الأمر الرابع عشر فـی المشتـق

دخول هیئات المشتقّات فی محلّ البحث

دخول هیئات المشتقّات فی محلّ البحث

‏ ‏

‏وأمّا هیئات المشتقّات فهل هی داخلة فی محلّ البحث مطلقاً ، أو فیه تفصیل ؟‏‎ ‎‏وجهان ، بل وجوه :‏

ذهب المحقّق العراقی ‏قدس سره‏‏ إلی أنّه لابدّ فی محلّ البحث من فرض کون الذات‏‎ ‎‏التی تلبّست بالمبدأ ممّا یمکن أن تبقیٰ شخصها بعد انقضاء المبدأ عنها ، أو کون المبدأ ممّا‏‎ ‎‏ینقضی عن الذات ، مع بقائها بشخصها .‏

‏ضرورة أنّ البحث لا یتمشّیٰ فی هذه المسألة إلاّ مع تحقّق هذا القید فیها ؛ إذ لو‏‎ ‎‏کانت الذات التی یکون المشتقّ عنواناً حاکیاً عنها وجاریاً باعتبار تلبّسها بمبدئه باقیة‏‎ ‎‏بشخصها ما دامت متلبّسة بالمبدأ وفانیة بانقضائه ، أو أنّ المبدأ الذی اشتقّ منه العنوان‏‎ ‎‏الجاری علی الذات باقٍ ببقائها ، لما أمکن النزاع فی أنّ المشتقّ هل هو حقیقة‏‎ ‎‏فیخصوص المتلبّس بمبدئه ، أو فی الأعمّ منه وممّن انقضی عنه المبدأ .‏

‏ومـن هنا ظهـر : خـروج العناوین الاشتقاقیـة الذاتیـة مثل «الناطـق»‏‎ ‎‏و«الضاحک» عـن محلّ النزاع ؛ لأنّ بقاء الهیولیٰ فـی ضمـن الصـور المتواردة علیها‏‎ ‎‏لا یحقّق بقاء الـذات التی کانت متلبّسة بالمبدأ ؛ فإنّ شیئیـة الشـیء بصـورته‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 32
‏النوعیـة ، ومـع فناء تلک الصـورة لا تبقیٰ شـیء یشار إلیه .‏

‏وبالجملة : یعتبر فی دخول العناوین فی محلّ البحث وخروجها عنه إمکان‏‎ ‎‏فرض الذات بعد انقضاء المبدأ عنها وعدمه ؛ من غیر فرق بین کون ذلک العنوان‏‎ ‎‏مشتقّاً من ذلک المبدأ حسب الاصطلاح ، کعنوان العالم من العلم والقائم من القیام ، أم‏‎ ‎‏جامداً بحسبه ، کعنوان الزوج والرقّ .‏

‏ولذا خرج عن محلّ البحث مثل «الناطق» و«الضاحک» ممّا یندرج تحت عنوان‏‎ ‎‏المشتقّ . ودخل فیه ما لا یندرج تحته ، کـ «الزوج» و«الرقّ»‏‎[1]‎‏ .‏

وفصّل المحقّق الأصفهانی ‏قدس سره‏‏ بین عنوان لا یطابق له إلاّ ما هو ذاتی ،‏‎ ‎‏کالموجود والمعدوم ؛ حیث إنّ مطابقهما بالذات نفس حقیقة الوجود والعدم ، دون‏‎ ‎‏الماهیة ؛ فإنّها موجودة أو معدومة بالعرض .‏

‏وبین ما یکون بعض مصادیقه ذاتیاً له وبعضها غیر ذاتی له ، کالعالم فإنّ بعض‏‎ ‎‏مصادیقه ـ کالله تعالیٰ ـ تکون ذاته بذاته ولذاته مطابقاً لصفاته بلا حیثیة تعلیلیة ولا‏‎ ‎‏تقییدیة . وبالنسبة إلیٰ غیره تعالیٰ لا یکون ذاتیاً له‏‎[2]‎‏ .‏

‏فقال بخروج الأوّل عن حریم النزاع ، ولا مجال للنزاع فیه ؛ لأنّ مطابق‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 33
‏الموجود ـ مثلاً ـ نفس حقیقة الوجود لا الماهیة ؛ لأنّها موجودة أو معدومة بالعرض .‏

‏بل لا یمکن النزاع فیه حتّیٰ بالإضافة إلی الماهیة ؛ فإنّ الماهیة إنّما توصف‏‎ ‎‏بالموجودیة بالعرض ، فما لم یکن الموجود بالذات لا موجود بالعرض ، ومـع ثبوتـه‏‎ ‎‏لا انقضاء هناک ، فتدبّر جیّداً .‏

‏وأمّا الثانی فقال بوقوعه فی محلّ البحث ؛ لأنّ النزاع فی المفهوم ، وهو غیر‏‎ ‎‏مختصّ بما لا زوال له ؛ کی یلغوا النزاع باعتبار ما هو ذاتی له‏‎[3]‎‏ ، انتهی محرّراً .‏

ویظهر من المحقّق النائینی ‏قدس سره‏‏ هذا التفصیل أیضاً ، لاحظ «فوائد الاُصول»‏‎[4]‎‏ ‏‎ ‎‏و«أجود التقریرات»‏‎[5]‎‏ .‏

ولکن التحقیق‏ یقتضی دخول جمیع هیئات المشتقّات غیر هیئة اسم الزمان فی‏‎ ‎‏محلّ النزاع مطلقاً ، من غیر فرق بین کون الصفة منتزعة من نفس الذات ـ کالموجود‏‎ ‎‏من الوجود ـ أو لا . وسواء کان المبدأ لازماً للذات ؛ بحیث ینتفی بانتفائه کالممکن ، أو‏‎ ‎‏مقوّماً للموضوع کالوجود بالنسبة إلی الماهیة ، أم لا . وکذا لو کانت الصفة منتزعة من‏‎ ‎‏مرتبة الذات فی بعض مصادیقه ـ کالعالم بالنسبة إلی الباری تعالیٰ ـ أو لا .‏

‏ولا یختصّ النزاع بالذات التی تلبّست بالمبدأ ممّا یمکن أن یبقیٰ شخصها بعد‏‎ ‎‏انقضاء المبدأ عنها ، أو کون المبدأ ممّا ینقضی عن الذات مع بقائها بشخصها .‏

‏والسرّ فی وقوع جمیع الهیئات فی محلّ النزاع هو أنّ النزاع فی هیئة المشتقّ ـ أی‏‎ ‎‏زنة الفاعل أو المفعول أو غیرهما ـ نفسها فی أیّ مادّة کانت ، لا فی الهیئة المقرونة‏‎ ‎‏بالمادّة حتّیٰ یتوهّم ما ذکر .‏

‏ومن الواضح أنّ وضع هیئات المشتقّات نوعی ، مثلاً وضعت زنة الفاعل أو زنة‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 34
‏المفعول ـ وضعاً نوعیاً ـ لاتّصاف خاصّ ، من غیر نظر إلی الموارد وخصوصیات‏‎ ‎‏المصادیق . فبطل القول بخروج الناطق والممکن وما أشبههما ممّا لیس له معنون باقٍ‏‎ ‎‏بعد انقضاء المبدأ عنها ، أو لا یکون له انقضاء أصلاً .‏

وبالجملة :‏ جمیع هیئات المشتقّات یکون محلّ النزاع ؛ لأنّ النزاع فی وضع‏‎ ‎‏نوعی هیئاتها أنفسها ، لا فی هیئاتها المقرونة بالموادّ حتّیٰ یتوهّم خروج مثل الناطق‏‎ ‎‏والممکن ونحوهما ـ حیث لا یکون هناک معنون باقٍ بعد انقضاء المبدأ عنها ، أو فیما لا‏‎ ‎‏یکون لها البقاء ـ عن محلّ النزاع .‏

‏فإذن یصحّ النزاع فی زنة الفاعل ـ مثلاً ـ أنّها هل وضعت وضعاً نوعیاً لعنوان‏‎ ‎‏لا ینطبق إلاّ علی المتلبّس بالمبدأ فعلاً ، أو لما هو الأعمّ منه وما انقضیٰ عنه .‏

‏نعم ، الموضوعات الخارجیة والمصادیق علیٰ قسمین : فقد یکون العنوان والمبدأ‏‎ ‎‏لازم ذات جمیعها أو بعضها ، وقد لا یکون لازماً لها کذلک .‏

ولا یخفیٰ :‏ أنّ ذلک من الاُمور الطارئة علی الموادّ ، وقد أشرنا أنّ الموادّ خارجة‏‎ ‎‏عن حریم النزاع ، والنزاع إنّما هو فی زنة الفاعل أو المفعول أو نحوهما فقط ، فتدبّر‏‎ ‎‏جیّداً حتّیٰ لا یختلط لدیک ما اختلط علی الأعلام .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 35

  • )) بدائع الأفکار 1 : 160 .
  • )) قلت : ولیعلم أنّ هذا التفصیل منه قدس سره بعد أن دفع ما ذهب إلیه المحقّق العراقی قدس سره ؛ بأنّ جمیع الأسماء الحُسنی والصفات العلیا الجاریة علیه تعالیٰ ، وبعض الأوصاف الاُخر کالإمکان ونحوه وإن لم یکن لها زوال عن موردها ؛ فیلغوا النزاع بالنسبة إلیها ، إلاّ أنّ المفهوم بما هو غیر مختصّ بما لا زوال له ؛ کی یلغوا النزاع فیصحّ النزاع باعتبار ما هو غیر ذاتی له(أ).] المقرّر حفظه الله ] .ــــــــــــــــــــــــــــــــــأ ـ نهایة الدرایة 1 : 167 .
  • )) نهایة الدرایة 1 : 166 ـ 167 .
  • )) فوائد الاُصول 1 : 83 ـ 84 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 53 .