إشکال الشیخ الأعظم علی الثمرة وإرشاد
أورد شیخنا الأعظم الأنصاری قدس سره علی هذه الثمرة بما حاصله : أنّه لا فرق بین المقدّمة الموصلة والمقدّمة المطلقة إلاّ من جهة لم تکن فارقة ؛ لأنّه بناءً علی المقدّمة المطلقة لا یکون نقیض ترک الضدّ ـ کالإزالة ـ فعل الضدّ الآخر ـ کالصلاة ـ بل نقیضه هو ترک هذا الترک ، وهو ملازم للصلاة ، ولأجل هذه الملازمة یقال : إنّ الصلاة منهی عنها ؛ فتقع باطلة .
کما أنّه بناءً علی المقدّمة الموصلة لا یکون نقیض ترک الموصل إلاّ ترک هذا الترک ، ویلازم هذا العنوان عنوانین : فعل الصلاة ، والترک غیر الموصل .
وبالجملة : نقیض الترک لا یکون إلاّ رفعه ، والفعل لا یکون نقیضاً له ؛ لأنّه أمر وجودی .
نعم ، عنوان رفع الترک یلازم الفعل ، وهذه الملازمة متحقّقة علی القول بکون الواجب مطلق المقدّمة أو خصوص المقدّمة الموصلة .
ولا فرق بینهما إلاّ من جهة أنّ مصداق ملازم عنوان النقیض علی القول الأوّل ینحصر فی الفعل فقط ، وأمّا علی المقدّمة الموصلة فله فردان : أحدهما الفعل . ثانیهما الترک المجرّد .
وهـذا الفرق غیر فارق فیما نحـن بصدده ؛ فإن أوجب انطباق العنوان علـی لازمـه الفساد فلابدّ وأن یحکم بفساد العبادة علی القولین ، وإلاّ فلا کذلک .
ثمّ إنّه أشکل علیه المحقّق الخراسانی قدس سره بوجود الفرق بین القولین ؛ لأنّه علی
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 214
المقدّمة المطلقة لو لم یکن الفعل عین ما یناقضه بحسب الاصطلاح مفهوماً ، بلحاظ أنّ نقیض کلّ شیءٍ رفعه ، ولکنّه متّحد معه عیناً وخارجاً ؛ فإذا کان الترک واجباً فلا محالة یکون الفعل منهیاً عنه قطعاً . وأمّا علی القول بالمقدّمة الموصلة فلا یتّحد الفعل مع عنوان النقیض ، بل لا یکون ملازماً له . وغایته هی : أن یکون مقارناً لما هو النقیض ـ من رفع الترک المجامع معه تارةً ، ومع الترک المجرّد اُخری ـ ولا تکاد تسری حرمة الشیء إلی ما یلازمه ، فضلاً عمّا یقارنه أحیاناً .
نعم ، لابدّ وأن لا یکون الملازم محکوماً فعلاً بحکم آخر علی خلاف حکمه ، لا أن یکون محکوماً بحکمه .
ویظهر من تقریرات المحقّق النائینی قدس سره : أنّه ارتضی بما ذکره المحقّق الخراسانی فی المقام إیراداً علی الشیخ الأعظم قدس سره واستجوده .
أقول : لا یمکن المساعدة علی ما أفاده الشیخ الأعظم قدس سره ، ولا علی ما ذکره المحقّق الخراسانی قدس سره :
أمّا ما أفاده الشیخ ففیه : أنّه لو کان نقیض کلّ شیء رفعه ، یلزم أن لا تکون المناقضة فی کثیر من الموارد التی لا یمکن إنکارها ، بل لا یکون فی الخارج نقیض أصلاً ؛ لأنّ تقابل التناقض إنّما هو بین الوجود والعدم ؛ فکما أنّ العدم نقیض الوجود ، فکذلک الوجود نقیض العدم ؛ لأنّ المناقضة بین الطرفین . ولکن علی القول بأنّ نقیض
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 215
کلّ شیء رفعه یلزم أن یکون العدم نقیض الوجود دون العکس ، وهو کما تری . فکما أنّ العدم نقیض الوجود فکذلک الوجود نقیض للعدم ؛ ولذا یقال : نقیض کلّ شیء رفعه أو مرفوع به .
فإذن نقول : علی القول بوجوب مطلق المقدّمة لا محذور لأن یقال : إنّ فعل الصلاة ـ مثلاً ـ نقیض للترک . وأمّا علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة ففیه محذور ؛ لما أشرنا من أنّ الشیء الواحد لا یمکن أن یکون له نقیضان . فالصلاة وترک غیر الموصل لا یکونان نقیضین لترک الموصل ، بل الصلاة وحدها أیضاً لا تکون نقیضاً له ؛ لاستلزامه ارتفاع النقیضین ، کما تقدّم آنفاً .
فظهر : وجود الفرق بین القولین ؛ لأنّ فعل الصلاة ـ علی القول بمطلق المقدّمة ـ نقیض للترک ؛ فإذا وجب الترک یحرم نقیضه ؛ فتفسد .
وأمّا علی المقدّمة الموصلة فلم تکن نقیضاً له ، ونقیضه إنّما هو ترک ترک الموصل ، وینطبق هذا العنوان علی الصلاة انطباقاً عرضیاً ، وذلک لا یوجب الفساد .
وأمّا ما ذکره المحقّق الخراسانی قدس سره فیظهر بعض الکلام فیه ممّا ذکرناه فی کلام الشیخ الأعظم قدس سره ، وهو : أنّ کلاًّ من الفعل والترک نقیض للآخر ؛ فالقول بأنّ الفعل لم یکن عین ما یناقض الترک المطلق بحسب الاصطلاح غیر سدید ، هذا أوّلاً .
وثانیاً : أنّه هل المراد باتّحاد الفعل مع ما یناقضه عیناً وخارجاً ، الاتّحاد الذاتی أو الاتّحاد العرضی ؟
لا سبیل إلی الأوّل ؛ للزومه کون حیثیة الوجود عین حیثیة العدم ، وهو محال . وإن اُرید الثانی یلزم أن لا یکون فرق بین القولین ؛ لأنّه لو کفی فی الفساد الاتّحاد العرضی یلزم أن یحکم بالفساد علی القول بالمقدّمة الموصلة أیضاً ؛ لأنّه یصدق علیه عرضاً ، کما عرفت ، وعرفت أنّه یکون مصدوقاً علیه لا مصداقاً له .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 216
وثالثاً : ما فی قوله : «إنّ الفعل علی المقدّمة الموصلة من مقارنات ما هو النقیض . . .» إلی آخره ؛ لاستحالة انفکاک عنوان الترک عن الفعل ، کالصلاة مثلاً ؛ لأنّ اتّحاد نقیض الترک المقیّد للفعل عرضاً من باب الملازمة العقلیة القطعیة ، فیستحیل الانفکاک بینهما .
نعم ، حیث إنّه لازم أعمّ فیمکن أن یوجد بوجود ملازم آخر ـ وهو الترک المجرّد ـ فتحقّق الانفکاک بینهما . ولکن ذلک لأجل عدم الفعل لا لوجوده وعدم حصول التقارن ، ومجرّد ذلک لا یوجب أن یکون ذلک من المقارنات .
وبالجملة : کم فرق بین عدم الملازم وبین عدم وجود الملازمة! والخلط بینهما لعلّه أوجب ذلک . وما نحن فیه من قبیل الأوّل .
وواضح : أنّ مجرّد ذلک لا یوجب أن یکون من المقارنات ما لم ینضمّ إلیه عدم التقارن عند وجوده .
کتابجواهر الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 217