الجهة التاسعة فی المراد بـ «الحال» فی عنوان البحث
لعلّه ظهر ممّا أسلفنا : أنّ النزاع فی المشتقّات الاسمیة إنّما هو فی معانیها التصوّریة اللغویة ، وأنّه هل وضعت لفظة «الضارب» مثلاً لخصوص المتلبّس بالضرب فعلاً ، أو للأعمّ منه وماانقضی عنه ؟ لا فی حمل المشتقّ وجَرْیه علی الشیء .
فحان التنبّه علی أنّ المراد بـ «الحال» فی عنوان البحث لیس زمان النطق والانتساب والجری أو الإطلاق ، بل ولا زمان التلبّس ؛ لعدم کون الزمان مأخوذاً فی المشتقّ ؛ وذلک لأنّ ذلک کلّه متأخّر عن الوضع .
بل المراد : هو المفهوم الذی لا ینطبق إلاّ علی المتّصف بالمبدأ ، أو الأعمّ منه .
وبعبارة اُخریٰ : محلّ البحث فی المفهوم التصوّری للمشتقّ ، وأنّه هل وضع لمعنیً لا ینطبق إلاّ علی المتّصف بالمبدأ ، أو لمفهوم أعمّ منه ؟
فالأولیٰ : عقد عنوان البحث هکذا : «هل المشتقّ وُضع لعنوان المتّصف بالمبدأ بالفعل ، أو للأعمّ منه ؟» لئلاّ یشتبه الأمر .
ولأجل ما ذکرنا ـ أنّ النزاع فی المفهوم التصوّری ـ یتمسّک لإثبات المدّعیٰ بالتبادر ، الذی هو الدلیل الوحید فی إثبات الأوضاع والمفاهیم اللغویة .
نعـم ، ربّما یتمسّک لإثبات المطلـوب بوجـوه عقلیة لعلّها ترجـع إلی التبادر ، فتدبّر .
وبعد ما تمهّد لک ما ذکرنا فی محلّ البحث نقول :
قد یقال : إنّه یمتنع عقلاً وضع المشتقّ للمتلبّس بالمبدأ فعلاً فیما إذا امتنع تلبّس الذات بالمبدأ فی الخارج ، مثل «زید معدوم» ، و«شریک الباری ممتنع» ؛ فإنّه لو وضع
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 68
لذلک یلزم أن یکون العدم أو الامتناع شیئاً ثابتاً لزید ولشریک الباری ؛ فیلزم انقلاب العدم إلی الوجود ، والامتناع إلی الإمکان .
فاُجیب عنه : بأنّ ثبوت شیءٍ لشیءٍ ـ الذی هو عبارة عن الکون الرابط ـ لاینافی مع عدم تحقّق المحمول ووجوده خارجاً ، وهذا نظیر ما یقال : إنّ القضیة الشرطیة لا تستلزم صدق الطرفین .
ولا یخفیٰ : أنّ الإشکال غیر تمام فی نفسه ، وما اُجیب عنه غیر صالح للجواب :
أمّا الإشکال : فإنّما یتوجّه لو کان معنی المشتقّ معنیً تصدیقیاً حاکیاً عن واقع ثابت ، وأمّا لو کان مفهومه معنیً تصوّریاً فلم یکن فیه حکایة عن الواقع الثابت .
وبعبارة اُخریٰ : لو کان مفهوم المعدوم أو الممتنع ذاتاً ثبت له العدم أو الامتناع یمکن الإشکال فی «زید معدوم» و«شریک الباری ممتنع» ؛ بأنّ الحکایة ـ وهی ثبوت العدم أو الامتناع لزید وشریک الباری ـ تقتضی ثبوت المثبت له ؛ فیلزم انقلاب العدم إلی الوجود ، والامتناع إلی الإمکان .
وأمّا لو کان مفهوم المشتقّ معنیً تصوّریاً ـ کما هو الحقّ ، وسنبیّنه فی کیفیة بساطة المشتقّ ـ فلا یحکی عن ثبوت شیء حتّیٰ یشکل ؛ فإنّه علیٰ هذا لایزید تصوّر مفهوم «ضارب» مثلاً علیٰ تصوّر «زید» ، فکما لا یکون فی «زید» حکایة تصدیقیة حتّیٰ یکون فیها صدق وکذب ، فکذلک فی مفهوم «الضارب» ـ وهو العنوان الذی لاینطبق إلاّ علی المتلبّس بالفعل ـ لأنّ هذا العنوان عنوان تصوّری ترکیبی ، کـ «غلام زید» مثلاً ؛ فکما لا یکون لـ «غلام زید» مطابق یحکیه ، فکذلک فی «ضارب» .
فتحصّل : أنّ منشأ الإشکال هو توهّم أنّ المشتقّ وضع لمعنیً تصدیقی . وقد عرفت : أنّ الموضوع له هو المعنی التصوّری الترکیبی ، وأمّا إثبات العدم والامتناع للموضوع فی القضایا التصدیقیة فإشکال آخر علی حدة سندفعه قریباً إن شاء الله .
مع أنّه لو کان المشتقّ موضوعاً لمعنیً تصدیقی لا یختصّ الإشکال بصورة کونه
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 69
موضوعاً للمتلبّس بالمبدأ ، بل یجری ولو کان موضوعاً للأعمّ أیضاً ، کما لایخفیٰ .
وأمّا عدم صلاحیة ما اُجیب للجواب ؛ فلأنّه لو کان مفهوم المشتقّ معنیً تصدیقیاً لا یصلح للجواب عنه ؛ لأنّ ثبوت شیءٍ لشیءٍ فرع ثبوت المثبت له ؛ فلابدّ مـن تحقّق الشیئیـة له ، والمحمول یفیـد انعـدام الموضـوع وامتناعه ؛ أی یدلّ علی أنّه لم یکن فی القضیة فی الواقع ونفس الأمر موضوع ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 70