الجهة الخامسة فی کیفیة وضع المشتقّات
وقع الخلاف فی أنّه هل وضع کلّ من المادّة والهیئة وضعاً مستقلاًّ ، أو أنّهما وضعتا معاً .
لا ینبغی الإشکال فی أنّه من لاحظ المشتقّات یری أنّ هیئة واحدة ـ کزنة الفاعل مثلاً ـ جاریة فی موادّ ، کالضاحک والتاجر والقادر ونحوها ؛ فإنّها تشترک فی أنّ هیئتها واحدة ؛ وهی زنة الفاعل ، وتختلف من حیث الموادّ ، وهو واضح .
کما أنّه یری لهیئات مختلفة مادّة واحدة کضرب ویضرب وضارب ومضرب وهکذا ؛ فإنّها تشترک فی مادّة واحدة ؛ وهی «الضاد والراء والباء» .
وبالجملة : إنّا بعد ملاحظة المشتقّات نریٰ هیئة واحدة ساریة فی الموادّ المختلفة ، ومادّة واحدة مندکّة فی هیئات متعدّدة .
ومعنیٰ وضـع المادّة والهیئة معاً هـو وضـع کلّ مـن المشتقّات وضعاً علیٰ حـدة ، نظیر وضع الجوامد . فلکلّ مـن الضاحک والتاجـر والقادر ، والمضـروب والمقـدور والمشکـور ، إلی غیر ذلک وضـع یخصّه ، کما یخصّ ذلک کلّ مـن زید وعمرو وبکر وغیرهم .
فعلی هذا : لابدّ من تخلّل أوضاع شخصیة بعدد المشتقّات ، من دون أن یکون هناک اشتقاق ، بل تکون المادّة والصورة فیها نظیر المادّة والصورة فی ألفاظ الجوامد ؛ فکما أنّ لفظة زید ـ مثلاً ـ وضعت بمادّته وصورته لمعنیً ، فکذلک ضارب وضع بمادّته وهیئته لمعنیً .
کما أنّ معنیٰ وضع کلّ من المادّة أو الهیئة لمعنیً هو أنّه لکلّ من المادّة أو الهیئة
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 49
وضع یخصّه ، فعلیه یقع البحث فی ما وضع له المادّة أو الهیئة ؛ بأنّ المادّة لأیّ شیء وضعت ؟ والهیئة لأیّ أمرٍ وضعت ؟
فنقول : لا یخلو فی مقام الثبوت :
إمّا أن نقول بوضع المادّة عاریة عن جمیع الجهات إلاّ عن جهة ترتّب حروفها لمعنیً لا بشرط ، أو لم نقل کذلک . وعلی الثانی لابدّ من تجشم وضع المادّة فی ضمن کلّ هیئة لمعنیً ؛ لأنّ دلالة الألفاظ بعد ما لم تکن ذاتیة تکون تابعة للوضع ، وواضح : أنّ مادّة «ضرب» مثلاً تدلّ علی معنیً غیر ما تدلّ علیه مادّة «یضرب» ؛ لعدم محفوظیة ما تدلّ علی المادّة لولا وضعها للمادّة المشترکة .
وأمّا لو قلنا بوضـع المادّة لمعنیً لا بشـرط فلا نحتاج إلی تکلّف الوضـع لکلّ واحـدٍ واحـدٍ منها ، بل لو أمکن الوضـع کذلک یکون الوضـع علی النحـو الآخـر لغـواً مستهجناً .
فیقع الکلام : فی إمکان الوضع لکلّ من المادّة والصورة ، بعد عدم انفکاک إحداهما عن الاُخریٰ ، بل یکون احتیاج إحداهما إلی الاُخریٰ نظیر احتیاج الهیولیٰ إلی الصورة فی الحقائق الخارجیة .
فکما أنّ کلاًّ من الهیولیٰ والصورة محتاجة إلی الاُخریٰ فی التحقّق ، ولا یمکن أن یقال إنّ وجود الصورة مقدّم علی الهیولیٰ أو بالعکس ، فکذلک المادّة والهیئة فیما نحن فیه ؛ فلا یصحّ أن یقال إنّ المادّة مع الهیئة الموضوعة وضعت لمعنیً ، أو الهیئة مع المادّة الموضوعة وضعت لکذا .
بل یمکن أن یقال : إنّ المحذور فیما نحن فیه أشدّ من المحذور فی باب الهیولیٰ والصورة ؛ لأنّه یمکن أن یقال هناک : إنّ الهیولیٰ والصورة وجدتا معاً ، من دون تقدّم وتأخّر ، وأمّا فیما نحن فیه فحیث إنّ الغرض إرادة الوضع لکلّ من المادّة والهیئة علی حدة ومستقلاًّ فلا یمکن أن یقال إنّهما وضعتا معاً ، وهو واضح .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 50
فتحصّل : أنّه لا یمکن انفکاک کلّ من المادّة والهیئة عن الاُخریٰ ؛ فلا یصحّ وضع المادّة فی ضمن الهیئة الموضوعة ، أو بالعکس .
نعم ، یمکن تصویر ذلک بأحد الوجوه :
إمّا بأن یقال : إنّ المشتقّات فی ابتداء الأمر کانت جامدة ؛ بأن وضعت لفظة «الضرب» مثلاً لمعنیً کما وضعت لفظة «الإنسان» لمعنیً ، ثمّ بمرور الزمان وتوفّر الدواعی وکثرة الاحتیاج إلی تفهیم المقاصد والمطالب وتفهّمها وجدت الاشتقاقات .
أو یقال : إنّ المادّة وضعت أوّلاً فی ضمن هیئة غیر موضوعة ، ثمّ وضعت الهیئة فی ضمن المادّة الموضوعة .
أو یقال بالعکس ؛ بأن وضعت الهیئة أوّلاً فی ضمن مادّة غیر موضوعة ، ثمّ وضعت المادّة فی ضمن الهیئة الموضوعة ، هذا .
وحیث لم یکن لنا طریق إلی معرفة کیفیة الوضع فی ابتداء الأمر فإذا اُرید إفادة المادّة بمعناها فی تطوّرها بکلّ هیئة من الهیئات ـ من غیر تجرید ولا زیادة ـ فلا مناص إلاّ أن یقال : إنّ الواضع تصوّر المادّة فی ضمن هیئةٍ ما ، وجعل الهیئة آلةً للحاظ المادّة المجرّدة عن جمیع الجهات إلاّ کونها متوالیة ، فوضعها للمعنی الحرفی اللابشرط الساری فی الهیئات .
وبما ذکـرنا ظهـر : أنّه لا یصلـح أن یکـون المصـدر أو اسمـه أو الفعل مبـدأ الاشتقاق ؛ وذلک لأنّ کـلاًّ منها له هیئـة وصـورة ، ولا یمکن أن تقبل الصـورة صـورة اُخری .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 51
ولا أظنّ نحـویاً فهیماً یریٰ أنّ المصـدر بهیئتـه ـ مثلاً ـ مبدأ للمشتقّات ؛ لأنّ هیئـة المصـدریة أیضاً مشتق ، وإن حکـی عـن الکوفیین : أنّه المصـدر ، کما حکـی عن البصریین : أنّه الفعل ، إلاّ أن یرید معنیً سنشیر إلیٰ بیانه .
هذا کلّه فـی جانب المادّة .
وهکذا فـی جانب الهیئة ؛ بأن تصـوّر زنـة الفاعل ـ مثلاً ـ فـی ضمن مادّة مـن المـوادّ ؛ بحیث لم تکن المادّة ملحـوظة إلاّ آلـة وعبرة للحاظ الهیئة . فوضـع الهیئـة للمعنیٰ نظیـر ما ذکـرنا فی وضـع المعانـی الحـرفیة ؛ حیث یلحظ المعنی الاسمی ، فیوضـع اللفظ للمعنی الحـرفی وما یکون مصـداقاً له ، هـذا کلّه بحسب مقام الثبوت والإمکان .
فظهر وتحقّق لک : إمکان وضع المادّة فی ضمن هیئة للمعنی اللابشرط ، وإمکان وضع الهیئة فی ضمن معنیً اسمی للمعنی الحرفی .
وأمّا بحسب مقام الإثبات والتصدیق :
فنقول : لا یهمّنا إثبات حالها فـی أوّل الأمـر ، وأمّا بعـد ما صارت اللغـة حیـة ووقعت بأیدینا فنقول :
إنّ القول بوضع المادّة والهیئة معاً لکلّ واحدٍ واحدٍ من المشتقّات خلاف الوجدان والضرورة ، مضافاً إلی لزومه الوضع الشخصی فی المادّة والهیئة . ولا أظنّ الالتزام به من أحد .
مع أنّا قد نعلم معنی المادّة ونجهل معنی الهیئة ، وقد یکون بالعکس ، مثلاً :
تارة یعلم أنّ القرض بمعنی القطع ، لکن لم یعلم أنّ زنة المقراض لأیّ شیء ، واُخریٰ یعلم أنّ زنة المقراض اسم الآلة ، ولکن لم یعلم معنی القرض . فانفکاک کلّ من المادّة والهیئة فی الدلالة دلیل علی أنّ لکلّ من المادّة والهیئة وضع علی حدة ، وأنّه لم یوضعا معاً بالوضع الشخصی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 52
تنبیه
لایخفیٰ : أنّ المادّة موضـوعة بالوضـع الشخصـی بنحـو الوضـع العامّ والمـوضوع له العامّ .
فما یظهر من المحقّق العراقی قدس سره : من أنّ وضع مادّة المشتقّ کوضع هیئته وضع نوعی ، بخلاف وضع الجوامد فإنّه وضع شخصی ؛ لأنّها بمادّتها وهیئتها معاً موضوعة للدلالة علیٰ معنیً واحد .
کأنّه غیر وجیه ، إلاّ أن یراد بالوضع الشخصی ما یکون نظیر الأعلام ، فتخرج المادّة عن کونها کذلک ؛ لتطوّرها فی ضمن هیئات متعدّدة ، ولا مشاحّة فی الاصطلاح .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 53