الجهة العاشرة فی لزوم الجامع علی الأعم
ولیعلم : أنّ من یریٰ کون المشتقّ للأعمّ من المتلبّس بالمبدأ وما انقضیٰ عنه إمّا یقول بوضعه لکلّ من المتلبّس والمنقضی عنه بنحو الاشتراک اللفظی أو بنحو الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ ، أو یقول بکون الوضع والموضوع له کلیهما عامّاً ؛ أی یقول بالاشتراک المعنوی .
والظاهر : أنّ القائل بالأعمّ لا یقول بالأوّلین ، بل یریٰ فسادهما ؛ فیتعیّن طریق إثباته بالوجه الأخیر .
فعلیه : لابدّ أوّلاً من إثبات إمکان تصویر جامع بین المتلبّس والمنقضی عنه ، بنحو یکون صدق الجامع علیٰ ما انقضیٰ عنه بعنوان تلبّسه فیما انقضیٰ ، کصدقه علی المتلبّس فعلاً بعنوان أنّه متلبّس فعلاً .
وبعبارة اُخریٰ : لابدّ للأعمّی من تصویر الجامع العنوانی التصوّری بین المتلبّس فعلاً وما انقضیٰ عنه ؛ بحیث یکون إطلاق المشتقّ علیٰ من تلبّس بالمبدأ وانقضیٰ عنه فعلاً کإطلاقه علی المتّصف به فعلاً ـ سواء کان بلحاظ الحال أو الاستقبال أو الماضی ـ فکما أنّه یطلق علی المتّصف فعلاً بالعلم عنوان العالم فلابدّ وأن یصدق أیضاً علیٰ ما انقضیٰ عنه العلم بلحاظ الانقضاء ، کصدق مفهوم الإنسان علی کلّ من زید وعمرو .
وأمّا مجرّد إطلاق المشتقّ بلحاظ تلبّسه فیما مضیٰ عنه فلا ؛ لأنّ القائل بوضعه لخصوص المتلبّس یری «زید قائم أمس» حقیقة .
والحاصل : أنّ الأعمّی لابدّ له من تصویر جامع حقیقی أو انتزاعی ؛ بحیث یصدق علیٰ ما انقضیٰ عنه المبدأ بعنوان أنّه انقضیٰ عنه ، وعلی المتلبّس به بعنوان أنّه
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 72
متلبّس به فعلاً ، ولا یصدق علیٰ من لم یتلبّس بعد . فإن أمکنه تصویر جامع ذاتی أو انتزاعی فیقع البحث فی تبادر الأعمّ أو خصوص المتلبّس ، وأمّا إن لم یمکنه تصویر الجامع الکذائی فیتعیّن القول بوضع المشتقّ لخصوص المتلبّس .
ذکر وتعقیب
یظهر من المحقّق العراقی قدس سره : أنّه یمکن تصویر الجامع بین المتلبّس والمنقضی عنه علیٰ بعض الأقوال فی المشتقّ ، ولا یمکن تصویره علیٰ بعض آخر .
وذلک لأنّه لو قلنا : إنّ المشتقّ موضـوع لمفهوم مرکّب مـن الـذات والمبدأ والنسبة ، أو قلنا بأنّه موضوع للحدث المنتسب إلی الذات ؛ بحیث تکـون النسبة داخله والذات خارجه ، أو قلنا بأنّه موضوع للحدث المنتسب إلیٰ ذاتٍ ما بنحوٍ تکون الذات والنسبة معاً خارجتین عن مفهومه ، ویکون الموضوع له عبارة عن الحصّة من الحدث المقترنة بالانتساب إلی ذاتٍ ما ، فیمکن تصویر الجامع بین المتلبّس والمنقضی عنه .
وأمّا لو قلنا بأنّ مفاده الحدث الملحوظ لا بشرط ، فی قبال المصدر واسمه ـ اللذین یکون مفادهما الحدث الملحوظ بشرط لا ـ فیشکل تصویر الجامع .
أمّا إمکان تصویر الجامع علی الأقوال الثلاثة الاُول ؛ فلأنّه :
علـی الأوّل منها : یکـون تصـویر الجامـع بین المتلبّس والمنقضی عنه فـی غایة الوضـوح ؛ لأنّ مفهوم المشتقّ علیه عبارة عـن الـذات المنتسب إلیها المبـدأ نسبةً ما ، ولا ریب أنّ هذا المفهوم قدر جامع بین المتلبّس والمنقضی عنه ؛ لانطباقه علیٰ کلّ منهما بلا عنایة .
وأمّا علی القول الثانی : فلأنّ المشتقّ عبارة عن الحدث المنتسب ـ نسبةً ما ـ إلی ذاتٍ ما ، وهو القدر الجامع بین المتلبّس والمنقضی عنه .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 73
وأمّا علی القول الثالث : فتصویر الجامع فیه نفس تصویره علی القول الثانی . غایة الأمر تکون النسبة علی الثانی داخلة فی المفهوم ، وعلی القول الثالث خارجة عنه ، وخروجها لا یضرّ بتحدید المفهوم . هذا کلّه علی الأقوال الثلاثة .
فظهر : أنّ إمکان تصویر الجامع علی القول الثانی والثالث بمکان من الإمکان ، فضلاً عن القول الأوّل .
وأمّا وجه إشکال التصویر علی القول الرابع ـ وهو کون المشتقّ عبارة عن الحدث الملحوظ لا بشرط ـ فلعدم إمکان تصویرالجامع بین وجود الشیء وعدمه ، انتهی ملخّصاً .
أقول : فیما أفاده نظر :
فأوّلاً : أنّه لا یمکن تصویر الجامع الذاتی بین المتلبّس والمنقضی عنه ؛ بداهة أنّه لا جامع بین الواجد والفاقد ، والموجود والمعدوم .
بل لا یمکن تصویر الجامع العنوانی والانتزاعی أیضاً ؛ بحیث یشمل ما تلبّس بالمبدأ وما انقضیٰ عنه بحیثیة واحدة ومعنیً فارد ، بل صدق العنوان علی المتلبّس بحیثیة غیر ما یصدق علی المنقضی عنه .
ولا فرق فی ذلک بین کون المشتقّ حدثاً لا بشرط وبسیطاً ، وبین أحد الأقوال الثلاثة ، کما لا یخفیٰ علی المتأمّل . فلیت هذا المحقّق لم ینحصر وجه عدم صحّة تصویر الجامع بالقول الرابع ، بل یعمّم سائر الأقوال ؛ لاشتراک الکلّ من تلک الجهة .
بل ولا فرق بین أخذ النسبة قیداً وجزءاً ؛ فما قاله قدس سره : إنّه علیٰ تقدیر کون النسبة جزءاً فی کمال الوضوح لا یخلو عن تأمّل ، فتدبّر .
وثانیاً : لو صحّ تصویر الجامع لکن لا یصلح ما ذکره جامعاً لذلک ؛ لأنّه إمّا
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 74
یرید بالانتساب الانتساب الفعلی ، فینطبق علیٰ مذهب الأخصّ ؛ وهو کون المشتقّ حقیقة فی المتلبّس فعلاً .
وإن أراد غیر المتلبّس فعلاًفهو خلاف مایقصده ؛ من کون المشتقّ حقیقة فیه أیضاً.
وإن أراد انتساباً ما فلا یکون جامعاً لخصوص المتلبّس والمنقضی عنه ، بل یشملهما وما لم یتلبّس بعد ، وهو خلاف ما یقصده أیضاً ، مع أنّه لم یقل به أحد .
وإن أراد ما خرج من العدم إلی الوجود فیستلزم کونه حقیقة فی ما انقضیٰ .
وإن أراد مطلق الخروج من العدم إلی الوجود فیشمل ما یتلبّس بعد .
وإن أراد الخروج الفعلی فلا یثبت المقصود أیضاً .
فتحصّل ممّا ذکرنا کلّه : عدم إمکان تصویر جامع للمتلبّس بالمبدأ والمنقضی عنه المبدأ ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 75