الأمر الرابع عشر فـی المشتـق

الجهة الثامنة فی اختلاف مبادئ المشتقّات

الجهة الثامنة فی اختلاف مبادئ المشتقّات

‏ ‏

‏لا إشکال فی اختلاف مبادئ المشتقّات من جهة کون بعضها حِرفة وصنعة‏‎ ‎‏کالبقّال والعطّار والتاجر والحائک ، وبعضها قوّة وملکة کالمجتهد والطبیب ، وبعضها‏‎ ‎‏من الأفعال کالمتحرّک والساکن والضرب والأکل ونحوها من الأفعال إلی غیر ذلک .‏‎ ‎‏إلاّ أنّ ذلک لا یوجب اختلافاً فی الجهة المبحوث عنها ـ وهی أنّها هل هی حقیقة فی‏‎ ‎‏خصوص المتلبّس بالمبدأ ، أو الأعمّ منه وممّا انقضی عنه ؟ ـ وإنّما الاختلاف فی أنحاء‏‎ ‎‏التلبّس والانقضاء .‏

‏مثلاً : یطلق التاجر والحائک علی من اتّخذ التجارة والحیاکة حرفة وصنعة له ،‏‎ ‎‏وانقضاء المبدأ عنهما لیس بمجرّد ترک عملیة التجارة والحیاکة حتّیٰ یکون إطلاقهما‏‎ ‎‏علیه حال کونه نائماً أو مشغولاً بالأکل ـ مثلاً ـ إطلاقاً علی ما انقضی عنه ، بل بذهاب‏‎ ‎‏حرفة التجارة وصنعة الحیاکة من یده .‏

‏کما هو الشأن فی أسماء الآلات والأمکنة ؛ فإنّها قد تدلّ علیٰ کون الشیء معدّاً‏‎ ‎‏لتحقّق الحدث بها أو فیها بنحو القوّة ، لا بنحو فعلیة تحقّق الحدث بها أو فیها ؛‏‎ ‎‏فالمفتاح مفتاح قبل أن یفتح به ، والمسجد مسجد قبل أن یصلّی فیه ، وهکذا .‏

وبالجملة :‏ اختلاف مبادئ المشتقّات ـ قوّةً وملکةً وحرفةً وصنعةً ـ لا یوجب‏‎ ‎‏اختلافاً فی الجهة المبحوث عنها ؛ لأنّ ذلک راجع إلی کیفیة التلبّس .‏

‏ولعلّ خلط جهة البحث دعی الأعمّی إلی الاستدلال لمقالته : بأنّه لو لم تکن‏‎ ‎‏المشتقّات موضوعة للأعمّ لَما صحّ إطلاق التاجر والحائک والمجتهد والطبیب إلی غیر‏‎ ‎‏ذلک علیٰ من لم یکن مشتغلاً بالتجارة والحیاکة والاجتهاد والطبابة فعلاً ، وکان نائماً أو‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 61
‏قائماً أو ماشیاً ، مع أنّ الوجدان أصدق شاهدٍ علیٰ صحّة الإطلاق حقیقة .‏

ولکن فی الاستدلال نظر ؛‏ لأنّه لو کانت الألفاظ موضوعة للأعمّ لابدّ وأن‏‎ ‎‏یصحّ إطلاق التاجر والحائک ـ مثلاً ـ علیٰ من هجر التجارة والحیاکة ورفضهما ،‏‎ ‎‏وصار من طلبة العلم مشتغلاً به لیلاً ونهاراً ، مع أنّه لا یطلق علیه حقیقة ، ‏هذا أوّلاً .

‏وثانیاً :‏‏ لو تمّ ما ذکره الأعمّی لابدّ وأن یعمّ سائر المشتقّات ، مع أنّه لیس‏‎ ‎‏کذلک ، وهو واضح .‏

وثالثاً :‏ أنّ مجرّد الإطلاق لا یدلّ علیٰ کونه حقیقة فیه ؛ لأنّه قد یطلق علیه مع‏‎ ‎‏عدم التلبّس بالمبدأ خارجاً ؛ فیطلق التاجر ـ مثلاً ـ علیٰ من لم یتلبّس بالتجارة بعد ،‏‎ ‎‏ولکنّه أعدّ مقدّماته . فلو تمّ ما ذکر یلزم کون المشتقّ حقیقة فی الأعمّ ممّا انقضیٰ عنه‏‎ ‎‏المبدأ وما یتلبّس به بعد ، مع أنّه لم یقل به أحد .‏

‏فظهر : أنّ تلک الاختلافات ترجع إلی کیفیة التلبّس بالمبدأ ، ولا یضرّ بالجهة‏‎ ‎‏المبحوث عنها .‏

‏فحینئذٍ : یقع الکلام فی سرّ الاختلاف ووجهه :‏

یظهر من المحقّق الخراسانی ‏قدس سره‏‏ : أنّ سرّ اختلاف المشتقّات هو الاختلاف فی‏‎ ‎‏المبادئ ؛ لأنّه بإشراب الجهات المذکورة ـ من القوّة والملکة ، والاستعداد والفعلیة‏‎ ‎‏ونحوها ـ فی ناحیة المبادئ یختلف التلبّس فی کلّ منها بحسبه‏‎[1]‎‏ .‏

ولکن فیه أوّلاً :‏ أنّ لازم ذلک هو وضع الموادّ تارة للدلالة علی إفادة الملکة‏‎ ‎‏والقوّة ، واُخریٰ للدلالة علی الحرفة والصنعة ، وثالثة للدلالة علی الفعلیة . فیوجب‏‎ ‎‏الالتزام بأوضاع متعدّدة فی ذلک ، وهو بعید .‏

‏إلاّ أن یقال : إنّ ما أفاده لا یثبت تعدّد الوضع فی ناحیة المبادئ . وغایة ذلک :‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 62
‏هو أنّ اختلاف المبادئ موجب لاختلاف المشتقّات ؛ فکما یمکن أن یکون ذلک‏‎ ‎‏بالوضع والحقیقة ، فکذلک یمکن أن یکون ذلک بنحو العنایة والمجاز .‏

وثانیاً :‏ أنّه نریٰ موادّ تلک المشتقّات ولم یؤخذ فیها ذلک ؛ ضرورة أنّ المفتاح‏‎ ‎‏یدلّ علیٰ کون الشیء معدّاً لتحقّق الحدث به ـ وهو الفتح ـ بنحو القوّة ، ولم یؤخذ فی‏‎ ‎‏فَتَح یَفتَحُ ذلک ، وهو واضح . وهکذا غیرها‏‎[2]‎‏ .‏

ویظهر من المحقّق الأصفهانی ‏قدس سره‏‏ وجهاً آخر ؛ فإنّه  ‏‏قدس سره‏‏ ـ بعد أن نفی کون‏‎ ‎‏الوجه ما أشار إلیه اُستاذه المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ فی «الکفایة» ـ کما هو ظاهر غیر‏‎ ‎‏واحد من الأصحاب ـ من إشراب الفعلیة والقوّة والملکة والاستعداد ونحوها فی‏‎ ‎‏ناحیة المبادئ ، ولم یلتزم بالتصرّف فی ناحیة المبادئ أیضاً ـ قال : بل بوجه آخر‏‎ ‎‏یساعده دقیق النظر ، فقد ذکر فی عبارته الطویلة عناوین أربع ، لا یرتبط بما نحن فیه‏‎ ‎‏إلاّ عنوانین منها ، فقال ما ملخّصه :‏

الأوّل :‏ ما یکون مثل حمل المقتضیٰ ـ بالفتح ـ علی المقتضی ـ بالکسر ـ مثل‏‎ ‎‏«النار حارّة» و«الشمس مشرقة» و«السمّ قاتل» ، إلیٰ غیر ذلک .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 63
‏والنظر فی هذا القسم من العناوین لیس إلاّ مجرّد اتّحاد الموضوع والمحمول فی‏‎ ‎‏الوجود ، لا إلی اتّحادهما فی حال ؛ لیقال : إنّه إطلاق علیٰ غیر المتلبّس .‏

الثانی :‏ ما یکون مثل أسماء الأمکنة والأزمنة والآلات کـ «هذا مذبح ، أو‏‎ ‎‏مسلخ ، أو مفتاح» ؛ فإنّ الجری فیها بلحاظ القابلیة والاستعداد ؛ لأنّ التصرّف فی‏‎ ‎‏المادّة أو الهیئة غیر ممکن فیها :‏

‏أمّا فی المادّة ؛ فلأنّ الآلة ـ مثلاً ـ فاعل ما به الفتح فی المفتاح ، وفاعل ما به‏‎ ‎‏الکنس فی المکنسة ، ولا معنی لکون الشیء فاعلاً لقابلیة الفتح أو الکنس ، أو‏‎ ‎‏لاستعدادهما . فلا معنی لإشراب القابلیة والإعداد والاستعداد فی المادة .‏

‏وأمّا فی الهیئة ؛ فلأنّ مفاد الهیئة نسبة الفاعلیة فی اسم الآلة ، ونسبة الظرفیة‏‎ ‎‏الزمانیة والمکانیة فی اسمی الزمان والمکان .‏

الثالث :‏ ما یکون مثل الخیّاط والنسّاج والکاتب ـ إذا کانت الکتابة حرفة له ـ‏‎ ‎‏ونحوها من الأوصاف الدالّة علی الصنعة والحرفة ، وکان المبدأ فیها قابلاً للانتساب‏‎ ‎‏إلی الذات بذاته .‏

‏وسرّ الإطلاق فیها مع عدم التلبّس بنفس المبدأ : أنّه باتّخاذه تلک المبادئ‏‎ ‎‏حرفة فکأنّه ملازم للمبدأ دائماً .‏

الرابع :‏ ما یکون کالتامر واللابن والبقّال ممّا لم یکن المبدأ فیها قابلاً للانتساب‏‎ ‎‏بذاته ؛ لأنّ مبادئها أسماء الأعیان ؛ فلابدّ من الالتزام بأنّ الربط الملحوظ بینها وبین‏‎ ‎‏الذات ربط تبعی لا بالذات ؛ بمعنی أنّ طبیعة الربط أوّلاً وبالذات بین الذات واتّخاذه‏‎ ‎‏بیع التمر واللَبَن والبَقْل حرفةً وشغلاً ، إلاّ أنّ التمر واللبن والبقل صارت مربوطة بالذات‏‎ ‎‏بالتبع ، لا بالذات .‏

‏ومن هذا القبیل الحدّاد ؛ فإنّ الحدید مربوط بالذات باتّخاذ صنعة الحدید حرفةً‏‎ ‎‏لا بالذات ، فهذه الهیئة کسائر الهیئات فی أصل المفهوم والمعنیٰ ، غایة الأمر : أنّ الربط‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 64
‏فیها ربط مخصوص من شأنه صدق الوصف علی الذات ما دام الربط الذاتی المصحّح‏‎ ‎‏لهذا الربط باقیاً ، لا أنّ المبدأ اتّخاذ الحرفة ، ولا أنّ الهیئة موضوعة للأعمّ ، انتهی‏‎[3]‎‏ .‏

أقول :‏ لعلّه ـ کما أشرنا ـ لم یخف علیک : أنّ العنوان الأوّل والرابع المذکورین فی‏‎ ‎‏کلامه ‏‏قدس سره‏‏ خارجان عمّا نحن فیه ، فلا نحوم حوله فعلاً . والمربوط بما نحن فیه عنوانی‏‎ ‎‏الثانی والثالث . وحاصل ما أفاده فی العنوان الثانی فی سرّ الاختلاف إنّما هو بلحاظ‏‎ ‎‏الاختلاف فی الجری علی الذات .‏

‏وأمّا فی الثالث فسرّ الإطلاق مع عدم التلبّس بنفس المبدأ : أنّه باتّخاذه تلک‏‎ ‎‏المبادئ حرفة فکأنّه ملازم للمبدأ دائماً ، هذا .‏

ویظهر‏ من المحقّق العراقی وشیخنا العلاّمة الحائری : أنّ سرّ الاختلاف هو‏‎ ‎‏الذی أشار إلیه المحقّق الأصفهانی ‏‏قدس سره‏‏ فی العنوان الثالث .‏

‏فإنّه قال المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ : إنّ العرف یریٰ أنّ من یزاول هذه الأعمال عن ملکةٍ‏‎ ‎‏أو حرفةٍ ؛ متلبّساً بتلک الأعمال دائماً ، ولا یرون تخلّل الفترات بین تلک الأعمال موجباً‏‎ ‎‏لانقطاعها لینتفی التلبّس بها فیبطل الصدق علی القول بکون المشتقّ حقیقة فی المتلبّس .‏

‏وهذا هو السرّ فی صدق مثل التاجر والصائغ والشاعر علیٰ متّخذ التجارة‏‎ ‎‏والصیاغة والشعر حرفة ، ولا یستلزم ذلک صحّة إسناد الأفعال المشتقّة من تلک‏‎ ‎‏المبادئ فی تلک الفترات ؛ لکی یقال : إنّه لا یصحّ ذلک بالوجدان ؛ وذلک لأنّ النظر فی‏‎ ‎‏الأفعال متوجّه إلیٰ نفس صدور الحدث ، ومعه لا یبقیٰ موقع لإسناد الأفعال فی حال‏‎ ‎‏الفترات المزبورة . بخلاف الأسماء المشتقّة ؛ فإنّ النظر فیها متوجّه إلی الذات المتّصفة‏‎ ‎‏بالمبدأ ، وحیث لا یری العرف تلک الفترات بین الأعمال موجباً لانقطاعها کانت‏‎ ‎‏الذات متلبّسة بالمبدأ فی نظره ؛ حتّی فی حال الفترة المتخلّلة‏‎[4]‎‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 65
وقال شیخنا العلاّمة الحائری ‏قدس سره‏‏ : إنّ صحّة إطلاقها علیٰ من لیس متلبّساً‏‎ ‎‏بالمبدأ فعلاً ـ بل متلبّساً قبل ذلک من دون إشکال ـ من جهة أحد أمرین :‏

‏إمّا استعمال اللفظ الدالّ علی المبدأ فی ملکة ذلک أو حرفته أو صنعته .‏

‏وإمّا من جهة تنزیل الشخص منزلة المتّصف بالمبدأ دائماً ؛ لاشتغاله به غالباً ؛‏‎ ‎‏بحیث یُعدّ زمان فراغه کالعدم ، أو لکونه ذا قوّة قریبة بالفعل ؛ بحیث یتمکّن من‏‎ ‎‏تحصیله عن سهولة ؛ فیصحّ أن یدّعیٰ أنّه واجد له .‏

‏والظاهر هو الثانی‏‎[5]‎‏ ، انتهی .‏

أقول :‏ أمّا ما أفاده المحقّق الأصفهانی ‏‏قدس سره‏‏ فیما یرتبط بالمقام : فلنا کلام معه ؛ تارة‏‎ ‎‏فی الوجه المختصّ به ، واُخریٰ فی الوجه الذی اشترک معه العلمان :‏

‏أمّا فیما اختصّ به فنقول : لازم ما أفاده هوأنّه لا تکون للمشتقّات المذکورة مع‏‎ ‎‏قطع النظر عن الجری والحمل ـ أی بمفاهیمها التصوّریة ـ هذه المعانی المتعارفة ، مع أنّ‏‎ ‎‏الضرورة قاضیة بأنّه یفهم منها تلک المعانی مع عدم الجری والحمل أیضاً ؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏مَن تصوّر المسجد بمفهومه التصوّری ینتقل ذهنه إلی المکان المتهیّئ للسجدة .‏

‏وأمّا الوجه الذی اشترک معه ‏‏قدس سره‏‏ العلمان ـ مع اختلاف عبائرهم ـ فهو : أنّ لازم‏‎ ‎‏قوله : «اتّخاذ تلک المبادئ حرفة کأنّه ملازم للمبدأ دائماً» ، وقول المحقّق العراقی :‏‎ ‎‏«لایری العرف تخلّل الفترات بین تلک الأعمال موجباً لانقطاعها» ، وقول شیخنا‏‎ ‎‏العلاّمة : «تنزیل الشخص منزلة المتّصف بالمبدأ دائماً ؛ لاشتغاله به غالباً» ، هو أنّ‏‎ ‎‏إطلاق التاجر والحائک علی من لم یتلبّس فعلاً بالمبدأ ؛ بمعنیٰ کونه الآن مشغولاً‏‎ ‎‏بالتجارة والحیاکة ، مع أنّ المتبادر من إطلاق التاجر والحائک علی شخص هو کون‏‎ ‎‏التجارة والحیاکة شغلاً له ، لا أنّه مشغول بهما فعلاً ، کما لا یخفیٰ .‏

‏فتحصّل : أنّ ما أفادوه فی وجه ذلک غیر وجیه .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 66
والذی یمکن أن یقال :‏ إنّ بعض المشتقّات ـ وهو الکثیر منها ـ قد اُلغی عنها‏‎ ‎‏معنی الوصفیة وصارت بمنزلة أسماء الجوامد وأسماء أجناس کالمنارة والمسجد‏‎ ‎‏والمحراب ونحوها ؛ فإنّه لا ینقدح فی الذهن بسماع تلک الألفاظ موضع النور من‏‎ ‎‏المنارة ، ومحلّ السجدة من المسجد ، ومکان الحرب من المحراب ، بل المتبادر منها عند‏‎ ‎‏العرف ذوات تلک الحقائق ، ولا ینسبق المبادئ إلی الذهن أصلاً . بل المفتاح أیضاً‏‎ ‎‏کذلک ؛ لأنّه لا یفهم منه إلاّ الشیء المخصوص .‏

‏وأمّا المشتقّات التی لم یلغ عنها معنی الوصفیة ـ کالتاجر والصائغ ونحوهما ـ‏‎ ‎‏ویتبادر منها الصنعة والحرفة ، فبعد کون الالتزام بتعدّد الوضع بعیداً یمکن أن یقال : إنّه‏‎ ‎‏استعملت مجموع المادّة والهیئة فـی تلک المعانـی أوّلاً بنحـو المـجاز بمناسبةٍ ـ مثل‏‎ ‎‏المجاز المشهور ـ حتّیٰ صارت حقیقة فیها .‏

‏هذا ما ذهبنا إلیه فی الدورة السابقة ، ولکنّه لا یتمّ علی طریقتنا فی باب المجاز ؛‏‎ ‎‏لأنّه قلنا : إنّه لم یستعمل اللفظ فی المجاز فی غیر ما وضع له ، بل استعمل فیما وضع له ،‏‎ ‎‏من دون تأوّل وادّعاء ، والادّعاء إنّما هو فی التطبیق .‏

‏ویشکل التفکیک بین أقسام المجاز بأن یقال : إنّه فی غیر ما نحن فیه یکون‏‎ ‎‏الادّعاء فی التطبیق ، وأمّا فی ما نحن فیه فاستعملت فی غیر ما وضع له . بل الأمر فی‏‎ ‎‏جمیع المجازات واحد ، وجمیعها ترتضع من ثدی واحد ، وعلیٰ وزان فارد .‏

والـذی ینبغی أن یقال علیٰ طریقتنا :‏ هـو أنّه کثر تطبیـق معانیها المستعملـة‏‎ ‎‏فیها علیٰ تلک المعانـی المجازیـة ؛ حتّیٰ صارت بواسطـة کثـرة الاستعمال مصادیـق‏‎ ‎‏حقیقیـة لها .‏

‏وبالجملة : لم یستعمل اللفظ فی الحرفة أو الصنعة مجازاً ، بل استعمل فی معناه‏‎ ‎‏الموضوع له ، لکنّه انطبق المعنی الموضوع له علیها مجازاً . وتکرّر ذلک الانطباق حتّیٰ‏‎ ‎‏صارت مصداقاً حقیقیاً له ، من دون تأوّل وتجوّز ، فتدبّر .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 67

  • )) کفایة الاُصول : 62 .
  • )) قلت : وبعبارة أوضح أشار إلیها المحقّق العراقی قدس سره وهو : أنّه لو ثبت ذلک یستلزم عدم تفاوت الأفعال المشتقّة من تلک المبادئ أیضاً ، مع أنّا نریٰ بالوجدان : أنّ الأفعال المشتقّة منها مطلقاً لا تستعمل فی المعنیٰ غیر الحدثی ؛ فلا یقال : اتّجر أو صاغ ـ مثلاً ـ ؛ بمعنیٰ صار ذا حرفة فی التجارة أو ذا ملکة فی الصیاغة ، بل تستعمل هذه الأفعال فی المعنی الحدثی الفعلی .     وعلیه : یبعد کلّ البعد أن تکون الأفعال مشتقّة من مبدأ غیر المبدأ الذی اشتقّت منه الأسماء المشتقّة(أ) . [المقرّر حفظه الله ].ــــــــــــــــــــــــــأ ـ بدائع الأفکار 1 : 181 .
  • )) نهایة الدرایة 1 : 183 ـ 186 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 181 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 61 .