المورد الأوّل : فی محطّ البحث
ربّما یحتمل أن یکون محطّ البحث فی الجواز وعدمه ، هو الإمکان الذاتی ؛ بمعنی أنّه هل یمکن صدور الأمر ذاتاً من الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ، أم لا ؟ ومرجع هذا إلی أنّ الأمر حیث یکون من الأفعال الاختیاریة فلابدّ له من علّة تامّة مرکّبة من الأجزاء والشرائط ، فمع انتفاء شرطه لا یمکن ذاتاً وجود المشروط .
کما أنّه یحتمل أن یکون المراد من محطّ البحث الإمکان الوقوعی ؛ بمعنی أنّه هل یمکن صدور الأمر ووقوعه من الآمر مع علمه بانتفاء شرط الأمر ، ولا یلزم منه فی الخارج محذور ، أم لا بل یلزم منه المحال ؟ !
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 395
ولکن التأمّل فی أدلّة الطرفین یعطی عدم کون الجواز بهذین المعنیین محطّ البحث ؛ لأنّهم یریدون بطرح هذا المبحث أن یستفیدوا من ذلک : أنّه واقع فی الشریعة المقدّسة ، ولا موقف للمعنیین فی ذلک ، کما لا یخفی .
مضافاً إلی أنّ إدخال علم الآمر فی عنوان البحث یرشد إلی عدم إرادة المعنیین من الجواز ؛ بداهة أنّ علم الآمر لا دخالة له فی الإمکان الذاتی أو الوقوعی ، کمالا یخفی ، فتدبّر .
وربّما یقال : إنّ الضمیر فی «شرطه» فی عنوان البحث یرجع إلی «الأمر» ؛ فمحطّ البحث عنده هو جواز الأمر مع فقدان شرط الأمر وما یکون من مبادئه ؛ من التصوّر والتصدیق والإرادة وغیرها من مبادئ الاختیار ، وهو أیضاً لا یکاد یصحّ نسبته إلیهم ؛ حتّی إلی من ینکر الحسن والقبح العقلیین ، کالأشعری ؛ بداهة أنّ وجود المعلول بلا علّة ممّا ینکره کلّ عاقل ویعدّ من البدیهیات ، فلا یکاد أن یتنازعوا فیه ، کما لا یخفی .
ویظهر مـن المحقّق الخراسانی قدس سره وجـه آخـر لمحطّ النزاع جعله وجـه التصالح بین الفریقین ، وحاصله : أنّ النزاع فی جواز إنشاء الأمر مع علم الآمر بعدم بلوغـه إلی المرتبة الفعلیة لعدم شرطه ، وقد عرفت أنّ الإنشاء کذلک بمکان من الإمکان ؛ لأنّ داعی إنشاء الطلب لا یختصّ بالبعث والتحریک الجدّی حقیقةً ، بل قد یکون صوریاً وامتحانیاً ، وربّما یکون غیر ذلک ، وسلب کون الأمـر حقیقة عمّا لم یکـن بداعی البعث جـدّاً وإن کان فی محلّـه ، إلاّ أنّ إطلاق الأمـر علیه مع القرینـة لا إشکال فیه .
وقد صرّح قدس سره بأنّه یمکن أن یقع بما ذکر التصالح بین الجانبین ویرتفع النزاع مـن البین ؛ فمـن یقول بالجـواز یری صحّـة الأمـر بداعٍ آخـر غیر الانبعاث ، ومـن
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 396
نفاه یری أنّ الأمر لابدّ وأن یکون لغایة الانبعاث ، انتهی .
ولا یخفی : أنّ ما ذکره قدس سره وإن کان یناسب بعض استدلالاتهم المذکورة فی «الفصول» وغیره ، کالاستدلال بقضیة أمر إبراهیم علیه السلام بذبح ولده إسماعیل ـ علی نبینا وآله وعلیهما السلام ـ حیث إنّه تعالی أمره بذبحه مع علمه تعالی بعدم وجود شرط فعلیة وجوب الذبح ، ولکن ینافی سائر أدلّة الطرفین بأنّه لو جاز ذلک لما علم أحد بأنّه مکلّف ؛ لعدم علمه به ؛ لجواز أن لا یتحقّق بعض شرائطه ، وأنّه لو لم یجز لما عصی أحد ؛ لأنّ کلّ ما لم یوجد فقد انتفی بعض أجزاء علّته التامّة ، وأقلّه عدم إرادة المکلّف ، فیمتنع ، فلا تکلیف ، فلا معصیة ، إلی غیر ذلک .
والذی ینبغی أن یقال فی محطّ البحث هو أنّه : «هل یجوز الأمر مع العلم بانتفاء شرط المکلّف به . . .» ، ولا یحتاج إلی رفع الید عن ظاهر العنوان الموروث من السلف إلی الخلف ؛ لأنّ الکلام فی البعث والأمر ، والبعث لا یکون حقیقیاً إذا علم المولی أنّ العبد لا یأتی به ولو عصیاناً ، أو یعلم بإتیانه من دون أن یتوجّه التکلیف إلیه ، ولا یکون الطلب مؤثّراً فیه بوجهٍ .
وبالجملـة : الأمر الحقیقی بما أنّه أمر لـه شرائط ؛ منها : علمـه بإیجاد الداعی فی العبد ، ولا أقلّ من احتمال تأثیره فیه ، فإذا رأی المولی أنّ أمـره لا یکاد یؤثّر فی العبد ـ إمّا لعجزه أو لعصیانـه ـ فلا یکاد یترشّح منه أمـر وبعث حقیقی نحوه ، فإحـراز قدرة العبد شرط لتکلیف المولی ، فلو أمـر المولی عند ذلک یقال : إنّه أمـر مع انتفاء شرط الأمر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 397
فظهر أنّ ما ذکرنا هو الذی یقتضیه الاعتبار فی محطّ البحث ، من دون ارتکاب التکلّف بإرجاع الضمیر فی عنوان البحث إلی المکلّف به ، الموجب للتقصیر فی العنوان ، ولکن مع ذلک لا أهمّیة فی ذلک .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 398