تذنیب
حیث یظهر من کلام فخر المحقّقین قدس سره : أنّ تحریم المرضعة الاُولیٰ لا یبتنی علیٰ کون المشتقّ وما یلحق به حقیقة فی المتلبّس بالمبدأ ، دون المرضعة الثانیة ، صار کلامه معرکة للآراء ؛ فلا بأس بعطف عنان الکلام نحوه ، وتحقیق الأمر فی ذلک :
یظهر من المحقّق الأصفهانی قدس سره : أنّ وزان المرضعة الاُولیٰ وزان المرضعة الثانیة ملاکاً وحکماً ؛ فإنّه قال : تسلیم حرمة المرضعة الاُولی والخلاف فی الثانیة مشکل ؛ لاتّحادهما فی الملاک ؛ وذلک لأنّ اُمومة المرضعة الاُولیٰ وبنتیة المرتضعة متضائفتان متکافئتان فی القوّة والفعلیة ، وبنتیة المرتضعة وزوجیتها متضادّتان شرعاً ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 36
ففی مرتبة حصول اُمومة المرضعة تحصل بنتیة المرتضعة ، وتلک المرتبة مرتبة زوال زوجیة المرتضعة . فلیست فی مرتبة من المراتب اُمومة المرضعة مضافة إلیٰ زوجیة المرتضعة حتّیٰ تحرم بسبب کونها اُمّ الزوجة .
وبعبارة اُخریٰ ـ لعلّها أوضح ممّا ذکره قدس سره ـ : أنّه إذا تمّت الرضعات تتحقّق فی الخارج عناوین ثلاث :
1 ـ اُمومة المرضعة الاُولیٰ .
2 ـ بنتیة المرتضعة ، وهما متضائفتان ، والمتضائفتان متکافئتان قوّةً وفعلاً .
3 ـ ارتفاع زوجیـة المرتضعـة فی رتبة تحقّق البنتیة ؛ ضرورة أنّ بنتیة المرتضعـة مضـادّة مع زوجیتها ، ففی رتبـة تحقّق البنتیة ترتفـع وتـزول زوجیتها ، وإلاّ یلزم اجتماع الضدّین . فصدق عنوان الاُمومة علی الزوجة المرضعة ملازم لعدم صدق عنوان الزوجیة علی المرتضعة ؛ فلا یمکن صدق عنوان الاُمومة علی الزوجة المرضعة فی فرض صدق عنوان الزوجیة علی المرتضعة إلاّ علی القول بوضع المشتقّ وما یلحق به للأعمّ .
فابتناء فخر المحقّقین قدس سره حرمة المرضعة الثانیة علی مسألة المشتقّ دون الاُولی غیر وجیه ، بل کلتاهما مبتنیان علی مسألة المشتقّ .
وقد أجاب المحقّق العراقی قدس سره عن هذا الإشکال ؛ انتصاراً عن فخر المحقّقین قدس سره : بأنّ الرضاع المحرّم علّة لتحقّق عنوان الاُمومة وعنوان البُنوّة ، وتحقّق عنوان البنوّة للزوجة المرتضعة علّة لانتفاء عنوان الزوجیة عنها .
فانتفاء عنوان الزوجیـة عن المرتضعـة متأخّر رتبةً عـن عنوان البنوّة لها ، ولامحالـة أنّها تکـون زوجة فـی رتبة عنـوان البنوّة ؛ لاستحالة ارتفاع النقیضین فـی تلک الرتبة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 37
وبما أنّ عنوان اُمومة المرضعة ملازم لعنوان بُنوّة المرتضعة وفی رتبته تکون المرضعة اُمّاً للزوجة المرتضعة فی رتبة بنوّتها ، لا فی رتبة انتفاء زوجیتها المتأخّرة عن رتبة البُنوّة ؛ فیصدق أنّها اُمّ زوجة فی رتبة بنوّتها ، وهذا القدر من الصدق کافٍ فی شمول دلیل تحریم اُمّ الزوجة لمثل الفرض .
وبالجملة : الرضاع المحرّم علّة لتحقّق الاُمومة والبنتیة ، وهما متضائفتان متکافئتان قوّةً وفعلاً ، والبنتیة علّة لارتفاع الزوجیة . فارتفاع الزوجیة متأخّرة عنهما ؛ تأخّر المعلول عن علّته .
فإذا لم یکن عدم الزوجیة فی رتبة البنتیة فلابدّ وأن تکون الزوجیة متحقّقة هناک ؛ لأنّ ارتفاع النقیضین محال ؛ فاجتمعت الاُمومة والبنتیة والزوجیة فی رتبة واحدة . وهذا المقدار کافٍ فی شمول دلیل تحریم اُمّ الزوجة ؛ فلا یبتنی حلّ المسألة علیٰ مسألة المشتقّ .
والتحقیق فـی أصل المطلب هـو أن یقال : إنّ فتویٰ فخـر المحقّقین قدس سره بحـرمـة المرضعة الاُولی والبنت ، والإشکال فی المرضعـة الثانیة لیست مبتنیة علـی النزاع فی مسألة المشتقّ حتّی یشکل بعدم الفرق بینهما فی الابتناء علی وضع المشتق أو یجاب عن الإشکال بوجود الفرق بینهما ، بل فتواه جزماً بالنسبة إلی المرضعة الاُولی إنّما هو لقیام الإجماع والاتفاق علیه ، بل لایبعد ورود صحیح الحلبی عن أبیعبدالله علیه السلام فی مورده قال علیه السلام: «لوأنّ رجلاًتزوّج جاریة رضیعة فأرضعتهاامرأته فسدالنکاح» .
فإنّه کما یحتمل رجوع الضمیر فی قوله علیه السلام «فسد النکاح» إلی نکاح الصغیرة ، فکذلک یحتمل رجوعه إلیها وإلی امرأته الکبیرة معاً ، ولا یبعد الأخیر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 38
وأمّا إشکاله قدس سره فی حرمة المرضعة الثانیة : فلعدم ثبوت الإجماع فیها ، واستشکاله فی النص الوارد فیها ؛ لعدم خلوّه عن الإرسال ، وضعف السند المصرّح بحرمة المرضعة الاُولی ، دون الثانیة ؛ ولذا لم یعتنی به العلاّمة وابن إدریس ، وأفتیا بخلافه . فلم تکن المسألة عند فخر المحقّقین قدس سره إجماعیة ، ولا منصوصة ؛ ولذا تصدّیٰ لتحلیل هذه المسألة من طریق المشتقّ ، فتدبّر .
فظهر وتحقّق : أنّه لم یرد فخر المحقّقین قدس سره تصحیح حکم المرضعة الاُولی علی مسألة المشتقّ أصلاً ، بل بالإجماع والنصّ . ولم یظهر منه قدس سره خروجها عن بحث المشتقّ لولا النصّ والإجماع .
فإشکال المحقّق الأصفهانی قدس سره بتسلیم حرمة المرضعة الاُولیٰ والخلاف فی الثانیة غیر وجیه ، کما أنّ دعواه وحدة الملاک غیر مسموعة .
کما أنّ ما أفاده المحقّق العراقی قدس سره فی توجیه التفرقة بینهما غیر سدید ؛ لعدم
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 39
کون البنتیة علّة تکوینیة لرفع الزوجیة ، وهو واضح .
مع أنّه لا معنیٰ لعلّیة شیء لأمر عدمی ، کعدم الزوجیة فی المثال ؛ لما تقرّر فی محلّه : أنّه لا علّیة بین الأعدام . وغایة ما یستفاد من الأدلّة الشرعیة هو التمانع الوجودی والتضادّ الاعتباری بین البنتیة والزوجیة وعدم اجتماعهما ، وأنّیٰ له ولعلّیة أحدهما لانتفاء الآخر ؟ ! بل هما فی رتبة واحدة .
ألا تری : أنّ الضدّین الحقیقیین لا یجتمعان فی موضوع واحد ، وبوجود أحد الضدّین یرتفع الآخر ، ولکن مع ذلک لا یقال : إنّ وجود الضدّ سبب لانتفاء الآخر ؟ !
مضافاً إلی أنّ استفادة العلّیة الاعتباریة التی مرجعها إلیٰ موضوعیتها للحکم مرهونة بالمراجعة إلی لسان الدلیل الشرعی ، وغایة ما یستفاد من الدلیل هی عدم اجتماع الزوجیة مع الاُمومة .
أضف إلی ذلک کلّه : أنّه لم تترتّب الأحکام الشرعیة علی الرتب العقلیة التی لا حظّ لفهم المتتبّع فی ذلک .
وأمّا ما أفاده صاحب «الجواهر» قدس سره فی حرمة المرضعة : بأنّ ظاهر النصّ والفتوی الاکتفاء فی الحرمة بصدق الاُمّیة المقارنة لفسخ الزوجیة بصدق البنتیة ؛ إذ الزمان وإن کان متّحداً بالنسبة إلی الثلاثة ـ أی : البنتیة والاُمّیة وانفساخ الزوجیة ـ ضرورة کونها معلولات لعلّة واحدة ، لکن آخر زمان الزوجیة متّصل بأوّل زمان صدق الاُمّیة ؛ فلیس هی من مصادیق «اُمّ من کانت زوجتک» . بل لعلّ ذلک کافٍ فی الاندراج تحت «اُمّهات النساء» بخلاف من کانت زوجتک .
ففیه : أنّه إن أراد قدس سره الصدق الحقیقی فنمنع صدقه ، وإن أراد الصدق المسامحی فنمنع کفایته ؛ فلابدّ من تتمیم المسألة من طریق کون المشتقّ موضوعاً للأعمّ من المتلبّس ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 40
إیقاظ
لا یذهب علیک أنّ الظاهر : أنّ الحکم فی لسان الدلیل إنّما علّق علیٰ «اُمّهات النساء» ، لا علیٰ عنوان اُمّ الزوجة ؛ فتحلیل المسألة من طریق المشتقّ فرضی ساقط من أصله .
والقول بجریان النزاع فی المشتقّ فی «اُمّهات نسائکم» باعتبار کونها بمعنیٰ اُمّهات زوجاتکم کما تریٰ .
فتحصّل ممّا ذکرنا فی الجهتین : أنّ العناوین المنتزعة عن مقام الذات والذاتیات الصادقة علیها من دون لحاظ شیء خارجة عن حریم النزاع .
وأمّا هیئات المشتقّات ـ سواء کانت الصفة لازمة للذات أو مقارنة معها ، وسواء کانت ملازمة لجمیع الأفراد أو بعضها ـ فداخلة فی محلّ النزاع ؛ لما أشرنا أنّ البحث والنزاع فی هیئتها وزنتها أنفسها ، لا فی الهیئات المقارنة للموادّ .
وکذا العناوین الانتزاعیة التی لم تکن من العناوین المشتقّة ، کالزوجیة والرقّیة ونحوهما فداخلة فی حریم البحث .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 41