الجهة السادسة : فی مقتضی الأصل فی المسألة
لو لم یکن لدلیل الواجب أو التوقیت إطلاق ، وشکّ فی وجوب العمل بعد الوقت فهل یمکن استصحاب الوجوب بعد خروج الوقت أم لا ؟ وجهان .
ربّما یتمسّک للزوم إتیان الواجب خارج الوقت بالاستصحاب ، بتقریب : أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ فی الوقت وخارجه لیستا حقیقتین مختلفتین ، بل حقیقة واحدة ، والاختلاف بینهما فیما لا یرجع إلی هویة ذاتهما ـ وهو الزمان ـ فکما أنّه إذا تعلّق حکم علی موضوع فی زمان فبعد خروج الزمان یصحّ الاستصحاب ، فلیکن کذلک فی الواجب الموقّت .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 470
وفیه : أنّه قلنا غیر مرّة وسیجیء فی محلّه : إنّ الاستصحاب إنّما یجری إذا کان موضوع القضیة المشکوکة عین القضیة المتیقّنة عند العرف والعقلاء ، فإذا انطبق العنوان الذی تعلّق به الحکم علی موجود خارجی ، بحیث یکون الموجود الخارجی عند العرف موضوعاً للحکم ، لا العنوان المأخوذ فی لسان الدلیل ، فإن تغیّر الموضوع ؛ بأن زال عنه بعض ما لا یکون دخیلاً فی ماهیة الموضوع لدی العرف ، بل یکون حالةً للموضوع عندهم ، ولکن احتمل دخالته فی الحکم ، ولم یکن هناک دلیل اجتهادی علی الموضوع الفاقد ، فیصحّ أن یستصحب هنا ؛ لوجود أرکان الاستصحاب بتمامه وکماله فیه .
وذلک مثل ما إذا انطبق عنوان «الماء المتغیّر» علی ماء موجود فی الإناء الخارجی ، یکون موضوع الحکم عند العرف نفس الماء ، ویحسب التغیّر من حالاته ، وحیث إنّه یحتمل أن یکون التغیّر واسطة للثبوت أو للعروض ، فیصحّ الاستصحاب ، ولم یعدّ ذلک من إسراء الحکم من موضوع إلی موضوع آخر ؛ لاتّحاد الموضوع فی القضیة المشکوکة والمتیقّنة عند العرف .
وأمّا إذا تعلّق الحکم علی العنوان الکلّی المقیّد بقید کالزمان أو المکان أو غیرهما ـ فحیث إنّ عنوانی المقیّد وذات العنوان مختلفان ، بداهة أنّ عنوان الصلاة الموقّتة بالوقت مثلاً غیر عنوان نفس الصلاة ، والمفهوم من أحدهما غیر المفهوم من الآخر عند العرف والعقلاء ـ فلا یکاد یصحّ استصحابه عند فقدان القید ؛ لکون الموضوع فی القضیة المتیقّنة غیر الموضوع فی المشکوکة ، تسریة الحکم من الموضوع المتقیّد إلی الفاقد عن القید من تسریة الحکم المتعلّق لموضوع إلی موضوع آخر .
إن قلت : مقتضی ذلک اختصاص جریان الاستصحاب بالموضوعات الخارجیة دون الأحکام الکلّیة ، مع أنّ دلیل حجّیة الاستصحاب عامّ .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 471
قلت : یجری الاستصحاب فی الأحکام الکلّیة عند الشکّ فی نسخها ، والتفصیل یطلب من محلّه .
وممّا یوضح الفرق بین ما إذا کان موضوع الحکم نفس العنوان المأخوذ فی لسان الدلیل ، وما إذا انطبق العنوان المأخوذ علی الخارج ، وصار الخارج موضوعاً للحکم فی نظر العرف والعقلاء ، هو ما یذکر فی مبحث الخیارات فی مسألة خیار تخلّف الوصف ؛ فإنّهم قالوا : إنّه إذا أتی البائع بفرس وقال : «إنّه فرس عربی» ، فاُجریت المبایعة علی الفرس المشخّص بعنوان کونه عربیاً ، ثمّ انکشف کذب البائع ، فللمشتری خیار تخلّف الوصف . وأمّا إذا اُجریت المبایعة علی عنوان «الفرس العربی» بنحو یرفع الجهالة ـ بأن قال مثلاً : «بعتک فرساً عربیاً کذا وکذا وکذا» وفی مقام دفع المبیع لم یکن الفرس واجداً للخصوصیات التی وقع العقد علیها ، فلم یکن المدفوع مصداقاً للمبیع ـ فلابدّ للبائع من تسلیم مصداق آخر واجدٍ للخصوصیات ؛ ضرورة أنّ الفرس العربی غیر الفرس الترکی ـ مثلاً ـ بحسب العنوان ؛ فلا یکون للمشتری هنا خیار تخلّف الوصف ؛ لأنّ ذلک إنّما هو فیما لو کان المدفوع هو الذی وقع علیه العقد ، کما فی الصورة الاُولی .
والحاصل : أنّ الطبیعة المتقیّدة بقید ، والطبیعة المتقیّدة بقید آخر ، ونفس الطبیعة ، متغایرات ، فإسراء الحکم المتعلّق بإحداهما إلی الاُخری بالاستصحاب ، إسراء الحکم المتعلّق لموضوع إلی موضوع آخر ؛ فلا یصحّ الاستصحاب . ومعلوم : أنّ الصلاة المتقیّدة بالوقت غیر نفس الصلاة .
وبما ذکرنا یظهر النظر فیما قد یقال : إنّ الطبیعة المتقیّدة بالزمان ـ مثلاًـ إذا کانت واجدة للحکم فنفس الطبیعة المهملة أیضاً لها الحکم ، ولا أقلّ من وجودها الذهنی ؛
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 472
فتکون نفس الطبیعة عند وجوب المتقید واجبة ، فیشکّ فی بقائها بعد خروج الوقت فتستصحب .
وذلک لما أشرنا إلیه قریباً : أنّ الحکم المتعلّق بالطبیعة المتقیّدة بقید ، أو المرکّبة من عدّة أجزاء ، حکم واحد متعلّق بموضوع واحد ، وله دعوة واحدة إلی المتقیّد أو المرکّب فقط ؛ فلم یثبت الوجوب لنفس ذات المتقیّد وذات الأجزاء . فإذن : لیس للمهملة عند وجوب المتقیّد وجوب حتّی یستصحب . وحدیث الوجوب الضمنی للأجزاء أو نفس الطبیعة ـ کما یتفوه به بعض الألسن ـ قد عرفت فساده .
فتحصّل من هاتین الجهتین : أنّ الأمر بالموقّت لا یدلّ علی لزوم إتیانه خارج . ولو شکّ فی بقائه لا یکاد یمکن استصحابه ؛ لأنّ المتیقّن هو وجوب المتقیّد أو المرکّب ، وهو لیس بمشکوک فیه ، ونفس المتقیّد أو ذات الأجزاء غیر متیقّن الوجوب ؛ فلا یجری الاستصحاب .
نعم ، لو دلّ دلیل فی مورد علی القضاء خارج الوقت ـ کما دلّ الدلیل فی فوت الصلاة مثلاً ـ یؤخذ به ، وهذا ما یقال : إنّ القضاء بأمر جدید ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 473