تذنیب : فی حکم الشکّ فی کون الواجب أصلیاً أو تبعیاً
لو شککنا فی واجب أنّه أصلی أو تبعی ، فهل هنا أصل یحرز به الأصلیة أو التبعیة ، أو لا ؟ وجهان :
صرّح المحقّق الخراسانی قدس سره بأنّه إن قلنا : إنّ الواجب التبعی هو ما لم یتعلّق به إرادة مستقلّة فلو شکّ فی واجب أنّه أصلی أو تبعی فبأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به یثبت أنّه تبعی ویترتّب علیه آثار شرعیة ، کسائر الموضوعات المتقوّمة باُمور عدمیة . وإن قلنا : إنّ التبعی أمر وجودی خاصّ غیر متقوّم بأمر عدمی وإن استلزمه ، لا یثبت بها إلاّ علی القول بالأصل المثبت ، انتهی .
وقال المحقّق الأصفهانی قدس سره : إن کان مناط التبعیة عدم تفصیلیة القصد والإرادة فالتبعیة موافقة للأصل ؛ للشکّ فی أنّ الإرادة ملتفت إلیها أو لا ؟ والأصل عدمه ، وإن کان مناطها نشو الإرادة عن إرادة اُخری وترشّحها منها فالأصلیة موافقة للأصل ؛ إذ الترشّح من إرادة اُخری ونشوها منها أمر وجودی مسبوق بالعدم . ولیس الاستقلال فی الإرادة علی هذا أمراً وجودیاً ، بل هو عدم نشوها عن إرادة اُخری ،
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 229
بخلاف الاستقلال من حیث توجّه الالتفات إلیها ؛ فإنّه أمر وجودی ، کما عرفت .
ولا یخفی : أنّ مرجع کلٍّ منهما وغیرهما إلی ما بنوا علیه ؛ من أنّه لو قلنا بأنّ کلاًّ من الأصلیة والتبعیة متقیّدة بأمر وجودی فلابدّ من إحراز کلٍّ منهما ، ولا أصل ینقّح إحداهما . وإن کانت إحداهما عدمیة والاُخری وجودیة فالأصل موافق للعدمی منهما ، إلاّ إذا اُحرز الوجودی منهما .
ولکن الذی یقتضیه النظر : أنّه لا أصل هنا ینقّح به موضوع الأصلیة والتبعیة لو ترتّب علی الإحراز ثمرة ؛ سواء کان ملاک التقسیم إلیهما ما هو المختار ، أو ما ذکره المحقّق الخراسانی قدس سره ، أو ما ذهب إلیه المحقّق الأصفهانی قدس سره ؛ وسواء کان الأصلی والتبعی وجودیین ، أو عدمیین ، أو مختلفین .
وذلک لما سیوافیک تفصیله فی مبحث الاستصحاب ، وأمّا إجماله فهو : أنّه إذا ترتّب حکم علی عنوان عدمی بالعدم الأزلی فالوجوه المتصوّرة فیه أحد اُمور :
إمّا رتّب الحکم علی المسلوب عنه بالسلب التحصیلی الأعمّ من عدم الموضوع ، کعدم القرشیة .
أو علی السلب التحصیلی فی فرض وجود الموضوع ؛ بأن یکون المعنی : المرأة الموجودة منفی عنها القرشیة .
أو بنحـو الموجبـة السالبـة المحمول ؛ بـأن یکون المعنی : المـرأة مسلوب عنها القرشیـة .
أو بنحو الموجبة المعدولة المحمول ؛ بأن یکون المعنی : هذه المرأة غیر قرشیة .
ولا یخفی : أنّه لا یصحّ أن یحتمل السلب التحصیلی بالأعمّ من انتفاء الموضوع
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 230
فیما نحن فیه ؛ لأنّ تقسیم الواجب إلی الأصلی والتبعی أو الإرادة إلیهما إنّما هو علی وجوب مفروض التحقّق أو إرادة متحقّقة .
وأمّا الوجوه الباقیة فیعتبر فیها الحالة السابقة ، وهی منتفیة ؛ وذلک لأنّه علی الموجبة المعدولة معناه الواجب المتعلّق به إرادة غیر مستقلّة ، وعلی الموجبة السالبة المحمول معناه : الواجب الذی لم یتعلّق به إرادة مستقلّة ، وعلی السلب التحصیلی فی فرض وجود الموضوع : الواجب منفی عنه الإرادة المستقلّة .
وواضح : أنّه لم تتحقّق فیها حالة متیقّنة حتّی یؤخذ بها ؛ لأنّه لم یعلم بتحقّق إرادة لا یعلم کونها تبعیة .
وبالجملة : لو کان الحکم مترتّباً علی أمر عدمی بعدم الموضوع یکون له حالة سابقة ، وأمّا فیما نحن فیه فلم یکن کذلک ؛ لأنّ الأصلیة والتبعیة تعرضان الشیء الموجود ، وأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة ـ علی القول بکون التبعی عدمیاً ـ مثبت ، أو لم یکن لها حالة سابقة ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 231