الجهة السادسة فی وضع هیئات المشتقّات الفعلیة
الحقّ : أنّ الوضع فی هیئات الأفعال مطلقاً عامّ والموضوع له خاصّ ؛ لأنّ معنیٰ هیئات الأفعال معنیً حرفی ؛ لأنّ بعضاً منها یدلّ علی معنیً حکائی کهیئة «ضَرَبَ» و«یَضْرِبُ» مثلاً ، وبعضها إیجادی کهیئة «اضرِبْ» مثلاً ؛ فإنّه بنفس هیئة «اضرب» یوجد معناه فی عالم الاعتبار ، کما هو الشأن فی الحروف ؛ فبعضها حکائی کـ «من» و«إلی» ، وبعضها إیجادی کـ «یاء النداء» .
سیأتی الکلام مستوفی فی إثبات معنی حرفیة هیئات الأفعال الإیجادیة فی مبحث الأوامر إن شاء الله .
ومحطّ البحث هنا : إثبات حرفیة هیئات الأفعال الحاکیات کالماضی والمضارع ؛ فنقول : المتبادر من هیئة الماضی هی الحکایة عن تحقّق صدور الحدث من الفاعل کضرب ، أو حلوله فیه کبعض الأفعال اللازمة کحسن وقبح . والمتبادر من هیئة المضارع هی الحکایة عن لحوق صدور الحدث .
ومعلوم : أنّ تحقّق صدور الحدث من الفاعل أو حلوله فیه ، وکذا لحوق صدور الحدث معنی حرفی وکون رابطی غیر مستقلّ بالمفهومیة والوجود .
وبعبارة اُخری : هیئتا الماضی والمضارع تحکیان عن تحقّق الحدث أو لحوقه مع
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 58
الانتساب والإضافة إلی الفاعل ، ولا تحکیان عن نفس الحدث ولا عن الفاعل ، بل لا عن مفهوم الصدور واللحوق ، وإنّما تحکیان عن شیء واحد ، لا بنحو حکایة لفظ الجامد ودلالته علیٰ معناه ، بل عن معنیً واحد منحلّ إلی کثیرین ؛ فإنّه بنفس هیئتهما یفهم السبق أو اللحوق والانتساب إلی الفاعل .
مثلاً : من تکلّم بکلام فهناک شیء واحد ـ وهو صدور الکلام ـ ولکنّه ینحلّ إلی أصل الصدور والانتساب إلی الفاعل . وهیئة الماضی تحکی عن ذلک المعنی الواحد الکذائی ، فلفظة «تَکلّمَ» تحکی عن الواقع علیٰ ما هو علیه ؛ وهو معنیً حرفی . وکذا هیئة المضارع تحکی عن لحوق الصدور علیٰ ما هو علیه .
والحاصل : أنّ هیئتی الماضی والمضارع وضعتا لحصّة من الوجود المنحلّ إلی تلک الاُمور .
فلم یؤخذ الزمان الماضی والمضارع بمعناهما الاسمی فی موضوع له هیئة الماضی أو المضارع ، بل ولم یؤخذ فیهما السبق واللحوق بمعناهما الاسمی .
نعم ، تلک الاُمور من لوازم مدلول الماضی والمضارع ؛ لأنّ حکایة وقوع الشیء علیٰ ما هو علیه یستلزم الزمان والسبق طبعاً ، کما أنّ حکایة لحوق الشیء علیٰ ما هو علیه یستلزم الزمان واللحوق قهراً .
فتحصّل : أنّه لا إشکال ولا کلام فی استفادة الزمان والسبق واللحوق من هیئتی الماضی والمضارع ، وإنّما الکلام والادّعاء فی أنّ المتبادر منهما لیست تلک المعانی علی نعت الکثرة بالمعنی الاسمی ، بل المتبادر منهما إنّما هو أمر وحدانی ؛ وهو حقیقة هذه المعانی بالحمل الشائع ، واستفادة تلک المعانی بلحاظ التحلیل العقلی ، وهو أوسع من متن الواقع ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 59