عدم اقتضاء الأمر بالشیء النهی عن ضدّه العامّ
وأمّا الأمر الثالث ـ وهو اقتضاء الأمر بالشیء النهی عن نقیضه ؛ أی الضدّ العامّ ـ فقد تقدّم : أنّه إن تمّ الأمران ؛ بأن کان ترک الضدّ ـ وهو الصلاة مثلاً ـ مقدّمة لفعل ضدّه ـ وهو الإزالة ـ وقلنا بأنّ مقدّمة الواجب واجب ، فلابدّ للقول بالإقتضاء من إثبات أنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه العامّ ، والمراد به نقیض الشیء سواء کان عدمیـاً أو وجودیـاً کما فی المقـام ؛ فإنّ الصلاة ـ مثلاً ـ ضدّ عامّ لترک الصلاة التی تکون مقدّمة لإزالة النجاسة التی هی أهمّ ؛ فتکون الصلاة منهیاً عنها ؛ فتقع باطلة .
ولکن الذی یقتضیه النظر ، عدم تمامیة هذا الأمر أیضاً ؛ لأنّه إن اُرید بالاقتضاء أنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ضدّه العامّ ، بحیث یکون مرجع الأمر بالشیء کالإزالة مثلاً بعثاً إلیها وزجراً عن ترکها ، ففیه : أنّه خلاف الضرورة ولا یقبله العقل السلیم ، بل الضرورة علی خلافه .
وإن شئت قلت : إنّه لا دلالة للأمر بشیء علی الزجر ؛ لا بهیئته ولا بمادّته ؛ لأنّ هیئة الأمر موضوعة للبعث ، والمادّة موضوعة لنفس الطبیعة ، وشیء منهما لا یدلاّن علی النهی عن الضدّ . ولیس للمجموع منهما ـ أیضاً ـ وضع علی حدة .
وإن اُرید بالاقتضاء : أنّ الأمر بالشیء یدلّ ـ دلالة تضمّنیة ـ علی النهی عن ضدّه ، فهو أیضاً غیر معقول ؛ بداهة أنّه لا یعقل أن یقال : إنّ هیئة الأمر ومادّته موضوعة للأمر بالشیء والنهی عن ضدّه ؛ أی مجموعهما . وما یوجّه لذلک بأنّ الأمر موضوع لطلب الفعل مع المنع عن الترک ، ففساده أوضح من أن یخفی .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 277
وإن اُرید بالاقتضاء دلالته علیه بالالتزام ؛ بمعنی أنّ من یرید من شخص فعلاً یرید عدم ترکه ؛ لأنّ الإرادة التشریعیة إرادة البعث ، فإذا بعث المولی إلی شیء ففی ارتکازه إرادة الزجر عن ترکه ، بحیث لو توجّه إلیه لزجره ، نظیر ما یقال فی مقدّمة الواجب : إنّ إرادة إیجاب المقدّمة ارتکازی ، بحیث لو توجّه إلیها لأمر بها ، کما هو الشأن فی إنقاذ الولد الغریق الذی غفل عنه والده .
ففیه : أنّه إذا تعلّقت الإرادة التشریعیة الإلزامیة بشیء لا معنی لتعلّق إرادة اُخـری بترک ترکـه ؛ لعدم تحقّق مبادئ الإرادة وغایتها ؛ لأنّ غایتها هـی الوصـول إلـی المبعوث إلیـه ، ومـع إرادة الفعـل والبعث إلیـه لا معنی لبعث إلـزامی آخـر لترک ترکـه .
وبالجملة : بعد الأمر بالإزالة یکون الزجر عن ترکها لغواً ؛ فلا تتحقّق مبادئ الإرادة فیه ، ولا غایة للإرادة التشریعیة بترک ترکه .
مع أنّه فرق بین المقام وحدیث إنقاذ الولد الغریق ؛ لأنّه لو کان المقام مثله فلابدّ له وأن یزجر عنه عند الالتفات ، کما هو الشأن فی توجّه الوالد لغرق ولده ، مع أنّه لم ینه عنه ولم یزجره عنه .
نعم ، بناءً علی ما ذکروه فی باب مقدّمة الواجب ـ من حدیث تولّد إرادة المقدّمة من ذیها قهراً علیه ـ وإن کان له وجه ، إلاّ أنّه قد عرفت عدم تمامیته ، وأنّ للمقدّمة مبادئ تخصّها ، کذی المقدّمة .
فتحصّل ممّا ذکرنا : أنّه لو تمّ الأمران ، ولکن الأمر الثالث غیر تمام ، فاتّضح ممّا ذکر : أنّ الأمر بالشیء لا یقتضی النهی عن ضدّه الخاصّ من جهة المقدّمیة . کما ظهر ضمناً عدم اقتضائه للنهی عن ضدّه العامّ أیضاً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 278
ذکر وإرشاد
قال شیخنا العلاّمة الحائری قدس سره : الحقّ ـ کما ذهب إلیه الأساطین من مشایخناـ هو عدم التوقّف والمقدّمیة ؛ لا من جانب الترک ، ولا من جانب الفعل :
أمّا عدم کون ترک الضدّ مقدّمة لفعل ضدّه : فلأنّ مقتضی مقدّمیته لزوم ترتّب عدم ذی المقدّمة علی عدمه ؛ لأنّه معنی المقدّمیة والتوقّف ، فعلی هذا : یتوقّف عدم وجود الضدّ علی عدم ذلک الترک المفروض کونه مقدّمة ، وهو فعل الضدّ الآخر ، والمفروض : أنّ فعل الضدّ أیضاً یتوقّف علی ترک ضدّه الآخر ؛ ففعل الضدّ یتوقّف علی ترک ضدّه کما هو المفروض ، وترک الضدّ یتوقّف علی فعل ضدّه ؛ لأنّه مقتضی مقدّمیة ترکه ، انتهی .
وفیه : أنّ ما ذکره قدس سره خلط حیثیة الوجود بالعدم ؛ لأنّ عدم الترک لا یکون فعل الضدّ الآخر حقیقة ـ کما هو أوضح من أن یخفی ـ فالموقوف غیر الموقوف علیه .
مضافاً إلی أنّه قد عرفت بما لا مزید علیه : أنّ العدم باطل محض وعاطل صرف ، ولا معنی لکونه موقوفاً علی شیء أو یکون شیء موقوفاً علیه ، فتدبّر .
هذا کلّه فی الوجه الأوّل ـ وهو إثبات حرمة الضدّ من ناحیة کون الترک مقدّمة لفعل ضدّه ، وقد عرفت ـ لعلّه بما لا مزید علیه ـ عدم تمامیته .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 279