ذکر وتعقیب
وقد تصدّیٰ جملة من الأعاظم لدفع الإشکال ودخول اسم الزمان فی محطّ البحث بوجوه ، لا تخلو جمیعها عن الإشکال :
منها : ما أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره ـ وهو أحسن ما اُجیب به عن الإشکال ـ وهو : أنّ انحصار مفهوم عامّ بفرد ـ کما فی المقام ـ لا یوجب أن یکون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العامّ ، وإلاّ لما وقع الخلاف فیما وضع له لفظ الجلالة ، مع أنّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 43
الواجب موضوع للمفهوم العامّ مع انحصاره فیه تعالی .
وفیه : أنّ غایة ما تقتضیه مقالته هو إمکان وضع اللفظ لمعنیً لا یکون له مصداق لا فی الخارج ولا فی الذهن .
وأنت خبیر : بأنّ مجرّد ذلک لا یقتضی کون الوضع کذلک عقلائیاً ؛ ضرورة أنّ الوضع لابدّ وأن یکون لغرض الإفادة والاستفادة ، فإذا لم یکن للزمان مصداق خارجی ولا ذهنی فیکون الوضع له لغواً وعبثاً .
وأمّا تنظیر المقام بالواجب ففی غیر محلّه ؛ لعدم انحصار مفهوم الواجب فیه تعالیٰ ؛ ضرورة أنّه کما یصدق علی الواجب بالذات ـ وهو ذاته المقدّسة ـ فکذلک یصدق علیٰ ما یکون واجباً للغیر وبالقیاس إلی الغیر .
نعم ، مفهوم الواجب بالذات مصداقه منحصر فیه تعالی ، ولکن لم یکن للمرکّب من اللفظین ـ أعنی الواجب بالذات ـ وضع علیٰ حدة ، فتدبّر .
إن قلت : ما تقول فی لفظتی الشمس والقمر ؛ حیث إنّهما موضوعتان للمعنیین الکلّیین ، ومع ذلک لا یکون لهما فی الخارج إلاّ مصداق واحد ؟ فلیکن اسم الزمان کذلک .
قلت : لا یبعد أن تکون لفظة الشمس والقمر اسمین للجرمین النیّرین المعلومین ، نظیر الوضع فی الأعلام الشخصیة ، کلفظ «الله » حیث تکون عَلَماً لذاته المقدّسة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 44
ولو سلّم کونهما موضوعین للمفهومین الکلّیین ، ولکن نقول بالفرق بینهما وبین اسم الزمان ؛ وذلک لأنّ الوضع فیهما لعلّه للاحتیاج إلی إفهام معانیهما العامّة أحیاناً ، فملاک الوضع موجود هناک . بخلاف الزمان فإنّه ذات متصرّمة آبیة عن البقاء مع انقضاء المبدأ عنه عند العقل والعرف ، فالفرق بینهما واضح .
ومنها : ما أفاده المحقّق النائینی قدس سره ، وقد سبقه إلی ذلک المحقّق صاحب «الحاشیة» قدس سره فی أحد وجهیه : وهو أنّ اسم الزمان کالمقتل ـ مثلاً ـ عبارة عن الزمان الذی وقع فیه القتل ؛ وهو الیوم العاشر من المحرّم . والیوم العاشر لم یوضع بإزاء خصوص ذلک الیوم المنحوس الذی وقع فیه القتل ، بل وضع لمعنیً کلّی متکرّر فی کلّ سنة ، وکان ذلک الیوم الذی وقع فیه القتل فرداً من أفراد ذلک المعنی العامّ المتجدّد فی کلّ سنة .
فالذات فی اسم الزمان إنّما هو ذلک المعنی العامّ ، وهو باقٍ حسب بقاء الحرکة الفلکیة ، وقد انقضیٰ عنه المبدأ ، الذی هو عبارة عن القتل . فلا فرق بین الضارب وبین المقتل ؛ إذ کما أنّ الذات فی مثل الضارب باقیة وقد انقضیٰ عنها الضرب ، فکذلک الذات فی مثل المقتل ، الذی هو عبارة عن الیوم العاشر من المحرّم ؛ لتجدّد ذلک الیوم فی کلّ سنة ، وقد انقضی عنها القتل ،انتهی .
وفیه أوّلاً : أنّ ما أفاداه من باب خلط مفهوم بمفهوم آخر ؛ لأنّ الکلام فی مفهوم المقتل ـ الذی هو اسم الزمان ـ لا فی الیوم العاشر من المحرّم ، وواضح : أنّ مفهوم المقتل هو زمان الذی وقع فیه الحدث ، لا مفهوم الیوم العاشر .
وثانیاً : أنّ کلّی عاشر المحرّم غیر وعاء الحدث ، وما یکون وعاؤه هو مصـداق منه ـ الذی تحقّق فیه القتل ؛ وهو عاشر محرّم سنة 61 هجریة ـ ومن الواضح : أنّه
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 45
غیر باقٍ قطعاً ، وما یوجد فی کلّ سنة هو مصادیقه الآخر ؛ فلم تکن الذات باقیة .
ولازم ما أفاداه : أنّه لو ارتکب زید قتلاً ـ مثلاً ـ فیصدق علیٰ طبیعی الإنسان أنّه قاتل باعتبار ارتکاب مصداق منه ، فبعد موته فحیث یصدق علی عمرو طبیعی القاتل ؛ فلابدّ من قصاصه ، وهو کما تریٰ .
ومنها : وهو وجه آخر للمحقّق صاحب «الحاشیة» قدس سره ، وقاله بعض حاصله : أنّ الزمان له اعتباران :
1 ـ الزمان المنطبق علی الحرکة القطعیة ، وهی متصرّمة الوجود .
2 ـ الآن السیّال المعبّر عنه بالحرکة التوسّطیة .
والإشکال إنّما یتوجّه لو اُخذ الزمان بنحو الحرکة القطعیة المتصرّمة . وأمّا لو اُخذ بنحو الآن السیّال فله بهذا الاعتبار تحقّق وبقاء ، وبهذا اللحاظ یجری الاستصحاب فی الزمان والزمانیات علیٰ ما یأتی ـ إن شاء الله ـ فی الاستصحاب .
فإذا اتّصف جزء من النهار بحدث کالقتل ـ مثلاً ـ صحّ أن یقال بلحاظ ذلک الجزء : یوم القتل ، مع أنّ الآن المتّصف بذلک العرض قد تصرّم وانعدم .
وفیه أوّلاً : أنّ الآن السیّال وإن قالـه بعـض ولکـن لم نفهمه ، بل لا وجـود له فی الخارج .
وثانیاً : لـو سلّم تعقّل الآن السیّال ، لکنّه کلّی یصدق علـی الآنات المتبادلـة . فالآنات متصرّمـة متبادلـة ، لا استقرار لها ولا ثبات . فالآن الـذی وقـع فیه الحـدث غیر باقٍ .
وهـذا نظیر بقاء الإنسان مـن لدن خلـق الله تعالی آدم ـ علیٰ نبینا وآلـه وعلیه السلام ـ إلیٰ زماننا هـذا ؛ حیث إنّ المـراد ببقاء الإنسان لـم یکن بقاء الفرد
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 46
منـه إلی زماننا ، بل معناه : أنّ للإنسان فی عمود هـذه الأزمان مصـداقاً فی الخارج .
ولا یخفیٰ : أنّ هذا الوجه عبارة اُخریٰ من الوجه السابق ، ولکنّه بوجه معقول فلسفی ، وقد عرفت ضعفه ، إجماله : أنّ الآنات متصرّمة ، والآن الذی وقع فیه الحدث قد تصرّم ، والآنات المتبادلة لا استقرار لها .
ومنها : مـا أفاده بعـض المحقّقین قدس سره من أنّ الـزمان هـویة متصلـة باقیـة عـرفاً وعقـلاً :
أمّا بقاؤه عرفاً فواضح .
وأمّا عقلاً : فلأنّه لو لم یکن باقیاً بالوحدة الوجودیة یلزم تتالی الآنات ، واستحالته معلومة مقرّرة فی محلّه ، کاستحالة الأجزاء الفردیة والجزء الذی لا یتجزأ .
فمـع بقاء الـزمان عرفاً وعقلاً فإذا وقعت حادثة فی قطعـة منه یصـحّ أن یقال : إنّ الوجـود الباقی تلبّس بالمبـدأ وانقضیٰ عنـه . فکما إذا وقـع القتل ـ مثلاً ـ فی حدّ مـن حـدود یوم یریٰ بقاء الیوم إلی اللیل ومتلبّساً بالمبدأ ومنقضیاً عنه مـع بقائـه ، فکذلک یطلق المقتل علی الیوم بعـد انقضاء التلبّس ، کإطـلاق العالم علی زیـد بعد انقضاء العلم .
وفیه : أنّ العرف ـ کالعقل ـ کما یحکم بالوحدة الاتّصالیة للزمان یریٰ له تجدّد وتصرّم وانقضاء . فللزمان هویة اتّصالیة متصرّمة متقضّیة ؛ فإذا وقعت حادثة فی جزء منه ـ کما إذا وقعت فی أوّل النهار ـ لا یریٰ زمان الوقوع باقیاً وقد انقضیٰ عنه المبدأ ، بل یری انقضاءه ، نعم یری الیوم باقیاً . وکم فرق بینهما ! والمعتبر فی بقاء الذات فی المشتقّ هو الأوّل ، وقد عرفت عدم بقائه ، دون الثانی .
وبالجملة : البقاء الذی یعتبر فی المشتقّ هو بقاء الشخص الذی یتلبّس بالمبدأ عیناً ، وهو غیر باقٍ فی الزمان ، والبقاء التصرّمی التجدّدی لا یدفع الإشکال ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 47
ومنها : ما قاله بعض ، وهو أنّ اسم الزمان موضوع لوعاء الحدث ، من دون ملاحظة خصوصیة الزمان والمکان ؛ فیکون مشترکاً معنویاً موضوعاً للجامع بینهما .
فالمقتل ـ مثلاً ـ موضوع لوعاء القتل ، من دون لحاظ خصوص الزمان والمکان . فعلیٰ هذا : عدم صدقه علیٰ ما انقضیٰ عنه المبدأ فی خصوص الزمان لایوجب لغویة النزاع .
وفیه : أنّه لا جامع ذاتی بین الزمان والمکان ، وکذا بین وعائیتهما للمبدأ ؛ لأنّ الوقوع فی کلٍّ علیٰ نحوٍ یباین الآخر ، فلابدّ وأن یکون الجامع المتصور بینهما جامعاً انتزاعیاً ؛ وهو مفهوم الوعاء أو الظرف مثلاً .
والالتزام بوضعه لذلک خلاف المتبادر ؛ بداهة أنّه لا ینقدح فی ذهن أحد من اسمی الزمان والمکان مفهوم الوعاء أو الظرف ، ولا یکاد یفهم من لفظ المقتل مفهوم وعاء القتل أو مفهوم ظرفه ، وهو من الوضوح بمکان .
مضافاً إلی أنّ وعائیة الزمان إنّما هی بضرب من التشبیه والمسامحة ، بدعویٰ کون الزمان کالمکان محیطاً بالزمانی ؛ إحاطة المکان بالمتمکّن ؛ لعدم کون الزمان ظرفاً للزمانی حقیقة ، بل هو منتزع أو متولّد من تصرّم الطبیعة وسیلانها ، توضیحه یطلب من محلّه .
فتحصّل ممّا ذکرنا : خروج أسماء الزمان عن محطّ البحث ؛ لعدم وجود ملاک البحث فیها ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 48