الأمر الرابع عشر فـی المشتـق

الجهة الخامسة فی کیفیة وضع المشتقّات

الجهة الخامسة فی کیفیة وضع المشتقّات

‏ ‏

‏وقع الخلاف فی أنّه هل وضع کلّ من المادّة والهیئة وضعاً مستقلاًّ ، أو أنّهما‏‎ ‎‏وضعتا معاً .‏

‏لا ینبغی الإشکال فی أنّه من لاحظ المشتقّات یری أنّ هیئة واحدة ـ کزنة‏‎ ‎‏الفاعل مثلاً ـ جاریة فی موادّ ، کالضاحک والتاجر والقادر ونحوها ؛ فإنّها تشترک فی‏‎ ‎‏أنّ هیئتها واحدة ؛ وهی زنة الفاعل ، وتختلف من حیث الموادّ ، وهو واضح .‏

‏کما أنّه یری لهیئات مختلفة مادّة واحدة کضرب ویضرب وضارب ومضرب‏‎ ‎‏وهکذا ؛ فإنّها تشترک فی مادّة واحدة ؛ وهی «الضاد والراء والباء» .‏

‏وبالجملة : إنّا بعد ملاحظة المشتقّات نریٰ هیئة واحدة ساریة فی الموادّ المختلفة ،‏‎ ‎‏ومادّة واحدة مندکّة فی هیئات متعدّدة .‏

‏ومعنیٰ وضـع المادّة والهیئة معاً هـو وضـع کلّ مـن المشتقّات وضعاً علیٰ‏‎ ‎‏حـدة ، نظیر وضع الجوامد . فلکلّ مـن الضاحک والتاجـر والقادر ، والمضـروب‏‎ ‎‏والمقـدور والمشکـور ، إلی غیر ذلک وضـع یخصّه ، کما یخصّ ذلک کلّ مـن زید‏‎ ‎‏وعمرو وبکر وغیرهم .‏

فعلی هذا :‏ لابدّ من تخلّل أوضاع شخصیة بعدد المشتقّات ، من دون أن یکون‏‎ ‎‏هناک اشتقاق ، بل تکون المادّة والصورة فیها نظیر المادّة والصورة فی ألفاظ الجوامد ؛‏‎ ‎‏فکما أنّ لفظة زید ـ مثلاً ـ وضعت بمادّته وصورته لمعنیً ، فکذلک ضارب وضع بمادّته‏‎ ‎‏وهیئته لمعنیً .‏

‏کما أنّ معنیٰ وضع کلّ من المادّة أو الهیئة لمعنیً هو أنّه لکلّ من المادّة أو الهیئة‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 49
‏وضع یخصّه ، فعلیه یقع البحث فی ما وضع له المادّة أو الهیئة ؛ بأنّ المادّة لأیّ شیء‏‎ ‎‏وضعت ؟ والهیئة لأیّ أمرٍ وضعت ؟‏

فنقول : لا یخلو فی مقام الثبوت :

‏إمّا أن نقول بوضع المادّة عاریة عن جمیع الجهات إلاّ عن جهة ترتّب حروفها‏‎ ‎‏لمعنیً لا بشرط ، أو لم نقل کذلک . وعلی الثانی لابدّ من تجشم وضع المادّة فی ضمن کلّ‏‎ ‎‏هیئة لمعنیً ؛ لأنّ دلالة الألفاظ بعد ما لم تکن ذاتیة تکون تابعة للوضع ، وواضح : أنّ‏‎ ‎‏مادّة «ضرب» مثلاً تدلّ علی معنیً غیر ما تدلّ علیه مادّة «یضرب» ؛ لعدم محفوظیة‏‎ ‎‏ما تدلّ علی المادّة لولا وضعها للمادّة المشترکة .‏

‏وأمّا لو قلنا بوضـع المادّة لمعنیً لا بشـرط فلا نحتاج إلی تکلّف الوضـع لکلّ‏‎ ‎‏واحـدٍ واحـدٍ منها ، بل لو أمکن الوضـع کذلک یکون الوضـع علی النحـو الآخـر‏‎ ‎‏لغـواً مستهجناً .‏

فیقع الکلام :‏ فی إمکان الوضع لکلّ من المادّة والصورة ، بعد عدم انفکاک‏‎ ‎‏إحداهما عن الاُخریٰ ، بل یکون احتیاج إحداهما إلی الاُخریٰ نظیر احتیاج الهیولیٰ‏‎ ‎‏إلی الصورة فی الحقائق الخارجیة .‏

‏فکما أنّ کلاًّ من الهیولیٰ والصورة محتاجة إلی الاُخریٰ فی التحقّق ، ولا یمکن‏‎ ‎‏أن یقال إنّ وجود الصورة مقدّم علی الهیولیٰ أو بالعکس ، فکذلک المادّة والهیئة فیما نحن‏‎ ‎‏فیه ؛ فلا یصحّ أن یقال إنّ المادّة مع الهیئة الموضوعة وضعت لمعنیً ، أو الهیئة مع المادّة‏‎ ‎‏الموضوعة وضعت لکذا .‏

‏بل یمکن أن یقال : إنّ المحذور فیما نحن فیه أشدّ من المحذور فی باب الهیولیٰ‏‎ ‎‏والصورة ؛ لأنّه یمکن أن یقال هناک : إنّ الهیولیٰ والصورة وجدتا معاً ، من دون تقدّم‏‎ ‎‏وتأخّر ، وأمّا فیما نحن فیه فحیث إنّ الغرض إرادة الوضع لکلّ من المادّة والهیئة‏‎ ‎‏علی حدة ومستقلاًّ فلا یمکن أن یقال إنّهما وضعتا معاً ، وهو واضح .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 50
فتحصّل :‏ أنّه لا یمکن انفکاک کلّ من المادّة والهیئة عن الاُخریٰ ؛ فلا یصحّ‏‎ ‎‏وضع المادّة فی ضمن الهیئة الموضوعة ، أو بالعکس .‏

نعم ،‏ یمکن تصویر ذلک بأحد الوجوه :‏

إمّا بأن یقال :‏ إنّ المشتقّات فی ابتداء الأمر کانت جامدة ؛ بأن وضعت لفظة‏‎ ‎‏«الضرب» مثلاً لمعنیً کما وضعت لفظة «الإنسان» لمعنیً ، ثمّ بمرور الزمان وتوفّر‏‎ ‎‏الدواعی وکثرة الاحتیاج إلی تفهیم المقاصد والمطالب وتفهّمها وجدت الاشتقاقات .‏

أو یقال :‏ إنّ المادّة وضعت أوّلاً فی ضمن هیئة غیر موضوعة ، ثمّ وضعت الهیئة‏‎ ‎‏فی ضمن المادّة الموضوعة .‏

أو یقال بالعکس ؛‏ بأن وضعت الهیئة أوّلاً فی ضمن مادّة غیر موضوعة ، ثمّ‏‎ ‎‏وضعت المادّة فی ضمن الهیئة الموضوعة ، هذا .‏

‏وحیث لم یکن لنا طریق إلی معرفة کیفیة الوضع فی ابتداء الأمر فإذا اُرید إفادة‏‎ ‎‏المادّة بمعناها فی تطوّرها بکلّ هیئة من الهیئات ـ من غیر تجرید ولا زیادة ـ فلا‏‎ ‎‏مناص إلاّ أن یقال : إنّ الواضع تصوّر المادّة فی ضمن هیئةٍ ما ، وجعل الهیئة آلةً للحاظ‏‎ ‎‏المادّة المجرّدة عن جمیع الجهات إلاّ کونها متوالیة ، فوضعها للمعنی الحرفی اللابشرط‏‎ ‎‏الساری فی الهیئات .‏

وبما ذکـرنا ظهـر :‏ أنّه لا یصلـح أن یکـون المصـدر أو اسمـه أو الفعل مبـدأ‏‎ ‎‏الاشتقاق ؛ وذلک لأنّ کـلاًّ منها له هیئـة وصـورة ، ولا یمکن أن تقبل الصـورة‏‎ ‎‏صـورة اُخری‏‎[1]‎‏ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 51
‏ولا أظنّ نحـویاً فهیماً یریٰ أنّ المصـدر بهیئتـه ـ مثلاً ـ مبدأ للمشتقّات ؛ لأنّ‏‎ ‎‏هیئـة المصـدریة أیضاً مشتق ، وإن حکـی عـن الکوفیین : أنّه المصـدر ، کما حکـی‏‎ ‎‏عن البصریین : أنّه الفعل ، إلاّ أن یرید معنیً سنشیر إلیٰ بیانه .‏

‏هذا کلّه فـی جانب المادّة .‏

وهکذا فـی جانب الهیئة ؛‏ بأن تصـوّر زنـة الفاعل ـ مثلاً ـ فـی ضمن مادّة‏‎ ‎‏مـن المـوادّ ؛ بحیث لم تکن المادّة ملحـوظة إلاّ آلـة وعبرة للحاظ الهیئة . فوضـع‏‎ ‎‏الهیئـة للمعنیٰ نظیـر ما ذکـرنا فی وضـع المعانـی الحـرفیة ؛ حیث یلحظ المعنی‏‎ ‎‏الاسمی ، فیوضـع اللفظ للمعنی الحـرفی وما یکون مصـداقاً له ، هـذا کلّه بحسب مقام‏‎ ‎‏الثبوت والإمکان .‏

فظهر وتحقّق لک :‏ إمکان وضع المادّة فی ضمن هیئة للمعنی اللابشرط ،‏‎ ‎‏وإمکان وضع الهیئة فی ضمن معنیً اسمی للمعنی الحرفی .‏

وأمّا بحسب مقام الإثبات والتصدیق :

‏فنقول : لا یهمّنا إثبات حالها فـی أوّل الأمـر ، وأمّا بعـد ما صارت اللغـة‏‎ ‎‏حیـة ووقعت بأیدینا فنقول :‏

‏إنّ القول بوضع المادّة والهیئة معاً لکلّ واحدٍ واحدٍ من المشتقّات خلاف‏‎ ‎‏الوجدان والضرورة ، مضافاً إلی لزومه الوضع الشخصی فی المادّة والهیئة . ولا أظنّ‏‎ ‎‏الالتزام به من أحد .‏

‏مع أنّا قد نعلم معنی المادّة ونجهل معنی الهیئة ، وقد یکون بالعکس ، مثلاً :‏

‏تارة یعلم أنّ القرض بمعنی القطع ، لکن لم یعلم أنّ زنة المقراض لأیّ شیء ،‏‎ ‎‏واُخریٰ یعلم أنّ زنة المقراض اسم الآلة ، ولکن لم یعلم معنی القرض . فانفکاک کلّ‏‎ ‎‏من المادّة والهیئة فی الدلالة دلیل علی أنّ لکلّ من المادّة والهیئة وضع علی حدة ، وأنّه‏‎ ‎‏لم یوضعا معاً بالوضع الشخصی .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 52

تنبیه

‏ ‏

‏لایخفیٰ : أنّ المادّة موضـوعة بالوضـع الشخصـی بنحـو الوضـع العامّ‏‎ ‎‏والمـوضوع له العامّ .‏

فما یظهر من المحقّق العراقی ‏قدس سره‏‏ : من أنّ وضع مادّة المشتقّ کوضع هیئته وضع‏‎ ‎‏نوعی ، بخلاف وضع الجوامد فإنّه وضع شخصی ؛ لأنّها بمادّتها وهیئتها معاً موضوعة‏‎ ‎‏للدلالة علیٰ معنیً واحد‏‎[2]‎‏ .‏

کأنّه غیر وجیه ،‏ إلاّ أن یراد بالوضع الشخصی ما یکون نظیر الأعلام ، فتخرج‏‎ ‎‏المادّة عن کونها کذلک ؛ لتطوّرها فی ضمن هیئات متعدّدة ، ولا مشاحّة فی‏‎ ‎‏الاصطلاح .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 53

  • )) قلت : وبعبارة اُخری : الماهیة بمنزلة الصورة النوعیة للشیء ؛ فکما أنّ شیئیة الشیء بصورته ، ومع قبوله صورة لا یطرأ علیها صورة اُخری ، فکذا فیما نحن فیه . فلهیئة المصدر أو اسمه أو للفعل صورة وفعلیة ، فلا یطرأ صورة اُخری علیها [المقرّر حفظه الله ] .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 155 .