الجهة الرابعة : فی أنّ الموسّع عند تضیّق وقته لا یصیر مضیّقاً
قد یقال : إنّ الواجب عند تضیّق وقته یصیر واجباً مضیّقاً ؛ للزوم إتیانه فی نفس الوقت ؛ فلو لم یأت المکلّف بالواجب الموسّع عمداً أو نسیاناً حتّی بقی من الوقت بمقدار فعل الواجب فقط ـ بحیث تضیّق وقته ـ فیحکم العقل بلزوم إتیانه فوراً ، فیصیر واجباً مضیّقاً .
ولکن أشرنا فی الجهة السابقة : أنّه فرق بین الواجب الموسّع والمضیّق ؛ فإنّ
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 466
الموسّع هو الذی یکون ظرف إتیانه أوسع منه بدلالة الدلیل ، کما أنّ المضیّق ما یکون ظرف إتیانه بمقداره بلسان الدلیل ، فالأمر فی الموسّع متعلّق بالطبیعة المحدودة بین الحدّین ، کالصلاة من دلوک الشمس إلی غروب الشمس أو مغربها ، وواضح : أنّ الفرد الواقع فی آخر الوقت من مصادیق تلک الطبیعة ویصدق علیه أنّها صلاة واقعة بین الحدّین ، کما هو الشأن فی سائر أفرادها .
وغایة ما یقتضیه حکم العقل عند تضیّق الوقت لزوم إتیانه بخصوصه فوراً ، کما یری تخییر المکلّف فی إتیانه فی ضمن أیّ حصّةٍ من الزمان عند سعة الوقت .
والسرّ فی ذلک هو : أنّ العقل یری لزوم إطاعة المولی ولا یجوّز عصیانه ، فعند سعة الوقت یتخیّر المکلّف فی اختیار أیّها شاء . وأمّا عند تضیّق الوقت فیدرک لزوم إتیانه فوراً .
وکم فرق بین إتیان الشیء فوراً ، وبین کون الواجب مضیّقاً فی لسان الشرع ! وکم له نظیر فی الواجبات ! مثلاً : لو تعذّر أحد طرفی الواجب التخییری لا یصیر الطرف الآخر واجباً تعیینیاً ، وإن کان العقل یحکم بلزوم إتیانه معیّناً . وفی الواجب الکفائی لو لم یکن من یقوم به لا یصیر واجباً عینیاً علی المکلّف ، وغایته حکم العقل بلزوم إتیانه بشخصه .
والحاصل : أنّ الواجب المضیّق هو الذی کان فی لسان الدلیل کذلک ، کما أنّ الواجب التخییری أو الکفائی هو الذی یکون کذلک فی لسان الدلیل .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 467
ومجرّد تضیّق الوقت ، أو تعذّر أحد الطرفین ، أو عدم قیام أحد ، لا یوجب الانقلاب عمّا هو علیه فی لسان الدلیل ، فتدبّر .
أضف إلی ذلک ما أشرنا : أنّ الأمر فی الواجب الموسّع متعلّق بالطبیعة ، ولا دخل لخصوصیات أفرادها فی الغرض والبعث ، بخلاف الواجب المضیّق ؛ فإنّ خصوصیة کلّ واحد من الأفراد دخیلة فیه ، والأمر فیه متعلّق بالفرد الخاصّ . فلو صار الواجب الموسّع مضیّقاً بضیق وقتـه ، لزم التغییر فی إرادة الشارع ، وأن تصیـر متعلّقـة بالفرد الخاصّ بعد ما کانت متعلّقة بالطبیعـة ، وهـو ـ کما تری ـ غیر معقول .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 468