إشکالات وأجوبة
فبعد ما أحطت خبراً بما تلوناه علیک ، وما هو الحقّ فی المقام : لابدّ لتشحیذ الأذهان ورفع شوب الإشکال فی المسألة من الإشارة إلی بعض الإشکالات الواردة فی ألسنة القوم ، والجواب عنها :
الإشکال الأوّل : أنّه لم یمکن التلفّظ بمادّة المشتقّات إلاّ فی ضمن هیئة من الهیئات ، فکیف یقال : إنّ المادّة لفظة موضوعة لمعنیً ؟ وکذا فی جانب الهیئة ؛ حیث لا یمکن التلفّظ بها إلاّ فی ضمن مادّة من الموادّ ، کیف یقال : إنّها لفظة موضوعة لکذا ؟
وبالجملة: اللفظ الموضوع لابدّ وأن یکون قابلاً للتلفّظ والتنطّق به مستقلاًّ، فإذا لم یمکن التلفّظ بشیء من المادّة والهیئة منفکّة عن الاُخریٰ فکیف یعقل وضعهما لمعنیً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 53
وفیه : أنّ غایة ما تقتضیه حکمة الوضع هی وقوع ما وضع له فی طریق الإفادة والاستفادة ورفع الاحتیاج به ـ وإن کان فی ضمن أمر آخر ـ وأمّا الإفادة والاستفادة منه مستقلاًّ فلا . فإذا رفع الاحتیاج واستفید منه ـ ولو بازدواج المادّة والهیئة معاً ـ فلا محذور فیه . وواضح : أنّ الإشکال إنّما یتوجّه إذا لم یمکن التنطّق بالمادّة أو الهیئة أصلاً ـ ولو مشفوعاً بالاُخریٰ ـ وقد عرفت بما لا مزید علیه إمکان التنطّق بکلّ منهما مزدوجاً بالاُخریٰ .
الإشکال الثانی : أنّه کیف یجمع بین قولهم : إنّ المصدر واسمه موضوعان للماهیة اللابشرط وبین کون مادّة المشتقّات موضوعة لذلک مع أنّ المشتقّ لابدّ وأن یوجد فیه مبدأ الاشتقاق وشیء آخر ؛ قضاءً لحقّ الاشتقاق ، وإلاّ لاتّحد المشتقّ والمشتقّ منه .
مع أنّه لو کانت هیئة المصدر واسمه موضوعتین لنفس الطبیعة اللا بشرط یلزم التکرار فی الدلالة ؛ فی دلالة المصدر واسمه ، إحداهما دلالة هیئتهما ، والثانیة دلالة مادّتهما . والوجدان حاکم بأنّه لیس هناک إلاّ دلالة واحدة .
وفیه : أنّ الإشکال ـ علی القول بکون المصدر واسمه مبدأ المشتقّات ـ إنّما هو فی المصادر المجرّدة ، وأمّا المصادر غیر المجرّدة فلم یقل أحد بدلالتها علیٰ نفس الطبیعة اللا بشرط فقط .
مع أنّ جریان الإشکال فی المصادر المجرّدة إنّما هو إذا لم یکن المصدر دالاًّ علی الطبیعة المنتسبة واسمه علی نفس الطبیعة ، وإلاّ یحصل الفرق بینهما .
وبالجملة : لا یتوجّه صورة الإشکال إذا قلنا بأنّ مدلول المصدر الطبیعة المنتسبة ، ومدلول اسمه نفس الطبیعة .
نعم ، یتوجّه علی ما هو المشهور بین أهل الأدب من أنّ مدلول المصدر واسمه الطبیعة اللابشرط .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 54
ولکن یمکن الجواب عنه : بأنّه وضعت هیئة المصدر واسمه لإمکان التنطّق بالمادّة ، لا لإفادة المعنی وراء ما اُفید من مادّتهما ؛ وذلک لما عرفت : أنّ المادّة من حیث هی هی لا یمکن التنطّق بها ، وحیث إنّه قد تمسّ الحاجة إلی إظهار نفس المادّة ـ أی الطبیعة اللا بشرط ـ فوضعت هیئة المصدر واسمه لإمکان التنطّق به .
فعلی هذا : یکون المصدر واسمه من المشتقّات اللفظیة فقط ، بخلاف سائر المشتقّات ؛ فإنّها تکون من المشتقّات المعنویة ؛ لعدم دلالة هیئة المصدر واسمه علی معنیً غیر معنی المادّة ، بخلاف سائر الهیئات .
إن قلت : لو کانت هیئة المصدر وضعت لإمکان التنطّق بالمادّة فما السبب إلی وضع اسم المصدر لذلک أیضاً ؟
قلت : یمکن أن یقال : إنّ ذلک من جهة إلحاق بعض اللغات ببعض .
إن قلت : غایة ما تقتضیه مقالتکم إنّما هی بالنسبة إلی وضع هیئة واحدة للمصدر ، مع أنّه نری لبعض المصادر المجرّدة أوزان متعدّدة ؛ فلا یصحّ القول بکون وضع هیئات المصادر المجرّدة لإمکان التنطّق بالمادّة .
قلت : لم یثبت أنّ الأوزان المتعدّدة من واضع واحد وشخص فارد ، ولعلّها من أشخاص وطوائف مختلفة ، فاختلطت بعضها ببعض ؛ فصارت لغة واحدة .
مع أنّ مرجع هذا الإشکال إلی الإشکال علی وجود الترادف فی اللغة ولا اختصاص له بما نحن فیه ، والجواب عن إشکال الترادف فی اللغة هو الجواب فی المقام .
فتحصّل ممّا ذکرنا : صحّة وضع هیئة المصدر واسمه علیٰ نفس الطبیعة اللابشرط ، مع دلالة المادّة علیٰ ذلک ، فتدبّر .
الإشکال الثالث : هو أنّه لو کان لکلّ من المادّة والهیئة وضع علی حدة تلزم دلالة المادّة علیٰ معناها لو تحقّقت فی ضمن هیئة مهملة ، وکذا تلزم دلالة الهیئة علیٰ معناها لو تحقّقت فی ضمن مادّة غیر موضوعة ، مع أنّه لیس کذلک .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 55
الإشکال الرابع : هو أنّ لازم کون کلّ واحد منهما موضوعاً بوضع مستقلّ للمعنی هو الترکّب فی المشتقّ ؛ بحیث تدلّ هیئته علیٰ معنیً مستقلّ ، ومادّته علیٰ معنیً آخر کذلک ، مع أنّه لم یلتزم أحد ـ حتّی القائلین بترکّب المشتقّ ـ بذلک ؛ لأنّهم لم یقولوا بدلالة المشتقّ علیٰ معنیین متعدّدین مستقلّین غیر مرکّبین .
والجواب عن الإشکالین یتّضح بعد بیان مقدّمة ، وهی : أنّ لوضع المشتقّات ودلالتها وکیفیة تطبیقها شأناً لیس لغیرها ؛ وذلک لما عرفت أنّ هیئة المشتقّ لاتنفکّ عن المادّة ، کما أنّ مادّته لا تنفکّ عن الهیئة ، فکأنّهما ترکّبتا معاً ؛ ترکیباً اتّحادیاً . فالمشتقّ شیء واحد مرکّب ، فدلالته أیضاً کذلک ؛ أی تدلّ علیٰ معنیً واحد مرکّب .
وسیظهر لک جلیاً : أنّ شأن المشتقّ بین الترکیب والبساطة ؛ لا یکون مرکّباً بحیث تکون هناک دلالتین مستقلّتین ، ولا بسیطاً ، کهمزة الاستفهام . بل کما أنّ وضع کلّ من المادّة والهیئة وضع تهیّئی لازدواج الاُخری ، ومعناهما مزدوج بالاُخریٰ ، فدلالتهما أیضاً کذلک .
فالمشتقّ شیء واحد ینحلّ بحسب العقل إلی شیئین ، فتکون لفظة واحدة تقبل الانحلال إلی المتعدّد ومعنیً فارداً إلی معنیین ، فله دلالة واحدة تنحلّ إلی دلالتین ومدلولین کذلک .
إذا تمهّد لک ما ذکرنا : یظهر لک ضعف کلا الإشکالین :
لأنّ الإشکال الأوّل إنّما یرد إذا لم یکن وضع کلّ من المادّة والهیئة وضعاً تهیّئیاً لازدواج الاُخری به ، فإذا کان وضع کلّ منهما وضعاً تهیّئیاً لازدواجها مع الاُخریٰ فتکون لدلالة کلّ منهما ضیق ذاتی ، فلا مجال لتوهّم دلالة کلّ من المادّة والهیئة فی ضمن الاُخری لو کانت مهملة .
وأمّا الإشکال الثانی فإنّما یتوجّه إذا کان لکلّ منهما دلالة مستقلّة ، وقد عرفت : أنّ المشتقّ لفظ واحد ومعنیً فارد ودلالة واحدة ، لکنّه قابل للانحلال .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 56
وتوهّم : أنّ هذا منافٍ لما أسلفناه ؛ من أنّه یفهم من زنة اسم الآلة بدون المادّة معنیً ، ومن المادّة بدون الهیئة معنیً آخر .
مدفوع : بأنّ غایة ما أسلفناه هی أنّه إذا لوحظ زنة اسم الآلة ـ مثلاً ـ فیفهم أنّ لها تطوّراً ومعنیً إجمالیاً ، ولا یدلّ علی أنّها تدلّ علی المعنی مستقلاًّ . وکذلک فی جانب المادّة ؛ فإنّها تدلّ علی المعنی إجمالاً ، لا علی المعنیٰ مستقلاًّ ، فتدبّر .
ذکر وتعقیب
أجاب سیّد مشایخنا المحقّق الفشارکی قدس سره ـ علیٰ ما حکی عنه ـ عن الإشکال الأخیر : بأنّ المادّة ملحوظة أیضاً فی وضع الهیئات ، فیکون الموضوع هی المادّة المتهیّئة بالهیئة الخاصّة ـ وهو الوضع الحقیقی الدالّ علی المعنیٰ ـ ولیس الوضع الأوّل إلاّ مقدّمة لهذا الوضع وتهیئة له . ولا نُبالی بعدم تسمیة الأوّل وضعاً ؛ إذ تمام المقصود هو الوضع الثانی .
ولکن فیه ـ مضافاً إلی أنّه یزید فی الإشکال ـ غیر تامّ فی نفسه ؛ وذلک لأنّه لو کانت المادّة موضوعة للمعنیٰ أوّلاً فدلالتها علیه قهریة ، ولا معنی لوضع اللفظ لمعنیً لا یدلّ علیه .
مع أنّه لو لم تکن للمادّة الکذائیة معنیً لا یصحّ جعلها مادّة للمشتقّات ؛ لأنّ المبدأ لابدّ وأن یکون له معنیً ساریاً فی جمیع المشتقّات ، والمفروض أنّ المادّة الکذائیة لم تکن لها معنیً .
مـع أنّ غایـة ما یقتضی وضعها تهیّئیةً هـی عـدم دلالتها مستقلّة ، وأمّا أصل الدلالة ـ ولو تبعاً ـ فلا . فیلزم التعدّد فـی الدلالـة علی نفس الحـدث ؛ لأنّه یفهم
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 57
من الوضـع الأوّل ذات الحـدث ، ومن الوضـع الثانی الحدث المتحیّث بمفاد الهیئـة .
ثمّ إنّ الوضع الثانی ـ أی المادّة المتهیّئة ـ لو کان فی کلّ مورد علی حدة بأوضاع متعدّدة فیستلزم کون الوضع فی المشتقّات شخصیاً ، وهو خلاف الوجدان .
ولـو صـحّ ذلک فلا یحتاج إلی تصویر مبـدأ الاشتقاق ؛ لصیرورتـه مـن الجوامـد ، مـع أنّه حینئذٍ لا یحتاج إلی وضـع المادّة مستقـلاًّ بدون الهیئـة ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 58