الأمر الرابع عشر فـی المشتـق

الجهة التاسعة فی المراد بـ‏«الحال» فی عنوان البحث

الجهة التاسعة فی المراد بـ «الحال» فی عنوان البحث

‏ ‏

‏لعلّه ظهر ممّا أسلفنا : أنّ النزاع فی المشتقّات الاسمیة إنّما هو فی معانیها التصوّریة‏‎ ‎‏اللغویة ، وأنّه هل وضعت لفظة «الضارب» مثلاً لخصوص المتلبّس بالضرب فعلاً ، أو‏‎ ‎‏للأعمّ منه وماانقضی عنه ؟ لا فی حمل المشتقّ وجَرْیه علی الشیء .‏

‏فحان التنبّه علی أنّ المراد بـ «الحال» فی عنوان البحث لیس زمان النطق‏‎ ‎‏والانتساب والجری أو الإطلاق ، بل ولا زمان التلبّس ؛ لعدم کون الزمان مأخوذاً فی‏‎ ‎‏المشتقّ ؛ وذلک لأنّ ذلک کلّه متأخّر عن الوضع .‏

‏بل المراد : هو المفهوم الذی لا ینطبق إلاّ علی المتّصف بالمبدأ ، أو الأعمّ منه .‏

‏وبعبارة اُخریٰ : محلّ البحث فی المفهوم التصوّری للمشتقّ ، وأنّه هل وضع‏‎ ‎‏لمعنیً لا ینطبق إلاّ علی المتّصف بالمبدأ ، أو لمفهوم أعمّ منه ؟‏

‏فالأولیٰ : عقد عنوان البحث هکذا : «هل المشتقّ وُضع لعنوان المتّصف بالمبدأ‏‎ ‎‏بالفعل ، أو للأعمّ منه ؟» لئلاّ یشتبه الأمر .‏

‏ولأجل ما ذکرنا ـ أنّ النزاع فی المفهوم التصوّری ـ یتمسّک لإثبات المدّعیٰ‏‎ ‎‏بالتبادر ، الذی هو الدلیل الوحید فی إثبات الأوضاع والمفاهیم اللغویة .‏

‏نعـم ، ربّما یتمسّک لإثبات المطلـوب بوجـوه عقلیة لعلّها ترجـع إلی التبادر ،‏‎ ‎‏فتدبّر .‏

وبعد ما تمهّد لک ما ذکرنا فی محلّ البحث نقول :

‏قد یقال :‏‏ إنّه یمتنع عقلاً وضع المشتقّ للمتلبّس بالمبدأ فعلاً فیما إذا امتنع تلبّس‏‎ ‎‏الذات بالمبدأ فی الخارج ، مثل «زید معدوم» ، و«شریک الباری ممتنع» ؛ فإنّه لو وضع‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 68
‏لذلک یلزم أن یکون العدم أو الامتناع شیئاً ثابتاً لزید ولشریک الباری ؛ فیلزم انقلاب‏‎ ‎‏العدم إلی الوجود ، والامتناع إلی الإمکان .‏

فاُجیب عنه :‏ بأنّ ثبوت شیءٍ لشیءٍ ـ الذی هو عبارة عن الکون الرابط ـ‏‎ ‎‏لاینافی مع عدم تحقّق المحمول ووجوده خارجاً ، وهذا نظیر ما یقال : إنّ القضیة‏‎ ‎‏الشرطیة لا تستلزم صدق الطرفین .‏

ولا یخفیٰ :‏ أنّ الإشکال غیر تمام فی نفسه ، وما اُجیب عنه غیر صالح للجواب :‏

‏أمّا الإشکال : فإنّما یتوجّه لو کان معنی المشتقّ معنیً تصدیقیاً حاکیاً عن واقع‏‎ ‎‏ثابت ، وأمّا لو کان مفهومه معنیً تصوّریاً فلم یکن فیه حکایة عن الواقع الثابت .‏

‏وبعبارة اُخریٰ : لو کان مفهوم المعدوم أو الممتنع ذاتاً ثبت له العدم أو الامتناع‏‎ ‎‏یمکن الإشکال فی «زید معدوم» و«شریک الباری ممتنع» ؛ بأنّ الحکایة ـ وهی ثبوت‏‎ ‎‏العدم أو الامتناع لزید وشریک الباری ـ تقتضی ثبوت المثبت له ؛ فیلزم انقلاب العدم‏‎ ‎‏إلی الوجود ، والامتناع إلی الإمکان .‏

‏وأمّا لو کان مفهوم المشتقّ معنیً تصوّریاً ـ کما هو الحقّ ، وسنبیّنه فی کیفیة‏‎ ‎‏بساطة المشتقّ ـ فلا یحکی عن ثبوت شیء حتّیٰ یشکل ؛ فإنّه علیٰ هذا لایزید تصوّر‏‎ ‎‏مفهوم «ضارب» مثلاً علیٰ تصوّر «زید» ، فکما لا یکون فی «زید» حکایة تصدیقیة‏‎ ‎‏حتّیٰ یکون فیها صدق وکذب ، فکذلک فی مفهوم «الضارب» ـ وهو العنوان الذی‏‎ ‎‏لاینطبق إلاّ علی المتلبّس بالفعل ـ لأنّ هذا العنوان عنوان تصوّری ترکیبی ، کـ «غلام‏‎ ‎‏زید» مثلاً ؛ فکما لا یکون لـ «غلام زید» مطابق یحکیه ، فکذلک فی «ضارب» .‏

فتحصّل :‏ أنّ منشأ الإشکال هو توهّم أنّ المشتقّ وضع لمعنیً تصدیقی . وقد‏‎ ‎‏عرفت : أنّ الموضوع له هو المعنی التصوّری الترکیبی ، وأمّا إثبات العدم والامتناع‏‎ ‎‏للموضوع فی القضایا التصدیقیة فإشکال آخر علی حدة سندفعه قریباً إن شاء الله .‏

‏مع أنّه لو کان المشتقّ موضوعاً لمعنیً تصدیقی لا یختصّ الإشکال بصورة کونه‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 69
‏موضوعاً للمتلبّس بالمبدأ ، بل یجری ولو کان موضوعاً للأعمّ أیضاً ، کما لایخفیٰ .‏

‏وأمّا عدم صلاحیة ما اُجیب للجواب ؛ فلأنّه لو کان مفهوم المشتقّ معنیً‏‎ ‎‏تصدیقیاً لا یصلح للجواب عنه ؛ لأنّ ثبوت شیءٍ لشیءٍ فرع ثبوت المثبت له ؛ فلابدّ‏‎ ‎‏مـن تحقّق الشیئیـة له ، والمحمول یفیـد انعـدام الموضـوع وامتناعه ؛ أی یدلّ علی أنّه‏‎ ‎‏لم یکن فی القضیة فی الواقع ونفس الأمر موضوع ، فتدبّر .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 70