة إلی الخدشة فیه :
قد یستدلّ لکون المشتقّ حقیقة فی الأعمّ بقوله تعالی : «والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُمٰا . . .» الآیة ، وقوله تعالی : «اَلزَّانِیَةُ وَالزَّانِی فَاجْلِدُوا . . .» الآیة .
بتقریب : أنّ القطع والجلد إنّما هما ثابتان للسارق والزانی بعد ارتکابهما السرقة والزنا ؛ فلو کان المراد بهما السارق والزانی الفعلیین فلابدّ وأن لا یقطع ید من سرق شیئاً إلاّ حین ارتکابه للسرق ، ولا یجلد إلاّ من کان مباشراً للعمل الشنیع ، مع أنّ القطع والجلد ثابتان لهما بضرورة من الدین بعد ارتکابهما ؛ فینکشف هذا عن کون المشتقّ للأعمّ من المتلبّس الفعلی وما انقضیٰ عنه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 80
وفیه : أنّه من عجیب الاستدلال ؛ ضرورة أنّ القائل بوضع المشتقّ لخصوص المتلبّس یریٰ جواز استعماله فی الأعمّ إذا کانت هناک قرینة علیه ، والضرورة من الدین ـ کما أشار إلیه المستدلّ ـ علی ثبوت الحدّ علیٰ من ارتکب السرقة أو الزنا ، وإن لم یکن متلبّساً به .
وکذا مناسبة الحکم والموضوع تقضی بذلک أیضاً ؛ لأنّ المفهوم من هذه الأحکام السیاسیة فی الشریعة المقدّسة هو أنّ العمل الخارجی موجباً للسیاسة ، لا صدق العنوان الانتزاعی ؛ فالسارق یقطع یده لأجل سرقته ، والزانی یجلد لزناه ، وفی مثل ذلک یکون «السارق» و«الزانی» إشارة إلیٰ من هو موضوع للحکم مع التنبیه علی علّته ؛ وهو العمل الخارجی ، لا العنوان الخارجی .
وإن شئت قلت : إنّ المراد بـ «السارق والسارقة» أو «الزانیة والزانی» بمعونة القرینة من صدر عنه السرقة أو الزنا ، وهو عنوان باقٍ لا تصرم فیه ، نظیر ما یقال ـ کما تقدّم ـ إنّ المراد باسم المفعول من وقع علیه الفعل ، فتدبّر .
وممّا ذکرنا یظهر : ضعف استدلال الأعمّی لمدّعاه باستدلال الإمام علیه السلام بقوله تعالی : «لاٰ یَنٰالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ» علیٰ عدم لیاقة من عبد صنماً لمنصب الإمامة ؛ ردّاً علیٰ من تصدّیٰ لها وتقمّصها ، مع کونه عابداً للصنم مدّة ، بزعم أنّهم غیر عابدین للصنم حین التصدّی .
توضیح الضعف : هو أنّ المراد بالظالم فی الآیة الشریفة ـ بمعونة القرینة ـ من صدر عنه الظلم ، وهو عنوان باقٍ لا تصرّم فیه .
مضافاً إلیٰ وجـود القـرینة علیٰ إرادة الأعـمّ ؛ وذلک لأنّ الإمامـة والزعامـة
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 81
والسلطنـة علـی النفـوس والأعـراض والأمـوال منصب جلیل ، لا یکاد تنالها ولایصـحّ إشغالها إلاّ مـن امتحنه الله بشدائـد وکان معصـوماً مـن الزلل والخطأ .
بل لم یُعط ذلک المنصب الرفیع لکلّ معصوم ، بل للأوحدی منهم ؛ ولذا لم یعط إبراهیم علیه السلام ـ مع عصمته ورسالته وخُلّته ـ إلاّ بعد ابتلائه بالامتحانات والابتلاءات العظیمة فی اُخریات عمره المبارک .
فمناسبة الحکم والموضوع وسوق الآیة الشریفة تشهدان بأنّ الظالم ـ ولو آناًما ـ والعابد للصنم ـ ولو آناً ما من الزمان ـ غیر لائقین لمنصب الإمامة ، فما ظنّک فی من عبد الصنم مُدّة .
أضف إلی ذلک : أنّ الاستدلال بالآیة الشریفة لا تزید عن دائرة الاستعمال ، وقد قرّر فی محلّه : أنّه أعمّ من الحقیقة ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 82