الأمر الرابع عشر فـی المشتـق

الجهة الاُولیٰ‏: فی أنّ النزاع فی هذه المسألة لغویة

الجهة الاُولیٰ : فی أنّ النزاع فی هذه المسألة لغویة

‏ ‏

‏الظاهـر : أنّ النزاع فی کـون المشتقّ حقیقـة فـی خصوص المتلبّس بالمبـدأ أو‏‎ ‎‏الأعمّ منه وممّا انقضـی عنه نزاع فـی أمـر لغـوی ، لا فـی أمـر عقلی ؛ أعنـی أنّ‏‎ ‎‏النزاع فـی أنّ الموضوع له للفظ المشتقّ هـو معنیً لا ینطبق إلاّ علیٰ خصـوص‏‎ ‎‏المتلبّس فعلاً أو علـی الأعمّ منه وممّا انقضیٰ عنه ، لا فی عـدم معقولیة صـدق المشتقّ‏‎ ‎‏إلاّ علیٰ مـن تلبّس بالمبـدأ ، أو علی الأعـمّ منه وممّا انقضـیٰ عنه ؛ بـداهة أنّه لا یکاد‏

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 25
‏یعقل صـدق عنوان المشتقّ عقلاً علی الفاقد للمبدأ بعدما کان واجداً له .‏

‏وأمّا إذا کان البحث لفظیاً فللنزاع فیه مجال ، بلحاظ أنّ للواضع تحدید حدود‏‎ ‎‏الموضـوع له سعـةً وضیقاً ؛ فله الوضـع لخصوص المتلبّس بالمبـدأ ، أو للأعـمّ منه‏‎ ‎‏وممّا انقضیٰ عنه .‏

ولکن یظهر من المحقّق النائینی ‏قدس سره‏‏ : أنّ النزاع فیه فی أمر عقلی ؛ لأنّه قال فی‏‎ ‎‏الأمر الأوّل ما حاصله : إنّ السرّ فی اتّفاقهم علی المجازیة فی المستقبل والاختلاف‏‎ ‎‏فیما انقضیٰ عنه : هو أنّ المشتقّ لمّا کان عنواناً متولّداً من قیام العرض بموضوعه ـ من‏‎ ‎‏دون أن یکون الزمان مأخوذاً فی حقیقته ـ أمکن النزاع والاختلاف فیما انقضیٰ عنه ،‏‎ ‎‏دون من یتلبّس بعد ؛ لتولّد عنوان المشتقّ فی الأوّل ؛ لمکان قیام العرض بمحلّه فی‏‎ ‎‏الزمان الماضی . فیمکن أن یقال فیما تولّد عنوان المشتقّ : إنّ حدوث التولّد فی الجملة‏‎ ‎‏ـ ولو فیما مضیٰ ـ یکفی فی صدق العنوان علیٰ وجه الحقیقة . کما یمکن أن یقال ببقاء‏‎ ‎‏التولّد فی الحال فی صدق العنوان علیٰ وجه الحقیقة ، ولا یکفی حدوثه مع انقضائه .‏

‏وأمّا فیما لم یتلبّس بعد : فحیث إنّه لم یتولّد له عنوان المشتقّ ـ لعدم قیام العرض‏‎ ‎‏بمحلّه ـ فلا مجال للنزاع فی أنّه علیٰ نحو الحقیقة ، بل لابدّ وأن یکون علیٰ وجه المجاز‏‎ ‎‏بعلاقة الأول والمشارفة‏‎[1]‎‏ .‏

ویظهر منه ‏قدس سره‏‏ أیضاً : کون النزاع فی أمر عقلی فی الأمر الثانی ؛ حیث تشبّث‏‎ ‎‏باختصاص النزاع بالعناوین العرضیة المتولّدة من قیام أحد المقولات بمحالّها ،‏‎ ‎‏وخروج العناوین التی تتقوّم به الذات ، وما به قوام شیئیته بالصورة النوعیة ، وأنّ‏‎ ‎‏إنسانیة الإنسان ـ مثلاً ـ بالصورة النوعیة ، ولا یکاد یصدق علیٰ ما لا یکون متلبّساً‏‎ ‎‏بالإنسانیة فعلاً‏‎[2]‎‏ ، فلاحظ .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 26
وکیف کان :‏ لا سبیل إلی کون النزاع فی المشتقّ فی أمر عقلی ؛ وذلک لأنّ صدق‏‎ ‎‏العنوان وعدمه عقلاً دائر مدار اشتماله علی المبدأ وعدمه ، ولا یعقل صدقه علی الفاقد‏‎ ‎‏فی الواقع ونفس الأمر ؛ بداهة أنّ الاتّصاف بصفة کالعالمیة ـ مثلاًـ إنّما هو لمن وجد‏‎ ‎‏صفة العلم ، وأمّا من لم یکن متّصفاً بالعلم ـ سواء کان متّصفاً به فیما مضیٰ ، أو لم یتلبّس‏‎ ‎‏به بعد ، ویتلبّس به فی المستقبل ـ فلا یتّصف بصفة العلم عقلاً .‏

‏فاشترک کلّ ما انقضی عنه وما یتلبّس بعد فی عدم معقولیة الصدق . هذا علیٰ‏‎ ‎‏تقدیر کون البحث عقلیاً .‏

‏وأمّا علیٰ کون البحث لفظیاً : فللواضع تحدید دائرة الموضوع سعةً وضیقاً ،‏‎ ‎‏فکما یمکنه وضع المشتقّ للمتلبّس بالمبدأ فعلاً أو للأعمّ منه وممّا انقضیٰ عنه ، یمکنه‏‎ ‎‏الوضع للأعمّ منهما وما یتلبّس بعد .‏

‏وسرّ عدم نزاعهم واتّفاقهم فی عدم الوضع للأخیر لأجل أنّهم علموا أنّ‏‎ ‎‏المشتقّ لم یوضع لما یتلبّس بالمبدأ فی المستقبل ، لا لأجل عدم الاتّصاف به واقعاً ، وإلاّ‏‎ ‎‏لابدّ وأن لا یتّصف واقعاً بالمبدأ ما انقضیٰ عنه المبدأ ؛ ضرورة أنّ الاتّصاف بحسب‏‎ ‎‏الواقع دائر مدار واجدیة المبدأ فعلاً ، ومن لم یکن واجداً له ـ سواء کان متلبّساً به‏‎ ‎‏وانقضیٰ عنه ، أو یتلبّس به بعد ـ لا یعقل الاتّصاف به .‏

‏ولعـلّ سـرّ عـدم نزاعهم بالنسبة إلی ما یتلبّس بعـد ونـزاعهم بالنسبة إلیٰ ما‏‎ ‎‏انقضیٰ هـو إمکان انقـداح الصـدق بالنسبة إلیٰ ما انقضـیٰ عنه ؛ ولـذا قـد یصـدق‏‎ ‎‏المشتقّ ـ ولـو انقضی عنه المبدأ ـ فیما لـو کان ذا ملکة فانقضیٰ عنه ؛ فصار محلاًّ‏‎ ‎‏للبحث . وأمّا بالنسبة إلیٰ ما یتلبّس بعد فلم ینقدح فـی ذهن ، ولا یقبله الـذوق‏‎ ‎‏السلیم أصلاً ، کما لا یخفیٰ .‏

‏ولعلّ ما ذکرنا هو مراد المحقّق النائینی ‏‏قدس سره‏‏ ، وإن کانت عباراته قاصرة عن‏‎ ‎‏إفادته ، والله العالم .‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 27

ذکر وتعقیب

‏ ‏

‏إذا أحطت خبراً بما تلونا علیک ـ من کون البحث فی المشتقّ فی أمر لغوی‏‎ ‎‏لفظی ، لا فی أمر عقلی ـ تعرف النظر فیما یظهر من العلاّمة المدقّق الطهرانی صاحب‏‎ ‎‏«المحجّة» ‏‏قدس سره‏‏ ؛ فإنّه ـ علیٰ ما حکی عنه المحقّق الأصفهانی ‏‏قدس سره‏‏ ـ قال : ‏

‏«إنّ وجه الخلاف فی أنّ المشتقّ حقیقة فی خصوص ما تلبّس بالمبدأ أو فی‏‎ ‎‏الأعمّ ـ مع عدم الاختلاف فی المفهوم والمعنیٰ ـ هو الاختلاف فی الحمل :‏

‏فإنّ القائل بعدم صحّة الإطلاق علیٰ ما انقضیٰ عنه المبدأ یری وحدة سنخ‏‎ ‎‏الحمل فی المشتقّات والجوامد .‏

‏فکما لا یصحّ إطلاق الماء علی الهواء ، بعد ما کان ماء وزالت عنه صورة المائیة‏‎ ‎‏فانقلبت هواء ، کذلک لا یصحّ إطلاق المشتقّ علیٰ ما زال عنه المبدأ بعد تلبّسه به ؛ فإنّ‏‎ ‎‏المعنی الانتزاعی تابع لمنشأ انتزاعه حدوثاً وبقاءً ، والمنشأ مفقود بعد الانقضاء ،‏‎ ‎‏والانتزاع بدونه علی حدّ المعلول بلا علّة .‏

‏والقائل بصحّة الإطلاق یدّعی تفاوت الحملین فإنّ الحمل فی الجوامد حمل هو‏‎ ‎‏هو ؛ فلا یصحّ أن یقال للهواء : إنّه ماء . والحمل الاشتقاقی حمل ذی هو وحمل‏‎ ‎‏الانتساب ، ویکفی فی النسبة مجرّد الخروج من العدم إلی الوجود ؛ فیصحّ الحمل علی‏‎ ‎‏المتلبّس وعلیٰ من انقضیٰ عنه ، دون ما لم یتلبّس»‏‎[3]‎‏ انتهی .‏

فإنّ ظاهر کلامه ‏قدس سره‏‏ هـذا یعطی کـون النزاع فـی مسألـة المشتقّ فـی‏‎ ‎‏أمر عقلی ؛ خصوصاً قوله ‏‏قدس سره‏‏ : «والانتزاع بدونه علیٰ حـدّ المعلول بلا علّة . . .»‏‎ ‎‏إلـی آخـره ؛ حیث تشبّث لإثبات مرامـه بأمـر عقلـی ؛ فإنّه لا یلائم لفظیـة البحث‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 28
‏کما لا یخفیٰ . فإن أمکن إرجاع مقالته ـ بوجه ـ إلیٰ ما ذکرنا فبها .‏

فظهر وتحقّق :‏ أنّ الظاهر أنّ النزاع فی المشتقّ لغوی وفی أمر لفظی وهو أنّ زِنَة‏‎ ‎‏المشتقّ هل وضعت للمتلبّس بالمبدأ فعلاً أو للأعمّ منه وما انقضیٰ عنه أو للأعمّ منهما‏‎ ‎‏وما یتلبّس بعد ؟ ولا یکون النزاع فی أمر عقلی حتّیٰ یتشبّث باُمور عقلیة ، فتدبّر .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 29

  • )) فوائد الاُصول 1 : 82 .
  • )) نفس المصدر : 83 .
  • )) نهایة الدرایة 1 : 164 ـ 165 .