المورد الثانی : منشأ النزاع فی المسألة
ربّما یقال : إنّ منشأ النزاع فی هذه المسألة هو النزاع بین الإمامیة ، بل والمعتزلة ، وبین الأشاعرة ، من جهة اتّحاد الطلب والإرادة وعدمه .
فذهبت الأشاعرة إلی مغایرتهما ، وأنّ فی النفس شیئاً یسمّونه بالکلام النفسی ، والطلب هو الإنشائی منه ، وأنّه یمکن أن یطلب المولی شیئاً ویُنشئه ولکن لم تتعلّق إرادته به ، حیث إنّه لو تعلّقت إرادته به لزم المحال ؛ وهو تخلّف المراد عن الإرادة ، فذهبوا إلی جواز الأمر مع العلم بانتفاء شرطه ، وقالوا بأنّه قد یطلب المولی شیئاً وهو لا یریده ، کما أنّه قد ینهی عنه وهو یریده .
وأمّا العدلیة ـ الإمامیة والمعتزلة ـ فلّما أبطلوا الکلام النفسی ، وذهبوا إلی اتّحاد الطلب والإرادة مصداقاً ، وأنّه لیس فی النفس شیء غیر الإرادة ، ورأوا مبدئیة الإرادة للطلب ـ أیّ طلب کان ـ فذهبوا إلی امتناع توجّه الإرادة إلی ما لا یمکن تحقّقه ؛ إمّا لفقد شرط المأمور به ، أو لعدم قدرة المکلّف .
وبالجملـة : فی صورة العلم بانتفاء شرطـه لا مبدئیـة للأمـر والبعث ؛ لأنّ البعث الحقیقی إنّما هـو للانبعاث ، فمـع العلم بعـدم انبعاث المکلّف لعـدم شرطـه یقبح
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 398
البعث ، فلا یمکن صدوره من المولی الحکیم ، فعلی هـذا یکون هـذا البحث مـن المسائل الکلامیة .
ولکن الحقّ عدم کونها مسألة کلامیة ، بل مسألة اُصولیة عقلیة عامّة غیر مخصوصة بالأوامر الواردة فی الکتاب والسنّة ، وإن کان الغرض من انعقاد المسألة تلک الأوامر .
وذلک لأنّ المتکلّم بما هو متکلّم لیس له أن یعقد مبحثاً ویبحث فیه عن صحّة أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه وعدمها ، مع أنّ ضابط المسألة الاُصولیة ینطبق علیها ؛ لترتّب الحکم علیها نفیـاً وإثباتـاً ؛ وذلک لأنّ أدلّة قضاء الفوائت ـ مثلاً ـ علّقت القضاء علی عنوان «الفوت» .
فإن قلنا بجواز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه یصحّ تکلیف ذوی الأعذار عن إتیان الصلاة فی الوقت المضروب له ، لنوم أو إغماء ـ فی بعض حالاته ـ أو سهو ، إلی غیر ذلک ، فیصدق علی ترک ذوی الأعذار عنوان «الفوت» ، فلابدّ لهم من قضائها خارج الوقت .
وأمّا إن قلنا بعدم الجواز فلا یکاد یصحّ تکلیف ذوی الأعذار ، فلا یصدق فی حقّهم ترک الفریضة وفوتها ، فلا تشملهم أدلّة قضاء الفائتة ، فظهر ترتّب الثمرة الشرعیة علی کلا طرفی الأمر .
وأمّا عدم اختصاص البحث بالأوامـر الواقعـة فی الکتاب والسنّـة ، فواضـح ؛ لأنّ أکثر المباحث الاُصولیة کذلک ، فیبحث فیها عن المسائل من حیث هی ، وإن کان الغرض منها والثمرة الحاصلة عنها هی الأوامر الواردة فی الکتاب والسنّة ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 399