الجهة الاُولیٰ : فی أنّ النزاع فی هذه المسألة لغویة
الظاهـر : أنّ النزاع فی کـون المشتقّ حقیقـة فـی خصوص المتلبّس بالمبـدأ أو الأعمّ منه وممّا انقضـی عنه نزاع فـی أمـر لغـوی ، لا فـی أمـر عقلی ؛ أعنـی أنّ النزاع فـی أنّ الموضوع له للفظ المشتقّ هـو معنیً لا ینطبق إلاّ علیٰ خصـوص المتلبّس فعلاً أو علـی الأعمّ منه وممّا انقضیٰ عنه ، لا فی عـدم معقولیة صـدق المشتقّ إلاّ علیٰ مـن تلبّس بالمبـدأ ، أو علی الأعـمّ منه وممّا انقضـیٰ عنه ؛ بـداهة أنّه لا یکاد
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 25
یعقل صـدق عنوان المشتقّ عقلاً علی الفاقد للمبدأ بعدما کان واجداً له .
وأمّا إذا کان البحث لفظیاً فللنزاع فیه مجال ، بلحاظ أنّ للواضع تحدید حدود الموضـوع له سعـةً وضیقاً ؛ فله الوضـع لخصوص المتلبّس بالمبـدأ ، أو للأعـمّ منه وممّا انقضیٰ عنه .
ولکن یظهر من المحقّق النائینی قدس سره : أنّ النزاع فیه فی أمر عقلی ؛ لأنّه قال فی الأمر الأوّل ما حاصله : إنّ السرّ فی اتّفاقهم علی المجازیة فی المستقبل والاختلاف فیما انقضیٰ عنه : هو أنّ المشتقّ لمّا کان عنواناً متولّداً من قیام العرض بموضوعه ـ من دون أن یکون الزمان مأخوذاً فی حقیقته ـ أمکن النزاع والاختلاف فیما انقضیٰ عنه ، دون من یتلبّس بعد ؛ لتولّد عنوان المشتقّ فی الأوّل ؛ لمکان قیام العرض بمحلّه فی الزمان الماضی . فیمکن أن یقال فیما تولّد عنوان المشتقّ : إنّ حدوث التولّد فی الجملة ـ ولو فیما مضیٰ ـ یکفی فی صدق العنوان علیٰ وجه الحقیقة . کما یمکن أن یقال ببقاء التولّد فی الحال فی صدق العنوان علیٰ وجه الحقیقة ، ولا یکفی حدوثه مع انقضائه .
وأمّا فیما لم یتلبّس بعد : فحیث إنّه لم یتولّد له عنوان المشتقّ ـ لعدم قیام العرض بمحلّه ـ فلا مجال للنزاع فی أنّه علیٰ نحو الحقیقة ، بل لابدّ وأن یکون علیٰ وجه المجاز بعلاقة الأول والمشارفة .
ویظهر منه قدس سره أیضاً : کون النزاع فی أمر عقلی فی الأمر الثانی ؛ حیث تشبّث باختصاص النزاع بالعناوین العرضیة المتولّدة من قیام أحد المقولات بمحالّها ، وخروج العناوین التی تتقوّم به الذات ، وما به قوام شیئیته بالصورة النوعیة ، وأنّ إنسانیة الإنسان ـ مثلاً ـ بالصورة النوعیة ، ولا یکاد یصدق علیٰ ما لا یکون متلبّساً بالإنسانیة فعلاً ، فلاحظ .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 26
وکیف کان : لا سبیل إلی کون النزاع فی المشتقّ فی أمر عقلی ؛ وذلک لأنّ صدق العنوان وعدمه عقلاً دائر مدار اشتماله علی المبدأ وعدمه ، ولا یعقل صدقه علی الفاقد فی الواقع ونفس الأمر ؛ بداهة أنّ الاتّصاف بصفة کالعالمیة ـ مثلاًـ إنّما هو لمن وجد صفة العلم ، وأمّا من لم یکن متّصفاً بالعلم ـ سواء کان متّصفاً به فیما مضیٰ ، أو لم یتلبّس به بعد ، ویتلبّس به فی المستقبل ـ فلا یتّصف بصفة العلم عقلاً .
فاشترک کلّ ما انقضی عنه وما یتلبّس بعد فی عدم معقولیة الصدق . هذا علیٰ تقدیر کون البحث عقلیاً .
وأمّا علیٰ کون البحث لفظیاً : فللواضع تحدید دائرة الموضوع سعةً وضیقاً ، فکما یمکنه وضع المشتقّ للمتلبّس بالمبدأ فعلاً أو للأعمّ منه وممّا انقضیٰ عنه ، یمکنه الوضع للأعمّ منهما وما یتلبّس بعد .
وسرّ عدم نزاعهم واتّفاقهم فی عدم الوضع للأخیر لأجل أنّهم علموا أنّ المشتقّ لم یوضع لما یتلبّس بالمبدأ فی المستقبل ، لا لأجل عدم الاتّصاف به واقعاً ، وإلاّ لابدّ وأن لا یتّصف واقعاً بالمبدأ ما انقضیٰ عنه المبدأ ؛ ضرورة أنّ الاتّصاف بحسب الواقع دائر مدار واجدیة المبدأ فعلاً ، ومن لم یکن واجداً له ـ سواء کان متلبّساً به وانقضیٰ عنه ، أو یتلبّس به بعد ـ لا یعقل الاتّصاف به .
ولعـلّ سـرّ عـدم نزاعهم بالنسبة إلی ما یتلبّس بعـد ونـزاعهم بالنسبة إلیٰ ما انقضیٰ هـو إمکان انقـداح الصـدق بالنسبة إلیٰ ما انقضـیٰ عنه ؛ ولـذا قـد یصـدق المشتقّ ـ ولـو انقضی عنه المبدأ ـ فیما لـو کان ذا ملکة فانقضیٰ عنه ؛ فصار محلاًّ للبحث . وأمّا بالنسبة إلیٰ ما یتلبّس بعد فلم ینقدح فـی ذهن ، ولا یقبله الـذوق السلیم أصلاً ، کما لا یخفیٰ .
ولعلّ ما ذکرنا هو مراد المحقّق النائینی قدس سره ، وإن کانت عباراته قاصرة عن إفادته ، والله العالم .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 27
ذکر وتعقیب
إذا أحطت خبراً بما تلونا علیک ـ من کون البحث فی المشتقّ فی أمر لغوی لفظی ، لا فی أمر عقلی ـ تعرف النظر فیما یظهر من العلاّمة المدقّق الطهرانی صاحب «المحجّة» قدس سره ؛ فإنّه ـ علیٰ ما حکی عنه المحقّق الأصفهانی قدس سره ـ قال :
«إنّ وجه الخلاف فی أنّ المشتقّ حقیقة فی خصوص ما تلبّس بالمبدأ أو فی الأعمّ ـ مع عدم الاختلاف فی المفهوم والمعنیٰ ـ هو الاختلاف فی الحمل :
فإنّ القائل بعدم صحّة الإطلاق علیٰ ما انقضیٰ عنه المبدأ یری وحدة سنخ الحمل فی المشتقّات والجوامد .
فکما لا یصحّ إطلاق الماء علی الهواء ، بعد ما کان ماء وزالت عنه صورة المائیة فانقلبت هواء ، کذلک لا یصحّ إطلاق المشتقّ علیٰ ما زال عنه المبدأ بعد تلبّسه به ؛ فإنّ المعنی الانتزاعی تابع لمنشأ انتزاعه حدوثاً وبقاءً ، والمنشأ مفقود بعد الانقضاء ، والانتزاع بدونه علی حدّ المعلول بلا علّة .
والقائل بصحّة الإطلاق یدّعی تفاوت الحملین فإنّ الحمل فی الجوامد حمل هو هو ؛ فلا یصحّ أن یقال للهواء : إنّه ماء . والحمل الاشتقاقی حمل ذی هو وحمل الانتساب ، ویکفی فی النسبة مجرّد الخروج من العدم إلی الوجود ؛ فیصحّ الحمل علی المتلبّس وعلیٰ من انقضیٰ عنه ، دون ما لم یتلبّس» انتهی .
فإنّ ظاهر کلامه قدس سره هـذا یعطی کـون النزاع فـی مسألـة المشتقّ فـی أمر عقلی ؛ خصوصاً قوله قدس سره : «والانتزاع بدونه علیٰ حـدّ المعلول بلا علّة . . .» إلـی آخـره ؛ حیث تشبّث لإثبات مرامـه بأمـر عقلـی ؛ فإنّه لا یلائم لفظیـة البحث
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 28
کما لا یخفیٰ . فإن أمکن إرجاع مقالته ـ بوجه ـ إلیٰ ما ذکرنا فبها .
فظهر وتحقّق : أنّ الظاهر أنّ النزاع فی المشتقّ لغوی وفی أمر لفظی وهو أنّ زِنَة المشتقّ هل وضعت للمتلبّس بالمبدأ فعلاً أو للأعمّ منه وما انقضیٰ عنه أو للأعمّ منهما وما یتلبّس بعد ؟ ولا یکون النزاع فی أمر عقلی حتّیٰ یتشبّث باُمور عقلیة ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 29