الأمر الرابع عشر فـی المشتـق

إشکالات وأجوبة

إشکالات وأجوبة

‏ ‏

‏فبعد ما أحطت خبراً بما تلوناه علیک ، وما هو الحقّ فی المقام : لابدّ لتشحیذ‏‎ ‎‏الأذهان ورفع شوب الإشکال فی المسألة من الإشارة إلی بعض الإشکالات الواردة‏‎ ‎‏فی ألسنة القوم ، والجواب عنها :‏

الإشکال الأوّل :‏ أنّه لم یمکن التلفّظ بمادّة المشتقّات إلاّ فی ضمن هیئة من‏‎ ‎‏الهیئات ، فکیف یقال : إنّ المادّة لفظة موضوعة لمعنیً ؟ وکذا فی جانب الهیئة ؛ حیث لا‏‎ ‎‏یمکن التلفّظ بها إلاّ فی ضمن مادّة من الموادّ ، کیف یقال : إنّها لفظة موضوعة لکذا ؟‏

‏وبالجملة: اللفظ الموضوع لابدّ وأن یکون قابلاً للتلفّظ والتنطّق به مستقلاًّ، فإذا‏‎ ‎‏لم یمکن التلفّظ بشیء من المادّة والهیئة منفکّة عن الاُخریٰ فکیف یعقل وضعهما لمعنیً .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 53
وفیه :‏ أنّ غایة ما تقتضیه حکمة الوضع هی وقوع ما وضع له فی طریق الإفادة‏‎ ‎‏والاستفادة ورفع الاحتیاج به ـ وإن کان فی ضمن أمر آخر ـ وأمّا الإفادة والاستفادة‏‎ ‎‏منه مستقلاًّ فلا . فإذا رفع الاحتیاج واستفید منه ـ ولو بازدواج المادّة والهیئة معاً ـ فلا‏‎ ‎‏محذور فیه . وواضح : أنّ الإشکال إنّما یتوجّه إذا لم یمکن التنطّق بالمادّة أو الهیئة أصلاً‏‎ ‎‏ـ ولو مشفوعاً بالاُخریٰ ـ وقد عرفت بما لا مزید علیه إمکان التنطّق بکلّ منهما‏‎ ‎‏مزدوجاً بالاُخریٰ .‏

الإشکال الثانی :‏ أنّه کیف یجمع بین قولهم : إنّ المصدر واسمه موضوعان‏‎ ‎‏للماهیة اللابشرط وبین کون مادّة المشتقّات موضوعة لذلک مع أنّ المشتقّ لابدّ وأن‏‎ ‎‏یوجد فیه مبدأ الاشتقاق وشیء آخر ؛ قضاءً لحقّ الاشتقاق ، وإلاّ لاتّحد المشتقّ‏‎ ‎‏والمشتقّ منه .‏

‏مع أنّه لو کانت هیئة المصدر واسمه موضوعتین لنفس الطبیعة اللا بشرط یلزم‏‎ ‎‏التکرار فی الدلالة ؛ فی دلالة المصدر واسمه ، إحداهما دلالة هیئتهما ، والثانیة دلالة‏‎ ‎‏مادّتهما . والوجدان حاکم بأنّه لیس هناک إلاّ دلالة واحدة .‏

وفیه :‏ أنّ الإشکال ـ علی القول بکون المصدر واسمه مبدأ المشتقّات ـ إنّما هو‏‎ ‎‏فی المصادر المجرّدة ، وأمّا المصادر غیر المجرّدة فلم یقل أحد بدلالتها علیٰ نفس الطبیعة‏‎ ‎‏اللا بشرط فقط .‏

‏مع أنّ جریان الإشکال فی المصادر المجرّدة إنّما هو إذا لم یکن المصدر دالاًّ علی‏‎ ‎‏الطبیعة المنتسبة واسمه علی نفس الطبیعة ، وإلاّ یحصل الفرق بینهما .‏

‏وبالجملة : لا یتوجّه صورة الإشکال إذا قلنا بأنّ مدلول المصدر الطبیعة‏‎ ‎‏المنتسبة ، ومدلول اسمه نفس الطبیعة .‏

‏نعم ، یتوجّه علی ما هو المشهور بین أهل الأدب من أنّ مدلول المصدر واسمه‏‎ ‎‏الطبیعة اللابشرط .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 54
‏ولکن یمکن الجواب عنه : بأنّه وضعت هیئة المصدر واسمه لإمکان التنطّق‏‎ ‎‏بالمادّة ، لا لإفادة المعنی وراء ما اُفید من مادّتهما ؛ وذلک لما عرفت : أنّ المادّة من حیث‏‎ ‎‏هی هی لا یمکن التنطّق بها ، وحیث إنّه قد تمسّ الحاجة إلی إظهار نفس المادّة ـ أی‏‎ ‎‏الطبیعة اللا بشرط ـ فوضعت هیئة المصدر واسمه لإمکان التنطّق به .‏

‏فعلی هذا : یکون المصدر واسمه من المشتقّات اللفظیة فقط ، بخلاف سائر‏‎ ‎‏المشتقّات ؛ فإنّها تکون من المشتقّات المعنویة ؛ لعدم دلالة هیئة المصدر واسمه علی‏‎ ‎‏معنیً غیر معنی المادّة ، بخلاف سائر الهیئات .‏

إن قلت :‏ لو کانت هیئة المصدر وضعت لإمکان التنطّق بالمادّة فما السبب إلی‏‎ ‎‏وضع اسم المصدر لذلک أیضاً ؟‏

قلت :‏ یمکن أن یقال : إنّ ذلک من جهة إلحاق بعض اللغات ببعض .‏

إن قلت : ‏غایة ما تقتضیه مقالتکم إنّما هی بالنسبة إلی وضع هیئة واحدة‏‎ ‎‏للمصدر ، مع أنّه نری لبعض المصادر المجرّدة أوزان متعدّدة ؛ فلا یصحّ القول بکون‏‎ ‎‏وضع هیئات المصادر المجرّدة لإمکان التنطّق بالمادّة .‏

قلت :‏ لم یثبت أنّ الأوزان المتعدّدة من واضع واحد وشخص فارد ، ولعلّها من‏‎ ‎‏أشخاص وطوائف مختلفة ، فاختلطت بعضها ببعض ؛ فصارت لغة واحدة .‏

‏مع أنّ مرجع هذا الإشکال إلی الإشکال علی وجود الترادف فی اللغة ولا‏‎ ‎‏اختصاص له بما نحن فیه ، والجواب عن إشکال الترادف فی اللغة هو الجواب فی المقام .‏

فتحصّل ممّا ذکرنا :‏ صحّة وضع هیئة المصدر واسمه علیٰ نفس الطبیعة‏‎ ‎‏اللابشرط ، مع دلالة المادّة علیٰ ذلک ، فتدبّر .‏

الإشکال الثالث :‏ هو أنّه لو کان لکلّ من المادّة والهیئة وضع علی حدة تلزم‏‎ ‎‏دلالة المادّة علیٰ معناها لو تحقّقت فی ضمن هیئة مهملة ، وکذا تلزم دلالة الهیئة علیٰ‏‎ ‎‏معناها لو تحقّقت فی ضمن مادّة غیر موضوعة ، مع أنّه لیس کذلک .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 55
الإشکال الرابع :‏ هو أنّ لازم کون کلّ واحد منهما موضوعاً بوضع مستقلّ‏‎ ‎‏للمعنی هو الترکّب فی المشتقّ ؛ بحیث تدلّ هیئته علیٰ معنیً مستقلّ ، ومادّته علیٰ معنیً‏‎ ‎‏آخر کذلک ، مع أنّه لم یلتزم أحد ـ حتّی القائلین بترکّب المشتقّ ـ بذلک ؛ لأنّهم لم‏‎ ‎‏یقولوا بدلالة المشتقّ علیٰ معنیین متعدّدین مستقلّین غیر مرکّبین .‏

والجواب عن الإشکالین‏ یتّضح بعد بیان مقدّمة ، وهی : أنّ لوضع المشتقّات‏‎ ‎‏ودلالتها وکیفیة تطبیقها شأناً لیس لغیرها ؛ وذلک لما عرفت أنّ هیئة المشتقّ لاتنفکّ‏‎ ‎‏عن المادّة ، کما أنّ مادّته لا تنفکّ عن الهیئة ، فکأنّهما ترکّبتا معاً ؛ ترکیباً اتّحادیاً .‏‎ ‎‏فالمشتقّ شیء واحد مرکّب ، فدلالته أیضاً کذلک ؛ أی تدلّ علیٰ معنیً واحد مرکّب .‏

وسیظهر لک جلیاً :‏ أنّ شأن المشتقّ بین الترکیب والبساطة ؛ لا یکون مرکّباً‏‎ ‎‏بحیث تکون هناک دلالتین مستقلّتین ، ولا بسیطاً ، کهمزة الاستفهام . بل کما أنّ وضع‏‎ ‎‏کلّ من المادّة والهیئة وضع تهیّئی لازدواج الاُخری ، ومعناهما مزدوج بالاُخریٰ ،‏‎ ‎‏فدلالتهما أیضاً کذلک .‏

‏فالمشتقّ شیء واحد ینحلّ بحسب العقل إلی شیئین ، فتکون لفظة واحدة تقبل‏‎ ‎‏الانحلال إلی المتعدّد ومعنیً فارداً إلی معنیین ، فله دلالة واحدة تنحلّ إلی دلالتین‏‎ ‎‏ومدلولین کذلک .‏

إذا تمهّد لک ما ذکرنا :‏ یظهر لک ضعف کلا الإشکالین :‏

لأنّ الإشکال الأوّل‏ إنّما یرد إذا لم یکن وضع کلّ من المادّة والهیئة وضعاً تهیّئیاً‏‎ ‎‏لازدواج الاُخری به ، فإذا کان وضع کلّ منهما وضعاً تهیّئیاً لازدواجها مع الاُخریٰ‏‎ ‎‏فتکون لدلالة کلّ منهما ضیق ذاتی ، فلا مجال لتوهّم دلالة کلّ من المادّة والهیئة فی‏‎ ‎‏ضمن الاُخری لو کانت مهملة .‏

وأمّا الإشکال الثانی‏ فإنّما یتوجّه إذا کان لکلّ منهما دلالة مستقلّة ، وقد‏‎ ‎‏عرفت : أنّ المشتقّ لفظ واحد ومعنیً فارد ودلالة واحدة ، لکنّه قابل للانحلال .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 56
وتوهّم :‏ أنّ هذا منافٍ لما أسلفناه ؛ من أنّه یفهم من زنة اسم الآلة بدون المادّة‏‎ ‎‏معنیً ، ومن المادّة بدون الهیئة معنیً آخر .‏

مدفوع :‏ بأنّ غایة ما أسلفناه هی أنّه إذا لوحظ زنة اسم الآلة ـ مثلاً ـ فیفهم‏‎ ‎‏أنّ لها تطوّراً ومعنیً إجمالیاً ، ولا یدلّ علی أنّها تدلّ علی المعنی مستقلاًّ . وکذلک فی‏‎ ‎‏جانب المادّة ؛ فإنّها تدلّ علی المعنی إجمالاً ، لا علی المعنیٰ مستقلاًّ ، فتدبّر .‏

‏ ‏

ذکر وتعقیب

‏ ‏

‏أجاب سیّد مشایخنا المحقّق الفشارکی ‏‏قدس سره‏‏ ـ علیٰ ما حکی عنه‏‎[1]‎‏ ـ عن‏‎ ‎‏الإشکال الأخیر : بأنّ المادّة ملحوظة أیضاً فی وضع الهیئات ، فیکون الموضوع هی‏‎ ‎‏المادّة المتهیّئة بالهیئة الخاصّة ـ وهو الوضع الحقیقی الدالّ علی المعنیٰ ـ ولیس الوضع‏‎ ‎‏الأوّل إلاّ مقدّمة لهذا الوضع وتهیئة له . ولا نُبالی بعدم تسمیة الأوّل وضعاً ؛ إذ تمام‏‎ ‎‏المقصود هو الوضع الثانی .‏

ولکن فیه ‏ـ مضافاً إلی أنّه یزید فی الإشکال ـ غیر تامّ فی نفسه ؛ وذلک لأنّه لو‏‎ ‎‏کانت المادّة موضوعة للمعنیٰ أوّلاً فدلالتها علیه قهریة ، ولا معنی لوضع اللفظ لمعنیً‏‎ ‎‏لا یدلّ علیه .‏

‏مع أنّه لو لم تکن للمادّة الکذائیة معنیً لا یصحّ جعلها مادّة للمشتقّات ؛ لأنّ‏‎ ‎‏المبدأ لابدّ وأن یکون له معنیً ساریاً فی جمیع المشتقّات ، والمفروض أنّ المادّة الکذائیة‏‎ ‎‏لم تکن لها معنیً .‏

‏مـع أنّ غایـة ما یقتضی وضعها تهیّئیةً هـی عـدم دلالتها مستقلّة ، وأمّا أصل‏‎ ‎‏الدلالة ـ ولو تبعاً ـ فلا . فیلزم التعدّد فـی الدلالـة علی نفس الحـدث ؛ لأنّه یفهم‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 57
‏من الوضـع الأوّل ذات الحـدث ، ومن الوضـع الثانی الحدث المتحیّث بمفاد الهیئـة .‏

‏ثمّ إنّ الوضع الثانی ـ أی المادّة المتهیّئة ـ لو کان فی کلّ مورد علی حدة بأوضاع‏‎ ‎‏متعدّدة فیستلزم کون الوضع فی المشتقّات شخصیاً ، وهو خلاف الوجدان .‏

‏ولـو صـحّ ذلک فلا یحتاج إلی تصویر مبـدأ الاشتقاق ؛ لصیرورتـه مـن‏‎ ‎‏الجوامـد ، مـع أنّه حینئذٍ لا یحتاج إلی وضـع المادّة مستقـلاًّ بدون الهیئـة ، فتدبّر .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 58

  • )) الحاکـی شیخنا العـلاّمة أبـو المجـد صاحب الوقایـة .اُنظـر وقایـة الأذهان : 161 ـ 162 .