الأمر الرابع عشر فـی المشتـق

ذکر وتعقیب

ذکر وتعقیب

‏ ‏

‏وقد تصدّیٰ جملة من الأعاظم لدفع الإشکال ودخول اسم الزمان فی محطّ‏‎ ‎‏البحث بوجوه ، لا تخلو جمیعها عن الإشکال :‏

منها :‏ ما أفاده المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‎[1]‎‏ ـ وهو أحسن ما اُجیب به عن‏‎ ‎‏الإشکال ـ وهو : أنّ انحصار مفهوم عامّ بفرد ـ کما فی المقام ـ لا یوجب أن یکون وضع‏‎ ‎‏اللفظ بإزاء الفرد دون العامّ ، وإلاّ لما وقع الخلاف فیما وضع له لفظ الجلالة ، مع أنّ‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 43
‏الواجب موضوع للمفهوم العامّ مع انحصاره فیه تعالی‏‎[2]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ غایة ما تقتضیه مقالته هو إمکان وضع اللفظ لمعنیً لا یکون له‏‎ ‎‏مصداق لا فی الخارج ولا فی الذهن .‏

‏وأنت خبیر : بأنّ مجرّد ذلک لا یقتضی کون الوضع کذلک عقلائیاً ؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏الوضع لابدّ وأن یکون لغرض الإفادة والاستفادة ، فإذا لم یکن للزمان مصداق‏‎ ‎‏خارجی ولا ذهنی فیکون الوضع له لغواً وعبثاً .‏

‏وأمّا تنظیر المقام بالواجب ففی غیر محلّه ؛ لعدم انحصار مفهوم الواجب فیه‏‎ ‎‏تعالیٰ ؛ ضرورة أنّه کما یصدق علی الواجب بالذات ـ وهو ذاته المقدّسة ـ فکذلک‏‎ ‎‏یصدق علیٰ ما یکون واجباً للغیر وبالقیاس إلی الغیر .‏

‏نعم ، مفهوم الواجب بالذات مصداقه منحصر فیه تعالی ، ولکن لم یکن‏‎ ‎‏للمرکّب من اللفظین ـ أعنی الواجب بالذات ـ وضع علیٰ حدة ، فتدبّر .‏

إن قلت :‏ ما تقول فی لفظتی الشمس والقمر ؛ حیث إنّهما موضوعتان للمعنیین‏‎ ‎‏الکلّیین ، ومع ذلک لا یکون لهما فی الخارج إلاّ مصداق واحد ؟ فلیکن اسم الزمان‏‎ ‎‏کذلک .‏

قلت :‏ لا یبعد أن تکون  لفظة الشمس والقمر اسمین للجرمین النیّرین‏‎ ‎‏المعلومین ، نظیر الوضع فی الأعلام الشخصیة ، کلفظ «الله » حیث تکون عَلَماً لذاته‏‎ ‎‏المقدّسة .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 44
‏ولو سلّم کونهما موضوعین للمفهومین الکلّیین ، ولکن نقول بالفرق بینهما وبین‏‎ ‎‏اسم الزمان ؛ وذلک لأنّ الوضع فیهما لعلّه للاحتیاج إلی إفهام معانیهما العامّة أحیاناً ،‏‎ ‎‏فملاک الوضع موجود هناک . بخلاف الزمان فإنّه ذات متصرّمة آبیة عن البقاء مع‏‎ ‎‏انقضاء المبدأ عنه عند العقل والعرف ، فالفرق بینهما واضح .‏

ومنها :‏ ما أفاده المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ ، وقد سبقه إلی ذلک المحقّق صاحب‏‎ ‎‏«الحاشیة» ‏‏قدس سره‏‏ فی أحد وجهیه‏‎[3]‎‏ : وهو أنّ اسم الزمان کالمقتل ـ مثلاً ـ عبارة عن‏‎ ‎‏الزمان الذی وقع فیه القتل ؛ وهو الیوم العاشر من المحرّم . والیوم العاشر لم یوضع‏‎ ‎‏بإزاء خصوص ذلک الیوم المنحوس الذی وقع فیه القتل ، بل وضع لمعنیً کلّی متکرّر‏‎ ‎‏فی کلّ سنة ، وکان ذلک الیوم الذی وقع فیه القتل فرداً من أفراد ذلک المعنی العامّ‏‎ ‎‏المتجدّد فی کلّ سنة .‏

‏فالذات فی اسم الزمان إنّما هو ذلک المعنی العامّ ، وهو باقٍ حسب بقاء الحرکة‏‎ ‎‏الفلکیة ، وقد انقضیٰ عنه المبدأ ، الذی هو عبارة عن القتل . فلا فرق بین الضارب وبین‏‎ ‎‏المقتل ؛ إذ کما أنّ الذات فی مثل الضارب باقیة وقد انقضیٰ عنها الضرب ، فکذلک‏‎ ‎‏الذات فی مثل المقتل ، الذی هو عبارة عن الیوم العاشر من المحرّم ؛ لتجدّد ذلک الیوم‏‎ ‎‏فی کلّ سنة ، وقد انقضی عنها القتل‏‎[4]‎‏ ،انتهی .‏

وفیه أوّلاً :‏ أنّ ما أفاداه من باب خلط مفهوم بمفهوم آخر ؛ لأنّ الکلام فی‏‎ ‎‏مفهوم المقتل ـ الذی هو اسم الزمان ـ لا فی الیوم العاشر من المحرّم ، وواضح : أنّ‏‎ ‎‏مفهوم المقتل هو زمان الذی وقع فیه الحدث ، لا مفهوم الیوم العاشر .‏

وثانیاً :‏ أنّ کلّی عاشر المحرّم غیر وعاء الحدث ، وما یکون وعاؤه هو مصـداق‏‎ ‎‏منه ـ الذی تحقّق فیه القتل ؛ وهو عاشر محرّم سنة 61 هجریة ـ ومن الواضح : أنّه‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 45
‏غیر باقٍ قطعاً ، وما یوجد فی کلّ سنة هو مصادیقه الآخر ؛ فلم تکن الذات باقیة .‏

‏ولازم ما أفاداه : أنّه لو ارتکب زید قتلاً ـ مثلاً ـ فیصدق علیٰ طبیعی الإنسان‏‎ ‎‏أنّه قاتل باعتبار ارتکاب مصداق منه ، فبعد موته فحیث یصدق علی عمرو طبیعی‏‎ ‎‏القاتل ؛ فلابدّ من قصاصه ، وهو کما تریٰ .‏

ومنها :‏ وهو وجه آخر للمحقّق صاحب «الحاشیة» ‏‏قدس سره‏‎[5]‎‏ ، وقاله بعض‏‎[6]‎‏ ‏‎ ‎‏حاصله : أنّ الزمان له اعتباران :‏

‏1 ـ الزمان المنطبق علی الحرکة القطعیة ، وهی متصرّمة الوجود .‏

‏2 ـ الآن السیّال المعبّر عنه بالحرکة التوسّطیة .‏

‏والإشکال إنّما یتوجّه لو اُخذ الزمان بنحو الحرکة القطعیة المتصرّمة . وأمّا لو‏‎ ‎‏اُخذ بنحو الآن السیّال فله بهذا الاعتبار تحقّق وبقاء ، وبهذا اللحاظ یجری‏‎ ‎‏الاستصحاب فی الزمان والزمانیات علیٰ ما یأتی ـ إن شاء الله ـ فی الاستصحاب .‏

‏فإذا اتّصف جزء من النهار بحدث کالقتل ـ مثلاً ـ صحّ أن یقال بلحاظ ذلک‏‎ ‎‏الجزء : یوم القتل ، مع أنّ الآن المتّصف بذلک العرض قد تصرّم وانعدم .‏

وفیه أوّلاً :‏ أنّ الآن السیّال وإن قالـه بعـض ولکـن لم نفهمه ، بل لا وجـود له‏‎ ‎‏فی الخارج .‏

وثانیاً :‏ لـو سلّم تعقّل الآن السیّال ، لکنّه کلّی یصدق علـی الآنات المتبادلـة .‏‎ ‎‏فالآنات متصرّمـة متبادلـة ، لا استقرار لها ولا ثبات . فالآن الـذی وقـع فیه‏‎ ‎‏الحـدث غیر باقٍ .‏

‏وهـذا نظیر بقاء الإنسان مـن لدن خلـق الله تعالی آدم ـ علیٰ نبینا وآلـه‏‎ ‎‏وعلیه السلام ـ إلیٰ زماننا هـذا ؛ حیث إنّ المـراد ببقاء الإنسان لـم یکن بقاء الفرد‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 46
‏منـه إلی زماننا ، بل معناه : أنّ للإنسان فی عمود هـذه الأزمان مصـداقاً فی الخارج .‏

‏ولا یخفیٰ : أنّ هذا الوجه عبارة اُخریٰ من الوجه السابق ، ولکنّه بوجه معقول‏‎ ‎‏فلسفی ، وقد عرفت ضعفه ، إجماله : أنّ الآنات متصرّمة ، والآن الذی وقع فیه الحدث‏‎ ‎‏قد تصرّم ، والآنات المتبادلة لا استقرار لها .‏

ومنها :‏ مـا أفاده بعـض المحقّقین ‏‏قدس سره‏‏ من أنّ الـزمان هـویة متصلـة باقیـة‏‎ ‎‏عـرفاً وعقـلاً :‏

‏أمّا بقاؤه عرفاً فواضح .‏

‏وأمّا عقلاً : فلأنّه لو لم یکن باقیاً بالوحدة الوجودیة یلزم تتالی الآنات ،‏‎ ‎‏واستحالته معلومة مقرّرة فی محلّه ، کاستحالة الأجزاء الفردیة والجزء الذی لا یتجزأ .‏

‏فمـع بقاء الـزمان عرفاً وعقلاً فإذا وقعت حادثة فی قطعـة منه یصـحّ أن یقال :‏‎ ‎‏إنّ الوجـود الباقی تلبّس بالمبـدأ وانقضیٰ عنـه . فکما إذا وقـع القتل ـ مثلاً ـ فی حدّ‏‎ ‎‏مـن حـدود یوم یریٰ بقاء الیوم إلی اللیل ومتلبّساً بالمبدأ ومنقضیاً عنه مـع بقائـه ،‏‎ ‎‏فکذلک یطلق المقتل علی الیوم بعـد انقضاء التلبّس ، کإطـلاق العالم علی زیـد بعد‏‎ ‎‏انقضاء العلم‏‎[7]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ العرف ـ کالعقل ـ کما یحکم بالوحدة الاتّصالیة للزمان یریٰ له تجدّد‏‎ ‎‏وتصرّم وانقضاء . فللزمان هویة اتّصالیة متصرّمة متقضّیة ؛ فإذا وقعت حادثة فی‏‎ ‎‏جزء منه ـ کما إذا وقعت فی أوّل النهار ـ لا یریٰ زمان الوقوع باقیاً وقد انقضیٰ عنه‏‎ ‎‏المبدأ ، بل یری انقضاءه ، نعم یری الیوم باقیاً . وکم فرق بینهما ! والمعتبر فی بقاء الذات‏‎ ‎‏فی المشتقّ هو الأوّل ، وقد عرفت عدم بقائه ، دون الثانی .‏

‏وبالجملة : البقاء الذی یعتبر فی المشتقّ هو بقاء الشخص الذی یتلبّس بالمبدأ‏‎ ‎‏عیناً ، وهو غیر باقٍ فی الزمان ، والبقاء التصرّمی التجدّدی لا یدفع الإشکال ، فتدبّر .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 47
ومنها :‏ ما قاله بعض ، وهو أنّ اسم الزمان موضوع لوعاء الحدث ، من دون‏‎ ‎‏ملاحظة خصوصیة الزمان والمکان ؛ فیکون مشترکاً معنویاً موضوعاً للجامع بینهما .‏

‏فالمقتل ـ مثلاً ـ موضوع لوعاء القتل ، من دون لحاظ خصوص الزمان‏‎ ‎‏والمکان . فعلیٰ هذا : عدم صدقه علیٰ ما انقضیٰ عنه المبدأ فی خصوص الزمان‏‎ ‎‏لایوجب لغویة النزاع‏‎[8]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّه لا جامع ذاتی بین الزمان والمکان ، وکذا بین وعائیتهما للمبدأ ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الوقوع فی کلٍّ علیٰ نحوٍ یباین الآخر ، فلابدّ وأن یکون الجامع المتصور بینهما جامعاً‏‎ ‎‏انتزاعیاً ؛ وهو مفهوم الوعاء أو الظرف مثلاً .‏

‏والالتزام بوضعه لذلک خلاف المتبادر ؛ بداهة أنّه لا ینقدح فی ذهن أحد من‏‎ ‎‏اسمی الزمان والمکان مفهوم الوعاء أو الظرف ، ولا یکاد یفهم من لفظ المقتل مفهوم‏‎ ‎‏وعاء القتل أو مفهوم ظرفه ، وهو من الوضوح بمکان .‏

‏مضافاً إلی أنّ وعائیة الزمان إنّما هی بضرب من التشبیه والمسامحة ، بدعویٰ‏‎ ‎‏کون الزمان کالمکان محیطاً بالزمانی ؛ إحاطة المکان بالمتمکّن ؛ لعدم کون الزمان ظرفاً‏‎ ‎‏للزمانی حقیقة ، بل هو منتزع أو متولّد من تصرّم الطبیعة وسیلانها ، توضیحه یطلب‏‎ ‎‏من محلّه .‏

فتحصّل ممّا ذکرنا :‏ خروج أسماء الزمان عن محطّ البحث ؛ لعدم وجود ملاک‏‎ ‎‏البحث فیها ، فتدبّر .‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 48

  • )) کفایة الاُصول : 58 .
  • )) قلت : وإن شئت توضیحه فنقول : إنّ الموضوع له فی اسم الزمان عامّ ـ وهو الزمان الذی یقع فیه الحدث ـ فالمقتل موضوع لزمان یقع فیه القتل ، فهو بمفهومه یعمّ المتلبّس وما انقضیٰ عنه ، لکنّه فی الخارج حیث إنّه غیر قارّ الذات فله مصداق واحد ، فانحصاره فی الفرد المتلبّس خارجاً لا یضرّ بعمومه . کما هو الشأن فی لفظ الجلالة ؛ حیث یکون موضوعاً للمفهوم العامّ مع انحصاره فیه تعالیٰ [المقرّر حفظه الله ] .
  • )) حاشیة کفایة الاُصول ، العلاّمة القوچانی 1 : 34 / التعلیقة 67 .
  • )) فوائد الاُصول 1 : 89 .
  • )) حاشیة کفایة الاُصول ، العلاّمة القوچانی 1 : 34 / التعلیقة 67 .
  • )) حاشیة کفایة الاُصول ،المشکینی 1 : 225 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 162 ـ 164 .
  • )) نهایة الاُصول : 72 .