الجهة الخامسة : حول دلالة الأمر بالموقّت علی الإتیان به خارج الوقت
هل للأمر بالموقّت ـ موسّعاً کان أم مضیّقاً ـ دلالة علی أنّه إذا خرج الوقت یجب إتیانه خارجه ، بحیث یکون فی الواقع للآمر مطلوبان : مطلوب أعلی ؛ وهو إتیانه فی الوقت ، ومطلوب دونه ؛ وهو إتیانه خارج الوقت لو فات عنه فی الوقت ـ عمداً أو سهواً أو نسیاناً ـ أو لا دلالة للأمر بالموقّت علی ذلک ، بل ولا دلالة علی تقییده بالوقت حتّی یوجب التعارض بینه وبین ما إذا دلّ دلیل علی لزوم إتیانه خارج الوقت ؟ وجهان بل قولان ، الحقّ هو الثانی .
ولیعلم : أنّ محـطّ البحث هـو استفادة ذلک مـن مجرّد الأمـر بالموقّت ، لا مـن أمـر آخـر .
ومن الواضح : أنّ الأمر المتعلّق بالمقیّد بالوقت ـ نظیر سائر التقییدات ـ لم تکن له دعوتان دعوة إلی الطبیعة ، ودعوة اُخری إلی القید ، بل له دعوة واحدة إلی المتقیّد بالقید ، وقد تقرّر فی محلّه : أنّ کلّ حکم فهو مقصور علی موضوعه ومتعلّقه ولا یکاد
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 468
یتجاوزه ، والمفروض أنّ متعلّقه المتقیّدة بالوقت ، فالقول بدلالة الأمر بالموقّت علی إتیانه خارج الوقت إذا فاته فی الوقت مساوق للقول بدعوة الأمر إلی غیر موضوعه ومتعلّقه ، وهو محال .
وبعبارة اُخری : الکلام فی دلالة الأمر بالمتقیّد بالوقت علی إتیانه خارج الوقت ، لا فی کون المطلوب بحسب الواقع واحداً أو متعدّداً . ولو فرض أنّ المطلوب فی الواقع متعدّد لا یوجب ذلک کون دلالة الدلیل متعدّاً .
وواضح : أنّ الأمر الواحد له دعوة واحدة إلی متعلّقه ، وبعد مضیّ الوقت المضروب له یکون هذا الدلیل بالنسبة إلی إتیانه خارج الوقت وعدمه علی السواء .
إذا تمهّد لک ما ذکرناه فی محطّ البحث ، یظهر لک : أنّ ما أفاده المحقّق الخراسانی قدس سره من التفصیل فی المقام ، وإن کان لا یبعد صحّتـه فی نفسه ، ولکنّـه خارج عن محطّ البحث ؛ فإنّ حاصل ما أفاده هو : أنّ التوقیت بالوقت : إمّا یکون بدلیل متّصل ، کقوله تعالی : «أقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوکِ الشّمسِ إلَی غَسَقِ اللَیلِ» ، أو بدلیل منفصل ، بحیث یکون هناک دلیلان ؛ دلّ أحدهما علی لزوم إتیان العمل ، والآخـر المنفصل عنه علی توقیته بالوقت ، وعلی الثانی : إمّـا أن یکون لکلّ مـن دلیلی الواجب والتوقیت إطلاق ، أو لکلّ منهما إهمال ، أو لدلیل الواجب إطلاق دون دلیل التوقیت ، أو بالعکس ؛ فالصور أربع .
والمحقّق الخراسانی قدس سره یری أنّه إذا کان لدلیل الواجب إطلاق بالنسبة إلی إتیانه
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 469
فی الوقت وخارجه ، ولکن کان لدلیل التوقیت المنفصل إهمال ـ وحیث إنّ القدر المتیقّن من دلیل التوقیت اعتبار القید عند تمکّن تحصیله له ، فلا دلالة لاعتباره فی صورة تعذّر القید ـ فمقتضی إطلاق دلیل الواجب عند ذلک هو ثبوت وجوبه ولزوم إتیانه بعد انقضاء الوقت أیضاً ، انتهی موضحاً .
وقد أشرنا : أنّ الاعتبار وإن کان مساعداً لما أفاده ، ولکنّه خارج عن محطّ البحث ؛ لأنّه ـ کما أشرنا فی دلالة نفس دلیل الأمر بالموقّت من حیث هو علی إتیانه خارج الوقت ـ استفادة لزوم الإتیان خارج الوقت من الدلیل الاجتهادی ـ من عموم أو إطلاق ـ وإن کان فی نفسها لا غبار علیه ، لکنّها خارجة عن محطّ البحث ، کما لا یخفی ، فتدّبر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 470